المطلب الثالث
حقائق سياسية غيّرتها الحرب على غزة
كتب خليل العناني
إذا كانت الحرب استكمالا للسياسة ولكن بشكل عنيف، فإن حروب إسرائيل تظل هي الأصل وممارسة السياسة هي الاستثناء. وهي حقيقة تاريخية تشهد عليها الحروب السبع التي خاضتها إسرائيل ضد العرب منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا.
وبعيداً عن الأهداف المباشرة للحرب الإسرائيلية الراهنة على غزة، فإن ثمة حقائق كثيرة يجري تقليبها الآن ومن شأنها إعادة تعريف الصراع مع إسرائيل على نحو مفزع.
لعل أولها : ما سعت إليه إسرائيل طيلة حربها على غزة من إعادة " تسكين" القضية الفلسطينية، ونقلها من كونها قضية حقوق تاريخية ثابتة في مواجهة الاحتلال، كي تضعها في إطار معادلة صراعها الإقليمي مع إيران. ما يعني عملياً تصفية القضية، وعدم الاعتداد بأية محاولات للتسوية قد تُطرح مستقبلاً.
ونظرة سريعة على مضمون الخطاب الإعلامي الذي تبنته إسرائيل طيلة الأسبوعين الماضيين تكشف مدى الخبث الإسرائيلي في حشر القضية الفلسطينية، وليس فقط حركة "حماس"، ضمن ما يُطلَق عليه محور "الممانعة" الذي تقوده إيران، ما يوجب تصفيتها ومحاربتها لمصلحة محور "الاعتدال" العربي.
ولسوء الحظ فقد نجح الإسرائيليون في مسعاهم، وحققوا من خلاله ثلاثة مكاسب أساسية، أولها إثارة حالة من البلبلة والتخبط في العالم العربي، ليس فقط إزاء الموقف من حركة "حماس" وإنما، وهذا هو الأخطر، إزاء حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.
وثاني المكاسب، إثارة حال من التجاذب السياسي والإعلامي بين النخب العربية، ودخول أطراف عديدة في مهاترات ومزايدات أفادت الإسرائيليين والإيرانيين على حد سواء ودفع الأبرياء الفلسطينيون ثمنها. وكان من المفترض أن يفطن الجميع لهذا "المطب"، وأن تتجنب نخبنا الانزلاق في معارك إعلامية وفّرت غطاء لإسرائيل لارتكاب جريمتها في غزة.
وثالثها تخدير القوى الكبرى، بخاصة تلك المناهِضة لطهران، وإعطاؤها المبرر للصمت على جريمة غزة.
ولعل هذا ما يفسر فشل مجلس الأمن مراراً في اتخاذ موقف من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين حتى صدورالقرار 1860 بعد أسبوعين من بدء الحرب.
الحقيقة الثانية: والأخطر، هي نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية، وليس فقط عن حركة "حماس"، وهو ما سعت إسرائيل لتحقيقه من خلال ثلاث حِيَل:
أولاها محاولة تشويه صورة المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية وتشتيت جهدها، وذلك بمحاولة إلحاقها باللعبة الإقليمية وتقطيع أوصالها العربية. لذا سيصبح على فصائل المقاومة من الآن فصاعداً أن تسعى لإزالة الشبهات عن نفسها وإثبات طهارتها من هذه اللعبة، وذلك بدلاً من التركيز على مواجهة إسرائيل .
وثانيها، محاولة وقف أي دعم مادي أو عسكري يتم تقديمه لفصائل المقاومة الفلسطينية. ولن يكون غريباً أن يؤدي أي اتفاق لوقف إطلاق النار إلى غلّ يد المقاومة في مواجهة إسرائيل.
وهو ما يتفق مع الهدف الرئيسي من الحرب على غزة وهو تغيير الوقائع على الأرض وإنهاء أي وضع استراتيجي للمقاومة.
وثالثها محاولة فرض هدنة طويلة المدى، وهي عبارة مرادفة لإنهاء المقاومة وإبطال حق الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل. ولسوء الحظ فقد وقع كثيرون في هذا الفخ، ولم يفرّقوا بين حركة "حماس"، كفصيل سياسي له أخطاؤه، وكونها بالأساس حركة مقاومة. وبين ما تسعى إسرائيل لترسيخه في الوعي الغربي بأنه لافارق بين حركة "حماس" وتنظيم "القاعدة"..
الحقيقة الثالثة: هي أن إسرائيل تسعى لتكريس السيناريو اللبناني في شمال قطاع غزة، بمعنى المطالبة بوضع مسافة فاصلة على حدودها الجنوبية مع غزة، سواء تم ذلك من خلال احتلال هذه المناطق للأبد أو وضع نقاط مراقبة دولية عليها. وهو ما يعني عملياً تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة ونسف أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية مترابطة. وقد يكون هذا مقدمة لمطالبة إسرائيل لاحقاً بالعودة إلى الخيارين الأردني والمصري في ما يخص الإشراف على الضفة الغربية وقطاع غزة على التوالي.
والحقيقة الرابعة : هي رفع الغطاء العربي عن القضية الفلسطينية برمّتها، وليس عن المقاومة فحسب، وما قد يصحب ذلك من قبول بأية رؤية قد تفرضها إسرائيل للتسوية، حتى وإن جاءت على حساب الثوابت الفلسطينية.
وهنا قد تصبح القضايا الأساسية أو ما يطلق عليه قضايا الحل النهائي من إرث الماضي، وهوما يتناغم مع الإشارات الواضحة التي أرسلتها إسرائيل منذ مؤتمر أنابوليس وحتى وقوع جريمة غزة، سواء في ما يتصل بالطابع الديني للدولة اليهودية، ومبادلة المستوطنات الإسرائيلية بممرّ بري يربط بين الضفة وغزة، ناهيك عن معضلة قضيتي اللاجئين والقدس.
والحقيقة الخامسة :هي انهيار قوة الردع "المعنوي" العربي لإسرائيل، وذلك عطفاً على حال الانقسام التي أصابت الموقف العربي من أزمة غزة. ومن المدهش أن الانقسام هذه المرة، وعلى خلاف مرات سابقة كانت آخرها حرب لبنان الفين وستة، لم يأت بسبب خطأ ارتكبه الفلسطينيون تجاه إسرائيل، وإنما بالأحرى بسبب قنوط البعض من حركة "حماس" والرغبة في التخلص من تبعاتها التي أرهقتهم طيلة العامين الماضيين.
أماالحقيقة الأخيرة : فهي أن أي حديث عن الاستقرار في الشرق الأوسط بات وهماً، حتى مع الانسحاب الأمريكي من العراق، وأفول تنظيم "القاعدة". فما دامت إسرائيل لا ترى غضاضة في تصفية القضية الفلسطينية بطريقتها الآنية، وما دام أن لديها شعوراً بعدم وجود أية موانع تحول دون ذلك، فلا طائل من وراء مبادرات للسلام تجاوزهاالواقع.
قطعاً أخطأت حركة "حماس" في حساباتها الإستراتيجية طيلة العامين الماضيين، ولا بد من أن تعيد النظر في هذه الأخطاء بشكل سريع خاصة أن ثمنها بات مكلفاً وذلك على نحو ما يحدث الآن في قطاع غزة. بيد أن أخطاءها لا تقل فداحة عن تلك التي قامت بها حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية طيلة السنوات الماضية حين استسلمت لأفخاخ الإسرائيليين والأمريكيين، ونثرت بخياراتها بذور الانقسام الراهن في الشارع الفلسطيني.
وبجرد الحساب للحرب على غزة يكشف لنا بجلاء أن الرابح هو إسرائيل، وأن الخاسر هم الفلسطينيون والعرب. ربحت تل أبيب بإنهاك المقاومة سياسيا وعسكرياً، وجرجرة القضية نحو "المتاهة" الإقليمية، في حين خسر الفلسطينيون دماً ودعماً ومستقبلاً، وخسر العرب قضيتهم المركزية وباتوا على وشك الدخول في صراع في مابينهم قد لا يستثني أحداً.
*نقلاً عن صحيفة "الحياة" اللندنية
وفي جرد الحساب الأخير نكتشف أن مائة عام من الصراع بين الحركة القومية الدينية الصهيونية ، وبين الحركة القومية العربية ، قد جرى اختصارها وابتسارها وتقزيمها إلى جزئيات صغيرة بل وهامشية أحيانا بعدما خضعنا للابتزاز ودخلنا المناقصات ، وقبلنا الضغوط وتخلينا عن كل مصادر المقاومة والرفض .
لقد بعنا فلسطين بقدسها، وقبلنا بقيام ( إسرائيل ) على أسنة الرماح الأوروبية الأمريكية، ثم رفضنا قرار التقسيم عام 1947 لنفقد ما تبقى من فلسطين عام 1967، وها نحن نفاوض ونساوم على شرائح مبعثرة من الأرض لنقيم عليها دولة تتحكم فيها إسرائيل براً وبحراً وجواً ثم ها نحن نفاوض على ما تبقى من القدس، فنقبل باختصارها من المدينة القديمة بكاملها إلى مبنى المسجد الأقصى فوق الأرض، بلا سيادة على أرضه وأساساته وساحته وحوائطه خصوصاً الغربية، تعبيراً عن تنازلات تاريخية من سيئ إلى أسوأ.
من رفض قرار التقسيم عام 1947 إلى قبول كامب ديفيد عام 1978 ..ومن رفض كامب ديفيد إلى توقيع أوسلو 1993 - 1995 ..ومن أوسلو تناقصا إلى اتفاقيات الخليل وشرم الشيخ وواي ريفر..ومن التمرد على كامب ديفيد الثانية إلى قرب التوقيع في كامب ديفيد الثالثة.. ومن السيادة الكاملة على القدس الشرقية إلى السيادة الغامضة باسم السيادة الإلهية على المسجد الأقصى …
ففي الوقت الذي انصرف العرب مسلمين ومسيحيين إلى مجرد التمسك بشعارات القدس لنا ، انكب الإسرائيليون على مدى الربع قرن الأخير، على إعادة تشكيل القدس بعد ضمها أثر عدوان 1967 , ولعل أهم ما فعلوه ليس فقط نقل العاصمة إليها وليس فرصة السيطرة الأمنية والدينية والبلدية على مجريات الحياة فيها ، لكن أهم ما فعلوه هو تغيير تركيبتها السكانية ليصبحوا هم الأغلبية بشرياً وواقعياً.
لقد كان عدد اليهود في القدس كلها عام 1914 هو 60 ألف يهودي فقط مقابل 70 ألف مسيحي، بينما كان عدد المسلمين نصف مليون، فإذا الوضع منذ عام 1967 حتى اليوم - 1/7/2010 - ينقلب رأساً على عقب ليصبح الإسرائيليون هم الأغلبية بعد ضم الشطر الغربي إلى القدس الشرقية وبعد محاصرة المدينة بسلسلة مركبة من المستوطنات الإسرائيلية هدفها تذويب الوجود العربي المسلم والمسيحي في بحر إسرائيلي يتيح لهم ترويج وتثبيت الإدعاء أنهم هم أصحاب المدينة العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل خصوصاً بعد حملات طرد العرب ومصادرة بيوتهم وممتلكاتهم وتحريم دخولهم المدينة أصلاً.
ولم يكن ذلك إلا ترجمة " للحلم الديني القومي " الذي أعاد بعثة تيودور هيرتزل الأب الروحي للحركة الصهيونية ، منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر والذي عبر عنه في كتابه الشهير ( الدولة اليهودية ) الصادر عام 1902 ، لقد اتفق هيرتزل ـ في البدايات المبكرة ـ مع رفيق حلمه البروفيسور ( شاتس) على مخطط تحويل القدس تدريجياً إلى مركز الحركة الصهيونية آخذاً في الاعتبار الحساسية الدينية الإسلامية والمسيحية حتى لا يستنفرا العداء مبكراً ولذلك جاء اقتراح " السيادة الإلهية " على الأماكن المقدسة في القدس القديمة ، فخا معنوياً جذاباً ..
الآن .. بعد مائة عام تقريباً .. يعود مقترح السيادة الإلهية بعد تعديله وتنقيحه في ظل التغيرات التي حدثت وخصوصاً السيطرة الإسرائيلية على القدس وتوسيع محيطها وتعبئتها بمئات الآلاف من المستوطنين ، سيادة الله التي طرحها بعض المفكرين والباحثين الأمريكيين واليهود ، تعنى فقط مبنى المسجد الأقصى فوق الأرض ما عدا حائط البراق( حائط المبكى) على أن يبلع العرب الطعم فيرتفع العلم الفلسطيني فوق المسجد وكفى .
مجرد صورة و طابع صغير
المفضلات