المطلب الثاني
الموروثات الغيبية وعدم ذكرالقدس في التوراة
مع مرور الوقت، وظهور الاكتشافاتالأثرية الجديدة التي تشكك في الكثير من النصوص التاريخية والدينية التي تطرحهاالفئات الدينية المختلفة والدولة الإسرائيلية، تصبح مسألة إثبات الهوية اليهودية - الإسرائيلية أكثر تعقيدا، وهنالك محاولات دائبة من الكثيرين من الباحثينالإسرائيليين في مجالات مختلفة، وخاصة في علم الآثار وعلم الموروثات الجينية إلىجانب الأبحاث التاريخية، لإثبات الصلات والروابط التاريخية بين الجمهور اليهوديوبلاد فلسطين - كنعان التي يكنونها بمصطلح أرض إسرائيل (ארץ ישראלישראל إيريتس يسرائيل). وضمن تلكالمحاولات لإيجاد قرائن ولو مصطنعة وواهية لبلورة قصة "أرض الميعاد" وخلق مسوغاتوشواهد على التاريخ الإسرائيلي , وتساهم في ذلك بشكل أو بآخر مؤسسات الدولةالحكومية والحقوقية والمحاكم والشرطة التي بدأ موقفها من منع دخول اليهود للصلاة فيالحرم القدسي الشريف يتآكل مع مرور الوقت .

وهكذا وبشكل بطيء وتدريجي هنالك المزيد من الانتصاراتللمجموعات الدينية اليمينية التي تتكئ في إيمانها على موروثات غيبية غالبيتها تقومعلى زيف تاريخي وديني وضمن ذلك مسألة ما يسمى جبل الهيكل (הר הבית هارهبايت) , فالقدس لمتذكر بأي شكل من الأشكال في التوراة، ولاحقا فقط ذكرت في الكتابات الدينية اليهوديةالتي يرجح أنها كتبت بعد قرون من الأحداث التي تتحدث بشأنها، ثم إن التوراة منحتلبني إسرائيل في سيناء وليست في القدس الأمر الذي يصعب على رجال الدين اليهود مهمةتفسير مكانة القدس وقدسيتها التي ظهرت لاحقا لأسباب سياسية، وقد أكدت الدراساتالتاريخية والأثرية أن القدس "اورسالم" هي بالأساس بلدة يبوسية – كنعانية، ولم تكنأبداً ذات أهمية في الديانة اليهودية إلا في مراحل متأخرة، وحتى التفسيرات بشأنمكان الهياكل المزعومة هي تفسيرات مبهمة، وبشكل خاص الإدعاء بأن الحرم الشريف يقععلى جبل "موريا" الذي هو جبل الهيكل المزعوم، بينما حسابات دقيقة قد تشير إلى أنالهيكل أقيم في مكان آخر، وهذا ما يفسر عدم وجود أية دلائل أثرية رغم الحفرياتالمستمرة في المكان، وتحليلات الباحثين في المجال ومنهم الكثير من الباحثين اليهودتشير إلى أن القدس – اورسالم كانت المكان المخصص لعبادة الآلهة الكنعانية التي اخذمنها الإسرائيليون القدماء الكثير لديانتهم، إضافة إلى أنهم اقتبسوا منها الكثيرللغتهم العبرية التي بقيت لغة الكهنة فقط.
ويدعي رجال الدين اليهود أن الله (الوهيم) لم يرغب في منح القدس مكانة القدسية حتى لا ينشغل بها اليهود عن فرائضهمالدينية، ولكون تابوت العهد (ארון הברית ارون هبريت) الذي فيه التعاليم اليهودية غير مستقرالمكان وبدلالة التوراة لم يكن مكانه في القدس، وحتى اليوم لا يعرف مكانه الصحيح إنكان موجودا أساساً، وتنتشر أيضاً الشائعات بهذا الخصوص ومنها أن تابوت العهد يقبع فيمكان ما في الحبشة - أثيوبيا، وأيضاً هنالك تفسيرات لبعض رجال الدين اليهود الذينادعوا بأن الرب لم يرغب في ذكر اسم القدس – أورشليم في التوراة حتى لا تكون هنالكمشكلات بين الأسباط الإسرائيلية للسيطرة عليها، وحتى لا يعرف أعداء الإسرائيليونأهميتها وهذه تفسيرات واهية لا صلة لها بالواقع التاريخي الأرخيولوجي "الأثري" .
ومؤخرا تم السماح للمجموعات الدينية المتطرفة بتكثيف الزيارات للحرم القدسي الشريفمع بعض التحديدات مثل منع إحضار أدوات الطقوس الدينية وعدم الصلاة بشكل علني بينمايسمح لمن يرغبون الصلاة بالتمتمة أن يفعلوا ذلك، وأيضا تم السماح مؤخرا وبموافقة مايدعى محكمة العدل الإسرائيلية العليا (باجاتس) بوضع حجر أساس للهيكل المزعوم قربباب المغاربة.
وفي نظر الفئات الدينية المتطرفة يعتبر مثل هذا الأمر بمثابة انجازضخم لأنه بادرة لتغيير وجهة النظر الحكومية بالنسبة لموقفها من السماح لليهودبالصلاة بشكل علني في الحرم الشريف، ويجدر التنويه هنا إلى انه بعد احتلال القدسالعربية عام 1967 قررت الحكومة الإسرائيلية، بتوصيات من وزير الدفاع موشيه دايان،واستنادا إلى قرارات دينية هي نوع من الفتاوى (بيسقيّ هالاخاه)، عدم احتلال الحرمالشريف فعليا، ثم عدم السماح بدخول السكان اليهود للصلاة من منطلقات دينية على أنتناط إدارة شؤون المكان بالأوقاف الإسلامية، وكان المنع المتعلق باليهود هو بالنسبةلصلاتهم كمجموعات (تفيلات منيان) ولكن لم ينص قرار الحكومة بشكل فعلي على منع صلاةالأفراد، ولكن بشكل غير تظاهري وغير استفزازي، ولذلك فالفئات الدينية اليهوديةالمتطرفة تستند إلى هذه الثغرة لتقدم التماساتها المتوالية للمحكمة العليا في كلفرصة مواتية، مع ذلك فرضت الحكومة الإسرائيلية في حينه بعد إعلانها عن "قانون أساسالقدس كعاصمة إسرائيل" فرضت ما يسمى قانون الحفاظ على الأماكن المقدسة - لعام 1967الذي تتضمن بنوده حرية زيارة الأماكن المقدسة وضمن ذلك الحرم الشريف، ولكن لم يتضمنالقانون المذكور حرية العبادة , وهذا أيضا ما تسعى الحركات الدينية المتطرفةلتغييره من خلال أعوانها وموفديها في الحكومة والكنيست الإسرائيلية، وقد تكونالفرصة سانحة في المستقبل القريب لإجراء بعض التغييرات في هذا المضمار، خاصة وانإسرائيل هي دولة دون دستور مما يتيح للكنيست بأي أغلبية ولو عضوي كنيست مقابل واحدأن تتخذ أية قرارات , ثم إن الحركات المتطرفة، ومؤخرا مجموعة من أعضاء الكنيست،تحاول الاستناد إلى الإدعاء أن الراب العسكري شلومو جورن سعى هو ومجموعة من رجالالدين - الربانيم إلى السماح لليهود بالصلاة في ساحة الحرم. وكان جورن لاحقا يحضرللحرم للصلاة يومين في السنة , في يوم التاسع من آب اليهودي وهو يوم ذكرى خرابالهيكل، واليوم الآخر يوم صيام الغفران (יום הכפורים يوم كيبور)، وكان يقيم صلاته في مبنى "المحكمة" الذي استولت عليه قوات حرس الحدود الإسرائيلية وجزء منه يطل على منطقةالحرم.
ويشار أيضا إلى أن القائد العسكري للمنطقة الوسطى في حينه الميجور جنرالموشيه ليفي شارك هو الآخر في الصلوات بمبنى المحكمة، وقد حولت بعض غرف المبنى إلىكنيس يهودي مؤقت للصلاة.وهنالك ادعاءات بأن بعض أعضاء الكنيست ورؤساء المستوطنينيحضرون للصلاة في المكان بين فترة وأخرى وفي نظر البعض ربما يؤدي استمرار المطالبةوالضغط إلى الاستيلاء نهائيا على منطقة الحرم الشريف وإقامة ما يسمى بالهيكل (בית המקדשبيتهمكداش) مكان المساجد التي ستؤول إلى الزوال، بينما من منظور الكثيرين من الساسةالإسرائيليين وضع حجر الأساس للهيكل الثالث هو نوع من الانتصار المزعوم وربماانتصار سيكولوجي - نفسي لمواجهة خيبات الأمل المتتابعة التي اصطدمت بها كلالمحاولات المبذولة منذ عام 1969 لإثبات وجود أية صلات بين منطقة الحرم القدسي ومايسمى بالهيكل .
وأعمال الحفريات والتنقيب التي تستخدم فيها احدث الآلات لا تتوقفمنذ تلك الحقبة، وهدفها المعلن إيجاد أي إثبات يؤكد المزاعم والإدعاءات حول الروابطالدينية والتاريخية اليهودية بالمكان، وان الحرم القدسي يقوم على أنقاض ما يسمىبالهيكل الثاني، وعمليات الحفر التي قد تؤدي إلى زعزعة أسس الأماكن المقدسة والبيوتفي المنطقة تحظى بدعم الحكومات الإسرائيلية التي تسعى إلى فرض سيادتها، ولو على ماهو تحت منطقة الحرم الشريف، بالإدعاء أن هنالك " سيادة إسرائيلية تحت الأرض في جبلالهيكل" وهذا ما طرحه الإسرائيليون في مفاوضات سابقة، وقد تطرحه في مفاوضات ممكنةبالمستقبل واقتراحات لتفاهمات حول موضوع القدس بشكل عام ومنطقة الحرم الشريف بشكلخاص.
والجدير بالذكر أن ربط منطقة الحرم الشريف بالتاريخ والدين اليهودي يمنحالقائمين على تنفيذ الأمر مسوغات مصطنعة للتأكيد للإسرائيليين المشككين، وخاصةالعلمانيين منهم، أن هنالك روابط يهودية بالمكان، وفي المستقبل قد يمنح ذلكالحكومات الإسرائيلية وبسياسة "الاستيلاء الزاحف" المستندات القانونية لإحكامالاحتلال في منطقة الحرم القدسي الشريف ووضع أمر واقع يصعّب على المسلمين دخولالمكان للصلاة والتعبد.
ما زالت هنالك محاولات من جانب المجلس الديني اليهوديالأعلى (היהודי המועצההדתית למעלהموعيتست هرابنوت هرائشيت) حاليا لفحص إمكانية إقامة كنيس يهودي في الحرمالشريف تحت إدعاء أن الحرم الشريف يقع فوق المنطقة التي كان فيها الهيكل الثانياليهودي، وانه من حق اليهود الصلاة في إطار المكان خاصة، وان التخطيط هو لإقامةحمام خاص للاغتسال والتطهر قبيل دخول المكان للصلاة .
والحمام الخاص (ميكفه)الهدف منه تجاوز التحديدات التي وضعها كبار رجال الدين اليهود بالنسبة لدخول اليهودإلى منطقة الحرم الشريف، والتحديدات المذكورة حظرت دخول اليهود لمنطقة الحرم الشريفلأسباب دينية تتعلق بالتقاليد الدينية اليهودية , وعلى اعتبار أن من يدخل المكانعليه أن يتطهر بشكل خاص
أما موشي نيمان ، وهو من سكان مستوطنة ميتسبح بيركو ، فهو مسؤول عنالجوانب العملية في مشروع بناء نموذج الهيكل على تلال المستوطنة ، وكذلك عن تنميةالموارد المالية وحشد المؤيدين .