ضيفنا الحديث لا يدل على الإبتداع في الدين, وأن نقول ما لم يثبت بالقرآن أو الحديث الصحيح بأن ذلك سنة حسنة! وبناء على قولك:
فهل هذه السنة التي أتيت بها ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أم عنك؟!
فالحديث يدل على شرعية إحياء السنن والدعوة إليها والتحذير من البدع والشرور لأنه يقول في الحديث: ((
من سن في الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها . ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء )) خرجه مسلم في صحيحه.
ومثل هذا الحديث ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال: ((
من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) وهكذا حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، يقول النبي : ((
من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) خرجهما مسلم في صحيحه.
ومعنى ((
سن في الإسلام )) يعني: أحيا سنة وأظهرها وأبرزها مما قد يخفى على الناس، فيدعو إليها ويظهرها ويبينها، فيكون له من الأجر مثل أجور أتباعه فيها وليس معناها الابتداع في الدين. لأن الرسول نهى عن البدع وقال: ((
كل بدعة ضلالة)) وكلامه يصدق بعضه بعضا، ولا يناقض بعضه بعضا بإجماع أهل العلم،
فعلم بذلك أن المقصود من الحديث إحياء السنة وإظهارها، مثال ذلك: أن يكون العالم في بلاد ما يكون عندهم تعليم للقرآن الكريم أو ما عندهم تعليم للسنة النبوية فيحيي هذه السنة بأن يجلس للناس يعلمهم القرآن ويعلمهم السنة أو يأتي بمعلمين، أو في بلاد يحلقون لحاهم أو يقصونها فيأمر هو بإعفاء اللحى وإرخائها، فيكون بذلك قد أحيا هذه السنة العظيمة في هذا البلد التي لم تعرفها ويكون له من الأجر مثل أجر من هداه الله بأسبابه، وقد قال الرسول : ((
قصوا الشوارب وأعفوا اللحى خالفوا المشركين)) متفق على صحته من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، والناس لما رأوا هذا العالم قد وفر لحيته ودعا إلى ذلك تابعوه، فأحيا بهم السنة، وهي سنة واجبة لا يجوز تركها، عملا بالحديث المذكور وما جاء في معناه، فيكون له مثل أجورهم.
وقد يكون في بلاد يجهلون صلاة الجمعة ولا يصلونها فيعلمهم ويصلي بهم الجمعة فيكون له مثل أجورهم، وهكذا لو كان في بلاد يجهلون الوتر فيعلمهم إياه ويتابعونه على ذلك، أو ما أشبه ذلك من العبادات والأحكام المعلومة من الدين، فيطرأ على بعض البلاد أو بعض القبائل جهلها، فالذي يحييها بينهم وينشرها ويبينها يقال: سن في الإسلام سنة حسنة بمعنى أنه أظهر حكم الإسلام، فيكون بذلك ممن سن في الإسلام سنة حسنة.
وليس المراد أن يبتدع في الدين ما لم يأذن به الله، فالبدع كلها ضلالة لقول النبي في الحديث الصحيح: ((
وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) ويقول في الحديث الصحيح أيضا: ((
من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) وفي اللفظ الآخر: ((
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق عليه.
ويقول في خطبة الجمعة عليه الصلاة والسلام: أما بعد: ((
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) خرجه مسلم في صحيحه. فالعبادة التي لم يشرعها الله لا تجوز الدعوة إليها، ولا يؤجر صاحبها، بل يكون فعله لها ودعوته إليها من البدع، وبذلك يكون الداعي إليها من الدعاة إلى الضلالة، وقد ذم الله من فعل ذلك بقوله سبحانه: {
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[ سورة الشورى الآية 21].
المصدر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الرابع.
وقد شرح فضيلة الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - الحديث فقال الجواب من وجهين:
الوجه الأول: أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ((
مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً )) أي: من ابتدأ العمل بالسنة، ويدل لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره بعد أن حث على الصدقة للقوم الذين وفدوا إلى المدينة ورغب فيها ، فجاء الصحابة كلٌّ بما تيسر له، وجاء رجل من الأنصار بصرّة قد أثقـلت يده فوضعها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((
مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً .. ))
أي: ابتدأ العمل بسنة ثابتة، وليس أنه يأتي هو بسنة جديدة، بل يبتدئ العمل لأنه إذا ابتدأ العمل سن الطريق للناس وتأسوا به وأخذوا بما فعل .
الوجه الثاني: أن يقال: ((
مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً )) أي: سن الوصول إلى شيء مشروع من قبل كجمع الصحابة - رضي الله عنهم - المصاحف على مصحف واحد، فهذا سنة حسنة لا شك ؛ لأن المقصود من ذلك منع التفرق بين المسلمين وتضليل بعضهم بعضاً .
كذلك أيضاً جمع السنة وتبويبها وترتيبها، فهذه سنة حسنة يتوصل بها إلى حفظ السنة.
إذاً يُحمل قوله: ((
مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً )) على الوسائل إلى أمور ثابتة شرعاً، ووجه هذا أننا نعلم أن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتناقض ونعلم أنه لو فُـتِحَ الباب لكل شخص أو لكل طائفة أن تبتدع في الدين ما ليس منه لتمزقت الأمة وتفرقت، وقد قال الله عز وجل: {
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } الأنعام159.
المصدر: (( شرح الأربعين النووية )) لفضيلة الشيخ : محمد بن صالح العثيمين - ص : 311 - 312 .
(تم النقل بتصريف)
المفضلات