قوله: «و قالت اليهود عزير ابن الله» عزير هذا هو الذي يسميه اليهود عزرا غيرت اللفظة عند التعريب كما غير لفظ «يسوع» فصار بالتعريب «عيسى» و لفظ «يوحنا» فصار كما قيل «يحيى».

و عزرا هذا هو الذي جدد دين اليهود و جمع أسفار التوراة و كتبها بعد ما افتقدت في غائلة بخت نصر ملك بابل الذي فتح بلادهم و خرب هيكلهم و أحرق كتبهم و قتل رجالهم و سبى نساءهم و ذراريهم و الباقين من ضعفائهم و سيرهم معه إلى بابل فبقوا هنالك ما يقرب من قرن ثم لما فتح «كورش» ملك إيران بابل شفع لهم عنده عزرا و كان ذا وجه عنده فأجاز له أن يعيد اليهود إلى بلادهم و أن يكتب لهم التوراة ثانيا بعد ما افتقدوا نسخها و كان ذلك في حدود سنة 457 قبل المسيح على ما ذكروا فراجت بينهم ثانيا ما جمعه عزرا من التوراة و إن كانوا افتقدوا أيضا في زمن أنتيوكس صاحب سورية الذي فتح بلادهم حدود سنة 161 قم و تتبع مساكنهم فأحرق ما وجده من نسخ التوراة و قتل من وجدت عنده أو أخذت عليه على ما في كتب التاريخ.

و لما نالهم من خدمته عظموا قدره و احترموا أمره و سموه ابن الله و لا ندري أ كان دعاؤه بالبنوة بالمعنى الذي يسمي به النصارى المسيح ابن الله - و المراد أن فيه شيئا من جوهر الربوبية أو هو مشتق منه أو هو هو - أو أنها تسمية تشريفية كما قالوا: نحن أبناء الله و أحباؤه؟ و إن كان ظاهر سياق الآية التالية: «اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله و المسيح بن مريم» الآية يؤيد الثاني على ما سيأتي.

و قد ذكر بعض المفسرين: أن هذا القول منهم: «عزير ابن الله» كلمة تكلم بها بعض اليهود ممن في عصره (صلى الله عليه وآله وسلم) لا جميع اليهود فنسب إلى الجميع كما أن قولهم: «إن الله فقير و نحن أغنياء» و كذا قولهم: «يد الله مغلولة» مما قاله بعض يهود المدينة ممن عاصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسب في كلامه تعالى إلى جميعهم لأن البعض منهم راضون بما عمله البعض الآخر، و الجميع ذو رأي متوافق الأجزاء و روية متشابهة التأثير.