

-
من تاريخ دراسة العلوم العربية في روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفيتي (سابقاً)

بقلم: الدكتور محمود الحمزة
كبير الباحثين العلميين في معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا (معهد فافيلوف)
أكاديمية العلوم الروسية - موسكو
بدايات الاستعراب الروسي:
مرحلة الاستعراب في القرن 18-19 م:
مرحلة المستعرب كراتشكوفسكي:
مرحلة مؤرخ الرياضيات يوشكيفيتش:
النتائج الأساسية لمدرسة تاريخ العلوم العربية في روسيا:
دراسة الفلك والطب والفلسفة والميكانيكا العربية:
كلمة أخيرة:
إن الأهمية البارزة للثقافة العربية في التاريخ العالمي بعامة وفي تاريخ العلم بخاصة، أصبحت الآن أمراً معروفاً ومتفقاً عليه. فقد احتل التراث العربي، منذ زمن، مكانة مرموقة في الأدب العالمي، وأصبح جزءاً أساسياً من الثقافة الإنسانية العامة. كما أدت أبحاث العلماء في كثير من الدول والتي بدأت منذ بداية القرن العشرين إلى إلقاء الضوء على دور المؤلفين العرب في القرون الوسطى (الذين عاشوا وعملوا في مساحة واسعة ممتدة من أسبانيا وشمال افريقيا حتى الهند) في تطوير فروع كثيرة من العلم: التاريخ، الجغرافيا، الكيمياء، البيولوجيا، الطب، العلوم الرياضية والفيزيائية. وكان للعلماء الروس والسوفييت نصيباً وفيراً واسهاماً متميزاً في دراسة الثقافة والعلم العربيين وبما فيهم المستعربين والمتخصصين في بعض المجالات العلمية الدقيقة.
ونميز في تاريخ دراسة العلم العربي في روسيا والإتحاد السوفيتي (سابقاً) جانبين: فمن جهة- التسلسل الزمني لهذه الدراسة ومن جهة أخرى إشكالية الدراسة. وفي نفس الوقت فهما مرتبطتان بشكل قوي مع بعضهما البعض.
تتميز المرحلة الأولى من دراسة العلم العربي في روسيا بالبحوث في مجال الإستعراب في المعنى الضيق للكلمة: دراسة اللغة والأعمال الأدبية والدينية. واختتمت هذه المرحلة في أواسط القرن 19 م بنشوء مدرسة الإستعراب الروسية، والتي حظيت بتقدير عال من المستعربين في العالم بأجمعه. أما دراسة المؤلفات العلمية للعلماء العرب، فتعود إلى مرحلة متأخرة نسبياً وقد بلغت مستوى متقدماً من التطور في 50 سنة الأخيرة.
بدايات الاستعراب الروسي:
انطلاقاً من مبدأ الترتيب الزمني، نتوقف باختصار عند تاريخ الإستعراب الروسي ومن ثم ننتقل إلى تاريخ دراسة العلم العربي في روسيا والجمهوريات المستقلة. انتشرت الأخبار عن العرب والبلاد العربية في بلاد الروس في وقت مبكر- في تخوم القرن 9-10 للميلاد، وذلك مع تطور التجارة العالمية في القرون الوسطى. وتشهد على أبعاد هذه التجارة الكنوز المتعددة من العملة العربية المعدنية التي عثر عليها علماء الآثار وما زالوا يعثرون عليها بمحاذاة الطرق التجارية القروسطية. عرف العرب طريق التجارة عبر البلطيق وبحر قزوين بشكل جيد لدرجة أن الجغرافيين العرب مثل ابن حوقل أطلقوا على نهر الدون تسمية "نهر الروس". وكانت منطقة خوارزم إحدى مراكز الاتصالات النشطة بين العرب والروس على مفترق الطرق الهامة للتجارة العالمية التي تنطلق من بلاد الروس وحوض الفولغا إلى آسيا الوسطى ومنغوليا والصين. وقد قدم الجغرافي المعروف ابن فضلان من القرن 10 م معلومات قيمة عن شعوب حوض الفولغا والروس. وكان ابن فضلان أحد مبعوثي الخليفة بدعوة من البولغار في منطقة حوض الفولغا. وكان البولغار قد اعتنقوا الإسلام قبل ذلك (922 م).
إن عملية تبلور الأفكار العلمية في روسيا الموسكوفية، جرت ليس على أساس التقاليد العلمية اليونانية والبيزنطية فحسب وإنما لعبت هنا دوراً بارزاً التقاليد العلمية العربية. وانعكس ذلك بشكل خاص في مجال تشكل الأفكار والتصورات الفلكية والتنجيمية. ويرجع المؤلف الفلكي "شستوكريل" الذي انتشر في روسيا القروسطية إلى المصادر العربية، وبشكل أدق إلى النموذج (الموديل) الهندسي- الحركي للبتروجي (ق 12 م).
تسربت معلومات عن الطب العربي عبر أوروبا الغربية إلى روسيا الموسكوفية، ولقي انتشاراً واسعاً "كتاب العلاج للطبيب اسحاق" وهو مخطوطة للطبيب الفيلسوف إسحق بن سليمان (900 م). لكن روسيا الموسكوفية لم تؤسس بعد لتقليدها الخاص في الإستعراب العلمي ولم تبن قاعدة له من خلال تجميع المخطوطات العربية. علماً أن المصادر تتحدث عن مجموعة (من المخطوطات) كانت تشكل جزءاً من مكتبة، لم يعثر عليها حتى الآن، تعود للقيصر إيفان الرابع(الرهيب) ويبقى ذلك مجرد احتمال ممكن.
مرحلة الاستعراب في القرن 18 – 19 م:
بدأت أولى الأعمال الروسية في مجال الإستعراب في القرن 18 م بناء على مبادرة من القيصر بطرس الأول، الذي زار بنفسه أنقاض مدينة بولغار على ضفاف الفولغا وأعطى توجيهاته بنسخ بقايا الكتابات العربية المحفوظة هناك، وتم نشرها جزئياً فيما بعد. وقد لعب دوراً هاماً في تطوير الإستعراب الروسي ،في تلك الفترة، الكاتب المعروف أ.كانتيمير (1673-1723) والذي أسست أول مطبعة بالحرف العربي بفضل مبادرته وفي عام 1716 م صدرت في روسيا أول ترجمة كاملة للقرآن الكريم باللغة الروسية. كما أنشئت، بتوجيه من القيصر بطرس الأول، أولى مدارس الترجمة للمستعربين. أما في النصف الثاني من القرن 18 م.فقد دخلت اللغة العربية في مناهج المدارس الثانوية في بعض المدن الروسية (مثل استراخان).
وتعود انطلاقة العهد الجديد في الإستعراب الروسي إلى بداية القرن 19 م:
أولاً: حسب النظام الداخلي للجامعة في 1804 م تم إدخال تدريس اللغات الشرقية في الجامعات الروسية. وتأسست أولى أقسام اللغة العربية في خاركوف وقازان وفيما بعد في موسكو. وترأس القسم في موسكو أ.ف.بولدرين (1758-1842) وهو مؤلف أول "مختارات عربية" في روسيا، أما القسم الذي تأسس في وقت لاحق في بطرسبورغ فترأسه الكاتب والمستشرق المعروف على نطاق واسع في روسيا و.ي. سينكيفتش (1800-1858)، وقد بقي رئيساً للقسم 25 سنة (1822-1847).
ثانياً: يمكن اعتبار البداية الفعلية للإستعراب العلمي في روسيا في عام 1817م حيث تأسس "المتحف الآسيوي" في بطرسبورغ على يد أحد أكبر المستشرقين في ذلك الحين خ.د. فرين (1782-1851) الذي عمل قبل ذلك عشر سنوات في قازان. وكان قد أجرى سلسلة كبيرة من الأبحاث في علم المسكوكات (النميات) العربية (حسب مقتنيات المجموعات الروسية) وقام بدراسة المراجع العربية في تاريخ بلاد الروس. وتعود إليه، بشكل خاص أولى الدراسات لأعمال ابن فضلان. وبهذا العمل الكلاسيكي تم بشكل ناجح افتتاح تاريخ الإستعراب العلمي في روسيا وفي 1819 م اقتنى "المتحف الآسيوي" مجموعة كبيرة من المخطوطات العربية، والتي اغتنت عام 1825 م بمجموعة أخرى. وأضافت "الإدارة الآسيوية" التي تأسست عام 1813م مخطوطات أخرى.واستمر تزويد المتحف الآسيوي بالمخطوطات العربية الجديدة سواء بشكل منفرد أو على شكل مجموعات كاملة قدمت كهدايا للمتحف من أشخاص، معظمهم كانوا من الدبلوماسيين في بلاد المشرق.
وقد تحول المتحف الآسيوي إلى معهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية (فرع لينينغراد). وفيما بعد، في عام 1854 تأسست كلية اللغات الشرقية في جامعة بطرسبورغ، والتي احتوت على قسم اللغة العربية وآدابها. وكان من أوائل خريجيه ف.ف. غرغاس (1835-1887) الذي ألف قاموساً شهيراً وكتاب "مختارات"، كانت مرجعاً لعدة أجيال من المستعربين الروس.
لقد ظهر في موسكو عام 1872 مركز آخر لدراسة اللغة العربية- معهد لازاريف للغات الشرقية، الذي أصبح مع بداية القرن العشرين مركزاً حقيقياً للإستعراب العلمي وترأسه آنذاك أ.ي.كريمسكي (1871-1941). وينتمي إلى المدرسة الموسكوفية أ.أ. سيميونوف أول مختص في العلوم الإسلامية وتاريخ المذهب الإسماعيلي. أما في قازان فقد وضعت أسس الإستعراب من قبل فرين.
ومن أشهر المستعربين في قازان كان المستعرب الكبير غ.س. سابلوكوف (1804-1880)، الذي أعد ترجمة رائعة للقرآن الكريم حسب التقليد الإسلامي المتأخر وتعود كذلك إلى سبلوكوف ترجمة بعض أجزاء مؤلفات ابن فضلان. وترأس إدارة المتحف الأسيوي بعد فرين، المستعرب ب.أ. دورن (1805-1881) الذي عمل على دراسة المصادر العربية في تاريخ القوقاس وشواطئ بحر قزوين، حيث بذل قصارى جهده لإعداد دليل مخطوطات المكتبة العامة في بطرسبورغ (حالياً تدعى المكتبة الوطنية العامة بإسم سلطيكوف - شيدرين في سانت بطرسبورغ). وعلى مدى عشرين عاماً أجرى دورن سلسلة كبيرة من البحوث والدراسات للإسطرلابات العربية.
وأول مخطوطة عربية رياضية كتب عنها في مجلة رياضيات روسية في عام 1865 واسم المجلة: مجموعة أبحاث الرياضيات (مات سبورنيك – Mathematical Collection) وهي من أكبر مجلات الرياضيات في العالم. وكان ذلك العدد الأول منها وهي مجلة جمعية علماء الرياضيات في موسكو التي تأسست تقريباً في تلك السنة. وأعضاء هذه الجمعية كبار علماء الرياضيات الروس مثل العالم تشيبيشيف ((Chebeshev المعروف عالمياً وله اكتشافات هامة في معظم فروع الرياضيات. وقد نشرت مقالة في تلك المجلة في العام المذكور بعنوان "كتاب التلخيص لعالم الهندسة العربي ابن البناء" - مجلة مات سبورنيك – موسكو – 1867- المجلد 2 رقم 1 الجزء 2. ص 27-43. وكان نشرها بناء على طلب من تشيبيشيف نفسه الذي أوصى بأهمية العلوم العربية وضرورة دراستها ونشرها حتى في مجلات وزارة التربية والتعليم. وهذه الحادثة تدل على الاهتمام الكبير والمبكر والفهم العميق من قبل أعظم علماء الرياضيات في روسيا منذ منتصف القرن 19 م لدور وقيمة العلوم العربية وخاصة الرياضيات.
فقد اقترن النصف الثاني من القرن 19 م. بظهور العديد من المؤسسات والجمعيات في روسيا، والتي بذل أعضاؤها جهداً كبيراً في مجال الإستعراب. وبالإضافة إلى الجامعات، فقد أصبحت مسائل الاستشراق بما فيها الإستعراب، هدفاً للدراسة من قبل أعضاء كل من: الجمعية الجغرافية الروسية وجمعية هواة العلوم الطبيعية والآثار والأجناس. أما في عام 1882 فقد تأسست "الجمعية الفلسطينية المسيحية الشرقية" والتي لعبت دوراً في تنشيط الإستعراب في روسيا. أما المستعربين الروس، الذين حصلوا على تعليمهم في كليات جامعية متخصصة، فقد عملوا بنجاح في القوقاز و آسيا الوسطى حيث اكتشفوا ودرسوا مخطوطات نادرة. وأنشئت في عام 1895 "حلقة تركستان لهواة الآثار" وهي التي نسقت أعمال التنقيب عن الآثار في آسيا الوسطى.
وقد قام المستشرق الشهير ن.ف. خانيكوف (1822-1878) بدور هام ومتميز في تطوير الإستعراب الروسي وهو مؤلف كتاب "وصف إمارة بخارى" و "نبذة عن الأجناس في بلاد الفرس" وكان قدعمل قنصلاً روسياُ لفترة طويلة في تبريز. كما بذل خانيكوف جهوداً ضخمة لإغناء مجموعات المكتبة العامة في بطرسبورغ والتي أهداها مجموعاته الخاصة. ومن ضمنها مخطوطة "كتاب ميزان الحكمة" للخازني (القرن 12 م) والتي قام خانيكوف لأول مرة بوصفها ونشر أجزاء منها وترجمة مقاطعها إلى الإنجليزية عام 1859.
وترتبط مرحلة جديدة وهامة جداً في تطوير الإستعراب العلمي باسم ف. ر. روزن (1849-1909) الذي كان أبرزعلماء الاستشراق الروسي ومعلم لجيل كامل من المستعربين الروس.
وكان روزن عميداً للكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ لسنوات عدة، وفي عام 1885 ترأس الفرع الشرقي لجمعية الآثار الروسية. ومنذ عام 1886 بدأت هذه الجمعية تحت إشراف روزن بإصدار "نشرة"– لسان حال الإستعراب الروسي الذي اكتسب اعترافاً دولياً. وأعد روزن دليلاً من أربعة مجلدات لمخطوطات المتحف الآسيوي. وأولى اهتماماً كبيراً لدراسة المؤلفات الجغرافية والتاريخية للعلماء العرب، المتعلقة بأوروبا الشرقية. ويعد روزن أول المستعربين الروس الذين قاموا بدراسة وتحليل أعمال البيروني. وفي تقييمه لكتاب "الهند" الذي أصدره ساخاو نفسه، أعطى تقديراً عالياً لهذا المؤلف عام 1889، وتأكد ذلك بالإكتشافات اللاحقة.
ولا بد هنا من التوقف عند مؤرخ الرياضيات الروسي الكبير ف.ف. بوبينين (1849-1919) الذي أصدر مجلة في تاريخ العلوم الرياضية والفيزيائية لسنوات طويلة وعلى حسابه وكان يلقي محاضرات في جامعة موسكو في تاريخ الرياضيات منذ القديم وحتى عصره. وقد كرست عدة محاضرات لتاريخ الرياضيات العربية.
ومن التلاميذ الرائعين لروزن، كان المستشرق الروسي الكبير والمؤسس الفعلي لتاريخ آسيا الوسطى في روسيا ف.ف. بارتولد (1869-1930) . فألف بارتولد سلسلة كاملة من البحوث في الجوانب العامة والخاصة من تاريخ البلاد الإسلامية والعلوم العربية: "ثقافة الإسلام" "عالم الإسلام" "علماء النهضة الإسلامية" وغيرها. وحظي مؤلفه العلمي "تركستان في عهد الغزو المغولي" بشهرة واسعة واعتمد في إعداده على البحوث الدقيقة والمفصلة الواردة في المصادر الجغرافية والتاريخية للباحثين العرب. ويعود إلى بارتولد المؤلف التاريخي الكبير وهو "تاريخ دراسة الشرق في أوروبا وروسيا" وكان جزؤه الأكبر مكرساً لتاريخ الإستعراب الروسي. وكان ذلك موضوع المحاضرات التي ألقاها خلال سنوات طويلة لطلبة الكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ، وأعيد نشره ثلاث مرات (آخرها عام 1977 في الأعمال الكاملة لبارتولد).
وكان بارتولد أول من قام في روسيا بدراسة مرحلة أولغ بك (أولغ بك وعصره) وفيها أعطى تقييماً لمدرسة سمرقند العلمية وحلل المعطيات التاريخية والأثرية حول مرصد سمرقند. وكان في مركز اهتمام بارتولد طيلة حياته المؤلفات الجغرافية العربية وخاصة التي تضمنت معلومات عن أراضي روسيا. وفي عام 1940 (بعد وفاته بعشر سنوات) عثر على عمل غير منشور له "معلومات عربية عن بلاد الروس".
مرحلة المستعرب كراتشكوفسكي:
وكان ثاني تلاميذ روزن العالم ذو الشهرة العالمية ورئيس مدرسة الإستعراب السوفيتية الأكاديمي ي. يو. كراتشكوفسكي (1883-1951) الذي كان باحثاً واسع الإطلاع بشكل استثنائي ومؤلف العديد من الأعمال التي كشفت للقارئ الروسي عن كنوز الأدب العربي والعلوم العربية. وفي ظروف الحرب القاسية وحصار لينينغراد قام بتأليف أهم عمل له "المؤلفات الجغرافية العربية" والتي شملت الفترة من القرن 8-9 م وحتى القرن 18 م. (وقد جمع مواد هذا العمل طيلة حياته). وتعود بدايات هذه الأبحاث إلى عام 1909 أثناء رحلة كراتشكوفسكي العلمية إلى المشرق العربي، وذلك عندما أتيحت له الفرصة لسماع سلسة محاضرات في جامعة القاهرة للمستشرق ك. أ. نيللينو في تاريخ الفلك والجغرافيا الرياضية عند العرب.
وقد كان كتاب "المؤلفات الجغرافية العربية" محصلة لسلسلة محاضرات ألقاها كراتشوفسكي في الكلية الشرقية في جامعة بطرسبورغ (1910-1917) وفيما بعد جامعة لينينغراد (1935-1936).وخلال 40 سنة ونيف من العمل في إعداد هذا الكتاب، قام بإثرائه باستمرار بالمعطيات والمكتشفات الجديدة التي يعود قسم منها إلى المؤلف نفسه.
ويكفي القول إن كراتشكوفسكي قام بدراسة ووصف حوالي 300 مؤلف من المراجع الجغرافية العربية، ومعظمها محفوظ في خزائن المخطوطات في روسيا والدول المستقلة.
ويعد كراتشكوفسكي صاحب كتاب آخر شهير "دراسات في تأريخ الإستعراب الروسي" الصادر عام 1949 بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد روزن. وكان قد بدأ العمل على إعداد هذا الكتاب عام 1910 بإلقائه لمحاضرات في هذا الموضوع في الجامعة واستمر العمل به طوال حياته. وحصل كتابه العلمي المبسط "مع المخطوطات العربية" على سمعة وانتشار واسعين وأعيد نشره عدة مرات.
شكلت أبحاث بارتولد وكراتشكوفسكي بداية لدراسة حثيثة للمؤلفات الجغرافية العربية سواء بحد ذاتها أو كمصادر من الدرجة الأولى في تاريخ روسيا والجمهوريات الإسلامية وخاصة حوض الفولغا، وآسيا الوسطى والقوقاز. وفي عام 1939 صدر كتاب للمستعرب السوفيتي المعروف أ.ب. كفاليفسكي (1895-1969) مخصص لعمل ابن فضلان الذي بحث فيه على أساس مخطوطة مشهد التي اكتشفت في العشرينات من القرن الماضي والتي تضم تقريباً نصه الكامل.(بينما قام كل من فرين وسبلوكوف وروزن وبارتولد بدراسة ابن فضلان، بدرجات متفاوتة، وتحدثوا عن مخطوطته من خلال ما اقتبسوه من المعجم الجغرافي لياقوت الحموي) وأعيدت طباعة كتاب كفاليفسكي مرتين: في 1939 وفي 1956.
كما أصبحت المصادر العربية منهلاً لا غنى عنه لعلماء الآثار. وبفضل تلك المصادر استطاع علماء الآثار في آسيا الوسطى والقوقاز اكتشاف ومطابقة أسماء العديد من المدن والمناطق السكنية وطرق تجارة القوافل. واسترشد بالمصادر العربية أحد رواد التنقيب عن الآثار في آسيا الوسطى ف.ل. فياتكين الذي اكتشف عام 1908 في سمرقند بقايا مرصد أولغ بك بما فيها مزولة الرصد الشهيرة.
ولم تقتصر دراسة الأدبيات الجغرافية العربية في الإتحاد السوفياتي على المؤلفات التي احتوت معلومات عن بلاد الروس وجمهوريات آسيا الوسطى. حيث قام، بناء على مبادرة من الأكاديمي كراتشكوفسكي، تلميذه ت.أ. شوموفسكي بدراسة ونشر ثلاث كتب في الملاحة البحرية عام1957 لأحمد بن ماجد مرشد البحار لفاسكو دي غاما ، والتي عثر على مخطوطاتها النادرة في لينينغراد.
وقام كل من ل.ي. كوبل و ف.ف. ماتفييف المختصين بأفريقيا بدراسة وإصدار مختارات من الأعمال الجغرافية العربية مثل: المصادر في علم الأجناس وتاريخ المنطقة الأفريقية الواقعة جنوب الصحارى والممتدة في الفترة من القرن 8 م وحتى القرن 12 م (1964،1957)
ويمكننا إيجاز ما ورد عن نشاط العلماء الروس في دراسة العلم العربي حتى أواسط القرن العشرين بالقول أن توجههم الأساسي تركز على دراسة المؤلفات الجغرافية والتاريخية للعلماء العرب. وقد غابت الأعمال المكرسة لدراسة مؤلفات الرياضيات والفيزياء والفلك.
وهناك استثناء وهو عمل ب.ن.دورن في دراسة الإسطرلابات المحفوظة في المتاحف الروسية، وكذلك نشر ووصف ن.ف.خانيكوف "كتاب ميزان الحكمة " للخازني، وعمل ف.ف.بارتولد عن أولغ بك ، وعمل م.ي. ماسون عن "مرصد أولغ بك" (1941) والتي وصف فيها المرصد وآلاته بالتفصيل. ويعطي تقييم للمدرسة الفلكية السمرقندية، وجزء من "المؤلفات الجغرافية العربية" لكراتشكوفسكي المكرس لأزياج ومؤلفات في الجغرافيا الرياضية.
التعديل الأخير تم بواسطة طالب عفو ربي ; 06-10-2010 الساعة 05:11 PM
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة ابو سلمان في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 21-12-2012, 07:42 AM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتدى دعم المسلمين الجدد والجاليات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 01-07-2010, 09:15 PM
-
بواسطة أمـــة الله في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 31-03-2010, 12:20 AM
-
بواسطة قابضة على الجمر في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-02-2009, 05:45 PM
-
بواسطة دفاع في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-07-2008, 06:29 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات