بسم الله الرحمن الرحيم
الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري
لقد أعل بعض الحفاظ جملة من الأحاديث في صحيح البخاري ، ومن هؤلاء الحافظ الدارقطني وأبو علي الغساني في جزء العلل من كتابه "تقييد المهمل"
أما الحافظ الدارقطني فقد انتقد البخاري ومسلماً في كتابه" التتبع لما في الصحيحين"، وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ مقبل بن هادي - رحمه الله - ، ويعتبر كتابه أوسع مصدر في هذا الموضوع ، وقد رد على الدارقطني الحافظ أبو مسعود الدمشقي في جزء صغير ذكر فيه أربعة وعشرين حديثاً مما انتقد فيه الدار قطني مسلماً ، وقد لزم فيه الإنصاف فهو يصوب الدارقطني فيما يرى أنه أصاب فيه ، ويرد عليه إن رأى أنه أخطأ ، كما نبه على أوهام وقع فيها الدارقطني
كما ورد على الدارقطني الإمام النووي في شرح لصحيح مسلم .
ورد عليه أيضاً الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" وفي فتح الباري عند كلامه على الأحاديث المنتقدة .
والذي يلاحظ على رد النووي أنه رد مختصر مبني على قاعدة قبول زيادة الثقة مطلقاً. كان هو مذهب الأصوليين والفقهاء وعلماء الكلام ، كما أنه لم يجب على بعض الأحاديث .
وأما الحافظ ابن حجر فكان رده موسعاً مبنياً على تتبع الطرق وذكر المتابعات والشواهد، دون التمسك بقاعدة قبول زيادة الثقة على إطلاقها ، كما أنه التزم فيه العدل والإنصاف بحيث يصوب الدارقطني في مواضع كثيرة ويبين وجاهة انتقاده ، ولكن يلاحظ أنه في بعض الأحاديث يكتفي بالاحتمالات والتجويزات العقلية المجردة .
وقد ذكر ابن حجر أن عدة ما في "صحيح البخاري" من الأحاديث المنتقدة مائة وعشرة أحاديث منها ما انفرد بتخريجه وهي ثمانية وسبعون حديثاً ، والباقي شاركه مسلم في تخريجها
وقد قسم الحافظ الأحاديث المنتقدة في صحيح البخاري إلى ستة أقسام وذكر الرد الإجمالي على كل قسم منها ثم ذكر الأحاديث المنتقدة حديثاً حديثاً وأجاب عنها ، وهذه الأقسام هي :
القسم الأول : ما تختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد .
فإن أخرج صاحب الصحيح الطرق المزيدة وعلله الناقد بالطريق الناقصة فهو تعليل مردود ، لأن الراوي إن كان سمعه فالزيادة لا تضر لأنه قد يكون سمعه بواسطة عن شيخه، ثم لقيه فسمعه منه ، وإن كان لم يسمعه في الطريق الناقصة فهو منقطع والمنقطع من قسم الضعيف والضعيف لا يعل الصحيح .
وإن أخرج صاحب الصحيح الطريق الناقصة وعلله الناقد بالطريق المزيدة تضمن اعتراضه دعوى انقطاع فيما صححه المصنف فينظر إن كان ذلك الراوي صحابياً أو ثقة غير مدلس قد أدرك من روى عنه إدراكاً بيناً أو صرح بالسماع إن كان مدلساً من طريق أخرى فإن وجد ذلك اندفع الاعتراض بذلك ، وإن لم يوجد وكان الانقطاع فيه ظاهراً فمحصل الجواب عن صاحب الصحيح أنه إنما أخرج مثل ذلك في باب ما له متابع أو عاضد أو حفته قرينة في الجملة تقوية ويكون التصحيح وقع من حيث المجموع .
القسم الثاني : ما تختلف الرواة فيه بتغير رجال بعض الإسناد .
فالجواب عنه إن أمكن الجمع بأن يكون الحديث عند ذلك الراوي على الوجهين جمعياً، فأخرجهما المصنف ، ولم يقتصر على أحدهما حيث يكون المختلفون في ذلك متعادلين في الحفظ والعدل ،وإن امتنع بأن يكون المختلفون غير متعادلين بل متقاربين في الحفظ ، والعدد فيخرج المصنف الطريق الراجحة ، ويعرض عن الطريق المرجوحة أو يشير إليها فالتعليل بمجرد ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح إذا لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف فينبغي الإعراض أيضاً عما هذا سبيله .
القسم الثالث : ما تفرد بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عدداً أو أضبط ممن لم يذكرها.فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إذا كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع ، أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث تكون كالحديث المستقل فلا
القسم الرابع : ما تفرد به بعض من ضعف من الرواة .
وليس في الصحيحين من هذا القبيل غير حديثين
القسم الخامس : ما حكم يه بالوهم على بعض رجاله ، فمنه ما يؤثر ذلك الوهم قدحاً، ومنه لا يؤثر .
القسم السادس : ما اختلف فيه بتغير بعض ألفاظ المتن .
فهذا أكثره لا يترتب عليه قدح لإمكان الجمع في المختلف من ذلك أو الترجيح، على أن الدارقطني وغيره من أئمة النقد لم يتعرضوا لاستيفاء ذلك من الكتابين كما تعرضوا لذلك في الإسناد.
ومن خلال هذه الأقسام التي ذكرها ابن حجر يتضح أن الإمام البخاري يخرج الأحاديث الصحيحة وقد يتبعها أحياناً بالأحاديث المعلولة أو يشير إليها ، وإذا لم يكن الترجيح بين الرواة المختلفين باعتبار العدد أو الحفظ أو غيرها من المرجحات أو القرائن فإن البخاري يخرج الوجهين وكذلك يصنع الإمام مسلم - رحمه الله - وقد أشار الإمام الذهبي إلى هذا فقال : "وإن تساوى العدد واختلف الحافظان ، ولم يترجح الحكم لأحدهما على الآخر ، فهذا الضرب يسوق البخاري ومسلم الوجهين منه في كتابيهما وبالأولى سوقهما لما اختلف في لفظه إذا أمكن جمع معناه"
ولو قيست هذه الأحاديث التي يترجح فيها قول الدارقطني بمجموع أحاديث الصحيحين فإنها لا تتجاوز نسبة 1% إذ إن مجموع الأحاديث المنتقدة في البخاري ومسلم مائتين وعشرة من أكثر من ستة عشر ألف حديث ، وهذه الأحاديث المنتقدة بعضها متفق عليه والبخاري ومسلم قد أشارا إلى العلة فيه والبعض الآخر يترجح فيه موقف الشيخين ، فلنفترض أن الدارقطني قد اصاب في نصفها أي في مائة حديث وهي نسبة ضئيلة جداً ، وهي مما يؤكد صحة هذين الكتابين.
المفضلات