

-
عهد الحاجب المنصور :-
تحجب محمد بن أبى عامر لهشام المؤيد بالله , وحجره فى قصره بالزهراء ومنع دخول الناس اليه وتصرف بالملك بنفسه واتخذ جميع مراسم الملك , ونقش اسمه على السكة , وخطب له على المنابر , تلقب "بالمنصور" وأصبح يدعى ( الحاجب المنصور ) , وابتدأ معه عهد جديد للأندلس ما عرفت مثله من قبل .
كانت من أول أعمال المنصور أنه نكب الصقالبة وأخرجهم من الزهراء بعدما فشى ظلمهم وتوحدت كلمتهم بعد موت الحكم المستنصر – رحمه الله – وظنوا أن لا غالب لهم , فاستبدل المنصور بهم البربر من أهل العدوة من زناتة وبنى برزال وغيرهم واستكثر منهم جدا وأصبحوا هم أهل خدمته وزينة ملكه .
والحديث عن المنصور بن أبى عامر مرتبط بالضرورة بالحديث عن جهاده وغزواته ضد الممالك النصرانية فى الشمال , وسنفصل هذا لاحقاً إن شاء الله ...
وأما عنه هيبته وحزمه :-
كان رحمه الله حازما شديد الهيبة , ماسمعنا أن أحدا من ملوك الإسلام قديما وحديثا من هو بمثل هيبته إلا ماكان من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رحمه الله ورضى عنه , وفى ذلك يقول ابن سماك العاملى فى كتابه "الزهرات المنثورة فى نكت الأخبار المأثورة " :
( انتهت هيبة المنصور بن أبى عامر وضبطه للجند واستخدام ذكور الرجال وقوّام الملك الى غاية لم يؤتها ملكٌ قبله !! , فكانت مواقفهم فى الميدان على احتفاله مثلا فى الزماته والإطراق , حتى أن الخيل لتتمثل إطراق فرسانها , فلا تكثر الصهيل والحمحمة .... !!!! )
وكان لربما يتساهل فى أى أمر من الأمور إلا التساهل فى أمر من أمور الدولة وما يتعلق بهيبة الدولة , وقد وصلت هيبته الى ملوك النصارى فى الشمال فكانوا يهتزون ويرتجفون فرقا ورعبا من ذكر اسمه وكاد الواحد منهم أن يهذى كالسكران اذا علم بقدوم المنصور بن أبى عامر اليه بجيش المسلمين لغزوه ... !!
أى رجل كان !! رحمه الله .....
أما عن دينه وورعه :-
فقد كان رحمه الله شديد التدين , قمع أهل البدع وأقام السنة , وبلغه أن مكتبة الحكم المستنصر – رحمه الله – بها كتب بعض الفلاسفة والملاحدة التى تنافى أصول الدين , وعلم بانتشار تلك الكتب وكادت أن تفسد عقائد الناس فقام بحرقها والتخلص منها ولله الحمد والمنة , وفى هذا يقول ابن عذارى فى كتابه (البيان المغرب .. ) :
( وكان المنصور أشدّ الناس فى التغير على من عَلِمَ عنده شيىء من الفلسفة والجدل فى الاعتقاد والتكلم فى شيىء من قضايا النجوم وأدلتها , والاستخفاف بشىء من أمور الشريعة , وأحرق ما كان فى خزائن الحَكَم من كتب الدّهريّة والفلاسفة بمحضر كبار العلماء , منهم الأصيلىّ وابن ذكوان والزبيدىّ وغيرهم , واستولى على حرق جميعها بيده ... ) انتهى كلام ابن عذارى.
وكان شديد التعظيم للعلماء بدرجة كبيرة جدا , فقد ذكر النباهى فى كتابه "المرقبة العليا" فى ذكره لترجمة العالم الجليل محمد بن يبقى بن زرب حين وفاة الإمام :
( وأظهر ابن أبى عامر لموته غمّاً شديداً , وكتب لورثته كتاب حفظ ورعاية انتفعوا به , واستدعى ابنه محمد , وهو طفلٌ ابن ثلاثة أعوام , فوصله بثلاثة آلاف دينار , وألطافٍ قيمتها ما يناهز العدد المسمّى .....
وليس ذلك من أفعال المنصور ببدع , فقد كان فى حسن معاملته للناس والوفاء لهم بمنزلةٍ لا يقوم بوصفها كتابٌ , حتى يُقال إنه لا يأتى الزمان بمثله فى فضله , ولا طفرت الأيدى بشكله ... ) انتهى كلام النباهى
الله أكبر , أرأيتم كيف يكون معاملة الحاكم والأمير للعلماء , فلا ينكرون فضلهم ولا يستغنون عن مشورتهم بل ويمتثلون أمرهم , وبهذا يكون النصر والتمكين ....
وايضا فيما ورد عن دينه وتواضعه ما ذكره ايضا النباهى فى كتابه "المرقبة العليا" فى ترجمة الإمام محمد بن يبقى بن زرب عند صلاة الاستسقاء فى قرطبة , وأخبر أنه صلى 10 مرات صلاة الاستسقاء فحضر معه مرة المنصور بن أبى عامر فكان من أمره ما ذكره النباهى فى كتابه :
( حضر معهم المنصور محمد بن أبى عامر استسقاءاً واحداً , ولبوسه ثيابٌ بيضٌ وعلى رأسه أُقرُفُ وشْىٍ أغبر , على شكل أهل المصايب بالأندلس قديماً , قد أبدى الخشوع , وهو باكٍ ودموعه تسيل على لحيته : فتقدم الى جناح المحراب عن يمين الإمام , وقد كان فُرش له هنالك حصيرٌ ليُصلّى عليه , فدفعه برجله وأمر بنزعه وجلس على الأرض , وشهد الاستسقاء !!! ) انتهى كلام النباهى
الله أكبر , هذه والله هى العزة والكرامة , فإذا خشع الحاكم والأمير استجلب معه رحمات الله , كما قال الإمام المنذر بن سعيد حين أخبروه بأن الخليفة عبد الرحمن الناصر يبكى بكاء مريرا من الخشوع والخشية ويبتهل الى الله بنزول المطر , فقال المنذر بن سعيد – رحمه الله - : أبشروا .. اذا خشع جبار الأرض رحم جبار السماء
وقد أخبر ابن حيان فى كتابه عن المنصور بن أبى عامر :
( وكان متسماً بصحه باطنه , واعترافه بذنبه , وخوفه من ربه , وكثرة جهاده ,واذا ذُكّر بالله ذكر , واذا خُوّف من عقابه ازدجر ... )
وقال ابن خلدون مخبرا عن المنصور بن أبى عامر :
( أرخص للجند فى العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع , وكان ذا عقل ورأى وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين .. )
هكذا كان حكامنا وعلاقتهم مع الله , وما ارتبط اسم أحد من عظماء المسلمين بالعزة والمجد إلا ووجدته له حال عجيب مع الله سبحانه وتعالى , وهذا من سنن الله فى الكون , من استمسك بالله وجبت له العزة والتمكين .
بل أن المنصور – رحمه الله – اختط بيده مصحفاً كان يحمله معه فى غزواته ويقرأ فيه ويتبرك به !!! , وكان يحمل معه أكفانه وكان أمنيته التى يدعوا الله بها دائما أن يتوفاه الله وهو فى طريقه للغزو والجهاد !! , والحديث عن جهاد المنصور يطول جدا لذا قمت بإختصاره كما سيأتى إن شاء الله ...
وكان المنصور بن أبى عامر على مذهب الإمام مالك على عادة أهل الأندلس وقتها وقد أمر المنصور الفقيه المشهور أبو مروان القرشى المعيْطى والفقيه أبو عمر أحمد بن عبد الملك المعروف بابن المكوى أن يجمعوا كتابا فيه أقاويل الإمام مالك بن أنس – رضى الله عنه - وروايات أصحابه عنه لينتفع به علماء المسلمين !!
وذكر ابن سماك العاملى فى كتابه "الزهرات المنثورة" , وذكرها ابن الآبار فى "إعتاب الكتاب" وغيرهما , قال خلف بن حسين بن حيان , وهو والد أبى مروان ابن حيان صاحب كتاب "نفح الطيب" وكان أبوه من كتاب المنصور بن أبى عامر , فأخبر عن نفسه وقال :
( بكّتنى المنصور محمد بن أبى عامر يوماً على ما أنكره منى تبكيتاً بعث من فزعى ما اضطربت منه , فلما أخلى مجلسه قال لى :
رأيت من فزعك وشدة روعك ما استنكرته منك , ومن وثق بالله برىء من الحول والقوة لله , وإنما أنا آلة من آلات الله تعالى , أتصرف بمشيئته وأسطو بقدرته وأعفو عن إذنه , ولا أملك لنفسى إلا ما أملك من نفسى لسواى , فطأمن جأشك وأزل عنك روعك , فإنما أنا ابن امرأة من تميم طالما تقوتت بثمن غزلها , أغدو به الى السوق وأنا أفرح الناس بمكانه , ثم جاء من أمر الله ما تراه , ثم قال : يابن حيان , إن أفضل الناس غراسا من غرس الخير , وإن أفضل السلطان غراسا ما أثمر فى الآخرة , ومن أنا عند الله تعالى لولا عطفى على المستضعف المظلوم وقصمى للجبار الغشوم اللاهى عن حقوق ربه بفسوقه ودنسه ..
هكذا كان تواضعه واعترافه بفضل ربه عليه ... !!!
يتبع ان شاء الله
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء171
أبتاه ما زال فى قلبى عتاب .لما لم تعلمنى الحياة مع الذئاب
-
أما عن عدله فى الرعية :-
كان رحمه الله عادلاً يكره الظلم والبغى , وكان لا يستهين بأمر الظالم , بل لربما أمر بتغليظ العقوبة عليه ليرتدع أهل الشرور وكان لا يقبل شفاعة أحد أبداً ولو كان من المقربين اليه , بل وإن كان من أهله ... !!
ومن أروع الأمثلة التى ضربها المنصور بن أبى عامر فى العدل وعدم الرفق بأهل الغدر والظلم , ما حدث مع ابنه عبد الله بن المنصور بن أبى عامر حين لجأ الى ملك ليون وأراد أن يساعده فى الخروج على أبيه وشق عصا الطاعة وعزل أبيه , فكان ماكان من المنصور إلا أن أمر ملك ليون بتسليم ابنه , فسلمه ابنه عبد الله , وقام بضرب عنقه جزاء خيانته , ولم تأخذه به رأفة ولا رحمة !!!!
وله بذلك القصص المشهورة والأحاديث المنثورة التى سارت بها الركبان وتسامر بها الرجال فى مجالسهم , ومنها ما ذكره ابن حيان فى كتابه :
( وأما عن عدله أنه وقف عليه رجل من العامة بمجلسه , فنادى : ياناصر الحق , إن لى مظلمة عند ذلك الوصيف الذى على رأسك , وأشار الى الفتى صاحب الدرقة , وكان من المقربين الى المنصور بن أبى عامر , ثم قال : وقد دعوته الى الحاكم فلم يأتِ – لمكانته عند المنصور - , فقال له المنصور وقد اشتد غضبه :
أوَ عبد الرحمن بن فطيس – القاضى - بهذا العجز والمهانة !! , وكنا نظنّه أمضى من ذلك ؟ ثم وجه كلامه للقاضى وقال له :يا عبد الرحمن , أعجزت أن تأخذ العدل , أوَ كنت مهانا فلم تصل اليه !! , ثم قال للمظلوم : اذكر مظلمتك ياهذا , فذكر الرجل معاملة كانت جارية بينهما فقطعها من غير نَصَفٍ , فقال المنصور :
ما أعظم بليتنا بهذه الحاشية , ثن نظر الى الصقلبىّ وقد ذُهل عقله – أى الفتى – فقال له : ادفع الدرقة الى فلان , وانزل صاغرا – ذليلا – وساو خصمك فى مقامه حتى يرفعك الحق او يضعك !!
ففعل ومثل بين يديه , ثم قال لصاحب شرطته الخاص به : خذ بيد هذا الفاسق الظالم وقدمه مع خصمه الى صاحب المظالم لينفذ عليه حكمه بأغلظ ما يوجبه الحق من سجن أو غيره ..
ففعل ذلك , وعاد الرجل اليه شاكراً , فقال له المنصور : قد انتصف أنت , اذهب لسبيلك , وبقى انتصافى أنا ممن تهاون بمنزلتى .. فتناول الصقلبىّ بأنواع من المذلة , وأبعده عن الخدمة ... ) انتهى كلام ابن حيان
ومن ذلك أيضا ما رواه ابن حيان فى كتابه :
( ومن ذلك قصة فتاه الكبير المعروف "بالبورقى" – اسم الفتى – مع التاجر المغربى , فإنهما تنازعا فى خصومة توجهت فيها اليمين على الفتى المذكور , وهو يومئذ أكبر خدم المنصور , واليه أمر داره وحرمه , فدافع الحاكم وظن أن جاهه يمنع من إحلافه ..
فصرخ التاجر بالمنصور فى طريقه الى الجامع متظلما من الفتى , فوكل به فى الوقت من حمله الى الحاكم , فأنصفه منه , وسخط عليه المنصور , وقبض نعمته منه ونفاه .. ) انتهى كلام ابن حيان
ومواقف المنصور بن أبى عامر فى عدله كثيرة ولكن أكتفى بما ذكرته آنفا , حتى لا أطيل ...
أما عن جهاده وغزواته :-
لا أجد كلمات أوصف بها حب المنصور بن أبى عامر للجهاد والغزو فى سبيل الله , يكفى أن تعلموا أن المنصور بن أبى عامر قاد جيوش المسلمين الى النصر والفتح فى زهاء 54 غزوة ومعركة , فلم يهزم فى واحدة منها قط !! , وكان يأمر غلمانه بتنظيف ثوبه وأخذ ما علق به من غبار المعارك والغزوات وأمر أن تدفن معه فى قبره لتكون شاهد له عند الله يوم القيامة بجهاده فى سبيله !!
ووصل بجيوشه الى أماكن لم يفتحها المسلمون من قبل من أيام طارق بن زياد وموسى بن نصير , وبلغت الأندلس فى عهده من العزة والمجد والتمكين الى درجة لم يبلغها حاكم قبله ولا بعده !!
وقال عنه الفتح بن خاقان فى كتابه (مطمح الأنفس ومسرح التأنس فى ملح أهل الأندلس) :
( إنه تمرّس ببلاد الشرك أعظم تمرّس , ومحا من طواغيتها كل تعجرف وتغطرس , وغادرهم صرعى البقاع , وتركهم أذل من وتدٍ بقاع , ووالى على بلادهم الوقائع , وسدّد الى أكبادهم سهام الفجائع , وأغصّ بالحِمام أرواحهم , ونغّص تلك الآلام بكورهم وروَاحهم ... ) انتهى كلام الفتح بن خاقان
فقد كان رحمه الله أعجوبة دهره وأوحد زمانه , له فى كل عام غزوتان "الصوائف والشواتى" , كان يهتم جدا بالناحية العسكرية فى دولته حتى لكم أن تعلموا أن عدد الفرسان فى الجيش المرابط (الثابت) وصل الى 112.000 اثنى عشر ألف ومائة فارس من سائر الطبقات , جميعهم مدونون فى الديوان وتصرف لهم النفقات والأعطية والهبات , وبلغ عدد المشاة الى 26.000 ستة وعشرين ألف راجل , وتتضاعف تلك الأعداد فى الصوائف بسبب كثرة المتطوعين حتى أنها وصلت الى مائة ألف 100.000 من المشاة !!
حتى أنه من كثرة قوى الجيش النظامية أصدر مرسوما عام 388هـ بإعفاء الناس من إجبارهم على الغزو , اكتفاء بعدد الجيش المرابط , وقرأ الخطباء على الناس ذلك المرسوم وفيه : " بأن من تطوع خيراً فهو خير , ومن خف اليه فمبرور ومأجور , ومن تثاقل فمعذور " , فسُرّ لذلك الناس سرورا بالغاً .
وكانت له سُنّة فى غزواته وهى أن يحمل النصارى بأنفسهم الغنائم الى قرطبة إمعانا فى ذلهم وتدميرا لكيدهم . وكانت جميع الممالك النصرانية فى الشمال تدفع للمسلمين الجزية عن يدٍ وهم صاغرون ...
دمّر المنصور بن أبى عامر جميع الممالك النصارانية المتواجدة فى شمال الأندلس تدميرا بالغاً , كانت غزواته فى الممالك النصرانية كالصاعقة والعاصفة المدمرة التى لا تبقى ولا تذر , فكم من قلوع وحصون للنصارى سواها بالتراب , وكم من ملوك وقواد للنصارى هلكوا على يد المنصور بن أبى عامر !!
فكان رحمه الله هو الذى ثأر لهزيمة المسلمين أيام الخليفة عبد الرحمن الناصر – رحمه الله – فى معركة الخندق أمام قلعة سمّورة المنيعة جدا , ففى اثناء حكم الحاجب المنصور ثارت القوط وتحركت وقامت بأعمال تخريبية فى مدن المسلمين وقتلوا من المسلمين خلقا كثيرا وكان يمتنعون من المسلمين دوما فى قلعة سمّورة الحصينة والتى هى أمنع حصون النصارى فى الشمال , فقام المنصور عام 371هـ بحملة عسكرية كالصاعقة على القوط فى تلك القلعة واستطاع ان يدمرها ويقتحمها وفتك بحاميتها من النصارى , فهرب أهلها الى قلعة قريبة تسمى "سانت مانس" فدخل عليهم المنصور ودمرها فأصبح الطريق الى مدينة ليون العاصمة مفتوحا وسائغا , ولكنه لم يدخل ليون هذا العام لشدة البرد وقتها وتساقط الثلوج فى تلك المناطق .
وفى عام 373هـ قام المنصور بغزوة "ليون الكبرى" حيث قاد الحاجب المنصور الجيوش ووصل الى مدينة ليون عاصمة اقليم جيليقية وحاصرها حصاراً شديدا , فجاء اليها المدد من كل مكان لأهميتها وقدسيتها للنصارى , فوصل مدد من إفرنسة "فرنسا" بشكل خاص ولكنه استطاع فى النهاية ان ينزل الهزيمة على الفرنجة والنصارى ودخل عاصمتهم وخرب قلاعها وحصونها وساق منها 3 آلاف أسير وأمر أن يرفع الآذان فى جنبات ليون لأول مرة بعد أن سقطت لأول مرة منذ الفتح الإسلامى الأول ....
والصورة الأولى توضح الأندلس فى عهد الحاجب المنصوروالثانية توضح غزوات المنصور وهى مشار اليها بالأسهم السوداء
وفى عام 374هـ أعاد فتح برشلونه فى أقصى شمال الأندلس وهزم الفرنسيين شر هزيمة وضمها مرة أخرى للمسلمين , بعد ان سقطت فى أيدى الفرنجة من الفرنسيين بعد فتحها على يد طارق بن زياد وموسى بن نصير أيام الفتح الأول.
ولم تقتصر منطقة نفوذ الحاجب المنصور على الأندلس فقط , بل سيطر على شمال المغرب سيطرة تامة وخضعت لسلطانه , بعد أن ثار البربر من أهل العدوة على الحسن بن كنّون نائب الخليفة الفاطمىّ العبيدىّ على المغرب واستطاع هذا الرجل ان يجمع حوله الأنصار من البربر وثارت القلاقل والفتن فى المغرب , فلم ينتظر الحاجب المنصور أن تكبر الفتنة , بل أرسل ابن عمه عمرو بن عبد الله على رأس جيش لمحاربة الحكم الفاطمى العبيدى الشيعى وإخراجهم من المغرب , ثم أرسل جيشا آخر بعد ذلك بقيادة ابنه عبد الملك الظفر بن المنصور بن أبى عامر ودخل فاس , واستقر أمر المغرب للمنصور , فبلغت الأندلس فى عهده أقصى اتساع لها !!
وفى عام 379هـ ثار عبد الله بن المنصور على أبيه الحاجب المنصور إذ كان يحكم مدينة "سانت استيفان" ولجأ الى بلاد البشكنش - اقليم الباسك حالياً - فطلب المنصور من "غرسيه" حاكم البشكنش بتسليم ابنه فرفض "غرسيه" فقام المنصور بحملة عسكرية قوية على بلاد البشكنش ودام القتال أياما وكان قتالا مروعا حتى أنزل الله النصر على المسلمين وأيدهم بجنود من عنده وجعل كلمة الذين كفروا السفلى , وهُزم البشكنش مما اضطر غرسيه الى قبول الصلح وتسليم عبد الله بن المنصور الى أبيه ومعه كل من ساعده من المسلمين , فقام المنصور بضرب أعناقهم جميعا بما فيهم ابنه عبد الله !!
يتبع ان شاء الله
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء171
أبتاه ما زال فى قلبى عتاب .لما لم تعلمنى الحياة مع الذئاب
-
ومن أهم وأعظم معارك المنصور على الإطلاق والتى هى بمثابة غرة المعارك الإسلامية فى جزيرة الأندلس , هى معركة "شنت ياقب" – سانت يعقوب - حيث وصل الى أقصى بلاد جيليقية الى حيث لم يصل مسلم من قبل , ومدينة – سانت يعقوب - تمثل العاصمة الروحية الدينية لنصارى أوربا قاطبة , وكعبة النصرانية وتأتى أهيمتها بعد بيت المقدس ورومية – روما - عندهم , فبها قبر يعقوب الحوارىّ ويزعمون أنه كان من أخص حوارىّ عيسى – عليه الصلاة والسلام – وكان قبره بمثابة الكعبة عندهم – وللكعبة المثل الأعلى – ويفدون اليه من رومية وشرق أوربا ومن كل مكان .
وقد قاموا ببناء كنيسة ضخمة جدا على هذا القبر وكانوا يحجون اليه من كل مكان كما ذكرنا . وكانت تلك البلاد هى أمنع بلاد النصارى فى الأندلس لوعورة طرقها وخطورة مفاوزها وصعوبة اجتيازها بالجند . ولم يفكر أحد من قادة المسلمين من أيام طارق بن زياد أن يقصد تلك المنطقة الجبلية الوعرة .
فقصد المنصور بن أبى عامر تلك البلاد لسببين رئيسيين ذكرهما د. محمد عبد الله عنان فى كتابه (دولة الإسلام فى الأندلس ) وهما :
1- أنها كانت ملاذا وملجأ لملوك ليون , يمتنعون بها كلما أرهقتهم الغزوات الاسلامية بقيادة المنصور
2- أنها كانت كعبة اسبانيا النصرانية ومزارها المقدس ورمز زعامتها الروحية , وقد شاء المنصور أن يضرب أسبانيا النصرانية فى صميم معقلها القاصى , وفى صميم زعامتها الروحية ..
خرج المنصور بن أبى عامر على رأس جيش ضخم فى يوم 23 الثالث والعشرين من جمادى الآخرة سنة 387هـ ( 3 يوليه 997م ) وكانت هذه هى الغزوة الثامنة والأربعين للمنصور , وفى نفس الوقت تحرك الاسطول الاسلامى الذى أعده المنصور لهذه الغزوة العظيمة من مرساه أمام قصر أبى دانس على الساحل الغربى للأندلس فى بلاد البرتقال – البرتغال الآن – وتحرك شمالا فى محاذاة الشاطىء البرتغالى وهو يحمل أقوات الجنود والذخيرة وكل ما يحتاجونه من مؤن ..
وكانت الخطة التى وضعها المنصور بن أبى عامر محكمة للغاية , فجعل يمشى بجنده على اليابسة شمالا باتجاه الغرب على أن يوافيه الاسطول الاسلامى عند نهر دويرة , وكانت مسيرة المنصور بن أبى عامر فى غاية المشقة لكثرة السلاسل الجبلية وكثرة الأنهار ووعورة الطرق , حتى أنه فى أثناء مسيره عرض له جبل ضخم شامخ شديد الوعورة لا مسلك فيه ولا طريق , ولم يهتدى الأدلاّء الى سواه , فجعل المنصور يقدّم الفَعَلة – الحرفيين – ويمدهم بالحديد والفوؤس لتوسعة الشعاب وتسهيل وتعبيد المسالك والمفاوز !!
الى هذا الحد كان المنصور حريصا على غزو النصارى ولم يفت في عضده او يوهن كيده صعوبة الطريق ووعورته !!
وبالفعل استطاع المنصور بن أبى عامر أن يفتح المسالك والشعاب واخترق الأراضى الوعرة وهو فى أثناء ذلك يقتحم حصون النصارى ويأسر منهم أعداد كبيرة فى طريقه , وما ان يسمع أهل قرية بقدوم المنصور حتى يهربوا منها وتفرّ حاميتها الى قرى مجاورة , فغنم أمولاً عظيمة وأسلحة كثيرة ولله الحمد والمنة ...
وعند وصول المنصور الى نهر دويرة وافاه الاسطول الاسلامى , فجعل منه المنصور بن أبى عامر جسرا لعبور قواته الى الجانب الآخر وهكذا , واتجه الجيش الاسلامى صوب جيليقة مخترقا الشعاب والسهول والوديان والجبال والأنهار وهو فى مسيره لا يكف عن الجهاد والقتال فيحطم القلاع والحصون ويهدم المدن والقرى ....
حتى وصل الى مشارف مدينة (شنت ياقوب) – سانت يعقوب – يوم الأربعاء الموافق 2 الثانى من شعبان عام 387هـ ( 11 اغسطس 997م) , فدخلها المنصور بجنده وقد فرّ منها أهلها وحاميتها , فأمر المنصور بهدم القلاع والحصون وخرّب المدينة ودمّر الكنيسة العظيمة التى بنوها فوق قبر الحوارىّ المزعوم عندهم , فسواها بالتراب , ولكنه أمر بحماية القبر وصونه وعدم مساسه بأى اذى !! – احتراما لتعاليم الاسلام ...
وأخذ المسلمون أبواب المدينة والكنيسة ونواقيس الكنيسة العظمى وحملها الأسرى النصارى على كواهلهم حتى قرطبة، واستخدمت في توسيع الجامع وعلقت به النواقيس رؤوسًا للثريات الكبرى وأصبحت الكنيسة العظمة للنصارى أثرا بعد عين !!
ووجد المنصور رجلاً شيخا كبيرا من النصارى جالس بجوار القبر فسأله عن شأنه , فقال : أونس يعقوب !! , فأمر المنصور بالكفّ عنه
وترك المنصور بن أبى عامر المدينة كأن لم تغن بالأمس , واهتزت النصرانية من أقصاها الى أقصاها , ونزل الخبر على نصارى العالم كالصاعقة فمنذ الفتح الأول للمسلمين للأندلس لم ينهزموا مثل هذه الهزيمة ولم يلحقهم مثل هذا الذل والصغار !!
وأرسل المنصور كتاب الفتح والنصر الى قرطبة , ففرح المسلمون بهذا النصر جدا ولهجت العامة بالدعاء لمنصور , وظل المنصور فى جهاده مع النصارى فى الأندلس طوال 27 عاما غزا فيها أكثر من 54 غزوة !!
والحديث عن غزوات المنصور بن أبى عامر حديث جليل وعظيم جدا , لكن أكتفى بما ذكرته آنفاً.
أما عن حبه للأدب والعلوم :
كان المنصور بن أبى عامر يعشق الأدب والشعر بل وينظم شعراً , فمن شعره يفتخر :-
ألم ترنى بعتُ الإقـامـةَ بالسُّرى *** ولين الحشايـا بالخــيول الضـوامرِ؟
تبدَّلْتُ بعد الزعفــرانِ وطِـيبِه *** صدا الدّرع من مستحكمات المسـامرِ
أرونى فتىً يحمى حماىَ ومـوقفى *** إذا اشتـجر الأقـرانُ بين العساكرِ
أنا الحـاجب المنصور من آل عامرٍ *** بسيفى أقُدُّ الهـام تحت المغـافرِ
تــلادُ أمـير المـؤمنين وعَبـــدُهُ *** وناصــحه المشـهودُ يــومَ المفـــاخرِ
فــلا تحسـبوا أنــى شُـغلت بغــيركم *** ولكـــن أطـعتُ الله فى كــل كـافرِ
ومن شعره أيضاً , يفتخر :
رميت بنفسى هول كل عظيمةٍ *** وخاطرتُ والحر الكريمُ يخاطرُ
ومـا صاحبى إلا جنـان مشيعٌ *** وأسمر خطى وأبيـض بـاترُ
ومن شيمى أنى على كل طـالبٍ *** أجـودُ بمالٍ لا تقيه المعـاذرُ
وإنى لزجاء الجيـوش الى الوغى *** أسـود تلاقيها أسـود خوادرُ
فسُدتُ بنفسى أهل كل سيادة *** وفاخرت حتى لم أجد من أفاخرُ
ومـا شِدتُ بنياناً ولكن زيادة *** على ما بنى عبد المليك وعـامرُ
ورفعنا المعـالى بالعوالى حـديثَهُ *** وأورثناها فى القـديم معـافرُ
وله أيضا يتوعد صاحب الدولة الفاطمية العبيدية الخبيثة ويمنى نفسه فى القضاء عليه وحكم مصر والحجاز :
منع العين أن تذوق المناما *** حُبها أن ترى الصفا والمقاما
لى ديون بالشرق عند أناسٍ *** قد أحلوا بالمشعرين الحراما
إن قضوها نالوا الأمـانى وإلا *** جعلـوا دونهـا رقـاباً وهـاما
عـن قـريبٍ تـرى خـيول هشـام *** يبلغ النيلَ خطوُها والشآما
وكانت دولة المنصور وحكومته تضم عددا من الوزراء والكتاب والشعراء الأفذاذ أمثال : أبو العلاء صاعد اللغوى وكذلك أبو مروان عبد الملك بن شهيد وأحمد بن سعيد ابن حزم والد الفيلسوف والعالم الشهير ابن حزم وآخرون ممن هم مشهود لهم بالفضل والعلم وواسع المعرفة .
وكان يوسع النفقة على الأدباء والشعراء وكان المنصور له مجلس أسبوعى يعقده للبحث والمناظرة ويشهده كثير من العلماء والأدباء , كما اهتم جدا بإنشاء دور العلم فى الأندلس وفى قرطبة وبالغ فى الإنفاق عليها وكان يزور المساجد والمدارس بنفسه وكان يجالس الطلاب أحيانا !!
وإهتمام المنصور بن أبى عامر بالأدب شيىء معروف ومشهور وأكتفى بما ذكرته آنفا
والصورة الأولى المرفقة توضح مسجد قرطبة والثانية توضح قبر يعقوب الحوارىّ المزعوم لدى النصارى بداخل الكنيسة
يتبع ان شاء الله
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء171
أبتاه ما زال فى قلبى عتاب .لما لم تعلمنى الحياة مع الذئاب
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة ابوغسان في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 09-09-2012, 05:33 PM
-
بواسطة عادل محمد في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 07-05-2009, 05:29 PM
-
بواسطة الملوكي في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 18-02-2008, 09:56 AM
-
بواسطة Habeebabdelmalek في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 8
آخر مشاركة: 21-10-2007, 07:28 PM
-
بواسطة قسورة في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 30-10-2006, 11:38 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات