انتظار مجيء قديسي فاران
تنبأ به أخنوخ من قبل!

هذاالمجيء الإلهي من جبل فاران مع ربوات القديسين لم يكن موسى هو أول مَن تنبأ به، بل سبقه أيضاً أخنوخ. ففي سِفر أخنوخ نجد نصاً يخبر بهذا الحدث المستقبلي بما يتناغم مع بركة موسى وصلاة حبقوق.

يقول أخنوخ (1: 9):
"هُو ذا يأتي مع رِبْوات قدّيسيه، ليُجري دينونة على الجميع، ويسحق كل الفجار".

ويعلّق العالم ر. هـ. تشارلز في الهامش على هذا النص، رابطاً بينه وبين نص بركة موسى في سفرالتثنية:

The Apocrypha and Pseudipigrapha of the Old Testament, vol. 2, p. 189
والقديسون تُطلق على الملائكة وعلى البشر، فهناك مَن ذهب إلى أن القديسين هنا هم العباد الصالحون، وهناك مَن ذهب إلى أنهم الملائكة،مثلما فعل أصحاب السبعينية وترجوم يوناثان فذكروا كلمة(ملائكة) في ترجمتهم. مع ملاحظة أن الملائكة في العبرية واليونانية أيضاً تعني(رسُل)، وهي مشتركة بين البشروالكائنات السماوية.
هذا الفهم بأن التجلّي الإلهي المستقبلي يكون مصحوباً بالملائكة كان سائداً بين اليهود لمّا جاء السيد المسيح. ولأنهم كانوا ينتظرون المبعوث الإلهي الذي يحارب ويقاتل أعداء الله، وهو(ابن الإنسان)، بشّرهم المسيح به أيضاً وأنه يأتي منبعده.
المسيح تنبأ به أيضاً
رأينا أن حبقوق وصف التجلّي الإلهي من جبل فاران وصفاً قوياً، مشيراً إلى أن هذا المجيء سيكون نقطة تحوّل في مسيرة الرسالات الإلهية: فتندكّ الجبال وتنشق الأرض وتخوض الخيول البحار في محاربة الأمم الفاجرة،وهو نفس ما سبق وأخبر به أخنوخ.
مثل هذه المواصفات طبّقها اليهود أيضاً على ابن الإنسان الذي يؤسس مملكة الله التي تنبأ بها دانيآل، وهي المملكة التي ستحارب الروم وتقضي على إمبراطوريتهم. هذا اللقب (ابن الإنسان) وظّفه مؤلفوالأناجيل بشكل خاطئ مع المسيح، ولهذا الموضوع تفصيل ليس هذا مكانه.
فلنترك المسيح نفسه يتحدث عن مجيء ابن الإنسان من بعده:
"فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله" (متى 16: 27).
"ومتى جاء ابن الإنسان في مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسيّ مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب، فيميّزبعضها عن بعض كما يميّز الراعي الخراف عن
الجداء" (متى 25: 31-32).
وحتى لا يقول قائل: إن المسيح كان يتحدث عن نفسه، نجد المسيح يعلنها صراحة: أنا شيء، وابن الإنسان المستقبلي شيء آخر:
"لأنّ مَن استحَى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ،فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين" (مرقس 8: 38).
المسيح يتحدث عن نفسه فيقول (بي)، لكنه يتحدث عن ابن الإنسان فيقول (متى جاء)! نحن هنا أمام شخصين متمايزين وليس شخصاً واحداً: المسيح، وابن الإنسان الذي سيأتي. وطبعاً لا يملك المسيحيون إلا أن يقولوا: لقد كان يتحدث عن نفسه في المجيء الثاني!! ولو كان ذلك كذلك، فهل سيأتي المسيح في مجيئه الثاني باعتبار لاهوته الخالص، أم سيبحث له عن ناسوت جديد يتجسد فيه غيرالناسوت القديم الذي مات؟ وأرجو القارئ المسيحي ألا يتعجل في الإجابة. وقبل أن يبحث عن هذه النقطة، ليقرأ ما قاله القس عبد المسيح بسيط حول هذه النقطة:
"جاء السيد في مجيئه الأول في صورة إنسان وديع ومتواضع، ولكن في مجيئه الثاني سيأتي في مجد وعظمة تليق به .. سيأتي في مجده الذي كان له قبل تكوين وخلق العالم ومجد أبيه أيضاً". اھ
(المجيء الثاني متى يكون وماهي علاماته؟ ط2، 1999، ص 15-16).
ولكي نفهم معنى أنالمسيح سيأتي بمجده الذي كان عليه " قبل تكوين وخلق العالم"، ينبغي أن نعلم أن قبل تكوين وخلق العالم لم يكن هناك شيء اسمه ناسوت!


(هل تجسّدالله؟ خدام الرب، شتوتجارت 1987، ص 56).
وهذا هو الذي يقوله البابا شنودة:

(لاهوت المسيح، ط9، 2003، ص9).
فوفقاً للعقيدة المسيحية: المسيح كان لاهوتاً خالصاًعلى صورة الله، ثم قام بالتجسد من مريم آخذاً صورة إنسان: "الذيإذكان في صورة الله .. وإذ وُجِدفي الهيئة كإنسان" (في 2: 6-8).
إذن فما يقوله القس عبد المسيح بسيط .. بسيط: المسيح في مجيئه الثاني سيأتي في صورة الله لا في صورة إنسان.
ماذا الذي نخرج به من هذه النقاط إذن؟ إن المسيح عندما كان يتحدث عن ابن الإنسان لم يكن يتحدث عن نفسه بل عن ابن الإنسان الملك المذكور في دانيال الذي يؤسس مملكةالله على الأرض.
وطبعاً الاختلافات بين المسيحيين حول الألفية ومُلك المسيح الأرضي معروفة، نظراً لأن مجيئه الأول كما يقولون لم يحقق كل النبوءات، لأنه جاء إنساناً مهاناً ذليلاً وانتهت حياته على الأرض بالقتل! وظلّت مملكة الله التي بشّر بها هو ويوحنا المعمدان من قبله دون تحقق!
بالنسبة لكلمة (ملائكة) فهي تعني رسُلاً كما ذكرنا، وأيضاً تـُطلق على الجنود الأتباع: "إبليس وملائكته" (متى 25: 41(؛ "ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته" (رؤيا 12: 7)؛ "يرسل ابنُ الإنسان ملائكته" (متى 13: 41).
ولك أن تتساءل ..
@ هل المسيح هنا يتنبأ عن شيء غيرمذكور في التوراة؟ بالطبع لا، بل مذكور ومعلوم.
@ ولكن: أين ورد في التوراة المجيء الإلهي مع القديسين الملائكة؟ إنه في نص بركة موسى في سفر التثنية.
@ ولكن: من أين جاءت كلمة ملائكة؟ من الترجمة السبعينية للنبوءة.
النتيجة: بشّر المسيح أتباعه بمجيءالمبعوث الإلهي (ابن الإنسان) المذكور في دانيال، بمجد وقوة مع القديسين. وقد علمنا أن مجيء ربوات القديسين في التجلّي الإلهي مرتبط بتلألؤ الرب من فاران كما نصّ موسى. فلما جاء المسيح، أوضح أن هذا المجيء لم يكن قدتحقق بعد، بل سيكون مستقبلياً من بعده.