القرآن هو الذي أصلح النفوس التي انحرفت عن صراط الفطرة, وحرر العقول من ربقة التقاليد السخيفة, وفتح أمامها ميادين التأمل والتعقل, ثم زكى النفوس بالعلم والأعمال الصالحة, وزينها بالفضائل والآداب. والقرآن هو الذي أصلح بالتوحيد ما أفسدته الوثنية, وداوى بالوحدة ما جرحته الفرقة واجترحته العصبية, وسوى بين الناس في العدل والإحسان, فلا فضل لعربي - إلا بالتقوى - على عجمي, ولا لملك على سوقة إلا في المعروف, ولا لطبقة من الناس فضل مقرر على طبقة أخرى.
والقرآن هو الذي حل المشكلة الكبرى التي يتخبط فيها العالم اليوم ولا يجد لها حلاًّ, وهي مشكلة الغنى والفقر.فحدد الفقر كما تحدد الحقائق العلمية, وحث على العمل كما يحث على الفضائل العملية, وجعل بعد ذلك التحديد للفقير حقًّا معلوماً في مال الغني يدفعه الغني عن طيب نفس لأنه يعتقد أنه قربة إلى الله, ويأخذه الفقير بشرف لأنه عطاء الله وحكمه, فإذا استغنى عنه عافه كما يعاف المحرم, فلا تستشرف إليه نفسه, ولا تمتد إليه يده.
والقرآن هو الذي بلغ بهم إلى تلك الدرجة العالية من التربية, ووضع الموازين القسط للأقدار, فلزم كل واحد قدره, فكان كل واحد كوكباً في مداره, وأفرغ في النفوس من الأدب الإلهي ما صير كل فرد مطمئناً إلى مكانه من المجموع, فخوراً بوظيفته, منصرفاً إلى أدائها على أكمل وجه, واقفاً عند حدوده من غيره, عالماً أن غيره واقف عند تلك الحدود, فلا المرأة متبرمة بمكانها من الرجل لأن الإسلام أعطاها حقها واستوقن لها من الرجل, واستوثق منه على الوفاء, ولا العبد متذمر من وضعه من السيد لأن الإسلام أنقذه من ماضيه فهو في مأمن, وحدد له يومه فهو منه في عدل ورضى, وهو بعد ذلك من غده في أمل ورجاء, ينتظر الحرية في كل لحظة وهو منها قريب, ما دام سيده يرى في عتقه قربة وطريقاً إلى الجنة وكفارة للذنب.
كذلك وضع القرآنة الحدود بين الحاكمين والمحكومين, وجعل القاعدة في الجميع هذه الآية:{ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}وأن في نسبة الحدود إلى الله لحكمة بالغة في كبح أنانية النفوس.
القرآن إصلاح شامل لنقائص البشرية الموروثة, بل اجتثاث لتلك النقائص من أصولها. وبناء للحياة السعيدة التي لا يظلم فيها البشر, ولا يهضم له حق, على أساس من الحب والعدل والإحسان. والقرآن هو الدستور السماوي الذي لا نقص فيه ولا خلل: فالعقائد فيه صافية والعبادات خالصة, والأحكام عادلة, والآداب قويمة, والأخلاق مستقيمة, والروح لا يهضم لها فيه حق, ولا يضيع له مطلب.
هذا القرآن هو الذي صلح عليه أول هذه الأمة وهو الذي لا يصلح آخرها إلا عليه...
فإذا كانت الأمة شاعرة بسوء حالها, جادة في إصلاحه, فما عليها إلا أن تعود إلى كتاب ربها فتحكمه في نفسها, وتحكم به, وتسير على ضوئه, وتعمل بمبادئه وأحكامه, والله يؤيدها ويأخذ بناصرها وهو على كل شيء قدير.
يقول الله تعالى:
" مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴿75﴾"/المائدة.
............................................................ ........................
﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾أل عمران 59
............................................................ ...........................
المفضلات