الأزمة الرابعة: ضياع الوقت
وأما الأزمة الرابعة: فهي ضياع الأوقات، الذي يُبتلى به كثير من الشباب، ولو صلّى وصام وحج واعتمر.
والوقت عندنا في الإسلام يكون لخدمة الآخرة، ولو كان عملاً دنيوياً، ويكون ذلك بإخلاص النية، وتوجيهها وجهة الآخرة.
أما الجلوس بلا عمل، ولو كان دنيوياً فهذا مرض عُضال يُصاب به البعض.
قال عمر رضي الله عنه: [إني لأرى الرجل ليس في مهنة من الدنيا، ولا عمل للآخرة، فيسقط من عيني].
قال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)).
فالليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، وهو كنز لمن أراد أن يستغله في فكر، أو طاعة، أو عبادة، أو علم نافع.
دخل أحد الأخيار المسجد، فوجد رجلاً حزيناً فسأله: ما بك؟
فإذا هو قد فاتته صلاة الجماعة.
فانظر إلى حزنهم ولوعتهم على ضياع الأعمال الصالحة، وانظر إلى تفريطنا نحن الذين تضيع منا الصلوات تلو الصلوات، ونخسر الأجور تلو الأجور، فالله المستعان.
ويقول تعالى مبيناً أن الإنسان لم يُخلق للعبث: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى الله الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)).يقول ابن القيم : الضياع على عشرة أسباب؛ وأعظمها ضياع القلب، وضياع الوقت، ولا عوض منها أبداً.
فالقلب إذا ضاع منك، فقد خسرت مصيرك.
والوقت إذا ضاع منك، فقد ضاع عمرك.
أشابَ الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومَرّ العشي
إذا ليلة هزمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة مابقي
وقال الحسن البصري : [كل ما أصبح صباح نادى منادي: يا ابن آدم اغتنم هذا اليوم فإنه لا يعود أبداً إلى يوم القيامة].
وقيل لـكرز بن وبرة : اجلس معنا، قال: احبسوا الشمس!
لأنها لن تعود أبداً لهذا اليوم.
وكان ابن عقيل رحمه الله، لا يضيع شيئاً من وقته، فإذا أتى ينام فكر فيما يكتب غداً، وإذا استلقى ليرتاح سبّح واستغفر، فهو ما بين عبادة وعلم.
فالله، الله، يا شباب بحفظ أوقاتكم، فإنها والله لا تعود لكم إذا فرطتم فيها، فاستغلوها، واكسبوا فيها خيراً من عبادة، أو علم، أو نفع للآخرين، أو دعوة.
أزمات أخرى
أخيراً: هناك بعض الأزمات لم أتطرق إليها، وهي معلومة للجميع.
منها: أن يكون البيت الذي يعيش فيه الشاب منحرفاً.
فيكون الشاب في صراع داخلي مع أهله، حيث يصرفونه عن الهداية، وهو يريدها، فواجبه الصبر والدعوة لهم لعل الله تعالى أن يحدث بعد ذلك أمراً.
وهناك الضغينة التي تنشأ بين الشباب بسبب الاختلافات التي لا بد من حدوثها بين البشر.
فواجب الشباب أن يعالجوها بالعذر للآخرين، ومباحثتهم بالحب والمودة، وأن يدعو لبعضهم بظهر الغيب.
هذا في مسائل الفقه والمسائل الاجتهادية في أمور الدعوة، وهو الذي يحدث كثيراً بين الشباب.
أما المسائل الأصولية، فالجميع والحمد لله متفق عليها.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم.
بقلم الدكتور/عائض القرني حفظه الله ورعاه
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
المفضلات