الحلقة الثالثة:
وصلنا فى الحلقة السابقة إلى الهدف الأساسى الذى يعمل من أجله إبليس و هو (إضلال الناس جميعاً) .... و نستكمل بقية الحوار المثير بين جدى و إبليس اللعين....
سأله جدى: (طيب و نفترض إنك نجحت فى غرضك ده.... و أضليت الناس كلهم.... و شرفتوا كلكم فى النار.... و بعدين)
أجابه إبليس: (برضه نرجع لموضوع الكوتشينة ثانى يا بنى آدم..... لما كل اللى فى الدور يطلعوا خسرانيين يحصل إيه؟)
رد جدى: (تتلغى نتيجة الدور.... و الدور ينعاد)
أجاب إبليس فى ثقة: (و هو ده اللى أنا عايزه.... عايز الدور ينعاد من أول و جديد..... و ساعتها مش هأخسر أنا)
سأله جدى: (يعنى إيه؟....هأمشى معاك للآخر.... يعنى المرة الجاية ها تحكم عقلك و تسجد)
أجاب إبليس فى كبرياء: (لأ طبعاً.... مش هأسجد.... لكن هأكون أثبتّ قدام الخالق إن البشر ما كانوش يستحقوا إنى أسجد ليهم فى الأصل.... أديهم قدامه أهه..... عصاة و كفرة..... زيى تمام.... و ما فيش حد أحسن من حد)
صفر جدى بتعجب و قال بدهشة : (يابن الإيه ياشيطان.... تفكير جهنمى..... لكن تفتكر إن الخالق مش عارف نيتك السودة و حاسب حسابها.... ألم تقل أنت للخالق " إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ" و رد عليك بقوله " إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ"..... يعنى المحصلة النهائية ياريس إبليس إن ها يفضل فيه عباد مخلصين للخالق سوف يشملهم برحمته يوم القيامة و يدخلهم الجنة و تدخل إنت و إصحابك النار و يطلع تعبك على فاشوش يا حدق!)
رد إبليس بأسى: ( و هى دى المشكلة اللى واقفة قصادى......كنت ساعتها واثق من قدراتى و من نفسى...... و حققت نجاحات ساحقة فى الأول خللتنى أثق فى نفسى أكثر...... ده أنا خليت نص البشر يقتل النص الثانى بضربة و احدة...... يعنى النص مات و النص الثانى هايشرف معايا فى النار)
رد جدى: (تقصد قصة إبنىّ آدم.... المتعارف عليها على إنها قصة قابيل و هابيل)
رد الشيطان فى ثقة: (بالضبط..... فيه نجاح أكثر من كده؟)
رد جدى: (نجاح صحيح و لكن مؤقت.... لأن آدم خلف ثانى غير الولدين دول.... و كمان الإبن المقتول مات و الخالق راضى عنه و تقبل الموت عن إنه يغضب ربنا و يقاتل أخوه... وبالتالى مش هايشرف معاك فى الجحيم)
رد إبليس: ( ما كنتش حاسب حساب كده..... أنا كل ما أدبر خطة يفسدها لى الخالق.... مش سايبنى أعرف أشتغل براحتى)
سرح جدى لبرهة و تذكر قول الخالق فى سورة القلم:
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
و سورة الطارق:
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
و فى سورة النساء:
الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)
و سورة الأعراف:
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)
و سورة الأنفال:
ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)
و سورة إبراهيم:
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)
و سورة النمل:
وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50)
و سورة فاطر:
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
و سورة آل عمران:
وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)
و سورة يوسف:
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)
و تحدث جدى فى نفسه و هو ينظر لإبليس اللعين:( يعنى يا ريس إبليس.... ربنا مش هايسيبك تعمل اللى إنت عايزه..... مكرك و كيدك ربنا عارفه و سايبك تعتقد إنك لك قدرة و سيطرة بينما إنت بتضحك على نفسك و ربنا شايفك و و بيفسد كل خططك)
أحس إبليس و هو ينظر فى عينى جدى بما يدور فى ذهنه..... و قال بسرعة ليقطع تتابع أفكاره و يحولها فى إتجاه آخر: (لكن ده مش عدل!)
أفاق جدى من تأملاته و سأل فى عجب: (هو إيه اللى مش عدل؟)
رد إبليس: (اللى بيعمله ربنا فيّه ده مش عدل.....)
إعتدل جدى فى جلسته و رفع إصبعه فى وجه إبليس محذراً: (إتعدل يا إبليس و إتكلم كويس عن الله.... الله يا إبليس.... الخالق العظيم..... العدل الرحيم.....)
أسكتته قرصة فى ذراعه من متاتيا الجالس بجواره و أيضاً التحولات التى طرأت على إبليس إذ بدا على وجهه الألم و بدأت صورته فى التلاشى....
مال متاتيا على جدى قائلاً):مش قلت لك بلاش!)
رد جدى بتحد: (يعنى أسيبه يعترض على الله و أسكت له!)
رد متاتيا: (و لكن هو لم يعترض على الله.... هو إشتكى من معاملة الخالق له فقط)
أردف إبليس و قد إستعاد شكله و صوته: (زعلان ليه يا بنى آدم..... طيب رد عليّا.... إذا كان الخالق عادل صحيح... ليه يعمل كده فيّه.... ليه يحكم عليّه باللعنة الأبدية و الخلود فى النار......ليه يحتفظ بكل الأوراق و الخيوط معاه و لا يرمى إلىّ إلا بما يسمح له)
رد جدى بثبات: (أوعى تكون صدقت نفسك إنك بتلعب لعبة مع الخالق العظيم.... مش بعيد إن غرورك و هبلك يكون صور لك كده.... مين إنت حتى تشرط على الخالق شروطاً..... ده إنت حتى لما حبيت إنك تغوى البشر إستأذنت و طلبت ده من الخالق و قلت له (فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)...... يعنى كنت تقدر تمنح نفسك الحياة الأبدية بنفسك ؟)
رد إبليس: ( لأ طبعاً.... و الكلام بتاعك صحيح.... ما قلتش حاجة.... و قلت لك قبل كده إنى عبد خاضع للخالق العظيم و لم أتبرأ من عبوديتى له سبحانه.....و لكن كان نفسى يكون عندى حرية أكثر فى الحركة بدل القيود اللى مقيدنى بيها... مش أكثر)
رد جدى متهكماً (حرية حركة أكثر من الملايين اللى إنت قاعد تضل فيهم كل يوم.... ده إنت حصتك من أتباعك الضالين أكثر من حصة الخالق العظيم من المؤمنين.... عايز حرية و عدل أكثر من كده..... أما إنت كذاب كبير قوى)
رد إبليس فى تحدى أكبر قائلاً : (يعنى شايفك بتعترض على كلامى.... طب قول لى بقى.... فين يا شاطر العدل الإلهى فى الحروب و الكوارث و الأمراض و كل الأشياء السيئة اللى بتحدث للبشر..... طفل صغير.... لم يرتكب أى ذنوب فى حياته لأنه لم يبدأها بعد, يموت فى حادث أو يصاب بمرض خطير يقتله.... ما كان ذنبه....و أين العدل الإلهى فى ذلك؟)
نظر جدى فى عينى إبليس و أحس فيهما بالشماتة و الإحساس بزهو الإنتصار..... وأحس كأن إبليس يمتحنه.... و لكن الله ثبت قلبه و ألهمه بالرد: ( أولاً.... معظم المصايب اللى بتحدث للبشر إنت سببها بكرهك للبشر و شيطنتك..... و بعدين يا ريس إبليس... لا يمكن لأحد أن يقدر حقيقة العدل الإلهى إلا إذا كان يملك من العلم ما يساوى العلم الإلهى.... فالخالق العظيم يملك كل العلم..... علم الكون كله من بدايه إلى نهايته.... و علوم أخرى لا ندرى عنها شيئاً.....حتى الملايكة قالوا له " لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ".... و هو بالتالى يعدل فى حكمه بمقتضى ذلك العلم الذى إختص به نفسه.... أما أنت بتفكيرك الشيطانى و نحن البشر بمحدودية علمنا.... فلا ننظر إلى الأمر الذى يحدث بالعلم الإلهى اللامتناهى بل بالعلم البشرى المحدود و الذى قد لا ينفع فى تفسير العدل الإلهى فى الأحداث التى تلم بنا.....)
و تذكر جدى فى نفسه قصة موسى مع العبد الصالح فى سورة الكهف:
فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
و أكمل جدى الحديث متسلحاً بما ألهمه الله من تلك الآيات: (خذ مثال ياريس إبليس.... حكاية موسى مع العبد الصالح.... أعتقد إنك تعرفها جيداً.... لقد أمد الله العبد الصالح ببعض العلم و تصرف فى الأمور بما يقتضيه ذلك العلم بعدل مطلق....فخرق السفينة... وقتل الغلام.... و بنى الجدار.... و لكن نبى الله موسى لم يكن يملك ذلك العلم.... و بالتالى لم ير العدل فيما فعله العبد الصالح و بمقتضى ذلك لام العبد الصالح على تلك الأفعال..... و لكن قبيل الفراق بين الإثنين و بعد أن شرح له العبد الصالح الأسباب المنطقية لأفعاله.... تيقن النبى موسى من العدل و المنطق الذى تمت به الأحداث....)
ثم نظر جدى إلى إبليس الذى غام وجهه كمداً.... فرح جدى و قال فى لهجة الإنتصار: (مش كده وللا إيه يا ريس إبليس..... الشوية دول تلعبهم على الناس بتوعك مش أنا!)