...



أمّا الشاب فقد بَقِيَ مُقيّدا" في حُجرته و دخلت عليه ( بوران ) تبكي ومعها طعام

فأعرض عنه , فجلست إلى جواره ..

قالت و دموعها تصل إلى ثناياها وهي تبتسم :

_ ماذا قُلت يا أخي ؟ ...إن كنت تُحِبني حقا" فارجع عن الدين الذي دخلت فيه.


فأجابها مهموما" :

_ آه يا ( بوران ) الغالية ...ليتك يا حبيبتي تشعُرين بما أشعر به ..الجنة الآن في داخلي ...


ذراعاي خلفي , وقدماي موثوقتان ...والراحة تملأ قلبي .

قالت :

_ أَحُلُّ وِثاقَكَ وألقى جزائي ؟


هتف بصوت كأنه آت من عالم بعيد :

_ لا تفعلي ...فالقوة التي حلت وِثاقَ القلب ليست عاجزة يا ( بوران ) عن أن تحل وثاق قدم


ودخل الليل ...


فجاء أبوه ...ألقى عليه نظرة , وأطفأ النور وأغلق الباب وانصرف ...


وسكنت القرية ...

...


دخل شُعاع من الخارج إلى حجرة الشاب ...فلمع السيف الأثري , وهتف الشاب في نفسه

كأنما ذكر شيئا" : ( يا مُخلص الأسرى !)...وصمم على أن يصل إليه .

وأخذ السيف يُرسل بوميضه كأنه يُنادي الأسير ...

وصل إلى الحائط ووضع عليه رجليه واحتال _(و هو يقف على رأسه قليلا" )_في أن

يجعل القيد بين الحائط والسيف .

وساعده عُوده الطويل على أن يصل بقيده إلى مقربة من حمالة السيف ...ثم ارتمى

بكل قوته إلى الناحية المعاكسة فانخلع السيف من الحائط , وانغرس في الأرض .


زحف إليه حتى لمسه بقدمه ...أخذ يحك القيد في السيف

فأحس وهو منغمس في قطع الحبال أن هذا السيف الأثري

كُتب له أن يخدم الله على طول المدى...


ثم ندت منه تنهيدة ارتياح ...لقد انقطع الحبل , وها هو ذا يشعر بأن قدميه قد حررتا

شعر فيهما بقوة عاتية , وخُيل إليه أنه قادر على أن يضرب الجدار بإحداهما فيتداعى

وأنه قادر على الجري بهما إلى الشام ...موطن الدين الجديد


والذي دله عليه النصارى ...حين سألهم عن موطن دينهم .


وتأوه : ( الشام ) ...آه ( الشام !) لابد من الذهاب إلى هناك ولو كلفني ذلك حياتي...

ووقف منتصبا" وسط الحجرة . ثم أَولى ظهره للسيف وجعل يحك وثاق يديه فيه

بحركة متمكنة ...فسقط على الأرض ,و جعل يَحُك وثاق يديه في حدة حتى تحررت

يداه من القيد .

صفق بهما في الظلام , ثم نزع السيف من الباب وقَبلّهُ واحتضنه ...ثم فتح النافذة

وألقى نظرة على القرية النائمة ...

قرر أن يُغادر الدار قبل انبلاج الصبح ...مر على حجرة ( بوران ) فدعا لها


وسار إلى نهاية الدهليز ...وفي خلفية الدار باب سرّي مفتاحه في قفله...

انفرج الباب الثقيل بلا صرير ...ثم رده خلفه ...


وقابلته آخر ظلمات الليل...


...


يتبع بأذن الله تعالى