اقتباس
تعبير ثان

( بل هو قران مجيد، في لوح محفوظ) البروج 21-22.

هاتان الآيتان هما ختام حديث طويل عن أهل الأخدود ، شهداء نجران النصارى ؛ وختام حديث مقتضب يقتصر على الإشارة: (هل أتاك حديث الجنود ، فرعون وثمود). فكفر أهل مكة بالحديثين : ( بل الذين كفروا في تكذيب) حينئذ يرد عليهم بقوله: ( والله من ورائهم محيط ) ؛ ثم بقوله : ( بل هو قران مجيد في لوح محفوظ) . فسياق الحديث كله انه لا يصح لأهل مكة التكذيب به لانه ( في لوح محفوظ) ؛ هذا الاستشهاد بمصدر الحديث برهان على ان اللوح المحفوظ الذي يحويه هو على الأرض ، لانه لا يعقل أن يحيلهم إلى لوح محفوظ في السماء ، لا سبيل لهم اليه.

وليس من قرينة في الآية ، ولا في السورة كلها ، تدل على ان هذا اللوح محفوظ في السماء .
من أين أتيت يامسكين ان الله { يحيلهم إلى لوح محفوظ في السماء } ؟ من أين جئت بهذه الأضحوكة ؟ من خلال أي صيغة من السورة جئت بهذا الكلام .؟

ولماذا يحيله لللوح المحفوظ في السماء والقرآن المجيد مع رسول الله ؟


ولا حول ولا قوة إلا بالله


اللوح المحفوظ




الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده :

اللوح المحفوظ هو أم الكتاب، وهو الكتاب المبين، وهو كتاب الأقدار، قال الله تعالى: ((بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ)) (سورة البروج :22 ,23) .

وقال تعالى: ((إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)) (سورة الزخرف:4) .

وقال تعالى : ((أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ )) (سورة الحج :70) .

وقال تعالى: ((مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) (سورة الحديد: 22) .

وروى مسلم في صحيحه (2653) عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: (( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)) .

وهذا الكتاب مطابق لعلم الله السابق، وعلمه بالأشياء مطابق لما هي عليه ومعلوماته لا تتغير عما علمه، وقد قرن سبحانه وتعالى بين علمه وكتابه في آيات من القرآن، قال تعالى: ((وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)) (سورة فاطر: 11) .

وقال تعالى: ((أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ )) (سورة الحج :70) .

وما في هذا الكتاب هو تقدير عام لكل ما هو كائن إلى يوم القيامة، وهناك تقديرات خاصة منها:

- ما يختص بآدم وذريته .

كما جاء في حديث احتجاج آدم وموسى، حيث قال آدم: ((أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، وقربك نجياً، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق ؟ قال موسى : بأربعين عاماً)) . صحيح البخاري (3409)، وصحيح مسلم (2652).

- ومنها ما يختص بكل فرد من بني آدم .

كالتقدير الذي يكون عند نفخ الروح في الجنين، وهذه التقديرات لا تتعارض مع التقدير العام .

وعلى هذا فالصواب :

أن الله لم يحيل احد لللوح المحفوظ بل هو توضيح لمن كفر وأشرك فاللوح المحفوظ منه نسخ القرآن وسائر الكتب، فهو محفوظ عند الله ، محروس به من الشياطين، ومن الزيادة فيه والنقصان منه .

والله أعلم

الشيخ / عبدالرحمن بن ناصر البراك