إذن الحديث كان سبب نزول آية التبليغ كما قال الطبري ..!!
إذن سأفند الآية والحديث معاً
إذن مع المشكلة والتضارب والتخاريف والأقوال :
القول الأول: أنها نزلت في أول البعثة ، وأن النبي ’خاف أن يبلغ رسالة ربه فامتنع أو تباطأ فهدده الله وطمأنه !
القول الثاني: أنها نزلت في مكة قبل الهجرة ، فاستغنى النبي
القول الثالث: أنها نزلت في المدينة ، فألغى النبي ’ حراسته!
القول الرابع: أنها نزلت في المدينة في السنة الثانية ، بعد أحُد !
القول الخامس: أنها نزلت أثر محاولة شخص اغتيال النبي
فأيهما الصح ياترى ...؟!!
كتر التضارب والتخبيص أن دل فيدل على بطلان الآية والحديث معاً
لنبدأ :
القول الأول: أنها نزلت في أول البعثة ، وأن النبي ’خاف أن يبلغ رسالة ربه فامتنع أو تباطأ فهدده الله تعالى وطمأنه !
روى السيوطي في الدر المنثور:2/298 والواحدي في أسباب النزول:1/139و438 عن ابن جريج قال: (كان النبي(ص) يهاب قريشاً فأنزل الله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ،فاستلقى ثم قال: من شاء فليخذلني.مرتين أو ثلاثاً. وعن مجاهد قال: لما نزلت:بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ،قال: يا رب إنما أنا واحدٌ كيف أصنع يجتمع علي الناس؟! فنزلت:وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ! والطبري:6/198 . والوسيط:2/208، عن الأنباري: (كان النبي يجاهر ببعض القرآن أيام كان بمكة ويخفي بعضه إشفاقاً على نفسه من شر المشركين إليه وإلى أصحابه) وقال في الكشاف:1/659،والوسيط:2/208: إن الآية وعدٌ بالعصمة من القتل!
وأكثر المخلطين في هذا القول ابن كثير ! فقد جعل الآية في أول البعثة وخلطها بآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وبتر حديث الدار الوارد في تفسيرها وحذف منه أن الله أمر نبيه ’ أن يختار خليفته ووصيه من عشيرته الأقربين، ثم أورد حديثاً وفسره بأن النبي ’كان يخاف أن يقتله القرشيون فطلب من بني هاشم شخصاً يكون خليفته في أهله ليقضي دينه، فقبل ذلك علي ×، ثم انتفت الحاجة إليه بنزول آية العصمة من الناس !
قال في النهاية:3/53 ، والسيرة:1/460: (قال عليٌّ: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، قال لي رسول الله: إصنع لي رجل شاة بصاع من طعام وإناء لبناً وادع لي بني هاشم ، فدعوتهم وإنهم يومئذ لأربعون غير رجل...الى أن قال: أيكم يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي؟ قال فسكتوا وسكت العباس خشية أن يحيط ذلك بماله... قلت: أنا يا رسول الله ! قال: أنت . ومعنى قوله في هذا الحديث: من يقضي عني ديني ويكون خليفتي في أهلي يعني إذا مت ، وكأنه صلعم خشي إذا قام بإبلاغ الرسالة إلى مشركي العرب أن يقتلوه فاستوثق من يقوم بعده بما يصلح أهله ويقضي عنه ، وقد أمنه الله من ذلك في قوله : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).انتهى.
وقد تجاهل ابن كثير أن روايته تنسب الجبن الى محمد
القول الثاني: أنها نزلت في مكة قبل الهجرة ، فاستغنى النبي ’ عن حراسة عمه أبي طالب أو عمه العباس! وهذا القول هو المشهور في مصادرهم، وبعض رواياته نصت على نزولها في مكة ، وبعضها لم تنص كرواية عائشة لكن البيهقي والسيوطي وغيرهما فسروها بذلك . روى في الدر المنثور:2/298 ، عن ابن مردويه والضياء في المختارة ، عن ابن عباس قال: (سئل رسول الله(ص): أي آية أنزلت من السماء أشد عليك؟ فقال: كنت بمنى أيام الموسم واجتمع مشركو العرب وأفناء الناس في الموسم فنزل علي جبريل فقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، قال: فقمت عند العقبة فناديت: يا أيها الناس من ينصرني على أن أبلغ رسالة ربي ولكم الجنة؟ أيها الناس قولوا لاإله إلا الله وأنا رسول الله إليكم ، تنجوا ولكم الجنة . قال فما بقي رجل ولا امرأة ولا صبي إلا يرمون علي بالتراب والحجارة ويبصقون في وجهي ويقولون كذاب صابئ ، فعرض عليَّ عارض فقال: يا محمد إن كنت رسول الله فقد آن لك أن تدعو عليهم كما دعا نوح على قومه بالهلاك، فقال النبي: اللهم اهد قومي فإنهم لايعلمون، وانصرني عليهم أن يجيبوني إلى طاعتك، فجاء العباس عمه فأنقذه منهم وطردهم عنه. قال الأعمش: فبذلك تفتخر بنو العباس... وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبدالله قال: كان رسول الله(ص) إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه ، حتى نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فذهب ليبعث معه فقال: يا عم إن الله قد عصمني لاحاجة لي إلى من تبعث) ! والطبراني الكبير:11/205 ، والزوائد:7/17.
أما رواية عائشة فرواها الترمذي:4/317: (قالت: كان النبي يُحرس حتى نزلت هذه الآية: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فأخرج رسول الله(ص) رأسه من القبة فقال لهم: يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله).والحاكم:2/313 .وقال البيهقي في سننه:9/8 : (قال الشافعي: يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغهم ما أنزل إليك ، فبلغ ما أمر به فاستهزأ به قومه فنزل:فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ) .
وفي الدر المنثور:2/291، و298: (وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: كان العباس عم النبي فيمن يحرسه فلما نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، ترك رسول الله الحرس . وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن أبي ذر قال: كان رسول الله لاينام إلا ونحن حوله من مخافة الغوائل حتى نزلت آية العصمة).وأخذ بهذا القول: السهيلي في الروض الأنف:2/290 ، والقسطلاني في إرشاد الساري: 5/86 ، وابن العربي في شرح الترمذي:6 جزء11/174. والعيني في عمدة القاري:14/95 وابن جزي في التسهيل:1/244، والنويري في نهاية الأرب:16/196 ، والنيسابوري في الوسيط:2/209 ، والدميري في حياة الحيوان:1/79 . والزمخشري:1/659، والفخر الرازي:6 جزء12/50 ، مع أنهما قالا غير ذلك كما تقدم ! وأخذ به صاحب السيرة الحلبية:3/327 ، واغتنم الآية لإثبات فضيلة لأبي بكر فناقض نفسه ! قال: (سعد بن معاذ حرسه ليلة يوم بدر ، وفي ذلك اليوم لم يحرسه إلا أبو بكر شاهراً سيفه حين نام بالعريش ) .
ويدل على بطلان هذا القول: أن الآية في سورة المائدة نزلت قبيل وفاة النبي ’ ، ولا يصح ربطها بالحراسة، وعمدة أدلتهم على ذلك رواية القبة عن عائشة ، لكنها تدل على إلغائه الحراسة في المدينة ، والترمذي لم يصححها، وضعف سندها سعيد بن منصور:4/1503.
ورواية حراسة العباس للنبي ’ضعفها الهيثمي. وغيرهما ليس مسنداً.
لكن مهما صحت رواياتهم فالواقع يكذبها ، لأن المجمع عليه في سيرته ’ أنه كان يطلب من قبائل العرب أن تحميه وتمنعه من القتل لكي يبلغ رسالة ربه ، وقد بايعه الأنصار بيعة العقبة على أن يحموه ويحموا أهل بيته مما يحمون منه أنفسهم وأهليهم ، فلو كانت آية العصمة نزلت في مكة وكان معناها كما زعموا ، لما احتاج إلى ذلك !
القول الثالث: أنها نزلت في المدينة ، فألغى النبي ’ حراسته!
ورووا فيه أحاديث ، منها حديث القبة المتقدم عن عائشة . وفي الدر المنثور:2/298: (أخرج الطبراني وابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال: كنا نحرس رسول الله (ص) بالليل حتى نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فترك الحرس. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ...قال رسول الله: لاتحرسوني إن ربي قد عصمني. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن شقيق: كان يعتقبه ناس من أصحابه فلما نزلت: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فخرج فقال: يا أيها الناس إلحقوا بملاحقكم ، فإن الله قد عصمني من الناس . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي أن رسول الله ما زال يحارسه أصحابه حتى أنزل الله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فترك الحرس حين أخبره أنه سيعصمه من الناس). وتاريخ المدينة: 1/301 ، عن ابن شقيق والقرظي ، والطبري: 6/199 ، عن ابن شقيق . والطبقات:1/113، والبيهقي في دلائل النبوة: 2/180 .
ويدل على بطلان هذا القول ، وكل الأقوال التي ربطت نزول آية التبليغ بالحراسة ، أنها نزلت في سورة المائدة بعد الوقت الذي زعموه مضافاً الى أن حراسته ’ استمرت الى آخر عمره كما يأتي !
القول الرابع: أنها نزلت في المدينة في السنة الثانية ، بعد أحُد !
في الدر المنثور: 2/291: (أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله(ص) فقال: يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبي: إني رجل أخاف الدوائر ، لا أبرأ من ولاية مواليَّ. فقال رسول الله لعبد الله بن أبي: أبا حباب أرأيت الذي نفستَ به من ولاء يهود على عبادة فهو لك دونه ! قال: إذن أقبل ، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..إلى أن بلغ إلى قوله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).انتهى.
وقصدهم أن آية التبليغ نزلت في سياق النهي عن تولي اليهود ، فيكون موضوعها النهي عن ولايتهم ، وليس وجوب ولاية علي ×.
ويكفي لبطلان هذا القول ، أنه من كلام عطية بن سعد ولم يسنده إلى النبي ’. وهو لا يفسر: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، مضافاً إلى عدم صحة نزول الآيات في سورة المائدة في قصة ولاء ابن سلول لليهود ، الذي توفي قبل نزول سورة المائدة بنحو سنتين ! (تاريخ الطبري:2/381) .
القول الخامس: أنها نزلت أثر محاولة شخص اغتيال النبي ’ ، وتناقضت روايتهم في ذلك ، فقال بعضها إن الحادثة كانت في غزوة بني أنمار المعروفة بذات الرقاع ، وإن شخصاً جاء إلى النبي ’ وطلب منه أن يعطيه سيفه ليراه ، فأعطاه النبي ’إياه بكل سهولة ! أو كان علقه وغفل عنه ، أو دلى رجليه في البئر وغفل عنه... إلخ. !
قال السيوطي في الدر المنثور:2/298: (وأخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال: لما غزا رسول الله (ص) بني أنمار نزل ذات الرقاع بأعلى نخل ، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه ! فقال غورث بن الحرث: لأقتلن محمداً ، فقال له أصحابه: كيف تقتله ؟ قال أقول له أعطني سيفك فإذا أعطانيه قتلته به ! فأتاه فقال: يا محمد أعطني سيفك أشِمْهُ، فأعطاه إياه فرعدت يده ، فقال رسول الله: حال الله بينك وبين ما تريد ، فأنزل الله:يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..الآية. وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال: كان رسول الله(ص)إذا نزل منزلاً اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها، فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ قال: الله ، فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف منه ، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثرت دماغه فأنزل الله: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .
وأخرج ابن حبان وابن مردويه عن أبي هريرة قال:كنا إذا صحبنا رسول الله في سفر تركنا له أعظم دوحة وأظلها فينزل تحتها..الخ.).
ومما يدل على بطلان هذا القول ، أن غزوة ذات الرقاع كانت في السنة الرابعة من الهجرة(سيرة ابن هشام:3/225)أي قبل نزول سورة المائدة بسنوات، وبعض روايات قصة غورث بلا تاريخ، وبعضها غير معقول!
على أن نزولها في قصة غورث معارض برواية مصادرهم المعتمدة ، ففي سيرة ابن هشام:3/227 ،أن الآية التي نزلت في قصة غورث قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ ، وهذا لايصح لأن هذه الآية من سورة المائدة أيضاً ! كما روى بخاري وغيره تشريع صلاة الخوف في غزوة الرقاع ، وتشديد الحراسة على النبي ’ حتى في الصلاة ، وهو كافٍ لرد نزول آية العصمة فيها ! قال في صحيحه:5/53: (عن جابر قال: كنا مع النبي(ص) بذات الرقاع فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي، فجاء رجل من المشركين وسيف النبي معلق بالشجرة، فاخترطه فقال له: تخافني؟ فقال لا. قال فمن يمنعك مني؟ قال الله . فتهدده أصحاب النبي(ص) وأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين.. إسم الرجل غورث بن الحرث). ونحوه الحاكم:3/29 ، على شرط الشيخين، وفيه أن النبي ’ صلى بعد الحادثة صلاة الخوف بحراسة مشددة ! وروى أحمد قصة غورث:3/364 و390 و:4/59، وفيها صلاة الخوف وليس فيها نزول الآية ! ومجمع الزوائد:9/8 ،بتفصيل وليس فيها نزول الآية .
المفضلات