ومما حفظ الله به سنة نبيه ما خص هذه الامه به وهو الاسناد الذى لم تحظى به امة غير امة الاسلام فاين سند كتابكم المقدس ايها الجاهل فلا يعرف من هم حملته جيلا بعد جيل
روى الخطيب البغدادي، عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه قال: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات..." شرف أصحاب الحديث: (ص40)، وفتح المغيث للسخاوي: (3/331).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "علم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد ، وجعله سُلَّماً إلى الدراية، فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات، وهكذا المبتدعون من هذه الأُمَّة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لِمَنْ أعظم الله عليه المِنَّة، أهل الإسلام والسُّنَّة، يُفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمُعْوَجِّ والقويم... مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: (1/9)، وانظر أيضاً: منهاج السنة النبوية له: (7/37).
ومما يوضح ذلك ما قام به العلاَّمة رحمت الله الهندي في كتابه: "إظهار الحق"
وقد استعرض جملة من كتبهم بدءاً بالتوراة ومروراً بالأناجيل المشهورة عندهم، في دراسة نقدية دقيقة تقع في (59) صفحة، ختمها بقوله: "فظهر مما ذكرت للناظر اللبيب أنه لا يوجد سند متصل عندهم لا لكتب العهد العتيق، ولا لكتب العهد الجديد...
اما عن عناية السلف رحمهم الله بالاسناد فحدث ولا حرج فكيف لا تبلغ عنايتهم به الذروة وقد ذكرنا الامثلة العديدة فيما سبق على عنايتهم بحفظ السنة وعمن يتلقون اخبارهم واحاديث النبى صلى الله عليه وسلم
وقد كان كل هذا حرصا منهم رحمهم الله الا يدخل تحت قول رسول الله : "من كذب عليَّ متعمداً فَلْيتبوَّأْ مقعده من النار". رواه البخاري ومسلم
ولا سبيل إلى تحري الصدق في نقل الأخبار والابتعاد عن الكذب إلا بالاعتماد على رواية الثقات، وطرح رواية غيرهم
وروى مسلم فى مقدمة صحيحه
أن بُشَير بن كعب العدوي جاء إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله . قال رسول الله . فجعل ابن عباس رضي الله عنه لا يأذَنُ لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال: يا بن عباس، مالي لا أراك تسمع لحديثي؟ أُحدِّثك عن رسول الله ولا تسمع؟! فقال ابن عباس رضي الله عنه: إنَّا كُنَّا مَرَّةً إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله ، ابتدَرَتْه أبصارُنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما رَكِبَ الناس الصعبَ والذلول( )، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
وهذا من عنايتهم الا يأخذوا الا عمن عرفوه بالامانة والعدل والثقة فمن عرف كذبه او جهل حاله تركوا السماع او التحديث عنه
لهذا قال محمد بن سيرين : "لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة قالوا: سَمُّوا لنا رجالكم، فَيُنْظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم
صحيح مسلم: (المقدمة، باب إن الإسناد من الدين 1/15).
وهذا يبين أن الحديث لما كان يدور بين الصحابة رضي الله عنهم، ويُحدِّث بعضهم بعضاً لم يكونوا يحتاجون أن يسألوا عن الإسناد؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم كلهم عدول
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري رحمه الله: "فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له - يعني أهل الحديث - وكثرة مواظبتهم على حفظه؛ لدَرَسَ منارُ الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع منه بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تَعرَّت عن وجود الأسانيد فيها كانت بُتْراً".. معرفة علوم الحديث: (ص6).
ثم روى بإسناده: "عن عتبة بن أبي حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبي فروة، وعنده الزهري قال: فجعل ابن أبي فروة يقول: قال رسول الله . قال رسول الله . فقال له الزهري: قاتلك الله يا بن أبي فروة، ما أجرأك على الله! لا تُسْندُ حديثك؟! تحدثنا بأحاديث ليس لها خُطُم ولا أَزِمَّة" عرفة علوم الحديث للحاكم: (ص6)
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء". رواه مسلم في مقدمة صحيحه
ومن عنايتهم بالسنة الاهتمام بالاسناد للذروة حتى نجد انهم قد يضعفوا راو ثقة فى رواته عن راو ثقة اخر لضياع كتبه التى كتبها عنه والاحاديث الى تلقاها عنه مثلما ضعفوا هشيم عن الزهرى وكلاهما روى له البخارى فى صحيحه
ومن عنايتهم ايضا بالسنة معرفة الرجال والجرح والتعديل
قال عبد الرحمن المعلمي رحمه الله: "ليس نقد الرواة بالأمر الهَيّن، فإن الناقد لابد أن يكون واسع الاطلاع على الأخبار المروية، عارفاً بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية، خبيراً بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، والموقعة في الخطأ والغلط، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الراوي: متى ولد؟ وبأي بلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة والحفظ؟ ومتى شرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه؟
ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم، وبلدانهم، ووفياتهم، وأوقات تحديثهم، وعادتهم في التحديث. ثم يعرف مرويات الناس عنهم، ويعرض عليها مرويات هذا الراوي، ويعتبرها بها، إلى غير ذلك مما يطول شرحه. ويكون مع ذلك متيقظاً، مرهف الفهم، دقيق الفطنة، مالكاً لنفسه، لا يستميله الهوى، ولا يستفزه الغضب، ولا يستخفه بادر ظن حتى يستوفي النظر، ويبلغ المقر، ثم يحسن التطبيق في حكمه فلا يجاوز ولا يقصر...
مقدمة تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل: (ص ب-ج).
فألفوا رحمهم الله العديد من الكتب فى الضعفاء وبيان حالهم ليعلم قول النبى صلى الله عليه وسلم من غيره فعلى سبيل المثال لا الحصر
1. أحوال الرجال لأبي إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت259ﻫ).
2. الضعفاء الصغير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت256ﻫ).
3.الضعفاء والمتروكون لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت303ﻫ).
3. تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين لأبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين (ت385ﻫ).
4. الضعفاء لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني (ت430ﻫ).
5. ديوان الضعفاء والمتروكين
6. المغني في الضعفاء.
وغيرها الكثير والكثير من الكتب
كما الفوا العديد من الكتب فى الثقات وغيرها فى الموضوعات وبيان عللها وهى اشهر من ان تذكر
ولهذا العلم شأنه فى حفظ السنة وبيان ما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم من غيره
وقال العلامة عبد الرحمن المعلمي رحمه الله في بيان جهود العلماء في حفظ الأخبار ونقدها: "... وعمدوا إلى الأخبار فانتقدوها وفحصوها، وخلصوا لنا منها ما ضمنوه كتب الصحيح، وتفقدوا الأخبار التي ظاهرها الصحة وقد عَرفوا بسعة علمهم ودقَّة فهمهم ما يدفعها عن الصحة، فشرحوا عللها، وبَيَّنوا خللها، وضمنوها كتب العلل، وحاولوا مع ذلك إماتة الأخبار الكاذبة فلم ينقل أفاضلهم منها إلا ما احتاجوا إلى ذكره؛ للدلالة على كذب راوية أو وهنه، ومن تسامح من متأخريهم فروى كل ما سمع، فقد بين ذلك ووكَلَ الناس إلى النقد الذي قد مُهدت قواعده، ونُصبت معالمه.
فبحقٍ قال المستشرق المحقق مرجليوث: ليفتخر المسلمون ما شاؤوا بعلم حديثهم"
مقدمة تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل: (ص أ-ب).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره في كلامٍ له على أخبار بني إسرائيل: "... وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة؛ لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان، وقد وُضِِعَ فيها أشياء كثيرة، وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء والسادة والأتقياء والبررة والنجباء من الجهابذة النقاد والحفاظ الجياد، الذين دونوا الحديث وحرروه، وبينوا صحيحه من حسنه من ضعيفه من منكره وموضوعه ومتروكه ومكذوبه، وعرفوا الوضاعين والكذابين والمجهولين، وغير ذلك من أصناف الرجال، كل ذلك صيانة للجناب النبوي، والمقام المحمدي خاتم الرسل، وسيد البشر ، أن ينسب إليه كذب، أو يُحدَّثَ عنه بما ليس منه.
فرضي الله عنهم وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم.
تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: (3/89 تفسير الآية رقم 50 من سورة الكهف
يتبع
الشمس اجمل في بلادي من سواها والظلام... حتي الظلام هناك اجمل فهو يحتضن الكنانة ..
المفضلات