

-
روم لاندو أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة المحيط الهادي بولاية كاليفورنيا . أقام الرجل في بلاد المغرب عدة سنوات ثم كتب مشاهداته الكثيرة هناك و منها أحاديث المتعلمين في وليمة بمدينة مراكش حضرها و ذكر أن الحديث دار حول محور أساسي هو التصوف .
يقول لاندو : شجعني موضوع الحديث فأثرت سؤالاً عن حال الإسلام في مراكش المستقلة . بعثت كلماتي حماسة عظيمة ثم تكلم الحاكم و هو أوفرهم نصيباً من التربية الأوروبية فأفضى برأي متفق عليه بين الحاضرين و فحواه أن السائح يتعذر عليه النفاذ إلى حقيقة الحياة الدينية الإسلامية . فالشاب المراكشي قد يطلق لسانه حديثاً بلغة أوروبية ، لكنه يؤدي الصلوات و الفرائض الدينية و إذا احتاج للهداية الروحية في أزمات ضميره ، اتجه للقرآن . و يلتزم في علاقاته بمن حوله بما تهديه إليه الآداب الإسلامية .
ربما خطر له أن يوحي لنظيره الأوروبي عند التعامل معه أنه يتخلى عن القديم و يتمسك بالحديث، لكنه دفاع عن النفس أمام أجنبي غريب يرى الإسلام رجعية و لا يعرف حقيقته . و لعل بعض المتمردين على تعاليم الإسلام و الباحثين عن الحداثة في أحضان الغرب يوحون إلى الأجنبي أن المراكشي تخلى عن دينه ، ينقل المفكرون الغربيون هذه الصورة و يعممونها على كل المسلمين رغم أنها لا تمثلنا . من يريد أن يعرفنا ليشاركنا حياتنا اليومية .
يسرد الأستاذ لاندو العديد من المحادثات و المشاهدات المماثلة عن شباب و شابات تعرفوا عن قرب على الأجنبي ، لكنهم لازالوا مستمسكين بعاداتهم الإسلامية ، لا يرون تعارضاً بين هذا و ذاك.
خلاصة ما شاهد الرجل تخبر أن الأوروبيين مخطئون في ظنهم أن المسلمين مرقوا من الإسلام فإن الظواهر خداعة في مسائل الدين الذي يستقر في ضمائر البشر خاصة في عصور المحن .
ثم يرد العقاد على نفس السؤال : أين نحن من الإسلام ؟ أترانا حقاً هجرناه و أننا نعيش بدونه؟
يقول العقاد أن السؤال مطروح منذ زوال الدولة الأموية إلى عصرنا الحالي فيخطر للناس أن الإسلام إلى زوال من بلاد الإسلام كلما اختل النظام في المجتمع .
حدث في أواخر أيام الخلفاء الراشدين أن المسلمين الذين انتقلوا إلى البلاد المفتوحة فتنوا بمحنة الحضارات المنحلة ، وقارفوا بعض منكراتها و هجروا بعض عاداتهم فخيل إلى بعض أعدائهم و بعض الغلاة منهم أنها نذر الضياع ثم جاء رد الفعل غلواً من الخوارج في التشديد و إمعانا من الأعداء في الدس الخفي و العدوان الظاهر ، ثم انقضت الدولة كلها و قامت بعدها خلافة العباسيين على أساس من النخوة لبيت النبوة . و تمثل الإمتزاج بالحضارات الغابرة بشكل أوسع و أخطر في عصر العباسيين فتفشت في المسلمين بدعاً أسوأ مما نعاني منه اليوم . كان الرجل يتظرف بالزندقة ليقال له ( تقدمي ) بالمصطلح الحديث . و كان هؤلاء الظرفاء يخلطون الهزل بالجد في دعاوي المجون و الحكمة و الأدب و الشعر ، و ظن الغرباء عن العالم الإسلامي أنه مرق من الإسلام و انطفأت غيرة المسلم على حوزته من قلوب المسلمين ، و لكن هذا العالم الإسلامي بعينه قد وقف بعد ذلك بحقبة قصيرة أمام الصليبيين ثم رد الهجمة إلى قلب أوروبا.
و لما مضى على المسلمين في شرق أوربا بضعة قرون خيل لبقايا الصليبيين أن المسلمين قد نضجوا للتبشير و تنازلوا عن أحكام شريعتهم . لكن صيحة الثورة ضد السيطرة الأوروبية أجبرت الأوربيين على التراجع بدلاً من رجوع الإسلام عن معالمه و تقاليده .
إذا كان شيوع التقاليد الحديثة أحياناً أمر مؤسف و دليل على التهاون في حق الإسلام فعلى المسلمين أن يستبدلوا تلك التقاليد المعيبة بما هو أوفق للآداب الإسلامية بل للآداب الإنسانية التي تخالفها التقاليد المعيبة كما تخالف حقيقة الإسلام .
لكن التشاؤم منها يزيد عن قدره الصالح إذا كان تشاؤم من مصير الدين كله في بلاد الإسلام . و يزيد تفاؤل الأجنبي المتربص بنا عن قدره الصالح أيضاً إذا اعتبر الإسلام عرض زائل و لم يفهم أن العرض الأجنبي هو الزائل و عليهم أن يتشاءموا منه لأنفسهم فهو لن يضر مستقبل الإسلام .
*****************************
اللهم صلِّ على نبي النور و الهدى و نوّر بالصلاة عليه صلاتي و أسبغ علي من نوره ما يهدي خطوي .
*****************************
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 29-05-2010, 02:00 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات