ثالثا : الدنيا هى فضاء الاستثمار والزرع للاخرة ونظرا لان لهذا الاستثمار سوف يجنى علي الانسان ارباحا طائلة لا يمكن ان تخطر له على بال وبدون مقابل تقريبا, اراد الله تعالى ان يجعل للانسان نصيب فى هذه الارباح التى لا تقارن بالزرع ولا يمكن ان يصل اليها الانسان بعمله ففرض عليه التكليف بشىء من الحسم والشدة حتى يحثه على الغرس والعمل مع مرعاة ان هذا الحسم وهذه الشدة لا ينفكان عن الرحمة والمغفرة , بل ان الحسم والشدة ينوبان عنهما لان الامر كله وما تعلق به لا يصب الا فى مصلحة العبد من العمل على ان يكون للانسان فى الاستثمار حد ادنى يجعل له نصيب فى الاخرة وليس فى الامكان ابدع مما كان.
رابعا : لو فكرنا فى الامر مليا نجد ان الله عز وجل استخدم حقه فى الخلق والايجاد , فى نفس الوقت الذى لم يحرم فيه عبده من الحرية والاختيار , ومن غير المعقول ان نسلب الحرية من الخالق ونثبتها للمخلوق , فالطبيعى ان تكون حرية العبد ضمن مشيئة الرب وليست ضدها, فهو الذى أراد لنا أن نكون مخلوقات مفكرة تختار بنفسها بين الطاعة او العصيان بين الإيمان أو الكفر, فالكفر والعصيان يناقض رضا الرب ولكنه لا يتحدى مشيئته.يقول الدكتور مصطفى محمود فى كتابه حوار مع صديقى الملحد : "أنت لا تملك حرية التصرف بالكون وأنت وأنا أحد مخلوقات هذا الكون, فهو للملك , ولكنك تملك حرية التصرف بالجسد الذي أعطيت إياه أيا كانت لو بشرتك وأيا ً كان جنسك وعرقك , فأنت حر في أن تلجم شهواتك أو أن تطلق لها العنان وهذا ما سيحاسبك الله عليه, ولن يحاسبك لمَ كنت أبيضا ً أو أسودا ً, أو ذكرا ً أو أنثى. وهناك دليل داخلي على هذه الحرية وهو الضمير, فأنت حين ترتكب العمل السيئ تشعر بالمسؤولية وحين تقوم بالعمل الطيب تحس بالزهو".
وفى موضع اخر من نفس الكتاب سأل الملحد صاحبه المؤمن بقوله : , تقول أن القرآن لا يناقض نفسه فما بالك في بهذه الآيات ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) 29 الكهف. والآية الأخرى التي تناقضها ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ). 30 الإنسان. أوَليس هذا بتناقض ؟
فقال له صاحبه المؤمن , هذا دليل على الحرية, فالله يخبرنا بأن لنا الخيار بأن نكون مؤمنين أو كافرين, ولكنه يخبرنا أيضا ً أن هذه الحرية لمْ نأخذها غصبا ً من الله بل هو من أعطانا إيّاها بمشيئته, أي أن حرية العبد ضمن مشيئة الرب وليست ضدها, فهو أراد لنا أن نكون مخلوقات مفكرة تختار بنفسها الإيمان أو الكفر, فالكفر يناقض رضا الرب ولكنه لا يتحدى مشيئته.