الكتاب المقدس يذكر أربعة أماكن اسمها فاران
(1) فاران الواقعة في سيناء:
وهي التي يتحدث عنها سفر العدد في رحلة الخروج، وهي وادي فيران في جنوب غرب سيناء فوق الطور:
وتطابق فيران مع فاران سفر العدد هو سبب وضعها في هذا الموضع على بعض خرائط الكتاب المقدس، كالخريطة التي تفضل بإيرادهاحبيبنا دكتور أزهري في مداخلة سابقة:
وبالرغم من ذلك، فإن هذا التطابق بين فاران سفر العدد وفيران السيناوية يكشف عن ضعف كاتب سفر العدد في الجغرافية: لأنه جعل بني إسرائيل يغادرون جبل سيناء إلى فاران، بينما تقع فيران جغرافياً قبل جبل سيناء لا بعده! ولا توجد في المنطقة فاران أخرى غير هذه!
ماذا فعل علماء الكتاب المقدس لكي يخرجوا من هذا المأزق الجغرافي؟ لقداخترعواجغرافيا جديدة!! جغرافيا تفصيل على مقاس رحلة الخروج في سفر العدد، فزحزحوا فاران هذه من تلقاء أنفسهم إلى شمال شرق سيناء!!
فخالفوا جغرافية سيناء حفاظاً على عصمة كاتب سفرالعدد!!
وجدير بالذكر أن هذه هي فاران المصرية التي يذكرها الجغرافيون العرب مع الطور بعد القلزم وهو خليج السويس. فعلى سبيل المثال يقول الإدريسي في نزهة المشتاق: "ومن القلزم على الساحل إلى فاران أربعون ميلاً .. وإزاء فاران موضع متجون من قبل البحر .. ومنه إلى جبل الطوروهو على مقربة من البحر". اهـ (*)
(2) فاران الواقعة شرق الأردن:
وهي المذكورة في أول سفر التثنية، وهي غيرفيران المذكورة في سفر العدد. وهذا هو ما أقرّ به هؤلاء العلماء:
- فيقول آدم كلارك: "هذه لايمكن أن تكون فاران المتاخمة للبحر الأحمر .. على بُعدشاسع من الموضع سابق الذكر". اهـ (*)
- ويقول ويزلي: "(فاران):ليست هي نفسهاالمذكورة في سفر العدد 10: 12، والتي تُدعى هناك وفي غير ذلك (برية فاران) والتي هي بعيدة جداً. ولكن يوجد مكان ما أُطلِق عليه نفس الاسم". اهـ (*)
- ويقول كيل وديلطش في أول تفسيرهما للتثنية:
Paran is at all events not the desert of this name in all its extent"فاران في جميع الأحوال ليست هي البرية التي تحمل نفس الاسم على كامل امتدادها". اهـ (*)
وعبثاً يحاول مفسّروهم التوفيق بين كلا الموضعين!!
(3) فاران الواقعة في الحجاز الشمالي:
وهي التي تحدّث عنها يوسبيوس كما رأينا وقال إنها تقع إلى الشرق من إيلة، وهي داخلة في نطاق أرض مدين الواقعة شمال الحجاز شرق خليج العقبة. وهي المقصودة في سفر الملوك: "وقاموا من مديان وأتواإلى فاران، وأخذوا معهم رجالاً من فاران، وأتوا إلى مصر" (1 مل 11: 18).
(4) فاران الواقعة في الحجازالجنوبي:
وهي موطن إسماعيل كما يقول سفرالتكوين: "وسكن في برية فاران" (تك 21: 21)، وحدّد موقعهاحبقوق فقال: "الله يأتي من الجنوب، والقدوس من جبل فاران" (حب 3: 3). وعلامة فاران الجنوبية هذه هي زمزم بئرالماء الإلهية فيها (تك 21: 19). فعجباً .. هل أنتم أعلم بموطن إسماعيل من نسله!!
ولاحظوا أن الفارانـَين الأوليين لم يرد فيهما أي ذكر لإسماعيل أو الإسماعيليين بتاتاً: فكانت فيران سيناء عبارة عن قفر (عد 14: 29)، وجاء ذكر فاران الأردن بشكل عابر دون تفاصيل (تث 1: 1). وإسماعيل لم يسكن لا هذا الموضع ولا ذاك! أما فاران مدين فكانت داخلة في الأراضي التي سكنهابنو إسماعيل، وآية ذلك أن القافلة التي أخذت يوسف وباعته في مصر كانواإسماعيليين (تك 37: 27) من مدين (تك 37: 36).
يقول السمعاني في كتاب (الأنساب): "الفاراني: بفتح الفاء والراء بين الالفين وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى موضعين: أحدهماإلى جبال فاران، وهي جبال بالحجاز، قيل إن في التوراة ذكرجبال فاران قاله ابن ماكولا. والمشهور بهذه النسبة بكر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الاسكندراني أبو الفضل توفي بالاسكندرية سنة سبع وسبعين ومائتين قاله ابن يونس،والثاني إلى قرية من قرى سمرقند يقال لها فاران وهيبين سمرقند وإشتيخن". اهـ (*)
هذه الفارانات سُمّيت على اسم زعيم العماليق
وقد سبق وأشرتُ إلى ذلك، وأن هذه الشخصية مذكورة في كتب التاريخ العربي. وأذكر هنا ما نقله الهمداني في كتابه (صفة جزيرةالعرب): "كما قيل في جبال الحرم جبال فاران وذكرت بذلك في التوراة وإن مانسبت إلى فاران بن عمرو بن عمليق". اهـ (*)
كما سبق وأشرتُ إلى أن مدينة أيلة في عهد إبراهيم كان اسمها (إيل فاران) نسبة إلى هذا الرجل،وكانت هذه المدينة في نطاق "بلاد العمالقة" (تك 14: 7). وأمافاران في سيناء فكانت هي الأخرى واقعة في نطاق عماليق سيناء (خر 17: 8). وبهذا وُصفت أيضاً في الكتب العربية، فيقول ابن مطهرفي كتابه (البدء والتاريخ): "ومن قلزم إلى الطورطريقان أحدهما في البحر والآخر في البر وهما جميعا يؤديان إلى فاران وهي مدينة العمالقة". اهـ (*)
المفضلات