الإمام العلامة ابن باز
مواقف ومشاهد ولمحات من أخلاقه وسجاياه
بقلم/ خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
أحد تلاميذه بمدينة الرياض
الحلقة الأولى
وفاة الشيخ -يوم الخميس في حياة الشيخ- جديةٌ وإنتاج وهمةٌ تعانق الثريا:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه الخطبة كان سماحة والدنا وشيخنا العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز يفتتح بها كثيراً من دروسه ومجالسه، وكأني بصوته المحبب إلى النفوس وهو يتردد في مسامعي، فما أعذبه من صوت، وما أصدقها من لهجة.
تسألني أيها الأخ الكريم عن الشيخ وسجاياه، فماذا عساي أن أقول إنسان هو البحر درراً ولؤلؤاً، إنسان تمثلت فيه أخلاق الإسلام
وسماحته، إنه صورة حية وواقعية لأخلاق السلف الصالح التي تبهر قارئها عند قراءة سيرهم في الكتب، حتى إنه ليخيل له أن ذلك من الخيال والأساطير، وقولنا في شيخنا ليس تألياً على الله، ولكن ذلك من باب الشهادة له بما علمنا، وبما نتيقن أن الله يجازي به عباده المتقين، هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحداً، ولأخبار الأجواد والنبلاء من الناس وذكر سيرهم وسجاياهم أثر عظيم في النفوس للتخلق بأخلاقهم والسير وفق منهاجهم.
وها هي الدنيا تظلم برحيل ذلك الشيخ المبجل والشيخ الأجل: عبد العزيز بن باز، وذلك فجر يوم الخميس 27/1/1420هـ، نعم والله قد ذهب رونق الحياة، فالدنيا متاع كما وصفها المصطفى e، ومتاعها ذلك متفرق في عدد من الأشياء، لكن بعد أن أسلم الشيخ ابن باز روحه لبارئها لم يبق لأي من متاع الدنيا بهاء ولا حسن ولا رونق، فقد كان الشيخ مثل دوحة غناء يتروح المرء في ظلالها، وتعبق روحه بعبيرها، وتسمو نفسه بمناظرها، ويتجدد نشاطه بجناها، فماذا عسى الأمر أن يكون حين يتبدل ذلك كله بصحراء مشمسة، قفراء مجدبة لا ظل فيها ولا ماء، فهكذا صارت الحياة برحيل الشيخ. قال الله تعالى: )أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا..( قال جمع من المفسرين: نقصها بذهاب بركاتها وذلك بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير فيها.
يا أيها الأخ الكريم: تسألني عن سجايا الشيخ، فما عساي أن أذكر، وكم سأدع، فالخاطر مكدر، والنفس مكلومة، والمصاب جلل، والفكر مشتت، والحبر يسبقه الدمع، لكني سأتجاوز ذلك من خلال واحدة من صفات الشيخ وهي الجدية في كل حين ومهما كان العائق فلا بد من العمل والإنتاج. يصحب ذلك همة عالية تعانق الثريا رفعة وتوقداً.
تلكم الخصلة كانت من أبرز ما يميز الشيخ، ومن لا حظ الشيخ لمس خصالاً فيه عظيمة تتجلى في تعامله اليومي، وأسأل الله أن ييسر لي إلقاء الضوء على شيء من ذلك بما يسعف به الذهن براً بشيخنا ونشراً لفضائله، ولكم كنت أعجب ويعجب غيري من تلك الهمة العالية والنشاط الدؤوب الذي كان عليه الشيخ في كل أحيانه وفي جميع مراحل عمره وحتى آخر يوم في حياته المباركة.
ودعني أنقلك من بين هذه الأسطر إلى مجلس من مجالس الشيخ: فهذا هو فجر يوم الخميس وها نحن في المسجد الجامع الكبير، حلقة علمية تجللّها السكينة ويحفها الوقار، والشيخ منتصب على كرسيه: شامخاً بوقاره وعلمه، وكمال خلقه، وحسن تربيته، وروعة طرحه وعرضه، ويتحلق حوله طلبة العلم على اختلاف أعمارهم وجنسياتهم ومستوياتهم العلمية، مع إجلال بالغ للشيخ عظيم وكمال أدب معه ومعرفة لمنزلته وتلطف في الحديث معه وطرح السؤال عليه،
حيث يقرأ على الشيخ في ذلك الدرس ما يزيد على عشرة كتب، ليتولى التعليق والشرح والبيان، وإذا تكلم في الفنون الأخرى علمت أنك أمام فكر متقد وعقل حصيف وبديهة حاضرة وموسوعة علمية لا نظير لها يستمر ذلك الدرس بعد صلاة الفجر ما يقرب من ثلاث ساعات، ولا أبالغ إذا ما قلت: ما من واحد من الحضور إلا وتأتيه سنة من نعاس، أو شرود فكر، لكن الشيخ حاضر بكل قواه وبدقيق المتابعة فلا تقرأ كلمة إلا وقد أحاط بها وتأملها، حتى إنه ليوقف القارئ على الأخطاء المطبعية، ولتواضعه واحتياطه يقول: ضع على هذا الموضع علامة ولتراجع الأصول والنسخ الأخرى، وذلك حتى لا يفتح الباب للتشكيك في الكتب.
ومن العجيب حقاً أنه ومع طول مدة الدرس إلا أن الشيخ لا يتململ ولا يمل ولا يغير جلسته، لكننا نحن الحاضرون لا تكاد تمر ربع ساعة إلا ويغير الواحد منا جلسته من التربع إلى القرفصاء إلى الاحتباء إلى غير ذلك، مع أن منا عدداً كبيراً في سن الشباب، فإذا انتهى الدرس قام الشيخ لأداء السنة بعد أن طلعت الشمس وارتفعت، وكأني بالشيخ -رحمه الله- وهو واقف يشوص فمه بالسواك، فيبادره بعض طلبة العلم ببعض الأسئلة خلال هذه الفترة الفاصلة فإذا أجاب عن عدد منها شرع في أداء السنة، ويا لله ما أخشعها وما أكملها من صلاة، وما أن يسلم الشيخ عن يساره ويستتم قائماً للخروج من المسجد حتى يحتف به طلبة العلم عن يمينه وعن يساره ومن خلفه
وأمامه ومع بعضهم أجهزة التسجيل، فذلك يستوضح مسألة في الدرس يريد لها إيضاحاً، وذاك يسأل عن مسألة وقعت له، وهذا يستشير الشيخ في منكر لاحظه.. فيجد الجميع جواباً شافياً مقروناً بالدليل الشرعي، فيبادره شخص: يا شيخ حدث كذا وكذا من الأمور المنكرة، فيجيبه الشيخ: اكتب لنا ونعالج الأمر مع المسؤولين -بإذن الله- لا بد من التعاون، السكوت ما ينبغي فيبادره آخر: يا شيخ طلقت زوجتي وأنا (جايك) من مكان بعيد والزوجة معي، فيبادره الشيخ: تأتينا في البيت أنت والزوجة بعد ساعتين وننظر في أمرك بما ييسر الله.
وها هو الشيخ يصل باب المسجد فيلبس نعليه -ومع كثرة الجمع الذين حوله والأسئلة المتوالية- فإنه لا ينشغل عن السنة فتسمعه يذكر دعاء الخروج من المسجد، وإذا ركب في السيارة وأخذ مكانه فيها، وكأني أنظر إليه -أسكنه الله الفردوس- يذكر دعاء الركوب ثم ينتظر كعادته بعض الدقائق ليجيب عن أسئلة أخرى، ثم يقول: من كان عنده حاجة أو شيء يمرنا في البيت الساعة العاشرة، فسبحان من أعطاه ذلك الجلد والتحمل والهمة التي لا تعرف الكلل، ثم ماذا؟!
يتوجه الشيخ بعد ذلك للبيت ليستكمل رسالته من موقع آخر.. ولن أطيل فقد لا يتسع المجال فها هو مجلس الشيخ مكتظ بالزائرين ولا أبالغ إذا ما قلت: إن مجلس الشيخ في كثير من الأحيان فيه أشخاص ينتمون إلى قارات الدنيا وعشرات الدول، فهذا أمير زائر
وذاك عالم دارس وهذا سفير إلى سائل وهذا غني وذلك فقير وهذا سائل وذاك مستفت وهذا داعية أو مندوب مركز إسلامي. مجلس يفيض حباً وبراً وإحساناً.
وبينما الجميع في هذا الجو المفعم بالأخوة الصادقة، أنصت الجميع لصوت الشيخ وهو قادم ولم يروه بعد.. لكن تسبحه وتحميده كان علامة مجيئه من داخل البيت إلى المجلس العام فتبهرك تلك الطلعة البهية التي يزينها الوقار وعلائم السنة، فيرحب الشيخ بالجميع وتدار القهوة والشاي والطيب، وعن يمينه أحد المشايخ وهو الشيخ محمد الموسى -مدير مكتب بيت سماحة المفتي- وقد تأبط الأوراق ونشر المعاملات واستعد بمحابره، وبينهما جهازان للهاتف لا يتوقف رنينهما بالاتصالات من كل صقع في الدنيا، ثم ينظر الشيخ حاجات الحاضرين وفي المعاملات، ويسأل عن أحوال الزائرين كيف فلاناً وكيف أهلكم، لعل فلان خرج من المستشفى، ثم بطلب رقم فلان من الناس من الكتب ليعزي أهله، وبين لحظة وأخرى يملي الفتاوى، وبينما نحن كذلك يقوم الشيخ إلى المجلس الآخر -مع أن المشي كان يكرثه في بعض الأحيان خصوصاً بعد سقوطه على ركبته قبل بضع سنين- وفي المجلس الآخر يوجد بعض النساء اللاتي جئن بصحبة أزواجهن للاستفتاء عن طلاق وقع بينهم، فيسأل الشيخ المرأة ويسأل زوجها ويراجعهما في الكلام ويتوثق من صحة كلام كل منهما والحال التي وقع فيها الطلاق، ثم يفتهم كتابياً بما يقتضيه الشرع المطهر،
ويوصيهما بتقوى الله والحذر من التلاعب بألفاظ الطلاق، ثم يعود الشيخ إلى مجلسه العام ويستمر على ذلك حتى صلاة الظهر فإذا أذن خرج إلى المسجد مباشرة، حيث أنه يتهيأ للصلاة بالطهارة قبل مجيئه لمجلسه.
ولم ينته الأمر بعد، فبعد الصلاة يعود الشيخ إلى بيته فيؤدي السنة الراتبة في البيت كما هي السنة، ثم يجلس في مجلسه مرة أخرى ليستقبل من يفد إليه، فهذا داخل وهذا خارج، وما جلس أحد في مجلسه إلا ودعاه الشيخ للغداء كبر قدر وعمر ذلك الشخص أو صغر، ويمكث على ذلك، حتى وقت الغداء، ووقت الغداء ثابت ومحدد، وإذا كان الشيخ صائماً دعا إلى التوجه للغداء كبر قدر وعمر ذلك الشخص أو صغر، ويمكث على ذلك، حتى وقت الغداء للناس واعتذر هو عن مشاركتهم، وإذا حضرت صلاة العصر خرج الشيخ من حين الأذان، وعقب الصلاة درسه اليومي في رياض الصالحين أو بلوغ المرام أو كتاب التوحيد، حيث يعلق على ذلك باختصار مفيد. وبعد أن يلتقط الشيخ أنفاسه براحة يسيرة عقب العصر، يخرج قبل المغرب إلى الجامع حيث الندوة العلمية الأسبوعية، والتي يعلق عليها الشيخ -رحمه الله- ويجيب فيها عن أسئلة الحضور، فيا لله ما أبلغ تواضع الشيخ وما أعظم همته، فالشيخ يجلس مع المستمعين بذهن حاضر لم يوهنه ذلك المجهود المتتابع منذ بواكير الصباح؛ وبعد صلاة العشاء يتفضل الشيخ بالتعليق وما أجمل تلك العبارات الرصينة الناصعة، وكأني بالشيخ
يمهد للتعليق بعد حمد الله تعالى والصلاة على نبيه e فيقول: "أما بعد: فقد استمعنا إلى هذه الندوة المباركة عن... والتي تفضل بإلقائها أصحاب الفضيلة.. وقد أبانوا ما ينبغي بيانه في هذه القضية، فجزاهم الله خيراً وضاعف مثوبتهم ووفقنا وإياكم وإياهم لما فيه الخير" ثم يشرع الشيخ بتلخيص الموضوع والتأكيد على بعض المواضيع وإيضاح المشكل.. إلخ، ثم يبهرك ذلك الترتيب العلمي في الإجابة عن الأسئلة مقرونة بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وكأنما الشيخ يقرأ من كتاب بين ناظريه.. إنه والله نور العلم والبصيرة والتوفيق من الرحمن.
وقد يُدعى الشيخ لبعض المناسبات الاجتماعية لأسرته أو لأهل العلم أو لطلابه فيجيبهم الشيخ ويشاركهم تلك المناسبة، وفي مجلس الشيخ تتوق النفوس إلى كلمة توجيهية من الشيخ فيجيبهم إلى ذلك ويتكلم بما يناسب المقام ويزجي النصح والتوجيه، وكأنما لم يسبق مجلسه هذا بذلك المجهود الحافل.
وإذا لم يرتبط بموعد فالعودة إلى البيت بعد الندوة، للراحة أم لأي شيء؟!
ها هو الشيخ يدخل المكتب أو المكتبة ويؤدي السنة الراتبة، ويجلس مع بضع المشايخ في مكتبه فيتناول القهوة مع بعض التمر، ويدعو جلساءه لمشاركته القهوة" تقهووا، اقعدوا، بارك الله فيكم، قربوا
لهم التمر.." ويستعرض الأسئلة أو المكاتبات الشخصية التي تلقاها في الندوة ويوجه فيها بما يسر الله، فلو كانت خمسين مكاتبة فلا بد أن يستعرضها الشيخ جميعها، فيا لله ما أحرصه على الخير وما أعظم نصحه وما أعلى همته!! وكأني أنظر إليه يتخفف من شماغه ويخرج تلك المكاتبات من جيبه تمهيداً لقراءتها، وربما كان من ضمن ذلك مظاريف تحوي مبالغ مالية من الزكوات أو الصدقات سلّمها له بعض الحاضرين في المسجد لعلمهم أنها إذا وصلت للشيخ فقد وصلت إلى مستحقيها، فيملي الشيخ على الكاتب بتوجيهها إلى ما يناسبها.
ولم ينته الأمر بعد! فالشيخ ما زال مستعداً للعطاء فها هي المعاملات يقرؤها اثنان، واحد عن يمينه وآخر عن شماله، وهاهي إحدى المكاتبات من أحد الدعاة الذين يكفلهم الشيخ يشكو إليه فيها بعض الحاجة، فيملي الشيخ على الكاتب رسالة موجهة إلى المسؤول عن الدعاة في تلك الجهة: (.. فإن الداعية.. قد جرت عليه وعلى أهله بعض الظروف الخاصة فإذا وصلكم كتابي هذا فيسلم له مبلغ(...) من حسابنا.. والسلام...).
وبينما الشيخ يملي على كل منهما، يطلب من أمين مكتبته العامرة بالبحث عن حديث، فبحث وشاركته البحث، قلنا: يا شيخ لم نجده قال: ابحثوا في المسند -مسند الإمام أحمد بن حنبل- فبحثنا من خلال الفهارس فلم نجد الحديث، ثم بحثنا من خلال الحاسب الآلي،
وقلنا: لم نعثر على شيء يا شيخ، فقال -رحمه الله- تأكدوا، الحديث في المسند، ابحثوا في كتاب كذا، في المجلد الفلاني، فرجعنا إلى حيث ذكر لنا الشيخ، فإذا بالحديث فيه، ثم بدأ بدراسة إسناده... فعجبنا من حفظ الشيخ وقوة استحضاره، وما زلت أذكر ذلك الحديث بمتنه وموضوعه.
ثم جاء من يخبر الشيخ بأن العشاء جاهز وتوجهنا معه، وحين انتقلنا إلى غرفة الطعام وأثناء الأكل وعند غسل الأيدي قبل وبعد الطعام وفي العودة مرة أخرى إلى المكتبة نسأل الشيخ ويجيبنا بنفس نشاطه وعطاء دفاق، وبعد العشاء قرأت على الشيخ الجزء المقرر في كتاب يتولى الشيخ مراجعته وتصحيحه، ثم طرح عليه الأخ الفاضل فهد البكران مندوب مجلة الدعوة الأسئلة الأسبوعية وأملى الشيخ إجاباتها، ثم يسأل الشيخ عن الوقت وكم هي الساعة وها هي تقترب من العاشرة والنصف، حينها يستسمحنا الشيخ بأدب أبوي وخلق سام بأنه سينصرف من المكتبة إلى داخل البيت تمهيداً للنوم ثم ينصرف الشيخ بخطاه الوئيدة ذاكراً لله حامداً له موصياً لنا بالهمة العالية والحرص على الخير والمبادرة إليه. وهذا الخميس يتكرر بهذا الجدول في الشهر أربع مرات، أقصد أن العمل والإنتاج متتابع وكل يوم له برنامجه، والشيخ مستمر على ذلك عشرات السنين في الرياض والطائف ومكة، بل قد تزيد بعض الأعمال في مثل موسم الحج وغيره
بل حتى في مرض الشيخ الأخير استمر على هذه الطريقة.. عظم الله مثوبته.
أتظن أيها القارئ الكريم أن هذا اليوم عرضي في برنامج الشيخ؟ كلا. فأوقات الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز مباركة ونتاجه مثمر ونشاطه متواصل وحرصه على الخير عظيم، فجعله الله مفتاحاً لخيرات كثيرة وكبيرة في أصقاع الدنيا. ومن كان له بعض ملاحظة للشيخ وهديه فقد كان يلاحظ أنه -رحمه الله- لا يفتر لسانه عن الذكر أبداً، شغوفاً بتلاوة القرآن والاستماع إليه، فكان يحافظ على حزبه اليومي من القرآن، فيتلوه في كل مناسبة تواتيه ماشياً أو راكباً قاعداً أو مضطجعاً.
وقد شهدت مجلساً قد دُعي الشيخ إليه في إحدى الولائم بعد العشاء، فلما أخذ الشيخ مكانه في المجلس وسأل عن أحوالهم وتعرف عليهم، قال الشيخ: من يسمعنا شيئاً من القرآن؟ فكأن الحاضرين تواكلوا على بعضهم فلم يردوا جواباً، فقال الشيخ: سبحان الله، لماذا لا ترغبون في الأجر؟ فقرأ أحد الحاضرين وشرع الشيخ بعد القراءة في بيان فضل التلاوة، وفسر الآيات التي تليت، ثم استمع الشيخ إلى بعض الأسئلة وأجاب عنها، ثم طلب أن يقرأ أحد الحاضرين ثانية وثالثة والشيخ يفسر تلك الآيات حتى وضع الطعام.
ومن جدية الشيخ ذلك الترتيب والجدولة الدقيقة للأعمال، بحيث
لا تتداخل أو يهمل شيء منها. ومن العجيب حقاً أن الالتزام بهذا البرنامج يشق على الشاب أن يسير عليه برغم همة الشباب وعنفوانه، لكن الشيخ برغم تقدمه في العمر وضعفه البدني فقد كان يحمل همة لا تعرف كللاً ولا مللاً.
فسبحان من آتاه ذلك، ورحمه الله وأعلى درجاته في الدنيا والآخرة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.
* الدعوة: العدد 1692 - 5 صفر1420هـ، 20 مايو 1999م.
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
المفضلات