أرى فى ختام نقطة الرحمة والمغفرة وقبول التوبة ...
أن أضع لك بعض الأدلة والشواهد والأسئلة التى قد تدور ببالك
بخصوص قبول الله تعالى توبة عباده كأعظم دليل على محبته ورحمته
فأرجو بحرارة ألا تبخلى على نفسك بقرائتها :

فالتوبة وقبولها يا ضيفتنا الفاضلة ..... لهى أكبر دليل على رحمة الله تعالى وغفرانه وحنانه ومحبته للعباد
فإن السهو والتقصير من طبع الإنسان ......
فهو غير معصوم من التقصير في طاعة
أو السهو والغفلة عن عبادة
أو الخطأ والنسيان فى حق من الحقوق أو واجب من الواجبات
أو الذنب والخطيئة فيما يختص بارتكاب الفواحش والمحرمات
فكلنا مقصرون.. ومذنبون... ومخطئون..
نقبل على الله تارة وندبر أخرى
نراقب الله مرة وتسيطر علينا الغفلة مرات
لا نخلو من المعصية .... ولا بد أن يقع منا الخطأ
فلسنا بمعصومين
* ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده ، لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) رواه مسلم
* وقال صلى الله عليه وسلم : (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي
**********************************
ومن رحمة الله بهذا الإنسان الضعيف أنه فتح له باب التوبة ، وأمره بالإنابة إليه ، والإقبال عليه، كلما غلبته الذنوب ولوثته المعاصي ، ولولا ذلك لوقع الإنسان في حرج شديد ، وقصرت همته عن طلب التقرب من ربه ، وانقطع رجاؤه من عفوه ومغفرته
فالتوبة من مقتضيات النقص البشري ، ومن لوازم التقصير الإنساني
وقد أوجب الله التوبة على جميع المسلمين المؤمنين : السابقِ منهم إلى الخيرات ، والمقتصِد منهم في الطاعات ، والظالمِ لنفسه منهم بالمحرمات
فقال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور : 31
وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا توبوا إِلَى اللَّه توبة نصوحا) التحريم : 8
**********************************
والله سبحانه وتعالى فاضت رحمته وشملت رأفته عبادَه ، فهو حليم لا يبطش بنا ولا يعذبنا ولا يهلكنا حالا بل يمهلنا ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن كرمه سبحانه :
(أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة :74
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) طـه :82
(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) النساء :110
**********************************
ولا يقتصر الأمر على المسلمين بالطبع ....لأن جميع البشر هم عباد لله

فقد دعا الله تعالى إلى التوبة حتى أعظمَ الخلق شركاً بالله ومعصيةً ؛ الذين قالوا بأن عيسى عليه الصلاة والسلام ابن الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ، فقال تعالى : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة :74

كما فتح باب التوبة للمنافقين الذين هم شر من الكفار المعلنين كفرهم ، فقال تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا (145) إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146)) النساء
**********************************
والتوبة كما أوضحت لك من قبل معناها الرجوع إلى الله تعالى ، والإقلاع عن المعصية ، وبغضها ، والندم على التقصير في الطاعات
**********************************
ومن صفات الرب جل وعلا أنه يقبل التوبة ويفرح بها كرماً منه وإحساناً

1- قال الله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) التوبة/104

2- وعَنْ أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : (لله أفرح بتوبة عبده مِنْ أحدكم سقط عَلَى بعيره وقد أضله في أرض فلاة) مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ

3- وفي رواية لمسلم : (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه مِنْ أحدكم كان عَلَى راحلته بأرض فلاة فانفلتت مِنْه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس مِنْ راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال مِنْ شدة الفرح : اللَّهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ مِنْ شدة الفرح)

4- وعَنْ أبي موسى عبد اللَّه بن قيس الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال : (إن اللَّه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس مِنْ مغربها) رَوَاهُ مُسْلِمٌ

5- وعَنْ أبي عبد الرحمن عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال : (إن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) رَوَاهُ الْتِّرْمِذِيُّ

6- وعَنْ أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن نبي اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال : (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عَنْ أعلم أهل الأرض فدل عَلَى راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له مِنْ توبة ؟ فقال لا ، فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عَنْ أعلم أهل الأرض فدل عَلَى رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له مِنْ توبة؟ فقال: نعم ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إِلَى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون اللَّه تعالى فاعبد اللَّه معهم، ولا ترجع إِلَى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا وصل نصف الطريق أتاه الموت؛ فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إِلَى اللَّه تعالى، وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكماً - فقال : قيسوا ما بين الأرضين فإِلَى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إِلَى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة) مُتَّفّقٌ عَلَيْهِ.

7- عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه مسلم

8- وفي حديث أنس أهم الأسباب التي يغفر الله عز وجل بها الذنوب ، فقال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن
لاحظى يا ضيفتنا الفاضلة كلمة (ولا ابالى) !!!!! ..... ما أعظم هذا الحب .... ما أروع هذه الرحمة (يا حبيبى يا الله يا رب العالمين)

9- يروى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه فى الحديث القدسى : قال الله تبارك وتعالى : (يا ابن آدم أمرتك فتوليت ونهيتك فتماديت وسترت عليك فتجرأت وأعرضت عنك فما باليت يا من إذا مرض شكا وبكى وإذا عوفى تمرد وعصى يا من إذا دعاه العبيد عدا ولبى وإن دعاه الجليل أعرض وتألى إن سألتنى أعطيتك وإن دعوتنى أجبتك وإن مرضت شفيتك وإن سلمت رزقتك وإن أقبلت قبلتك وإن تبت غفرت لك وأنا التواب الرحيم)

10- يروى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه فى الحديث القدسى : قال الله تبارك وتعالى : (أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملإ ذكرته فى ملإ خير منهم وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتانى يمشى أتيته هرولة)

11- يروى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه فى الحديث القدسى : قال الله تبارك وتعالى : (أيها العبد إذا تبت ثم نقضت فلا تستح أن ترجع إلينا ثانيا وإذا نقضت ثانيا فلا يمنعك الحياء أن ترجع إلينا ثالثا وإذا نقضت ثالتا فارجع إلينا رابعا , فأنا الجواد الذي لا أبخل وأنا الحليم الذي لا أعجل وأنا الذي أستر على المعاصي وأقبل الثائبين وأعف عن الخاطئين وأرحم النادمين وأنا أرحم الراحمين ... من ذا الذي أتى إلى بابنا فطردناه ,من ذا الذي لجأ إلى جانبنا فطردناه , من ذا الذي تاب وما قبلناه ,من ذا الذي طلب منا وما أعطيناه ,من ذا الذي إستقال من ذنبه وما غفرناه ... أنا الذي أغفر الذنوب وأستر العيوب وأغيت عن المكروب وأنا علام الغيوب .... يا عبدي قف على بابي أكتبك من أحبابي تمتع بالأسحار بخطابي أجعلك من طلابي لذ بحفرة جنابي أسقيك من لذيذ شرابي , أهجر الأعيار والزم الذلة والإفتقار)

أنظرى يا ضيفتنا الفاضلة .... عظمة المحبة وروعة الرحمة والحنان من الله !!!

12- قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : (إن العبد العاصى إذا بكى من ذنوبه واعترف بعيوبه أمام سيد ومحبوبه وقال يا إلهى انا أسأت فيقول الله تعالى وأنا سترت، فيقول العبد يا إلهى أنا ندمت فيقول الله تعالى وأنا علمت، يقول العبد يا إلهى أنا رجعت فيقول الله تعالى وأنا غفرت ... عبدى لاتقنط من رحمتى ، إن كنت بالغدر موصوفا فأنا بالجود معروف. وإن كنت ذا خطايا فانا ذو عطايا ، وإن كنت ذا إساءة فأنا ذو إحسان ، وإن كنت ذا جفاء فأنا ذو وفاء ، وإن كنت ذا غفلة فأنا ذو رحمة ، وإن كنت ذا خشية وإنابة ، فأنا ذو قبول وإجابة)

ما أعظم محبة الله !!!
ما أوسع رحمة الله !!!
ما أشد حنان الله !!!
لك يا ربنا نسجد ونحمد أن هديتنا لنعمة الإسلام والإيمان
**********************************
يا ضيفتنا الفاضلة ....
المخرج من كل ذنب موجود ..... طالما أن روحك مازالت بين جنباتك
باب التوبة مفتوح على مصراعيه ..... وغرغرتك إغلاقه
**********************************
وللتوبة يا ضيفتنا الفاضلة .... بركات كثيرة .....عاجلة وآجلة ...... ظاهرةٌ وباطنة

1- فمن بركات التوبة طهارة القلوب ، ومحو السيئات ، ومضاعفة الحسنات ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) التحريم : 8

2- ومن بركات التوبة الحياة الطيبة التي يظلِّلها الإيمان والقناعة والرضا والطمأنينة والسكينة وسلامة الصدر ، قال الله تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) هود : 3

3- ومن بركات التوبة سعة في الرزق وكثرة فى الأموال والأولاد ، وبركة في الإنتاج ، وعافية في الأبدان ، ووقاية من الآفات ، قال الله تعالى عن هود عليه الصلاة والسلام : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) هود : 52
**********************************
وكل من تاب إلى الله تاب الله عليه . وقافلة التائبين ماضية في مسيرها إلى الله لا تنقطع حتى تطلع الشمس من مغربها ...... فهذا تائبٌ من قطع طريق ، وهذا تائب من فاحشة الزنا ، وهذا تائب من الخمر، وهذا تائب من المخدرات ، وهذا تائب من قطيعة الرحم ، وهذا تائب من ترك الصلاة أو التكاسل عنها جماعة ، وهذا تائب من عقوق الوالدين ، وهذا تائب من الربا والرشوة ، وهذا تائب من السرقة ، وهذا تائب من القتل وسفك الدماء ، وهذا تائب من أكل أموال الناس بالباطل ، وهذا تائب من التدخين

فهنيئاً لكل تائب إلى الله من كل ذنب ، فقد أصبح مولوداً جديداً بالتوبة النصوح
قال النووي رحمه الله تعالى : (( التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها أن يُقلع عن المعصية ، والثاني أن يندم على فعلها ، والثالث أن يعزم على أن لا يعود إليها أبداً، فإن فقد أحدَ الثلاثة لم تصحّ توبته. وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه ردَّه إليه ، وإن كانت حدَّ قذفٍ ونحوه مكّنه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبةً استحلّه منها . ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها صحّت توبته -عند أهل الحق- من ذلك الذنب الذي تاب منه، وبقي عليه الباقي ))

وبناء على ذلك فإذا تحققت هذه الشروط في الشخص التائب فحري أن تقبل توبته بإذن الله تعالى، ولا ينبغي بعد ذلك أن يبتلى بوسوسة عدم قبول التوبة ؛ لأن ذلك من الشيطان وهو خلاف ما أخبر به الله سبحانه وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من قبول التوبة إذا كان التائب صادقا مخلصا
**********************************
أما من مات مشركا فالنار مثواه خالدا فيها والعياذ بالله ...

قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : (يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتعالى لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً: لَوْ كَانَتْ لَكَ الدنْيَا وَمَا فِيهَا، أَكُنْتَ مُفْتَدِياً بِهَا ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَدْ أَرَدْتُ مِنْكَ أَهْوَنَ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ: أَنْ لا تُشْرِكَ وَلا أُدْخِلَكَ النَارَ، فَأَبَيْتَ إلا الشِّرْكَ) رواه مسلم

**********************************
نأتى إلى بعض الأسئلة الهامة جدا .....

1- هل هناك فرق بين التوبة والإستغفار ؟
هناك فرق دقيق بين التوبة والإستغفار
فالتوبة : تتضمن أمراً ماضياً وحاضراً ومستقبلاً
فالندم : على الماضي
والإقلاع عن الذنب : في الحاضر
والعزم على عدم العودة : في المستقبل
أما الإستغفار فهو طلب المغفرة ... وأصله : ستر العبد فلا ينفضح ، ووقايته من شر الذنب فلا يًعاقب عليه ، فمغفرة الله لعبده تتضمن أمرين : ستره فلا يفضحه ، ووقايته أثر معصيته فلا يؤاخذ عليها ، وبهذا يعلم أن بين الاستغفار والتوبة فرقاً
فقد يستغفر العبد ولا يتوب كما هو حال كثير من الناس
لكن التوبة تتضمن الاستغفار
**********************************
2- هل يغفر الله الذنب إذا تكرر كثيرا ؟؟؟
الذي يرتكب المعصية مرة بعد مرة : ذنبه مغفور إن شاء الله في كل مرة إن أعقب معصيته بتوبة وكانت توبته في كل مرة صادقة
والدليل على جواز التوبة مرة بعد مرة : أن الذين ارتدوا عن الإسلام زمن أبي بكر ردهم أبو بكر إلى الإسلام وقبل منهم ذلك ، علماً بأنهم كانوا كفاراً ثم دخلوا في الإسلام ثم رجعوا إلى الكفر ثم دخلوا الإسلام ، وقبِل الصحابة كلهم منهم التوبة على الرغم من أن الذي فعله المرتدون هو شر من الذي يفعله العاصي المسلم فقبول التوبة من المسلم العاصي ، ولو كانت متكررة أولى من قبول توبة الكافر مرة بعد مرة
ولكن هذا بشرط أن تكون التوبة الأولى وما بعدها توبةً نصوحاً صادقة من قلب صادق وألا تكون مجرد تظاهر بذلك
ولا يُفهم من ذلك أنه تشجيع على المعاصي وارتكابها مرة بعد مرة وأن يجعل المسلم رحمة الله تعالى وتوبة الله تعالى عليه سُلماً للمعاصي
لا .... إنما المراد هو تشجيع العاصي على التوبة مرة بعد مرة وعدم إقناطه من رحمة الله فيُطمئن قلبَ المسلم الذي يريد أن يرجع إلى الله تعالى بأن باب الرحمن مفتوح ، وعفوه أكبر من معصية كل البشر ، فلا يأس من رحمة الله تعالى وعد بها
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ :( أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ، غَفَرْتُ لِعَبْدِي . ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي . .)
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال : "خياركم كل مفتن تواب . [ يعني كلما فُتِن بالدنيا تاب ] قيل فإذا عاد ؟ قال : يستغفر الله ويتوب ، قيل : فإن عاد ؟ قال : يستغفر الله ويتوب ، قيل : فإن عاد ؟ قال : يستغفر الله ويتوب ، قيل : حتى متى ؟ قال : حتى يكون الشيطان هو المحسور "
وخرج ابن ماجه من حديث ابن مسعود مرفوعا : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)
وقيل للحسن : ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود ، فقال : ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا ، فلا تملوا من الاستغفار
وروي عنه أنه قال : ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين يعني أن المؤمن كلما أذنب تاب
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته : أيها الناس من ألمَّ بذنب فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر الله وليتب ، فإن عاد فليستغفر وليتب ، فإنما هي خطايا مطوقة في أعناق الرجال وإن الهلاك في الإصرار عليها
**********************************
3- هل تقبل التوبة من الكبائر إذا لم يُقم الحد على الشخص ؟؟؟
لا يجوز للمسلم أن يستعظم ذنبه الذي تاب منه توبة نصوحا ؛ لأن رحمة الله وعفوه ومغفرته أعظم من ذنوبه
وما كان من الذنوب متعلقاً بالعباد فالواجب إرجاع الحقوق إلى أصحابها ، وما كان بين العبد وبين ربه تعالى فيكفي فيه التوبة والاستغفار والندم والعزم على عدم الرجوع إلى تلك الذنوب ، وليس من شرط التوبة أن يقام الحد على التائب ، فالستر بستر الله تعالى منها ، وتحقيق التوبة الصادقة خير من الاعتراف لإقامة الحد
فمن أحسن توبته وأرجع الحقوق إلى أهلها ، فلا يأتينه الشيطان من قبَل توبته ليفسدها عليه
فالله تعالى يبدل سيئات التائب حسنات: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70)) الفرقان
والحدود إذا بلغت الحاكم الشرعي وثبتت بالأدلة الكافية : وجب إقامتها ، ولا تسقط بالتوبة بالإجماع ، فقد جاءت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبة إقامة الحد عليها بعد أن تابت ، وقال في حقها بعد تنفيذ حد الرجم عليها : " لقد تابت إلى الله توبة لو تابها سبعون من أهل المدينة لوسعتهم "
وأما إذا لم تبلغ الجريمة السلطان : فعلى العبد المسلم أن يستتر بستر الله ، ويتوب إلى الله توبة صادقة ، عسى الله أن يقبل منه ويعفو عنه
فإذا تاب الإنسان إلى ربه توبة صادقة خالصة : فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد بأنه سيقبل توبة التائب ، بل ويعوضه حسنات ، وهذا من كرمه وجوده سبحانه وتعالى
وقد ثبت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في بيعة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( فمن وفَّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له ، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له)
وقد حثَّ صلى الله عليه وسلم على التوبة الصادقة ، وقال في قصة ماعز الأسلمى الذى جاءه معترفا بالزنا : (هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه)
وروى مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم وفيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ، مَن أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته نُقِم عليه كتاب الله)
هذا بالطبع ما لم تكن الكبيرة متعلقة بحق آدمى (تراجع شروط التوبة النصوح)
**********************************
وبذلك نكون قد أغلقنا النقطة الأولى (المغفرة والرحمة وقبول التوبة)
فى انتظار تحديد النقطة الثانية

مع تحياتى وتمنياتى لك بكل الخير والتوفيق


Doctor X