ونبدأ بعنصر الجهل فى كلام هذا الغبى

وأول ما نتناوله من ذلك قوله إن العرب كانوا طَوَال عمرهم وثنيين يعبدون نجمة الصباح وأفروديت، التى يسمونها فى لغتهم: "كَبَار"،

أى الكبيرة.
ويتبدى جهله هنا فى قوله إن العرب كانوا دوما وثنيين، إذ
الحقيقة أنهم كانوا قبل ذلك موحدين على دين أبيهم إبراهيم
، ثم طمس الزمن كثيرا من معالم هذا التوحيد، وإن بقى منهم ناس
لم يفارقوا وحدانيتهم الأصلية كانوا ينفرون من الأوثان وعبادتها
رغم قلة عددهم، فضلا عمن تحول إلى اليهودية أو النصرانية.
ثم أين يا ترى يمكننا أن نجد الإلهة "كَبَار"، تلك التى يزعم
ذلك الجاهل أن العرب كانوا يعبدونها؟
تنبيه : |
الواقع أن العرب لم يكن عندهم إلهة تدعى: "كَبَار"، كما لم يكونوا يعبدون أفروديت على عكس ما يزعم الجاهل، وإن علق محقق الكتاب فى الهامش
بما كتبه هيرودوت من أن العرب كانوا يعبدون
"أفروديت السماوية" ويسمونها: اللات. |
ومن جهله المدقع أيضا تصوره أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان
يكتب ما ينزل عليه من وحى ثم يتلوه على قومه مكتوبا.
وهذا أعجب شىء سمعته فى هذا الصدد، بل أول مرة أقرأ
فيها هذا الكلام العجيب، إذ من المعروف الذى لا يجهله
أحد سوى ذلك الجاهل المطموس البصيرة أن الرسول لم
يكن يمسك فى يده بكتاب يتلو منه على قومه ما يريد
تبليغه إليهم من وحى السماء، بل كان يفعل ذلك من
حفظه مباشرة.

وفى الآية السادسة عشرة وما بعدها من سورة "القيامة" نقرأ قوله تعالى مخاطبا نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام:
"لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَإتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ"،
وهو ما يشرحه ابن كثير فى تفسيره قائلا: -
"هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية
تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته
، فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل
الله له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه،
وأن يبينه له، ويفسره ويوضحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته،
والثالثة تفسيره وإيضاح معناه. ولهذا قال تعالى: -
"لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ"
أي: بالقرآن. كما قال تعالى:-
"وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْءانِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ
وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا" (طه/ 114).
ثم قال تعالى: -
"إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ"
أي: في صدرك،
"وَقُرْءَانَهُ" أي:-
أن تقرأه.
"فَإِذَا قَرَأْنَـاهُ" أي:-
إذا تلاه عليك الملك عن الله تعالى
"فَإتَّبِعْ قُرْءَانَهُ"
أي: فاستمع له، ثم اقرأه كما أقرأك.
"ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ"
أي: بعد حفظه وتلاوته نبينه لك، ونوضحه، ونلهمك معناه على
ما أردنا وشرعنا... وقال ابن أبي حاتم:-
حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو يحيى التيمي، حدثنا موسى بن
أبي عائشة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي،
يلقى منه شدة، وكان إذا نزل عليه، عرف في تحريكه شفتيه،
يتلقى أوله، ويحرك به شفتيه، خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ
من آخره، فأنزل الله تعالى:
"لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ".
ومن هذا يتبين أنه لم يكن هناك كتاب ولا كتابة، بل ذاكرة تحفظ ولسان يؤدى
ما حفظته الذاكرة، وهو ما تكفل الله به لنبيه على أحسن وجه. وهذا واضح
تمام الوضوح، وإلا لرد عليه المشركون فكذبوه بأنه إنما يقرأ عليهم
من كتاب فى يده لا من نص محفوظ فى ذهنه.
وغنى عن القول إن ذلك الدمشقى الجاهل لا يقصد أن وحيا قد نزل فعلا
على النبى صلى الله عليه وسلم، بل المقصود أنه عليه السلام كان
يزعم كذبا أن وحيا ينزل عليه. ويمضى الجاهل فينسب للنبى عليه
السلام القول بأن اليهود قد قبضوا على "ظِلّ" المسيح

وصلبوه.
وهو، بطبيعة الحال، ما لم يقله القرآن ولا النبى عليه الصلاة والسلام
كما هو معلوم للجميع. وهذا نص ما جاء فى القرآن المجيد
فى هذا الموضوع بسياقه كاملا، والكلام فيه عن بنى إسرائيل فى سورة النسآء:-
"فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)".
فأين الكلام عن ظل عيسى هنا؟؟؟؟
لقد قال القرآن إنه قد شُبِّه لليهود،
وهذا كل ما هنالك،
فلا ظلال ولا يحزنون.
المفضلات