الدليل الأول:
دليل التناسق والانسجام في الكون أو دليل "النظام السببي":
أما دليل التناسق والانسجام في نظام الكون فهو يقوم على أساس العلاقة السببية في الكون، وهذا يعني أن كل أشياء هذا الكون بالمشاهدة ساكنة مستقرة لا يمكنها أن تتحرك أو تتغير إلا بتأثير غيرها، وأنها محتاجة إلى هذا الغير في تصرفها وانتقالها من حال إلى حال وهذا الغير المحتاج إليه والذي يملك الاستطاعة على تغيير حال الشيء يسمى "سببا".
والسبب هو الشيء الذي يملك طاقة سببية فاعلة قادرة على التأثير في المسبب ونقله من حال معين في زمن سابق إلى حال جديد في زمن لاحق. إن كل أنواع التغييرات التي تحدث في الكون هي تحدث بواسطة الفعالية السببية. والأشياء العاجزة الساكنة حتى تتحول إلى أسباب مؤثرة يجب أن تكتسب طاقة سببية من غيرها من الأسباب. ثم تعود هذه الأشياء إلى وضعها الطبيعي من الاستقرار والعطالة بعد نفاد الطاقة السببية منها بتفريغ هذه الطاقة السببية في غيرها.
فإذا شاهدنا شخصا يطلق رصاصة من بندقية في يده، أدركنا أن هذه الرصاصة تمتلك وهي في حالتها هذه طاقة سببية انتقلت إلى هذه الرصاصة من البندقية والتي بدورها استقبلتها من يد الشخص الذي استخدمها. وإذا أصابت هذه الرصاصة زجاجة موضوعة على بعد حطمتها وانتشر الحطام في المكان ليصيب بعض الحيوانات فيؤذيها.ومن خلال مشاهدة هذا الحدث عرفنا أن هذه الرصاصة احتوت طاقة سببية قادرة على اختراق الأجسام الصلبة، ولكنها بعد نفاد طاقتها السببية أصبحت قطعة معدنية خامدة مستقرة غير مؤثرة ولا فاعلة.
ونلاحظ بذلك أهمية وجود الطاقة السببية لإحداث التغيير والتأثير في الأشياء، ونسمي الشيء الحامل للطاقة السببية الفاعلة بـ"السبب" المؤثر. والشيء الآخر الواقع تحت التأثير والانفعال بـ"المسبب". ثم يتحول هذا المسبَّب بدوره وبفعل الطاقة السببية إلى سبب مؤثر في غيره. وهنا يمكننا أن نلاحظ أن السببية تنتقل في الأشياء على شكل سلسلة أو سلاسل. وهذه السلاسل السببية إذا أنعمنا النظر فيها نلاحظ أنها تتناقص كلما رجعت في الأسباب إلى الخلف، كما تتناقص فروع أغصان شجرة وأنت تنظر إليها كلما تتبعت هذه الأغصان بنظرك إلى الأسفل نحو جذعها. وفي النهاية نجد أن الأسباب المختلفة تجتمع كلها في سبب رئيسي واحد وهو السبب الواجب أو الضروري وإلا فقدت السلسلة وجودها أصلا.
أن الناظر في هذا الكون يجد هذا التناسق العجيب بين أجزائه، فيجدها مرتبة بعضها على البعض الآخر، بأن يكون هذا محتاجا وذاك محتاجا إليه، فيكمل بعضهما الآخر في تناسق رائع من الروابط بين هذه الأشياء، وكأنك تنظر إلى شبكة يرتبط كل جزء فيها بالجزء الآخر ويتعاون الجميع ويتكامل لأداء مهمة معينة لمنظومة هذه الأشياء المتفاعلة فيما بينها.
فإذا تجلى للناظر هذا التناسق في الكون وكأنه منظومة واحدة يرتبط بعضها ببعض على أساس العلاقة السببية، تنبه إلى أن الأسباب في هذه المنظومة تتناقص كلما سبر أغوارها؛ إلى أن تنتهي هذه الأسباب الكثيرة التي يراها في سبب واحد وهو سبب واجب الوجود وهو الله تعالى.
يتبع ......
المفضلات