قال القرضاوي تحت عنوان " تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان"
وهذا ما يوجب علينا في هذا العصر أن نعيد النظر في أقوال قيلت، وآراء اتخذت في أعصار سابقة، ربما كانت ملائمة لتلك الأزمنة وتلك الأوضاع، ولكنها لم تعد ملائمة لهذا العصر بما فيه من مستجدات هائلة، لم تكن لتخطر للسابقين على بال. والقول بها اليوم يسيء إلى الإسلام وإلى أمته، ويشوه وجه دعوته.
من ذلك: تقسيم العالم إلى دار إسلام، ودار حرب، واعتبار أن الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم هو الحرب، وأن الجهاد فرض كفاية على الأمة إلى آخر تلك الأقوال
والواقع أن هذه الأقوال لم تعد تصلح لزماننا، ولا يوجد من نصوص الإسلام المحكمة ما يؤيدها، بل في هذه النصوص ما يناقضها.
فالإسلام ينشد التعارف بين البشر جميعا: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا).
ويعتبر السلام والكف عن الحرب نعمة. ولقد عقب على غزوة الخندق بقوله: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال).
ويعتبر صلح الحديبية فتحا مبينا يمتن به على رسوله، وينزل فيه سورة الفتح: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا).
ويمتن على رسوله وعلى المؤمنين في هذه السورة أنه كف أيدي الفريقين بعضهما عن بعض، فيقول سبحانه: (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم).
والرسول صلى الله عليه وسلم ينفر من كلمة "حرب" حتى إنه يقول: "أصدق الأسماء حارث وهمام، وأقبح الأسماء حرب ومرة".
والجهاد الذي شرعه الإسلام في الأزمان الماضية، كان له هدف واضح، وهو إزالة العوائق المادية من طريق الدعوة. وقد كان الأباطرة والملوك في تلك الأزمنة يقفون حائلا دون وصول دعوة الإسلام إلى شعوبهم، ولهذا بعث الرسول إليهم برسائله يدعوهم فيها إلى الإسلام، ويحملهم إثم ضلال أممهم، التي عزلوها عن الاستماع إلى أي صوت خارجي، خشية أن يوقظهم من سباتهم، ويشعرهم بذاتيتهم، فيهبوا من رقدتهم، ويتمردوا على طواغيتهم. ولهذا نجدهم قتلوا الدعاة حينا، أو بادروا المسلمين بالقتال حينا، أو أعدوا العدة لغزوهم وهددوهم في عقر دارهم.
أما اليوم، فلا عوائق أمام الدعوة، وخصوصا في البلاد المفتوحة التي تقبل التعددية، ويستطيع المسلمون أن يبلغوا دعوتهم بالكلمة المقروءة، والكلمة المسموعة، والكلمة المشاهدة. ويستطيعون بالإذاعات الموجهة أن يبلغوا العالم كله بلغاته المختلفة، وأن يتكلموا مع كل قوم بلسانهم ليبينوا لهم.
ولكنهم في الواقع مقصرون كل التقصير، وهم مسؤولون أمام الله تعالى عن جهل أمم الأرض بالإسلام.
المفضلات