الرد

مقدمة هامة
منهج البحث التاريخي

إن منهج البحث التاريخي منهج استردادي يقوم بحركة معاكسة للتاريخ وذلك بهدف استعادة مجرى أحداث التاريخ الماضية ذهنياً والاهتداء إلى الواقعة التاريخية التي اختفت والتثبت منها واسترجاعها بطريقة فكرية صرفه ، ويتم ذلك بضرب من تركيب أو إنشاء الواقعة التاريخية بالاعتماد على الآثار التي خلفتها أحداث الماضي .

إذن نقطة البدء في المنهج التاريخي هي الوثائق أي الآثار المادية التي تركتها الوقائع، وهذه الآثار تنقسم إلى نوعين:

1 ـ الآثار والأشياء المصنوعة.

2 ـ الآثار الكتابية التي قد تكون وصفاً لحادث تاريخي، أو قد تكون رواية عينية لهذا الحادث التاريخي، وهذا النوع من الوثائق هو الذي يهمنا من منهج البحث في كافة الدراسات التي قمنا بها والمتعلقة بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والكتاب المقدس .
ونقطة البدء في المنهج التاريخي هي الوثائق، والوثائق التي تهمنا في هذا البحث هي الوثائق الكتابية والتي تنقسم إلى قسمين:

روايات مباشرة وضعها مؤلف الوثيقة بنفسه :

ولكن هذا وحده لا يكفي ليدلنا على صحة الوثيقة بل علينا أن ننظر في الأحوال التي وضعت فيها الوثيقة والظروف التي أحاطت بالمؤلف سواء أكانت هذه الظروف والأحوال خارجية عامة أم كانت ظروفاً شخصية متصلة بالمؤلف نفسه ، هذا إذا كان مؤلف الوثيقة كان قد عاين الحادث مباشرة وجاءتنا روايته مباشرة ، أما إذا لم يكن قد عاين الحادث، بل كانت روايته عن أخر عاينها أو قد ضم أخباراً متفرقة عن مخبرين متنوعين لتكوين أخبار عن حادث معين فإنه في هذه الحالة يكون قد قدم لنا وثائق غير مباشرة ، وأكثر المؤرخين إنما يسيرون على هذا الأساس ، فقليل من المؤرخين هم الذين شاهدوا الأحداث التاريخية، وقليل من المؤرخين هم الذين استطاعوا أن يبلغوا مرتبه واحدة فيما بين الحادث الأصلي وبينهم هم أنفسهم ، وهنا يتعين علينا أن نلجأ إلى طريقة أخرى وهي طريقة التسلسل .

طريقة التسلسل :

ويقصد بطريقة التسلسل أي محاولة التسلسل فيما بين الرواة المتوسطين حتى نصل إلى الراوي الأصلي الذي يكون قد عاين الحادث ، فإذا استطعنا أن نبلغه تمكنا حينئذ من أن نحدد الرواية من حيث قيمتها الحقيقية على وجه التقريب ، كما هي الحال تماما إذا كانت الرواية مباشرة وعند هذه النقطة نتبع منهجاً مشتركا في دراسة الرواية المباشرة وغير المباشرة حيث أننا قد وصلنا إلى الراوي الأصلي ، فننظر في هذا الراوي من حيث أمانته ودقته والظروف التي وجد بها ، ولكن معرفة ذلك عسيرة وتبلغ في أكثر الأحيان درجة الاستحالة ولا نكاد نجد لها شبيها في أي علم من العلوم إلا في حالة واحدة فقط ، تلك الحالة هي التي اختص بها الحديث الشريف فهي الحالة الوحيدة والفريدة التي وردت برواياتها راوٍ عن راوٍ حتى نصل إلى الشاهد الحقيقي في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏وهو الصحابي الجليل الذي استمع مباشرة من الرسولصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ونقله إلى من خلفه وهذا بدوره نقله إلى من يليه حتى تم تدوينه .


فالخطوة الأولى في المنهج التاريخي هي خطوة البحث عن الوثائق ، فعلينا أن نجمع كل ما يمكن جمعه من الوثائق المتعلقة بعصر من العصور أو بحدث من الأحداث أياً كان نوع هذه الوثائق ومن أي مصدر كانت ، سواء أكانت هذه الوثائق كتابية أو رواية عينية أو شفهية.

إذا انتهت هذه الخطوة أمكن للعلماء أن يعنوا بهذه الوثائق ويقوموا على دراستها ليستطيعوا عن طريق النقد المنهجي أن يصلوا إلى الأحداث التاريخية أو النصوص الأصلية كما وقعت وكما قيلت بكل دقة.
فعلينا إذن كخطوة أولى أن نضم كل الوثائق المتعلقة بشيء ما سواء أكانت حدثاً أم كتاباً.

فإذا تحرينا نفس المنهج عند الحديث عن الكتاب المقدس فكيف يكون..
نحن لا ننكر الجهود الضخمة التي بذلت لتدوين تاريخ بني إسرائيل من خلال كتابهم الذي وضعوه بأيديهم وأضفوا عليه قداسة خاصة ونعتوه بألفاظ أقل ما يقال فيها أن كل حرف بل كل نقطة من أسفار العهد القديم قد دونت بوحي من الله تعالى، هم يقولون هذا ونحن لا نعرف سندا لذلك القول، فمن الذي قاله هل هو نبي مرسل أم حبر من الأحبار، لا نعرف رداً ولا علماؤهم يحرون جواباً بل إن أسفار العهد القديم وهي الوثائق التي تحت أيدينا فهي إما أن تكون روايات مباشرة وضعها مؤلف الوثيقة نفسه ولا نملك أن ننكرها ويتعين علينا معرفة الظروف والأحداث التي أحاطت بالمؤلف لنطمئن من صحة تدوين الوثيقة فإذا انعدمت تلك الظروف فإن ذلك يجعلنا نعيد النظر ألف مرة ومرة في هذه الوثيقة، هذا في حالة ما إذا عاين المؤلف الحادث مباشرة وجاءتنا روايته مباشرة، ولكننا نفاجأ في وثائق العهد القديم بأن الراوي يذكر روايته عن راو أخر قد عاين الحدث وراح يحدث عنه الأمر الذي يجعله يقدم لنا وثيقة غير مباشرة مما يضطرنا إلى اللجؤ لسلسلة الرواة المتوسطين بين راوي الحدث والراوي الأصلي له والذي يكون قد عاين الحدث لأن ذلك اللجؤ يمكننا من تحديد الرواية وذلك من حيث قيمتها الحقيقية كما لو كانت الرواية مباشرة، لأننا بالوصول إلى الراوي الأصلي يمكننا عندئذ النظر فيه من حيث أمانته ودقته وعدالته والظروف التي وجد فيها ومر بها الأمر الذي يجعلنا نطمئن لصدق الحدث.
وهذا الأمر لا تجده إلا في الحديث الشريف وهو ما يفتقر إليه الكتاب المقدس وهذا وحده دليل كاف لهدم نظرية إلهامية الكتابة.
يقول القس صموئيل حبيب مشرقي راعي الكنيسة الخمسينية بالقاهرة يقر في كتابه " الكتاب المقدس يتحدى مشاكل الاعتراضات " ص 43 ما نصه:{ هيمن الوحي على كل كلمة فيه، بل حدد لكل حرف مكانه }.
ويقول الدكتور القس منيس عبد النور رئيس الطائفة الإنجيلية بالقاهرة في كتابه " شبهات وهمية حول الكتاب المقدس " ص 264 ما نصه : { التاريخ المقدس منزه عن الخطأ وهذا يستلزم الإلهام لأن البشر يخطئون في أقوالهم وكتاباتهم ، فيثبت إذن أن الكتب التاريخية المقدسة كُتبت بإلهام الروح القدس } .
فعلى أي أساس بنيا قوليهما؟..
والذي ينظر إلى( تاريخ الطبري) للإمام أبو جرير الطبري يجده يتبع ذلك المنهج عند روايته للأحداث، حيث أنه يهتم بسلسلة رواة الحدث أو سند الحدث نفسه، فعن راوٍ وعن راوٍ وهكذا بالعنعنة حتى يصل إلى الحدث الأول نفسه ثم يذكر الحدث بعد ذلك وعليه فإن هذا المنهج الذي نقول به ليس بدعاً من القول وإنما هو موجود ومعمول به بالفعل ويعمل به علماء المسلمين اليوم بعد أن سطره علماؤهم بالأمس، وهذا المنهج أدعى ما يكون عند الحديث عن كتاب يدعي أصحابه أنه منزل من عند الله سبحانه وتعالى، فالمتن الذي بين أيدينا يفتقر إلى تسلسل السند مما يفقده قيمته ويجعلنا لا نُعوّل عليه، لأنه كيف يتأتى لنا النقد الداخلي أو النقد الباطن للرواية والذي يقوم ويعتمد على امتحان الرواة المكونين لسلسلة السند الطويلة لأن الرواة المتوسطون بين الحامل الحالي للنص وبين الأصل المنقول عنه النص يجب وضعهم تحت مجهر دقيق للتحقق مما قاموا به منذ بداية سماعهم للنص حتى نقلهم له لمن هو بعدهم وفقاً لمعايير دقيقة يجب أن يتحلوا بها وذلك من حيث أمانتهم في الرواية من جهة ومن حيث دقتهم في الرواية من جهة أخرى بالإضافة أهلية التحمل والأداء والسماع المباشر والعدالة والضبط والأمانة والنزاهة في العلم والدقة في البحث.
ويزداد الأمر سوءاً وتعقيداً إذا عرفنا أن النصوص التي بين أيدينا مختلف فيها بين طوائف الملة الواحدة ولقد أجملت أكثر من ألف(1000) اختلاف بين النصوص المقدسة وأفردت لها فصلاً منفصلاً في كتابي صيحة الحق.
وهذا الجزء من الدراسة بالذات استغرق العمل فيه أكثر من عشرين سنة متواصلة..أفند فيه كتاب الدكتور القس منيس عبد النور صفحة صفحة بالحجج والأدلة والبراهين الدامغة وكنت أبعث إليه ما أكتب أولاً بأول..ومثله مع القس صموئيل حبيب مشرقي..وكلاهما من كنيستين مختلفتين ..زد على هذا محاوراتي مع مدير المركز الدولي للتبشير بلندن والذي أمدني بكتب ومراجع بالمجان وكلها طعون في الإسلام وبحمد الله وتوفيقه رددت عليها كلها..وهو كاثوليكي المذهب..
وهنا تكمن المشكلة أمام الباحث المنصف..
فنسخة الكتاب المقدس الكاثوليكية تختلف كلياً عن نسخة البروتستانت تختلف عن نسخة الأرثوذكس، فعلى أي نسخة يعتمد الباحث المنصف إذا ما تناول دراسة المتن للكتاب المقدس ؟ .