رحمك الله يا أبا عبد الله

بقلم فضيلة الشيخ/ سعد بن محمد آل فريان
مدير عام ورئيس تحرير مجلة الدعوة السابق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد رسول الله النبي الأمين، الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، لقد انتقل إلى رحمة الله تعالى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز المفتي العام للمملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي صباح يوم الخميس السابع والعشرين من شهر الله المحرم من عام عشرين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية الشريفة عن عمر يناهز التاسعة والثمانين قضاها في العلم والأعمال الصالحة، فكان لفقده رنة حزن وأسى ذرفت منها العيون واختنقت بها العبرات، وقد صلى عليه المسلمون بعد صلاة الجمعة الثامن والعشرين منه في المسجد الحرام يتقدمهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز وولي عهد وإخوانه وأعضاء حكومته وجماهير غفيرة من المصلين، كما صلى عليه المسلمون صلاة الغائب في جميع أنحاء المملكة والعالم "وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب".

لقد كان الشيخ -يرحمه الله- أمة في رجل، آتاه الله العلم الواسع والفهم الثاقب، كما زانه ربه بالحلم ورجاحة العقل، وزاده كرم السجايا وسخاوة النفس ودماثة الخلق، ووفقه للأعمال الصالحة ومداومة العبادة والذكر، فكان إماماً في عصره يأتي إليه العلماء يستشيرونه فيما يشكل عليهم فيجدون العالم المحقق والناصح الأمين، ويأتي إليه طلاب العلم وشداته فيجدون المعلم الفذ والموجه الحكيم يتلقون عنه العلم ويأخذون عنه سمت العلماء ويفد إليه عامة الناس والمستفتون وأصحاب الحاجات من كل جنس وطبقة وقطر، يقصدونه في داره العامة في الرياض أو في أي مدينة أو قرية يتوجه إليها في مكتبه برئاسة البحوث العلمية والإفتاء في مسجده في طريقه يخاطبون الشيخ بالهاتف ينهلون من علمه الغزير ويتلقون توجيهاته السديدة، قد وسع قلبه الكبير الناس جميعاً حتى العصاة منهم ينصح لهم ويوجههم ويصبر على آذاهم ابتغاء مرضاة الله تعالى وطمعاً في هدايتهم؛ لأنه يرحمه الله شديد الحرص على تعليم أولاد المسلمين القرآن العظيم، يبذل في سبيل ذلك أقصى ما يستطيع بلسانه وبماله وجاهه ولا يتوان على الرغم من كثرة مشاغله وارتباطاته عن حضور احتفالات الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن فيُلقي فيهم الكلمات التوجيهية ويحث القائمين على تعليم القرآن ونشر العلم على مضاعفة الجهود في هذا السبيل، كما يولي -رحمه الله- جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عناية فائقة، يحث القائمين عليه ويساندهم امتثالاً لقول الله تعالى: )ادْعُ إِلَى

سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ(، ولقول النبي e: ((الدين النصيحة)).
وكان الشيخ -يرحمه الله- إلى جانب شيمه العالية يمتاز بلين عريكته وحيائه وسرعة دمعته، شديداً في الحق لا يلين له قناة، وله في هذا المجال مواقف عظيمة لا تتسع هذه العجالة لسرد شيء منها، عرفته -قدس الله روحه- عن كثب حين كنت طالباً بين يديه على مقاعد الدراسة في كلية الشريعة في الرياض، حيث الأسلوب التربوي المميز لشيخنا وأستاذنا الشيخ عبد العزيز بن باز فهو لا يكتفي بإلقاء المحاضرات وحسب، بل يشرك أبناءه وتلاميذه معه في موضوع المحاضرة، ويشجعهم على طرح ما يدور بخلد أي منهم حول الموضوع ولا يبادر بإجابة السائل حيث يعيد سماحته طرح السؤال على الحاضرين ويفسح المجال لجميع الآراء ثم يوضح القول الفصل في المسألة، وعرفت سماحته موظفاً تحت قيادته في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء فكان نعم الرئيس المعلم والموجه الحصيف يسوس العاملين تحت رئاسته بالرفق الأبوي ويحملهم على مواصلة العمل الجاد كل في حدود اختصاصه.
وفي العموم فما عرف في عصرنا الحاضر عالم أكثر شبهاً بأستاذه وشيخه في العلم والعمل الصالح من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز بشيخه وأستاذه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ -يرحمه الله- مفتي الديار السعودية سابقاً العالم الفذ والجهبذ المتفرد

بقية السلف والذي تخرج على يديه العديد من العلماء والقضاة وأساتذة الجامعات والدعاة أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد والشيخ عبد العزيز بن رشيد والشيخ عبد العزيز بن غديان والشيخ عبد الله بن جبرين والشيخ فهد بن حمين وغيرهم كثير ممن لا تحضرني أسماؤهم الآن، اللهم ارفع درجات شيخنا العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز في جنات الفردوس وارفع درجات شيوخه وإخوانه من علماء الأمة ودعائها وارفع درجاتنا ووالدينا وجميع المسلمين في جنات النعيم إنك ولي ذلك والقادر عليه، و )إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(.
*
```


* الدعوة: العدد 1692 - 5 صفر 1420هـ، 20 مايو 1999م.