

-
المواجهة ...
...
كانت رائحة الراعي تملأ أنف الشاب بعدما آوى إلى حجرته , وكان بينها وبين رائحة
الراعي تضاد عجيب ...وتعادلت الرائحتان بعد فترة ...
ثم تفوقت رائحة الإنسان ...وخفق قلب الشاب خفقة حار لها ...
عندئذ بدت له معالم حجرته بوجه غريب ...فوسائد المخمل , وأواني الفضة ,وملابس الحرير
والسيف الأثري المُحلى بالجواهر المُعلق على الحائط ...كل ذلك لم يعد يرى فيه الوجه
العظيم الذي عرفه ...
بل لمسةُ الحنو للراعي وصيحة العدل في وجه الظالم وتراجُع سوط الدهقان ...
هي التعبيرالجديد الحي الذي ملأ وجدانه .
....
وفي الناحية الأُخرى من الدار بات الأب يتقلب في فراشه , فلمّا أصبح الصباح
والتقى الوجهان ...تبادلت القلوب لُغة التنافر ...فلم يستطيع الأبُ أن يناديه يا (أنا)
بل ألقى عليه فورا" بأمره أن يذهب إلى الضيعة ليرى ما إذا كانت هناك خنازير قد ماتت اليوم.
فمشى يضربُ في الخلاء ...غيْرَ مهتدي إلى أي وجهة يسير ...وبين حين وحين
كان ينظر إلى السماء ...
هناك أكداسٌ من السحاب الأشهب والرمادي بينهما وديان من
البحور الزرقاء ...
شعر الشاب أن روحه تمشي في هذه الوديان ...وأنها ترى في نهاية الوادي ...جنة خضراء...
عندها ناسٌ مجتمعون ...ملابسهم غير ملابس الفرس وتقاليدهم غير تقاليدهم ...
على وجوههم تعطّش شديد و معرفة أعظم بالشئ العظيم الذي أحسه أمس ...
أمس البارحة ..مساء"..
وأحس الدفء يسري في أوصاله ....نشط هبوب الريح ,
فحمل إلى أُذُنيه نشيدا"...كاد يحارُ في
مصدره أول الأمر , لكنه سَرَحَ ببصره في كُل اتجاه حتى عَرَفَ مصدر النشيد...وسار إليه.
ودخل على ناس هناك ...وخُيل إليه أنه يرى شيئا" خيرا" مما كان يراه في معبد النار
وهناك نسي نفسه حتى انقضى اليوم كله ...ودخل الليل مرة أخرى ,وانصرف الشاب
عائدا" إلى داره .
أشعلت الأم نار القلق في الدار كلها...وبكت الأخت (بُوران ) الحسناء لأن شقيقها لم يعد
وهي تعلم أن خلافا" قد نشب بينه وبين أبيه ليلة أمس ...
وأن الأب حرك السوط في الهواء
ليُلهب به وجه ( أنا ) لكن خفه خذلته...
وبدأ الأب يقلق...وبعث في طلب الأبن ناسا" من الأتباع ,لكنهم فوجئوا والليل متقدم
بدخول الشاب ...وعلى وجهه آيات من الجَهد.
وجلس الرجل الغليظ وحوله زوجته وبنته ...ينظر إلى الشاب .
_ أين كنت يا ..أنت ؟
أطرق الشاب مليا" ...ثم رفع رأسه ورأى الأب حاجبيه المقرونين اللذين طالما وقعت
بينهما قبلاته...فدق قلبه بالحُب العاتب ...ثم بدأ الشاب يتكلم :
_ مررت على رُعاة الخنازير كما أمرت .
_ وماذا وجدت هناك ؟
_ وجدت شيئا" لم تعرفه يا سيدي.
لم يسمع كلمة ابنه ولكنه تناسى , وعاد يسأل :
_ثم ماذا ؟
_ وجدت الله في كل مكان سِرْتُ فيه ...
_ جلجلت ضحكة الأب حتى جفلت ( بوران ) من صخبها...
ثم سأل الأب :
_ ووجدته هناك ...؟
_ نعم ...إنه رب المساكين ...وجدته على صورة جديدة ...على صورة الحق
ليس في النار التي حرمتم على الشمس أن تراها...
وجدته في آلام الإنسان ليلة أمس ...ثم الدعوات الضارعة إليه في السماء.
فتح الأب فمه ..ثم نسيه مفتوحا"...وصوت أقرب إلى همس الفحيح يخرج منه بلا إرادة
عينا الأب تسألان الابن من جديد في عجب مرتجف متحفز ...:
_ ماذا قلت يا مجنون ؟
_ هناك ...على بعد عشرة أميال ...رأيت النصارى يُصلون ...فدخلت عليهم
فأعجبني ما يقولون ...
وبصوت جبار صاح الأب الغليظ :
_ يا لها من دعوة باطلة ! ...إنهم يعبدون ما لا يرون . ونحن نعبد ما نرى ...
هل تضحك يا مغرور ...لقد كنت حُجة المجوس وفحر هرابذتهم ...كفاك ...
يا ( بوران ) الغالية ...هاتي أغلظ قيد من الحبال لأضعه في يدي ورجلي من كنت
أناديه ( أنا ) ...
وأجهش الرجل بالبكاء بعد أن تركه ...وذهب إلى نارهم المقدسة في البيت ...
و سهر إلى جانبها حتى نهاية الليل .
....
يتبع بأذن الله تعالى
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة المهندس زهدي جمال الدين محمد في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 16
آخر مشاركة: 22-12-2011, 07:49 AM
-
بواسطة ابن النعمان في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 08-02-2011, 09:42 PM
-
بواسطة جورج أبو كارو في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 29
آخر مشاركة: 19-01-2011, 08:05 AM
-
بواسطة Habeebabdelmalek في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 24-08-2007, 08:50 PM
-
بواسطة ismael-y في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 02-12-2005, 03:18 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات