سعد بن تركي الخثلان
أحد تلاميذ الشيخ - محاضر بكلية الشريعة بالرياض
إمام وخطيب جامع الأميرة سارة بنت سعد.
في صباح يوم الخميس 27/1/1420هـ فقدت الأمة الإسلامية إماماً من الأئمة وعلماً بارزاً من أعلامها.. هو العلامة المحدث الفقيه شيخ العلماء في عصره: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.. هذا الإمام العلم الذي عاش نيفاً وثمانين سنة أمضى معظم هذا العمر في خدمة الإسلام والدعوة إلى الله عز وجل ونصرة العلم وتعليمه.. وقد ضرب -رحمه الله- أروع الأمثلة في البذل والتضحية والنصح للأمة حتى أصبح بحق قدوة للعلماء العاملين الناصحين لدينهم وأمتهم.. ولذلك فلا غرو أن تفجع الأمة لفقده.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر.. فجع المسلمون كلهم على مختلف ثقافاتهم ومناهجهم فجعوا بفقد هذا الإمام الذي كسب احترام الجميع.. وإنك لتعجب عندما تعلم بأن هذا الشيخ.. هذا الإمام الذي اهتزت الأمة لفقده قد كف بصره وهو صغير فلم يثنه ذلك عن طلب العلم وتحصيله، بل كان ذلك حافزاً له على السعي في تحصيل العلم حتى أصبح أكبر علماء الأمة..
والشيخ ليس عالماً فحسب، بل جمع مع غزارة العلم خصالاً قلما تجتمع في غيره.. ومن ذلك حسن الخلق ولطافة المعشر واللباقة في التعامل مع الآخرين.. والزهد في الدنيا والورع والخشية، وهو مع ذاك شخصية قيادية من الدرجة الأولى.. ومن مآثره التي تميز بها: أنه صاحب أثر وسنة.. شعاره "إذا صح الحديث فهو مذهبي" فلا يتعصب لمذهب من المذاهب أو آراء الرجال.. وقد تتلمذت عليه سنوات عديدة حضرت كثيراً من دروسه واستفدت منه علماً كثيراً وأدباً جماً.. وكثيراً ما كنت أسمعه يقول: الأصل في الأمر من الشرع أنه يقتضي الوجوب والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم.. لا قول لأحد مع قول الرسول e.. وقد أثر الشيخ بهذا المنهج على علماء الأمة عموماً وعلى علماء المملكة على وجه الخصوص.. ويتضح لك هذا التأثير عندما تتأمل في فتاوى علماء المملكة وترى أنهم كثيراً ما يخالفون مذهب الحنابلة، وهو المذهب السائد في المملكة اتباعاً للنص والدليل.. وقد رباهم شيخهم ابن باز على قاعدة السلف وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله e .. وماذا أذكر من سيرة هذا الإمام وماذا أذر، وبالجملة فهذا الشيخ قلَّ أن يوجد له نظير في الوقت الحاضر، وفقده رزية عظمى ومصاب جلل، والحمد لله على ما قضى وقدّر.. إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى.. و)وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا([(11) سورة المنافقون].. وإنما كان فقد الشيخ ابن باز رزية عظمى ليس لأنه الشيخ ابن باز
فحسب، بل لأنه عالم جليل حاز جزءاً من ميراث النبوة، فإن العلماء ورثة الأنبياء.. والنبي e يقول: ((إنَّ الله لا ينتزع العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) يقول ابن القيم -رحمه الله-: "موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد، ونجم طمس، وموت قبيلة كالبهائم بل أسوأ حالاً كان موت العالم مصيبة لا يجبرها إلا خلف غيره له، وأيضاً فإن العلماء هم الذين يسوسون العباد والبلاد فموتهم فساد لنظام العالم، ولهذا لا يزال الله يغرس في هذا الدين منهم خالفاً عن سالف يحفظ بهم دينه وكتابه وعباده، وتأمل إذا كان في الوجود رجل قد فاق العالم في الغنى والكرم وحاجتهم إلى ما عنده شديدة وهو محسن إليهم بكل ممكن ثم مات وانقطعت عنهم تلك المادة! فموت العالم أعظم مصيبة من موت مثل هذا بكثير، ومثل هذا يموت بموته أمم وخلائق كما قيل:
تعلم ما الرزية فقد مال
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حر
يموت بموته بشر كثير
وقال آخر:
فما كان قيس هلكه هلك واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما
اللهم اغفر لشيخنا العلامة عبد العزيز بن باز وارحمه وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين، وأنزله اللهم منازل الصديقين والشهداء اللهم آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* الدعوة: العدد 1694 - 19 صفر 1420 هـ، 3 مايو 1999.
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
المفضلات