وأخيراً :

لابد أن تعلم المرأة المسلمة أن حفظ السر بحد ذاته من الفضائل والكمالات ,وإفشاءه من المثالب والأخطاء والعيوب , يقول الماوردي في الاسترسال بإبداء السر دلائل على ثلاث أحوال مذمومة : إحداها : ضيق الصدر وقلة الصبر حتى إنه لم يتسع للسر ولم يقدر على صبر , وقال الشاعر في ذلك :
إن المرء أفشى سره بلسانه .. ولا عليه غيره فهو أحمق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نقدمه .. فصدر الذي يستودع السر أضيق

الثانية : الغفلة عن تحذر العقلاء , والسهو عن يقظة الأذكياء , وقال بعض الحكماء :
انفرد بسرك ولا تودعه حازماً فيزل ولا جاهلاً فيخون .
الثالثة : ما ارتكبه من الغرر , واستعمله من الخطر , وقد قال بعض الحكماء :سرك من دمك فإذا تكلمت به فقد أرقته .

ولقد أدى إفشاء الحديث الذي أسره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حفصة ونقلته إلى عائشة وما تبع ذلك من تآمر ومكايدات في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهراً من شدة موجدته عليهن وفي ذلك يقول الله تعالى "وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير" التحريم 3 .

ثم يواجه المرأتين بخطئهما ويدعوهما إلى التوبة لتعود قلوبهما إلى الله بعد أن بعدت عنه بما كان منهما وإلا فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير" التحريم .

إن في هذا الحادث لتوجيهاً بليغاً للمرأة المسلمة بقيمة حفظ سر زوجها وأثر هذا الحفظ في استقرار النفوس والضمائر والبيوت . فهل تعي ذلك نساؤنا ؟
أسال الله تعالى ذلك وأن يستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا والله أعلم وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الشيخ محمد بن عبد الله الهبدان –
إمام وخطيب جامع العز بن عبد السلام ومدرس العلوم الشرعية بثانوية الأندلس