كل ذلك لعدم بلورة معنى الروح ومعنى الروحانية ومعنى الناحية الروحية .
وبالتدقيق في واقع الروح والروحانية والناحية الروحية يتبين أنّها غير موجودة عند الملحد المنكر لوجود الله وأنّها موجودة فقط عند المؤمنين بوجود اله ، وهذا يعني أنها متعلقة بالإيمان بالله ، توجد حيث يُوجَد هذا الإيمان وتنعدم حيث ينعدم . والإيمان بوجود الله يعني التصديق الجازم بأن الأشياء مخلوقة لخالق خلقها يقيناً ، فيكون موضوع البحث هو الأشياء من حيث كونها مخلوقة لخالق ، فالإقرار بأنها مخلوقة لخالق إيمان ، وإنكار أنّها مخلوقة لخالق كفر ، وفي حالة الإقرار والتصديق الجازم تُوجد الناحية الروحية ، والذي أوجدها هو التصديق ، وفي حالة عدم الإقرار والإنكار لا تُوجد الناحية الروحية ، والذي جعلها لم تُوجد هو الإنكار ، فتكون الناحية الروحية هي كون الأشياء مخلوقة لخالق ، أي هي صلة الأشياء بخالقها من حيث الخلق والإيجاد من عدم . فهذه الصلة ، أي كونها مخلوقة لخالق ، إذا أدركها العقل ، حصل من جراء هذا الإدراك شعور بعظمة الخالق ، وشعور بالخشية منه ، وشعور بتقديسه ، فكان هذا الإدراك ، الذي ينتج هذا الشعور ، لهذه الصلة ، هو الروح.
فتكون الروح هي إدراك الصلة بالله .
أما الروح التي هي سر الحياة فهي موجودة قطعاً وثابتة بنص القرآن القطعي ، والإيمان بوجودها أمر حتمي ، وهي ليست موضوع هذا البحث .
ولفظ الروح لفظ مشترك كالعين لها عدة معان ، فكما أن العين تطلق على أشياء كثيرة فتطلق على العين الجارية والباصرة والجاسوس والذهب والفضة وغير ذلك ، فكذلك الروح تطلق على عدة معان . وقد وردت في القرآن بمعاني متعددة ، فوردت الروح وأريد بها سر الحياة { يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا } ووردت وأريد بها جبريل u { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين } ووردت وأريد بها الشريعة { وكذلك أوحينا إليك روحاً من امرنا } وهذه المعاني كلها ليست هي المقصودة من القول فيه ناحية روحية أو هذا شيء روحي أو فصل المادة عن الروح أو ما شابه ذلك . ولا علاقة لهذا القول عن الروح بمعاني الروح الواردة في القرآن ،
بل المعنى المقصود من الروح في هذه الإطلاقات الأخيرة هو المعنى المتعلق بخلق المادة أي من حيث كون الأشياء مخلوقة لخالق هو الله تعالى وإدراك الإنسان لصلة الأشياء بخالقها . أ.هـ
بعد إدراك هذا المعنى يصبح الآن مجال البحث في كيفية تقوية هذه الصلة أو تنمية الناحية الروحية واضحا ، ألا وهو التزام أوامر الله ونواهيه ، وليس التجويع ولا الزهد .
أرجو أن أكون قد وفيت التوضيح وإذا لزم المزيد فالإخوة لن يبخلوا علينا بالشرح والتوضيح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
![]()
المفضلات