الجزء الثاني
ملف المرأة ودفتر أحوالها :
قال أرسطو : « إن الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به »
لم يعاني مخلوق على وجه البسيطة منذ بدايته عليها حتى كتابة هذه السطور مثل هذه المعاناة؛ وهذه المعاناة لم تكن وليدة العوامل المناخيّة أو التقلبات الجويّة أو ما يصيب البيئة من قحط في منطقة ما فيقل الغذاء أو ينعدم الماء أو تجف بحيرات فتتحول الرياض إلى صحراء قاحلة فتفنى الكائنات، ولم تكن معاناة هذا المخلوق لتركيبته البيولوجية وإن رافقته طوال حياته، بل المعاناة - ويالها من حقيقة مرة - أتت من الشريك والرفيق .... من الرجل ... فمازلنا نسطر الحروف الأولى من بحث التعدد عبر التاريخ، ونبدأ من الأمم القديمة فنتحدث في حلقة اليوم عن العهد الإغريقي :
الورقة الثانية
من
دفتر
أحوال المرأة
عبر التاريخ
اليونان من أرقى الامم القديمة حضارةً، وأزهرها وأكثرها تمدناً في التاريخ. في عصرهم البدائي كانت المرأة في غاية من الانحطاط وسوء الحال، هذا من حيث الأخلاق أما الحقوق المدنية/ القانونية والسلوك الاجتماعي فلم تكنْ لها في مجتمعهم منزلة أو مقام كريم، وكانت الأساطير ( Mythology ) اليونانية قد اتخذت امرأة خيالية تسمى ( باندورا ) ( Pandora ) ينبوع جميع آلام الانسان ومصائبه.
لقد كان تأثير الاسطورة اليونانية عن ( باندورا ) في عقول رجالها وأذهانهم، فلم تكن المرأة عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل، كانت مهانة في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية، وأما منازل العز والكرامة في المجتمع فكانت من نصيب الرجل (1) .
________________________________________
(1) حضارات العالم في العصور القديمة ـ والوسطى ـ الطبعة الثانية.
________________________________________
حواء فى عهد الإغريق كانت مسلوبة الإرادة فى كل شئ وخاصة فى المكانة الاجتماعية فقد حرمت من القراءة والكتابة والثقافة العامة، وظلمها القانون اليونانى فمنعها من الإرث كما أنها كانت لا تستطيع الحصول على الطلاق من زوجها وعليها أن تظل خادمة مطيعة لسيدها ورب بيتها وينظر إليها كما ينظر إلى الرقيق، ويرون أنّ عقلها لا يعتد به، وفي ذلك يقول فيلسوفهم أرسطو : « إن الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به ».
أما فى " اسبراطه " فقد منحت المرأة بعض الحقوق المدنية مثل الأرث، وأهليّة التعامل مع المجتمع المدنى التى تعيش فيه ولكن مكاسب حواء فى اسبراطه لم تكن وليد نصوص أو تشاريع مكتوبة حيث أنها كانت بسبب الظروف الحربية التى جعلت الرجال في حالة حروب دائمة؛ الأمر الذى أفسح الطريق أمام المرأة للخروج للمجتمع المدنى والتحرر من عزلتها. واتهم أرسطو رجال اسبراطه بأنهم كانوا وراء المكاسب التى حصلت عليها حواء لأنهم تساهلوا ومنحوها بعض الحقوق التى كانت تتمنى أن تفوز بها ولأن حواء فى اسبراطه حصلت على مكاسب عديدة بخروجها إلى الحياة العامة فقد لمعت النساء من خلال التردد على الأندية والاختلاط بالرجال، الأمر الذى أدى إلى شيوع الفاحشة وكثرت العلاقات غير سوية بين الرجال والنساء.
ورغم أن الحضارة الإغريقية تقدمت ولمع اسم المرأة فى نهاية عهد الإغريق إلا أن المرأة لم تنل حريتها أو تحصل على حقوقها بالمفهوم الصحيح بسبب انشغال القادة والمفكرين بحياة الترف وانتشار الانحلال الاخلاقي. ولم تكن الزوجة ترى وجه زوجها إلا ليلة الزفاف وكانت الزوجة تختفى من المنزل إذا استضاف الزوج صديقاً له، وقد اندهش " كلوريتلوس " وهو من كبار المؤرخين فى حضارة الرومان بسبب أن رجال الإغريق كانوا يشعرون بالعار إذا اصطحب الزوج زوجته إلى مأدبة طعام، وأكد " كلوريتلوس " أن الزوجة اليونانية لم تكن تخرج من المنزل إلا بعد إذن زوجها وكان حجاب المرأة اليونانية حجاب كامل لا يظهر فيه سوى العين.
فقالوا عنها: شجرة مسمومة، وقالوا: هي رجس من عمل الشيطان، وهي متاع فتباع كأي سلعة .
من جهة أخرى كانت الفتاة فى عهد الإغريق لا تغادر منزلها حتى يتم زفافها، فالمرأة الأثينية تقضي معظم وقتها في المنزل، تغزل وتنسج، وتخيط ثيابها، وثياب زوجها، ونجد أنها ضئيلة الحظ من الثقافة، وامرأة أثينا تلزم البيت في حين يذهب أبناؤها يومياً الى المدرسة، حيث يتعلمون القراءة والكتابة والحساب، ويحفظون شعر هوميروس ويعزفون على القيثارة ويقومون بالتمارين الرياضية، ولم تكن المرأة الأثينية، تجلس الى المائدة، إذا كان عندهم ضيوف غرباء لأنها بمنزلة العبيد والخدم.
وفي جزيرة كريت، كان للمرأة الدور البارز في المجتمع، مشاركة الرجل في الحياة العامة من كافة جوانبها بما كانت تختص به الحضارة في حينه، وبما تتلائم مع تلك الفترة، فهي تحضر الحفلات والمأدب كما الرجل وتشارك في الخطب والمناقشات، وتتفنن بالزينة والملابس الملائمة، وتشارك بتقديم الذبيحة الدينية كطقس هام كما يفعل الرجال، وهو من الامور والطقوس الدينية التي يشارك فيه من له مكانة، وشاركت المرأة في الفنون والجماليات وتنظيم/ ترتيب القصور المهمة، ويخطنَّ الرسوم الجميلة على جدرانها، والاهم من كل ذلك ان أهل جزيرة كريت في عصر الحضارة الاغريقية اعطوا مجالا واسعا للالهة النساء(*) ووضعوها على الاماكن المرتفعة، وقدموا لها من غلال الأرض، واقاموا لها الاعياد الخاصة واحتفالات صاخبة من الالعاب والنشاطات الرياضية المتعددة، واشتهرت من النساء في الشعر والادب في العصر الذهبي اليوناني كثيرات والشاعرة صافو خير مثال على عظمة شعرها ومكانته، والتي جارت ابداعاتها الشعرية كبار شعراء عصرها من امثال هوميروس وهزيودوس وباندوراس؛ بل تفوقت عليهم.
ـــــ
(*) سنلحق فصلاً خاصة عن المرأة الإله في الحقبة القديمة، فمن يطلع في ثنايا الحضارة اليونانية، يرى ما ابدعه الإنسان من نحوت ومزخرفات ظلت شامخة حتى يومنا هذا كصرح ومعالم، وكانت على هيئة تماثيل ونحوت للمرأة. ومسألة الثقافة والفن تختلف من بيئة إلى آخرى ، كما تختلف من وجهة نظر في الحياة إلى غيرها فــ "حكم التماثيل" في الإسلام يختلف تماماً عن حكمها في الديانة الوضعية الوثنية المسيحية ، وتصوير الآله أو القديسيين تعتبر فن أمتازت به حضارة عن آخرى، والمقياس هنا أو هناك يعود لحزمة من المقاييس والقناعات التي تقبلتها مجموعة من الناس ،وهنا يأتي دور المشرع؛ إما أن يكون خالق الإنسان والكون والحياة أو الإنسان نفسه، فالناظر إلى تماثيل الهند مقارنةً بتماثيل فراعنة مصر واليونان والرومان لحقتهم جميعاً الديانة المسيحية يجد التقارب والتوافق، لأن الإنسان هو المشرع ، و يستقل عن هذا تماماً الوحي الإسلامي ، فالمشرع هو الخالق ، ومسألة الفن / الرسم/ الزخارف/ الألوان في الإسلام تحتاج لمتخصص فقهي يحقق المناط لندرك حدود المباح !! .
ـــــ
صفحة الثانية من ملف المرأة ودفتر أحوالها.
المفضلات