البحث عن البقرة:
كتب الدكتور عبد العزيز بن مصطفى كامل بحثه بعنوان (حُمىّ عام 2000م ..قبل أن يهدم الأقصى) ص 23:
لم يعد سراً تزايد حرص اليهود على المزيد من الخطوات العملية - المتفاعلة الآن - من أجل إعادة بناء الهيكل بعد الانتهاء من هدم مسجدي الأقصى والصخرة ، وبما أن الهيكل لن يعمره بالعبادة إلا أناس (مطهرون) من النجس ، وبما أن هذا النجس لن يزول إلا برماد البقرة ، وبما أن البقرة لم تكن موجودة إلى عهد قريب ، فإن جهود اليهود اتجهت للبحث عن بقرة تطل بقرنيها على مشارف القرن الجديد.. فلا بد من ظهورها أو إظهارها ولو اقتضى الأمر استحداث بيئات وظروف تستخرج تلك البقرة استخراجاً من بين ملايين البقر !! وهذا ما كان ؛ فمنذ عدة سنوات ، تعهد كاهن أمريكي يُدعى (كلايد لوت) ينتمي إلى جماعة (حركة الهيكل الثالث) الإنجيلية الأصولية بأن يوقف جهوده للعثور على بقرة بالمواصفات الدقيقة الواردة في العهد القديم، ونذر نفسه للمساعدة في أي مشروع يتعلق بإعادة تأهيل الهيكل للعبادة، وقد جرت اتصالات ومقابلات عام 1989م بين هذا الكاهن وبين الحاخام الإسرائيلي (حاييم ريتشمان) الذي يعمل في معهد (الهيكل المقدس) حيث اقترح ريتشمان فكرة إنشاء مزرعة لإنتاج وتربية الأبقار من سلالة (ريدنفوس) الضاربة إلى الحمرة فاقتنع الكاهن ، وأنشأ بالفعل تلك المزرعة في ولاية ميسيسيبي الأمريكية وقد أنشأ هذا الكاهن فيما بعد فرعاً لمزرعته في مدينة حيفا، تحسباً ليوم تولد فيه البقرة المنتظرة !
إعلان العثور على البقرة.. وماذا يعني؟
أخيراً... وبعد ما يقرب من ألفي عام ، ادعى اليهود أنهم وجدوا ضالتهم! لقد ظهرت البقرة!! ففي شهر أكتوبر من عام 1996م ، تم الإعلان عن ميلاد بقرة حمراء مطابقة للمواصفات الواردة في التوراة، وأعلن أنها ولدت في مزرعة ( كفار حسيديم ) وعلى الفور ذهب وفد من الحاخامات لمعاينة حالة مولود العصر ومقارنته بالأوصاف المذكورة في التوراة ثم أعلنوا وقتها مطابقة المولودة للمواصفات بعد أن باركوها، وأمروا بفرض حراسة مشددة حولها! { جريدة الأخبار المصرية ، 25 إبريل 1997م } .
لقد كان الإعلان عن العثور على البقرة بداية لمرحلة جديدة ومثيرة من الهوس الألفي عند اليهود وأنصارهم من البروتستانت المتهودين في أمريكا وبريطانيا، وتناولت وسائل الإعلام الحديث بتغطية متلفعة بالتكهنات والتوقعات والحذر؛ فقد نشرت صحيفة الأوبزيرفر البريطانية في عددها الصادر في (9-7-1997) أخبار الحدث قائلة: "سيكون الذبح الطقسي للبقرة الحمراء بعد ثلاث سنوات من ميلادها ، بداية العد التنازلي للعودة الكبيرة لليهود إلى موقع عبادتهم السابق ، وتبشيراً بمجيء المسيح المخلِّص، بيد أن محاولة تحقيق هذه العودة ستؤدي إلى بداية لا تُنسى للألف الثالثة " !.
لقد توافد الآلاف من اليهود ( متدينين وغير متدينين ) إلى مزرعة (كفار حسيديم) في إسرائيل لمشاهدة هذا الكائن (الأسطوري) . ولحسم الفوضى التي يمكن أن تنشأ عن هذا التدافع، لجأت الجهات اليهودية المهتمة بهذا الشأن إلى تنظيم الزيارات والرحلات لزيارة البقرة!! لقد نجح الشيطان ـ لعنه الله ـ في استثمار ضعف الإنسان حيال الغيب المجهول فأحدث بين اليهود حالة من النشوة ، محفوفة بهالة من الرهبة وممزوجة بالرغبة في اقتحام المزيد من أستار الغيب المجهول ، ورأى كبار زعماء الجماعات الدينية الفرصة سانحة لضخ الدماء في عروق التعصب لمزيد من التأهب لمغامرات المستقبل القريب ونظروا إلى البقرة التي أطلقوا عليها اسم (ميلودي) على أنها أحدث إشارة بدنو العصر الأخير، وتوقع الكثيرون منهم أن تستخدم دماء تلك البقرة عينها في احتفالات (تطهير) الشعب اليهودي ، الذي لا يمكن أن يمارس العبادة في الهيكل إلا بعد أن يتم تطهيره برمادها وفقاً لقول التوراة التي بأيديهم: (كل من لم يتطهر فإنه ينجس مسكن الرب)، ورأى آخرون أن هذه البقرة التي ظهرت هي حلقة الوصل المفقودة والمطلوبة للوصول السريع إلى زمن إعادة الهيكل؛ حتى إن اليهودي الأصولي المتعصب (يهودا اتزيون) الذي كان متهماً رئيساً في محاولة تفجير قبة الصخرة عام 1985م ، أعلن بعد ظهور البقرة ابتهاجه بهذا الحدث (التاريخي) وقال: "إننا ننتظر منذ ألفي سنة ظهور إشارة من الرب، والآن أرسل لنا البقرة الحمراء ، وظهورها يعتبر أحد أهم الدلائل على أننا نعيش في زمن مميز، ولهذا فلا بد من الإسراع بإزالة مسجدي الأقصى والصخرة من جبل الهيكل ، ونقل بقاياهما إلى مكة "! { السياسة الكويتية ، 30-10-97 } .
وبدأ المتعصبون اليهود على الفور في استثمار الحدث، لإنشاء واقع جديد من خلاله فدعا عديد من زعماء الجماعات الدينية (الطليقة) في طول البلاد وعرضها في (إسرائيل) إلى إلغاء الفتوى الحاخامية القديمة التي تحظر على اليهود دخول ساحات المسجد الأقصى ووقعوا توصية بذلك في المؤتمر السابع لحركة (إعادة بناء الهيكل).{الحياة، 16-9-1998م}. وبالفعل، قررت لجنة من 60 حاخاماً في شهر أغسطس من عام 1997م تجاوز الحظر الذي كان معمولاً به، وشجعوا اليهود على الصعود إلى ما يسمونه (جبل الهيكل) حيث يوجد المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، واحتج هؤلاء بأن لديهم مسوغات كافية تجعل من حق اليهود أن يصعدوا إلى هناك لكي يتسنى لهم البدء في الاستعدادات الخاصة بإعادة بناء الهيكل وقال المتحدث باسمهم: "إن الحظر العام على الصعود لم يكن يأخذ في اعتباره في السابق الاكتشافات الأخيرة، وأبرزها اكتشاف البقرة الحمراء، ونحن الآن بانتظار الخلاص، وإعادة بناء الهيكل التي يجب أن تبدأ بسرعة في أيامنا هذه". {الأنباء الكويتية، 9-7-1997م}.
وبدأت مجموعة من الحاخامات منذ سنوات في دعوة عائلات الكهان لإرسال أولادهم لكي يتم إعدادهم في حجْر ( العزل الطاهر ) ليكونوا جاهزين للعمل في الطقوس المتعلقة بالبقرة واستجابت أربع عائلات كهنوتية للتبرع بأولادها من أجل هذا الغرض . { الرأي العام ، 5-3-1998م } .
وبدأ الحاخامات منذ فترة - بالاتفاق مع الجهات الحكومية - بتحصيل نسبة 1% من مجموع الإنتاج داخل إسرائيل ، ليوضع في حساب (خدمات الهيكل) الذي دخلت مهماته مرحلة التنفيذ بظهور البقرة ، وتحصيل هذه النسبة يجري الآن وفقاً لتشريع ديني يقضي بأن يقدم الشعب اليهودي عُشر العشر ليوقَف على الهيكل ، وقد وُضِعَ عنوان خاص لاستقبال تلك الإسهامات وتنظيم إنفاقها على المشاريع المتعلقة بالهيكل .
لقد ظهرت مع ظهور البقرة الحمراء حالة من الحماس الديني بين الجماعات اليهودية التي تنافس الحكومة بأنشطتها (120 جماعة) ، وبدأت في اكتساب أنصار جدد من أولئك الذين لم يكونوا يأبهون بشعارات الجماعات الدينية ، وقد علق ( مناحيم فريندمان ) الخبير في الشؤون الدينية في جامعة ( بارابلان ) على هذه الظاهرة الجديدة بقوله : ( إن ولادة هذا الحيوان الطارئة ، أوجدت حالة من الحساسية في إسرائيل ؛ إذ أصبح الناس يبحثون في أمر هذه العلامة ويتحدثون عنها بدقة ) . { السياسة ، 30-10-1997م } .
المفضلات