باب اول : صناع القانون الكنسي
لما كان الذين صنعوا القانون الكنسي هم من الكهنة واغلبهم من الرهبان وجب علينا مناقشة موضوعي الكهنوت والرهبنة قبل مناقشة القانون الكنسي
فصل اول : الكهانة
مبحث اول : الكهانة في النظرية
مسألة : شركاء المسيح
أ- اصدر المجمع الفاتيكاني الثاني ( قرار في حياة الكهنة ورسالتهم ) نقتطع منه الاتي :
1- شهدت الكنيسة قبل المجمع الفاتيكاني الثاني أزمة في الدعوات الكهنوتية أصابتها في العمق لِما لهذه الدرجة من الأهمية. وقد عزا بعضهم أسبابَ هذه الأزمة إلى نقصٍ في تحديد الدرجة الكهنوتية وخصائصها.
2- لذلك لم ينتظر الكهنة من المجمع مجرّد إلتفاتةٍ كريمة تبثّهم التقدير والاحترام، بل توضيحاً لهوية الكاهن وللصلة التي تربطه بكهنوتِ السيد المسيح من جهة، وتدفعه نحو العالم من جهة أخرى.
3- لقد جُعل الكهنة برسامتهم المقدسة ورسالتهم التي تسلموها من الأساقفة خُداماً للمسيح المعلم والكاهن والملك. فإنهم يشتركون في مهمته التي تبني صرح الكنيسة باستمرار، وتجعلها شعب الله وجسد المسيح وهيكل الروح القدس على هذه الأرض.
4- إن السيد المسيح "الذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم" (يو 10 / 36) أشرك جسده السري كله في مسحة الروح التي مُسح بها. فيه يُصبح المؤمنون جميعهم كهنوتاً مقدساً وملوكياً، يقدمون الذبائح الروحية لله بيسوع المسيح، ويخبرون بعظائم ذاك الذي دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب. فليس من عضو إلا وله دور في رسالة الجسد كله، إنما على كل واحد أن يقدس يسوع في قلبه ويشهد للمسيح بروح
5- ولكي يجمع المؤمنين في جسد واحد "ليست فيه لجميع الأعضاء الوظيفة ذاتها"، (رومية 12 / 4) أقام السيد نفسه فيهم خداماً يتمتعون في جماعة المؤمنين بسلطات الكهنوت المقدس، لاقامة الذبيحة ولغفران الخطايا وليمارسوا علناً باسم المسيح واجبهم الكهنوتي في خدمة البشر.
6- وكما أرسله الأب، أرسل المسيح رسله وأشرك بواسطتهم خلفائهم الأساقفة في مسحته ورسالته، وسُلمت أيضاً إلى الكهنة مسؤولية مهمة الأساقفة بصورة تربطهم دوماً بهم ، لكي يصيروا في الدرجة الكهنوتية التي أقيموا فيها معاوني الدرجة الأسقفية، لتتميم الرسالة الرسولية التي أئتمنهم عليها المسيح.
7- فوظيفة الكهنة، بما أنها متحدة بالدرجة الأسقفية، تشترك في السلطة التي بها يبني المسيح نفسه جسده ويقدسه ويدبره. ولهذا وإن كان كهنوت الكهنة يرتكز على أسرار التدريب المسيحي، إلا أنه يمنح بواسطة ذلك السر الذي به يوسم الكهنة وسماً مميزاً، إذ يمسحهم الروح القدس فيُشبههم بالمسيح الكاهن ليستطيعوا القيام بأعمالهم باسم المسيح رأس الجسد بالذات
8- بخدمة الكهنة تكتمل ذبيحة المؤمنين الروحية بإتحادها بذبيحة المسيح، الوسيط الوحيد، تلك التي يقدمونها باسم الكنيسة جمعاء في الإفخارستيا بصورة سرية وغير دموية إلى أن يعود الرب نفسه.
9- فكهنة العهد الجديد يُفرزون بنوعٍ ما، بدعوتهم ورسامتهم، من شعب الله، لا ليفصلوا عنه أو عن أي فرد من أفراده، ولكن ليُكرسوا بكليتهم للعمل الذي من أجله إختارهم الرب.
10- أراد الله الذي هو وحده قدوس ومقدِّس، أن يتخذ أناساً بمثابة رفاق له ومساعدين، ينصرفون بتواضع إلى عمل الخلاص. ولذا فيكرّس الله الكهنة بواسطة الأسقف شركاء في كهنوت المسيح بصورة مميزة ليعملوا في الاحتفالات المقدسة خداماً لذاك الذي يتمّم باستمرار خدمته الكهنوتية بواسطة روحه القدوس
11- إن الكهنة، وهم يمارسون مهمة سلطة المسيح الرأس التي تعود لهم، يَجمعون باسم الأسقف عائلة الله، تنعشها الوحدة الأخوية ويقودونها بالمسيح في الروح إلى الله الآب. ولممارسة هذه الخدمة والقيام بسائر المهمات، يعطى الكاهن سلطة روحية للبنيان.
12- ولهذا فعلى الكهنة أيضاً، وهم مربّو الإيمان، أن يهتموا شخصياً أو بواسطة غيرهم، بأن يقودوا بالروح القدس كل مؤمن إلى إنماء دعوته الخاصة حسب الإنجيل، وإلى المحبة الصادقة والفعالة
13- يشترك الكهنة جميعهم مع الاساقفة في كهنوت المسيح الواحد ورسالته. .... وليعتبر الأساقفة أن الكهنة قد أصبحوا ضرورة وبحكم موهبة الروح القدس المعطاة لهم بالرسامة الكهنوتية، معاونين لهم ومساعدين في وظيفتهم الراعوية
14- وهذا ما تعلنه بقوّة منذ أوائل الكنيسة القديمة نصوص طقسية، تطلب إلى الله جهاراً أن يفيض على الكاهن المقدم للرسامة "روح النعمة والحكمة كي يساعد الشعب ويدبّره بقلب نقي"
15- أما الكهنة، وقد وضعوا نصب اعينهم كمال سرّ الكهنوت الذي ينعم به الأساقفة، فليحترموا فيهم سلطة المسيح الراعي الأكبر، وليتعلقوا بهم مخلصين بالطاعة والمحبة.
16- إن كل خدمة كهنوتية تشترك في سعة وشمول الرسالة التي كلف بها المسيح الرسل. فكهنوت المسيح الذي فيه يشترك الكهنة حقاً، يتناول بحكم الضرورة شعوب الأرض قاطبةً في جميع الأزمنة
17- إن الكهنة هم خدّام المسيح رأس الكنيسة، يعملون على بناء وتشييد جسده الذي هو الكنيسة ذاتها، وذلك كمساعدين للهيئة الأسقفية. فبسرّ الكهنوت تنطبع فيهم صورة المسيح الكاهن.
18- وبما أن كلّ كاهن يقوم مقام المسيح على طريقته الخاصة، فإنه يمنح نعمة فريدة لكي بخدمة الجماعة الموكل اليه أمرها
19- وعلى غراره، يجب على الكهنة الذين كرّستهم مسحة الروح القدس وأرسلهم المسيح، أن يميتوا فيهم أعمال الجسد وينذروا أنفسهم بكاملها لخدمة البشر، فيستطيعون بالقداسة التي وهبهم ايّاها المسيح أن يقتربوا من الإنسان الكامل.
20- لهذا ، وإذ هم يمارسون خدمة الروح والبرّ ، فإنهم يتثبتون في الحياة الروحية شرط أن يظلّوا طيّعين لروح المسيح الذي يقتادهم ويحييهم.