الأمير تشارلز ورسالته السامية
ما يجود به القلب‏..‏ يصل إلي القلب


كتبت : عائشة عبدالغفار
الامير تشارلز
تكتسب زيارة سمو الأمير الملكي تشارلز ولي عهد بريطانيا أهمية كبري‏,‏ في ضوء الحملة المتصاعدة في الغرب من أجل تشويه الإسلام والمسلمين عقب أحداث‏11‏ سبتمبر‏,‏ ومحاولات سد الفجوة بين العالمين الإسلامي والغربي‏,‏ وتفادي صدام الحضارات من خلال تعزيز الحوار البناء بين الإسلام والغرب‏.‏

ولاشك أن أمير ويلز له نشاط سابق ومعلن في مجال الحوار بين الأديان والحضارات‏,‏ منذ زيارته لمركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية‏,‏ الذي قام بتدعيمه المغفور له الملك فهد بن عبدالعزيز‏,‏ وسلطان بروناي‏,‏ وغيرهما من الشخصيات العالمية التي تسعي جاهدة لتعميق فهم الإسلام من خلال المشاركة العلمية بين العالمين الإسلامي والغربي‏.‏

والهدف من زيارة الأمير تشارلز لمصر هو الإسهام في إزالة الجهل الناتج عن النظرات السلبية للإسلام‏.‏ ولا ننسي أن الأمير تشارلز هو الراعي الفخري لمركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية‏.‏ وتأتي محاضرته بجامعة الأزهر استكمالا للمحاضرة التي ألقاها حول الإسلام والغرب بمركز أوكسفورد عام‏1993,‏ والتي نالت الإعجاب الكبير من قبل المثقفين والملمين برسالة الإسلام السامية‏.‏

والذي يتابع السيرة الذاتية للأمير تشارلز يعرف جيدا أنه مولع بالحضارة العربية إلي الحد الذي جعله يحفظ الأمثال العربية‏,‏ فهو مؤمن بالمثل الذي يقول إن الحكمة ليست حكرا علي أحد‏..‏ كما أنه يفخر دائما بأنه تم إنشاء كرسي أستاذ للدراسات العربية في جامعة كمبردج في القرن السابع عشر‏,‏ وهو مؤمن أيضا بأن مركز أوكسفورد للدراسات الإسلامية وسيلة مهمة لتشجيع فهم العالم الإسلامي في بريطانيا‏,‏ كما أنه يتابع نشأة معهد الدراسات الشرقية ومركز الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد العريقة التي تخرج فيها رجالات السياسة المصرية‏,‏ وأقطاب الأحزاب من أجدادنا السالفين ـ رحمهم الله جميعا وأراحهم الله في مرقدهم ـ لإسهاماتهم التنويرية والسياسية‏.‏

وإلقاء محاضرة تشارلز بجامعة الأزهر العريقة ينبع من إيمانه بأهمية العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي أكثر من أي وقت بعيد‏,‏ من أجل إرساء التعاون بين العالمين ومن أجل الحفاظ علي التعايش بين كل الأديان‏..‏ وهو يردد مثلا عربيا فحواه أن ما تنبس به الشفتان تلتقطه الأذهان‏,‏ وما يجود به القلب يصل إلي صميم القلب‏.‏

كما يأتي اهتمام تشارلز بالحوار بين الأديان من منطلق إدراكه لانتشار الإسلام في العالم‏,‏ حيث إن هناك أكثر من بليون مسلم في شتي أنحاء العالم‏,‏ كما يعيش ملايين منهم في بلدان الكومنولث‏,‏ وأكثر من مليون في بريطانيا‏,‏ كما تضم بريطانيا في أحضانها خمسمائة مسجد إلي جانب الاهتمام الشعبي المتزايد بالثقافة الإسلامية التي تغزو أوروبا‏.‏

ولا ننسي أن والدته راعية الكنيسة الأنجليكانية‏,‏ الملكة اليزابيث لم تتردد أن تفتتح مهرجانا إسلاميا عام‏1976.‏

وما لا يعرفه القارئ‏,‏ أن الأمير تشارلز يتابع عن قرب التطورات في الشرق الأوسط‏,‏ والأوضاع في العراق‏,‏ وأوضاع الشيعة‏,‏ وطالب بأهمية حماية الأماكن المقدسة في العراق أثناء الغزو العراقي‏,‏ كما استنكر ما فعله صدام حسين في إلحاق الدمار بالأماكن المقدسة‏.‏

وتأثر بالمعاناة المروعة لمسلمي البوسنة‏,‏ وتابع معاناة الشعوب في يوجوسلافيا السابقة‏,‏ والصومال وأنجولا والسودان والجمهوريات السوفيتية السابقة‏,‏ فهو متخرج في كلية كمبردج الفنية العريقة‏,‏ ويتمتع بدراسة جميع قضايا العالم من منطلق شغفه بعلوم الاجتماع والإنثروبولوجيا‏.‏

وهو يكره التعصب‏,‏ ويطالب دوما بدعم الحوار بين الأديان‏,‏ ويقول إن المسلمين والمسيحيين واليهود جميعهم أصحاب الكتاب‏..‏ كما أن الإسلام والمسيحية يشتركان في النظرة الوحدانية والإيمان بإله واحد‏,‏ وبأن الحياة فانية والمسئولية عن الأفعال والإيمان بالآخرة‏.‏

وله رؤية فلسفية واقعية بالنسبة للحروب الصليبية التي استمرت مائتي عام‏,‏ وندد بالمذابح التي ارتكبها الصليبيون أثناء استرداد القدس‏.‏ فالأمير تشارلز يتمتع أيضا بإلمام تاريخي واسع وعميق‏,‏ وينقلنا في حديثه من سقوط قرطبة إلي فتح قسطنطينية‏,‏ إلي الهزائم المتلاحقة للأتراك خارج فيينا إلي تاريخ البلقان أثناء الحكم العثماني‏.‏

وهو مدافع عن الإسلام الذي يمثل الأصولية الإسلامية‏,‏ أو تطرف القاعدة‏..‏ ويؤكد أن القرآن الكريم ينص علي الإنصاف والرحمة‏ والأمير تشارلز يردد كثيرا أن تركيا ومصر وسوريا منحت نساءها حق التصويت في الفترة نفسها التي منحت أوروبا نساءها الحق نفسه‏ ويؤكد أن ارتداء البرقع يعود إلي التقاليد البريطانية والساسانية‏.‏

وكثيرا ما يشير إلي إسهام الحكم الإسلامي في إسبانيا في وضع اللبنات الأولي للنهضة الأوروبية‏,‏ مشيرا إلي أن المزايا التي تفخر بها أوروبا الحديثة جاءت أصلا من إسلانيا خلال الحكم الإسلامي‏..‏ إن التسامح والفهم بالنسبة للأمير الحضاري يجب أن يكون في اتجاهين‏.‏

وأخيرا‏..‏ فإن أمير ويلز وولي عهد بريطانيا أراد أن يوصل رسالة واضحة‏,‏ وهي أنه لا يوافق علي أن العالمين الإسلامي والغربي يتجهان نحو صدام‏,‏ وإنما لدي العالمين الكثير لكي يقدماه إلي بعضهما البعض‏.‏ ولاشك أن زيارته لمصر سوف يكون لها صدي مهم سوف يحتذي به الشباب‏,‏ وهي رسالة إنسانية عميقة وشاملة من أجل إرساء قواعد عالم أفضل يقترب من الروحانيات والطبيعة‏,‏ ويبعد عن البرجماتية والانتهازيةhttp://www.ahram.org.eg/Index.asp?Cu...7.HTM&DID=8797 الملعونة

‏.‏