سابعا : أراء السابقين في تفسير النصوص في الميزان:
ذكر الشيخ عبد الرشيد قاسم في دراسة قيمة آراء علماء السلف عن هذا الحديث ، كما ذكر فيها أيضا تفسيرات المعاصرين ، و مما ذكره الشيخ : " أما المعاصرون فقد فسروا الحديث بعدة تفسيرات، ومن أبرزها : الأول : إذا علا مني الرجل مني المرأة : أي جاء فوقه ، وبالطبع لا يأتي شيء فوق شيء إلا إذا كان هذا الشيء موجودًا قبل، وهذا يعني أن المرأة تصل إلى ذروتها فيأتي سائله المنوي بعد إفرازات المرأة ويأتي فوقه، وفي هذه الحالة يأتي المولود "ذكرًا" "بإذن الله" ، وأما إذا علا مني المرأة مني الرجل أي إذا وصلت المرأة ذروتها وقذفت بالسوائل في المهبل بعد أن يقذف الرجل سائله المنوي في مهبلها وتأتي إفرازاتها على سائل الرجل المنوي فإن المولود يكون "أنثى" حيث يصل الرجل أولا ثم المرأة ووصول المرأة لذروتها بعد الرجل يساعد على إنجاب البنات " ( ٢٢ ) ، وفي الحقيقة الرأي السابق قد جانبه التوفيق ، وذلك من جهتين : أولا ، لأنه يفترض أن السوائل التي تفرزها المرأة عندما تصل إلي ذروتها هي منيها الذي يقابل مني الرجل ، وهذا كما سبق إيضاحه غير صحيح علميا ، ثانيًا : يفترض هذا الرأي أن أحد المنيين يكون موجودا و يأتي الآخر فوقه ، و أيضا هذا التأويل يعتبر غير صحيح علميا ، فمن المعروف أن من خواص السوائل أنها تمتزج مع بعضها البعض عن اختلاطها ، فلا يقع أحدهما علي الآخر خاصة إذا كانت كثافتهما متقاربة كما هو الحال في السوائل التي يفرزها جسم الإنسان كالمني وغيره.
ومن الآراء السابقة أيضًا والتي تبحث في العوامل التي تتحكم في جنس الجنين ، ما ذكره الدكتور النشواتي : " لقد تبين أن أهم العوامل التي تتحكم بجنس الجنين تفاعل مفرزات عنق الرحم قبيل القذف ، والرعشة لدي الزوجة ، و كما أسلفت فإن الحيوانات المنوية علي نوعين : أحدهما يحمل صفات الذكورة وفي داخله الصبغي (y) ، وهو سريع الحركة و ذو رأس صغير مدبب مغزلي الشكل و ذيله طويل و دقيق
ويتأثر وبشدة في الوسط الحامضي ، فهو يتثبط و يفنى عدد كبير منه بفعل سوائل و مفرزات عنق الرحم الحامضية التفاعل ، و يتحرض وينشط في الوسط القلوي ، أما النوع الآخر فهو بطيء الحركة و رأسه كبير نسبيا و مستدير و ذيله قصير و غليظ ، ويحتوي في داخله الكروموسوم (x) الذي يمثل الصفات الأنثوية و الجنس الأنثوي ، وهو يتحرض في الوسط الحامضي و يتثبط في الوسط القاعدي " ، و يضيف الدكتور النشواتي في فقرة أخري عند الإثارة الجنسية التامة للزوجة تزداد مفرزات عنق الرحم غزارة و تصبح قلوية التفاعل ، خصوصًا إذا بلغت المرأة قمة النشوة فاستجابت وارتعشت ، و بما أن السوائل القلوية تنشط سباحة و حركة الحوينات المنوية الذكرية الصفات و تثبط في الوقت ذاته النطف الأنثوية الصفات ، لذا ستنفق الغالبية العظمى من النطف الأخيرة و سيتثبط ما بقي منها ، فتتخلف و تنسحب من السباق ، بينما تسعى النطف المذكرة بحرية ونشاط فائقين لتحظى بشرف تلقيح البويضة ونجاب مولود مذكر "بإذن الله تعالي" ، أما إذا لم تبلغ الزوجة مرحلة الرعشة ، كأن تكون مصابة بالبرود الجنسي فإن مفرزاتها ستبقي حامضية و ستكون السبب في إنجاب البنات من دون البنين ، مالم تراجع الطبيب و تتقيد بالمعالجة ( ١٤) ، و في الفقرة السابقة ورد أكثر تفسير علمي شائع لقضية تحديد الجنس ، وبالرغم من صحة الخصائص الطبيعية و الكيميائية لنوعي الحيوانات المنوية ، إلا أنه هناك العديد من التأويلات الغيرصائبة في تفسير سلوك هذه الحيوانات المنوية و تفاعلها مع إفرازات المرأة ، وهي:
أولا : من المعروف أن تفاعل المهبل حمضي في الظروف الطبيعية (pH 3.8 – 4.5 ) ، إلا أنها قد تصبح قلوية (4.5 < pH ) لأسباب طبيعية غيرمعدية : في أثناء الطمث ، زيادة إفراز عنق الرحم( وقت التبويض) ، بعد اللقاء الجنسي ( بسبب وجود السائل المنوي ) ( ٢٣ ) ، وتنتج هذه الحموضة بسبب وجود العصيات اللبنية (عصيات دودرلين ، Doderlin's bacilli) عن طريق إفراز مواد حمضية التفاعل (٢٤) و في الظروف الطبيعية ، تعتبر هذه الدرجة البسيطة من الحموضة في المهبل واحدة من الآليات الوقائية للمهبل ضد الجراثيم الضارة (25).
=*=*=*=*=*=*=
١٤ . النشواتي ، محمد نبيل ، الإعجاز الإلهي في خلق الإنسان و تفنيد نظرية داروين. دار القلم ، دمشق.
٢٢ - قاسم ، عبد الرشيد محمد أمين ، "اختيار جنس الجنين " دراسة فقهية طبية طبع ونشر دار الأسدي بمكة المكرمة .
24-Mardh, (1991) : The vaginal ecosystem. Am. J. Obst. & Gyn., 165 : 1163 - 68
25-Hanna, N. F., D. Taylor-Robinson, M. Kalodiki-Karamanoli, J. R. Harris, and Mc Fadyen I. R. (1985) : The relation between vaginal pH and the microbiological status in vaginitis. Br. J. Obstet. Gynaecol., 92:1267-1271
يتبع ...
المفضلات