وأقفل الفارسي وراءه الباب ثم جلس إلى المنسج يُردد في همس ما حفظه من القرآن.

لم يشعر أن نور المصباح قد تضاءل من حوله ...لأن ضوء النهار قد تسرب إليه من كل شق في جدار

حجرته البسيطة... والتي يتدلى على أحد حوائطها سيف من بلاد فارس...

عندها فتح الباب ليستقبل نسيم الصباح ...و السماء والرمال والنخيل ...

في أحدى يديه منجل وفي الآخرى طعام يكفيه يومه.


....آه ...كم تتوق نفسه لمعرفة الصلاة الجديدة ! ... وما أشد ظمأه لأن يؤديها خلف النبي !


كان بنو قريظة في خوف دائم ...لا يفترون عن ترميم حصونهم وتجديدها...


صعد الفارسي إلى نخلة يجز جريدها... وكان صاحب النخل جالس تحته ,


اتجه ببصره نحوالجنوب... وتبسم ...


وما لبث إلا قليلا" حتى رأى رجلا" من اليهود يجري نحو أبي كعب ،


أحس بأن حادثا" قد وقع ...فنظر أسفل النخلة ...وكان الرجلان في بادئ الأمر يتهامسان


فلم يسمع ما يقولان...حتى علا صوت أبي كعب وهو مضطرب قائلا":


_ إنكم يا بني قريظة من أشهر الجبناء ، تُصدقون كل شائعة ...من قال لك هذا يا رجل ؟


أجابه الآخر صائحا" فيه :


_ قاتل الله بني قَيْلَةَ * إنهم ليتقاصفون عليه بقباء , وقد قدم من مكة ويزعمون أنه نبي...


أرتعد الفارسي ...ونضح عَرَقُهُ ...


ونزل عن النخلة في عجل وسأل أبي كعب عن الخبر ....فأجابه مرتاعا":


_ مالك وهذا... اذهب لعملك .

فصعد ثانية ليكمل عمله ...وأخذ يخاطب نفسه... سألتقيه أخيرا" ...وسأعرفه ...فإن له آيات لا تُخفى.

واسترجع حديثه مع العابد ...وتذكر ما همس له به...


....................

قَيْلَةَ : القَيْل حاكم من ملوك اليمن وإليه يُنسب الأوس والخزرج