

-
البلاغة : هى مطابقة الكلام لمقتضى الحال ، و مقتضى حال المخاطب بالذات .
(1) يجب أن نعلم أن أحوال الناس متعددة و متغيرة و أنت إذا ما خاطبت شخصًا لا تعرف نفسه ، فلن تستطيع الوصول إلى أعماقه .
كما أن مخاطبتك لشخص تختلف عن مخاطبتك لشخص آخر فمخاطبة الرئيس غير المرؤوس غير الزوجة غير الأولاد .
كذلك تختلف طريقة المخاطبة حسب نفسية الشخص : سعيد ، حزين ، غاضب ، ثائر ..... إلخ .
مثال : عمر بن الخطاب عندما دخل بيت أخته ثائرًا بعدما علم بإسلامها ثم أمسك بالقرآن ليقرأه فالقرآن خاطب عمر الذى جاء فى شدة و حمية وضيق بنفس الكلام الذى يُخاطب به المؤمنين و هم فى حالة إنسجام و سعادة بقربهم من الله ، و إذا بنفس الآيات التى تدخل السعادة على نفس قريبة من الله ، هى نفسها الآيات التى تدخل الهدوء على نفس بعيدة عن الله .
فالمقارنة كالتالى :- عمر : حالته : بعيد عن الله ، نفسيته : غاضب و ثائر ، النتيجة : هدء و لان .
أخت عمر : حالتها : قريبة من الله ، نفسيتها : سعيدة بقربها من الله ، النتيجة : القرآن يُدخل عليها الفرح و الإيمان .
فالقائل هو الله العالم بخبايا النفس البشرية التى خلقها فكان كلامه مناسب لها فى كل الحالات و مع إختلاف نفسية كل شخص رغم أنه نفس الكلام .
فإنك إن طلبت من أعلم علماء عصره أن يأتى ليقول قصيدة يمدح بها الأمير ، ثم يقول نفس القصيدة ليمدح بها خادم الأمير و يكون الكلام موافق مقتضى الحال فى الحالتين ، فإنه قطعـًا سيفشل ، فهذا هو ما حير العرب ، فهم وجدوا أن القرآن يُخاطب الجميع : العالم و غير العالم ، الغنى و الفقير ، الرجل و المرأة ، و الحاكم و المحكوم ...... إلخ .
فمن هنا كانت مطابقة الكلام لمقتضى حال الجميع معجزة أدهشتهم .
إن بلاغة القرآن هذه قد حيرت عقول كفار العرب أهل الفصاحة و البلاغة و و أرباب اللغة ، و لم يتمكنوا أن يأتوا بمثله شىء ، فافتروا علي النبى - صلى الله عليه و سلم - الكذب فقالوا شاعر و قالوا كاهن - كما ذكر القرآن الكريم -
قال تعالى : { و ما هو بقول شاعر قليًا ما تؤمنون (41) و لا بقول كاهن قليلًا ما تذكرون (42) } الحاقة .
حتى الرد عليهم نفسه به إعجاز بلاغى ، فاختار الفعل تؤمنون مع قولهم شاعر و إختار الفعل تذكرون مع قولهم بأنه كاهن .
- فقولهم بأن هذا شعر ، يتنافى مع كونهم يعلمون الشعر ، فالشعر كلام موزون مقفى ، فهم يعلمون ذلك و يُنكرونه ، فهذا دليل على كفرهم لذا قال قليلًا ما تؤمنون .
- أما قولهم بأن هذا كلام كاهن فقد إستخدم معه الفعل قليلًا ما تذكرون ، ذلك أن الكاهن بشر و ينسى فقد يأتى بكلام مخالف لما قاله من قبل بمرور الوقت و الزمن أما النبى - صلى الله عليه و سلم - لم يحدث منه ذلك .
(2) نأتى إلى إعجاز آخر فى القرآن .... إذا قرأ قارىء كلامًا منثورًا ثم جاء و استشهد ببيت شعر ، فإنك تشعر بالإنتقال من كلام إلى آخر .
مثال : يقول ابن زيدون فى رسالته : ( و مع اليوم غد ... و لكل أجل كتاب ... له الحمد على إهتباله ... و لا عتب عليه فى إغفاله
فإن يك الفعل الذى ساء واحدًا **** **** فأفعاله اللائى سررن ألوف )
فهنا نجد أننا إنتقلنا من النثر إلى الشعر فى كلام فى غاية الإنسجام ، و لكى تعرف الفرق ننتقل إلى القرآن الكريم - معجزة محمد صلى الله عليه و سلم و دليل نبوته -
قال تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) } الحجر .
أنت قرأت هذا الكلام من القرآن الكريم دون أن تدرى أنك قد إنتقلت من النثر إلى الشعر إلى النثر مرة آخرى ، و أتحدى أن يأتى بها إنسان .
عندما تنظر إلى { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) } ما جنى بارقات مستفعل فاعلات - بيت من الشعر -
و مع ذلك لم تحس أذنى أننى قد إنتقلت من النثر إلى الشعر ثم من الشعر إلى النثر .
مثل ذلك قوله تعالى : { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) }
قوله تعالى : { فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ } مستفعل فاعل ... مستفعل فاعل - بيت شعر - فهل شعرت أنك إنتقلت من نثر إلى شعر إلى نثر مرة آخرى ؟
و كذلك قوله تعالى : { فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } .. مفاعيل .. مفاعيل .. مفاعيل .. مفاعيل
فى هذه الآيات و غيرها الكثير لا تشعر أبدًا أنك قد إنتقلت من نثر إلى شعر ثم إلى نثر مرة آخرى .
إذًا بلاغة القرآن فى :-
- مطابقة الحال ... حال جميع المخاطبين .
- الإنتقال من النثر إلى الشعر ثم إلى النثر دون أن تحس الأذن بذلك و لا يقدر إنسان على صنعه .
- تحريك النفس البشرية ... أى نفس بشرية .
- أن الله تحدى به أساطين البلاغة ، بل تحدى به الإنس و الجن على أن يأتوا بسورة من مثله ، لذا لم يستطع هؤلاء تصويب المواجهة إلى المعجزة ذاتها ، بل إتجهوا إلى تصويبها إلى من أتت المعجزة على يديه و هو النبى - صلى الله عليه و سلم - { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) } الزخرف .
[ من كتاب معجزة القرآن للشعراوى الجزء الأول صفحات 33 - 41 بتصرف ]
هذه كانت نبذة مقتضبة جدًا عن بلاغة القرآن ليعى النصارى جهلاء اللغة العربية :
- ما هى البلاغة .
- و كيف كانت بلاغة القرآن بالشىء الذى لا يُمكن لبشر أن يأتى به .
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 5 (0 من الأعضاء و 5 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة نيو في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 08-07-2011, 06:23 PM
-
بواسطة مناصر الإسلام في المنتدى منتديات اتباع المرسلين التقنية
مشاركات: 24
آخر مشاركة: 16-11-2010, 06:15 PM
-
بواسطة omarmma في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 26-02-2008, 10:50 PM
-
بواسطة الأندلسى في المنتدى شبهات حول القران الكريم
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 09-12-2005, 04:05 AM
-
بواسطة داع الى الله في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 23-10-2005, 03:04 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات