عملية الحمل وأطواره -4-



أمّا القرآن الكريم، فيجيب على نفس التساؤلات في مطلع سورة الإنسان:
(هَلْ أتى على الإنسان حينٌ مِنَ الدّهْر لم يكن شيئاً مذكوراً  إنّا خلقناهُ مِنْ نُطفةٍ أمشاج نَبْتَليه فجَعَلناهُ سَميعاً بَصيراً )[ 1]

قال إبن جرير الطبري في تفسيره :
(إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج: إنّا خلقنا ذرية آدم من نطفة، يعني من ماء الرجل وماء المرأة. والنطفة كل ماء قليل في وعاء - كان ذلك في ركية أو قربة أو غير ذلك - وقوله "أمشاج" يعني أخلاط، واحدها مَشَجَ ومَشيج، يقال إذا مشجت هذا بهذا أي خلطته، وهو مشوج به ومشيج أي مخلوط... وهو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة)[2 ]

وقال عكرمة: أمشاج نبتليه: ماء الرجل وماء المرأة يمشج أحدهما بالآخر، أي ماء الرجل وماء المرأة يختلطان. وعن إبن عباس رضي الله عنهما: ماء الرجل وماء المرأة يختلطان. وعن الربيع بن أنس قال: إذا اجتمع ماء الرجل وماء المرأة. وقال الحسن البصري: مشج "خلط" ماء المرأة مع ماء الرجل. وقال مجاهد: خلق الله الولد من ماء الرجل وماء المرأة.[ 3] وقد قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائل لِتَعارفوا إنّ أكرَمَكُم عِندَ الله أتقاكُمْ.)[4 ]

أما إبن كثير فيقول في تفسيره :
(يقول تعالى مُخبِراً الإنسان أنّه وُجدَ بَعْدَ أن لمْ يّكُن شيئاً مذكوراً لضعفه وحقارته) ثم يستطرد مفسراً ("أمشاج" أي أخلاط، والمشج والمشيج المختلط بعضه مع بعض)

ويقول صاحب الظلال رحمه الله :
(ألأمشاج: الأخلاط. وربما كانت هذه اشارة إلى تكوّن النطفة من خلية الذكر وبويضة الأنثى بعد التلقيح. وربما كانت هذه الأخلاط تعني الوراثات الكامنة في النطفة والتي يمثلها علمياً ما يسمونه علمياً: "الجينات" وهي وحدات الوراثة الحاملة للصفات المميزة لجنس الإنسان أولاً، ولصفات الجنية العائلية أخيراً. وإليها يُعزى سير النطفة الإنسانية في رحلتها لتكون جنين إنسان لا جنين أي حيوان آخر، كما تُعزى إليها وراثة الصفات الخاصة في الأسرة، ولعلها في هذه الأمشاج المختلطة من وراثات شتى)[5 ]
وبذلك نرى أنّ غالبية المفسرين من قدامى ومحدثين متفقون على أنّ النطفة الأمشاج هي النطفة المختلطة من ماء الرجل وماء المرأة، وأنّ الخلق يتكون من نطفتيهما. ويؤكد القرآن الكريم على حقيقة حصر الخلق في الزوجية في أكثر من موضع في محكم التنزيل، أكتفي منها بما جاء في سورة الحجرات: (يا أيها الناس إنّأ خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم)[6 ] وفي تفسير تلك الآية يقول إبن جرير الطبري في تفسيره: (يا أيها الناس إنّا أنشأنا خلقكم من ماء ذكر من الرجال ومن ماء انثى من النساء، وبنحو ذلك الذي قلنا قال أهل التأويل)... وروى بسنده عن مجاهد قال: (لأنَّ الله تعالى يقول من ذكر وأنثى).

وقال إبن كثير في تفسيره: (يقول تعالى أنّه خلقهم من نفس واحدة، وجعل منها زوجها وهما آدم وحواء، أي من ذكر وأنثى)[7 ]

ويقول القرطبي في تفسيره: (ذهب قوم من الأوائل إلى أنَّ الجنين إنّما يكون من ماء الرجل وحده، ويتربى في رحم الأم ويستمد من الدّم الذي يكون فيه.... والصحيح أنّ الخلق إنّما يكون من ماء الرجل وماء المرأة - لهذه الآية - فإنها نَصٌ لا يحتمل التأويل، ولقوله تعالى (خلِق من ماء دافق يخرج من بين الصّلب والترائب)[8 ] والمراد منه أصلاب الرجال وترائب النساء... وأما ما احتجوا بهِ فليس فيه أكثر من أنّ الله ذكر خلق الإنسان من الماء والسلالة والنطفة، ولم يضفها إلى أحد الأبوين دون الآخر. فدلَّ على أنَّ الماء والسُّلالة لهما "والنطفة منهما" بدلالة ما ذكرنا. وبأنَّ المرأة تُمنى كما يُمنى الرجل)[9 ]

يتضح بجلاء مما تقدم أنّ ما إكتشـفة الإنسان وعلومه مؤخراً (في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين) قد سبقه القرآن الكريم بوضوح لا يحتمل أي تأويل أو شك. وزادت عليه الأحاديث الشريفة توضيحاً، فقدما الأجوبة الصريحة الدقيقة لإستفسارات الإنسان وتساؤلاته. كما أنّ نجوم هذه الأمة الصحابة الكرام ومن تبعهم من المفسرين والفقهاء قد فهموا من نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ما نفهمه نحن اليوم منهم، ويأكد فهمنا هذا الإكتشافات العلمية.


............................................................ ....................
............................................................ .....................
......
[1] الانسان: ( 1-2)
[2] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، جلد (29) ، صفحة: (120)
[3] البار، محمد علي، خلق الانسان بين الطب والقرآن،صفحة: (192)
(4) الحجرات: (13)
(5) قطب، سيد، في ظلال القرآن، مجلد:6، صفحة: ( 3779)
(6) الحجرات: (13)
(7) ابن كثير، تفسير ابن كثير، جزء:4، صفحة:(454)
(8) الطارق: (6-7)
[9] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مجلد: 16، صفحة 343)

............................................................ ....................
............................................................ .....................
.....
الموضوع منقول من : موسوعة الخلق والنشوء، حاتم ناصر الشرباتي، 1424هـ / 2002م. مكتبة الايمان - المنصورة
............................................................ ....................
............................................................ .....................
......

يتبع إن شاء الله.>>>>>>>>>>>>>>>>>>>