تيماء في التاريخ العربي
أنظر إلى الخارطة

والتي توضح موقع تيماء في شمال الجزيرة العربية،وتظهر فيها إحداثيات المدينة بالقمر الصناعي.. حيث استفادت الجزيرة العربية من الانتعاش الاقتصادي الذي عاشته, بفضل شبكة الطرق التجارية البرية والبحرية بين كافة أجزائها ، وبينها و بين الأمم المجاورة, خلال فترات مختلفة من حقبة ما قبل الإسلام، فاستغلت ثرواتها المالية و التجارية في الموارد الزراعية، وكان لكل دولة نظام اقتصادي ينظم شؤونها .
كما أدت الطرق و المنافذ التجارية البرية و البحرية إلى تغييرات أساسية في البنية السياسية للمجتمع العربي قبل الإسلام . ولم يقتصر التكوين القبلي على القبيلة وحدها ،إنما تجاوزها إلى نظام الاتحادات القبلية التي تتكون من مجموعة من القبائل لها رئيس أو زعيم عرف باسم الملك .
وبدأت تلك التجمعات تظهر على مسرح الأحداث بصورة واضحة منذ القرن العاشر قبل الميلاد، وكان الهدف الأساسي لهذه السياسة القبلية حماية طرق التجارة من الأخطار الخارجية التي تهددها.
ومن الأمثلة على ذلك ما ذكرته المصادر الآشورية التي ترجع إلى شلمنصر الثالث ( 824 ـ 858 ق.م) و التي تشير إلى معارك دارت بينه و بين ( جندبو ) ملك العرب الذي كون مع عدد من الملوك الآراميين حلفاً لرد الهجوم الآشوري في موقعة قرقر.
وكان لوجود الطرق التجارية القديمة في الجزيرة العربية,وما صاحبها من تداخل ثقافي واجتماعي، دور أساسي في إيجاد تراث ديني مشترك لعرب الجزيرة العربية جنوبها وشمالها. و تشير الأدلة الآثارية إلى أن معبودات عرب جنوب الجزيرة مثل إل, وود ، ونكرح، وعشتر ،وكهل كانت ضمن معبودات عرب الشمال : الديدانيين و اللحيانيين والثموديين والصفويين . ومن جهة أخرى فقد كانت معبودات عرب شمال الجزيرة العربية،و على رأسها ذو غابة المعبود الرئيس للحيانيين ، وتعبد عند عرب الجنوب المعينيين .
وهناك طرق رئيسة للتجارة البرية والقوافل في الجزيرة العربية ، منها : الطريق الذي يبدأ من الركن الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية حيث ممالك سبأ ومعين وحمير وأوسان وقتبان, ويتجه نحو الشمال مخترقاً الحدود الشمالية لمنطقة سبأ, ثم يتخذ بعد ذلك شكل ممر ضيق يقع في أرض المعينين, ثم يستمر الطريق شمالاً إلى ديدان( العلا الحالية ) ثم إلى مدين( البدع حالياً ).
ولا تزال هناك آثار شاخصة تومئ إلى حياة الرفاهية والثروة الكبيرة التي كانت تتمتع بها هاتان المدينتان .
ومن مدين يواصل الطريق مسيره إلى أيله ( العقبة حاليا ً) ثم بعد ذلك إلى البتراء عاصمة دولة الأنباط, ثم يتفرع إلى فرعين, أحدهما يتجه إلى تدمر في الشمال, والآخر يتجه صوب الغرب مع ميل خفيف باتجاه الشمال الغربي حيث يصل إلى غزة على الشاطئ الفلسطيني.
وعلى هذا الطريق كانت تسير قوافل قريش قبل الإسلام في رحلتيها المشهورتين,إحداهما في الشتاء إلى اليمن والأخرى في الصيف إلى الشام ..
وهناك واحة العلا ( ديدان ) والتي تقع شمال المدينة المنورة وتبعد عنها حوالي ثلاثمائة وخمسين كيلاً .
ويرجع تاريخ حضارة هذه المنطقة إلى قبيل القرن السادس قبل الميلاد، وقد تحدث العلماء عن الفترة الأولى وأطلقوا عليها اسم ديدان, وجعلوا فترة حكمها تمتد من نهاية القرن السابع حتى بداية القرن الخامس قبل الميلاد واعتمدوا في ذلك على تكرر لقب ملك ددن في بضعة نقوش, ثم أصبحت مملكة لحيان هي المسيطرة منذ القرن الخامس قبل الميلاد, وحتى نهاية القرن الثالث قبل الميلاد .
ويعتقد أن الفترة الديدانية يمكن أن نسميها فترة لحيان الأولى, وكانت الدولة فيها تنتمي إلى المكان لشهرته ولمركزه الديني, ثم تحول اسم الدولة إلى اسم القبيلة « لحيان »عندما توسع نفوذها, ويمكن تسميتها لحيان الثانية,وأصبحت تحكم مابين دومة الجندل شرقاً وساحل البحر الأحمر الشمالي حتى خليج العقبة الذي سمي باسمها, فقد كان يسمى خليج لحيان, وبقي صدى هذا المسمى حتى القرون الأولى الميلادية .
وفي هذه الفترة كانت لحيان تتاجر مع بلاد الشام شمالاً , ومع العراق شرقاً, ومع جنوب الجزيرة العربية ووسطها جنوباً, وهذا ما تشهد به النصوص والآثار اللحيانية التي وجدت في ديدان ( العلا ) نفسها, أو في مناطق أخرى كقرية ( الفاو ), وجبال كوكب الواقعة جنوب تثليث, وشواهد القبور في سبأ .
ومع بداية القرن الثاني قبل الميلاد شارك المعينيون اللحيانين في الحكم, وكانت مملكتهم في منطقة جوف اليمن , وكانت أنشط الممالك العربية في التجارة, بل تفوقوا على سبأ ووصل نشاطهم التجاري إلى قرية والخليج والعلا .
وهكذا شارك المعينيون بقوة في تجارة العلا مما أضعف الوجود اللحياني, ثم تلا ذلك امتداد نفوذ الأنباط إلى الجنوب حتى وصل إلى حدود يثرب أما تيماء ,فهي تقع جنوب شرق مدينة تبوك على بعد 260 كيلومتراً.

ولعل أهم الأحداث التي تبرز في تاريخ تيماء مجيء نبونيد من وادي الرافدين وبقائه في تيماء قرابة عشر سنوات, بنى فيها قصره العتيد الذي تدل عليه الأسوار الضخمة.
وتذكر الرواية التاريخية أنه أفنى نحو عشرين ألفاً من سكان تيماء ليسيطر عليها وهذا الرقم على ما فيه من مبالغة يدل على الأهمية الاقتصادية والنمو الحضاري الذي كانت تتمتع به تيماء).
وقد ذكرت تيماء في النقوش الآشورية والبابلية بوصفها مركزاً تجارياً لبعض القبائل العربية ، وكانت لها أهمية خاصة على الطرق البرية الرئيسة المؤدية إلى الشواطئ الشرقية إلى البحر الأحمر.
وقبيل الإسلام بسط الغساسنة نفوذهم على هذه المدينة التجارية المهمة التي وجد بها العديد من الآبار والمعالم الأثرية) .
وأهم القبائل التي تسكن هذه المنطقة من دومة حتى تيماء قيدار و أدوم .
ولعل اسم دومة اشتق من اسم هذه القبيلة , التي جاء ذكرها في التوراة باعتبارها إحدى القبائل ذات الشوكة في المنطقة.
إن أسفار اليهود والنصارى تميز بين بلاد العرب كما هو واضح من المصادر الكتابية وبين وادي العربة،وتيماء، وسلع.
ومع أن قاموس الكتاب المقدس، ضم وادي العربة وسيناء إلى بلاد العرب، لكن الحقائق التاريخية والجغرافية من النصوص في هذه الأسفار لا تعتبر كلاً من عربة وعربية اسمين مرادفين كل منهما للآخر كما في الشكل.
فنحن إذ نقف هنا أمام حقيقة جغرافية وتاريخية يشهدها المكان والزمان في أرض الجزيرة العربية وأحداثها، وهي حقيقة لا يمكن العبث بها وإنكارها عبر الزمان والمكان، إلا أنها توصلنا إلى نتيجة واضحة نطرح من خلالها تساؤلاتنا التالية:
ـ لماذا التحريف والإصرار في ترجمة النسخة الكاثوليكية الصادرة عن دار المشرق ببيروت في استبدال مواقع جغرافية بأخرى ؟.
ـ من هو المسئول عن هذا الخطأ في النسخة الكاثوليكية الصادرة عن دار المشرق ببيروت؟. وإذا كانت النصارى تؤمن أن كل الكتاب موحى به من الله، فهل هذا الخطأ صادر عن الوحي أم هي أقلام الكتبة والمحررين لهذه النسخة؟.
وهل هو خطأ مطبعي غير مقصود(بافتراض حسن النية من وراء مصادمة حقائق الجغرافيا ومناقضة سائر أسفار الكتاب المقدس)؟.
وإذا كان كذلك فلماذا يتكرر في الطبعات اللاحقة وإلى اليوم منذ صدور هذه النسخة؟!..
إننا كباحثين يحكمنا المنهج العملي الموضوعي في الكشف عن الحقائق وتفسيرها وبخاصة عندما نقف على الحدث في المكان وحجج يعضدها التاريخ على أرض صلبة لا تثير الريبة ولا الشك، فإن القول بالتحريف المتعمد للنص يظل التفسير الوحيد.
قال تعالى: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)البقرة: ٧٥
إن الهدف والغاية هي محاولة صرف مدلولات النص عن حدث الهجرة النبوية وما تلاها من غزوة بدر الكبرى لارتباطها بالمكان المحدد في النص (بلاد العرب..في الوعر من بلاد العرب)، ولارتباط كلا الحدثين ـ وهذا هو بيت القصيد والدافع الأهم ـ بدلائل النبوة التي تستدعي تلقائياً استحقاق الاعتراف للمبعوث برسالتها وأنه رسول من عند الله حقاً وصدقاً، وأن نبوءة أشعيا قد تحققت في شخصه وفي ما جرى له من تلك الأحداث الفاصلة المعلومة من سيرته الخالدة، والتي هي من حقائق تاريخ المسلمين القطعية الثبوت لا خلاف عليها بينهم.
وبدورنا نسأل نيافته.. من هو إذن ذلك القدوس أو النبي العظيم الذي أتى من فاران، وغطى بهاؤه السماوات، وامتلأت الأرض من تسبيحه ؟،وقطعا هو ليس موسى الكليم ، ولا عيسى المسيح ، ولا أي واحد من أنبياء بني إسرائيل ؛ فلم يدع أحد أن فاران قد بعث فيها نبي من بني إسرائيل ، وربما كان تغيير مكان الوحي من الشام إلى بلاد العرب وخروج النبوة من بيت إسرائيل هو السبب في جزع حبوق أحد أنبياء بني إسرائيل عندما سمع الخبر ( يا رب قد سمعت خبرك فجزعت ... الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران).

من يكون إذن ذلك القدوس الذي جاء من فاران، ووقف فقاس الأرض فامتلأت الأرض من أتباعه، ونظر فرجفت الأمم فسقطت تحت رسالته الشعوب والممالك ، غير إمام الأنبياء وخاتم المرسلين، مهجة القلب وقرة العين، صاحب اللواء المعقود والحوض المورود والمقام المحمود محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله..
]