. خلق الزوجة (حواء) - 3-
إنَّ الإسلام قد نظر إلى الإنسان "رجلاً كان أم إمرأة" أنّهُ إنسان فيه الغرائز والميول وفيه العقل والإدراك أيضاً، وأباح وهيأ ومكن الإنسان التمتع بلذائذ الحياة، ولكن على وجه يحفظ الجماعة والمجتمع، ويؤدي إلى تمكين الإنسان من السّير قدماً لتحقيق سعادة وهناء الإنسان داخل مجتمع متوازن تسوده الطمأنينة وتحكمه السنن والقوانين والضوابط الموافقة للفطرة التي اودعت بالإنسان. وبما أنّ حفظ النوع الإنساني من أهداف الإسلام العليا لصيانة المجتمع، ولأجل تحقق تلك الأهداف والغايات أتت ضرورة وحتمية الحفاظ على النَّسب، وبناء عليه فقد حصر الإسلام صلة الجنس بالزواج أو ملك اليمين. وللحفاظ على النسب وللحيلولة دون اختلاطه، فقد سَنَّ الأنظمة والأحكام التي تكفل المجتمع من اختلاط النّسب وتلك التي تكفل الحفاظ عليه، بجعل كل صلة أو علاقة تخالف ذلك وتخرج عنه جريمة تستوجب أقصى أنواع العقوبات الرادعة، ولبشاعة تلك الجرائم وخطورتها على المجتمع وحتى تكون العقوبات زاجرة رادعة، فقد سُنت ضمن الحدود التوقيفية التي لا يجتهد في مضمونها، محذراًَ من الرأفة والرَّحمة لمرتكبوا تلك الجرائم، قال تعالى:
﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كلَّ واحِدٍ منهما مائَةَ جَلدَةٍ ولا تَأخذكم بهما رّأفَة في دين الله إنْ كنتم تُؤمنونَ باللهِ وَاليَوْمَ الإخِرَ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ [1 ]
من هنا يتبين مدى الفرق الشاسع بين نظرة الإسلام للإتصال الجنسي المنبثق عن نظرته لطبيعة الغريزة الكامنة في الإنسان ذكره وانثاه ولطرق اشباعها، ونظرته للمرأة نفسها وللناحية الزوجية التي تقتضيها وتفرضها طبيعة وجودها مع الرجل في مجتمع واحد؛ وبين نظرة الجاهلية الحديثة، فإنَّ كل وجهات نظر الجاهلية الحديثة ومفاهيمها: مسلطة على الناحية الجنسية وكيف نستمتع بها، بل وكيف نكثر من إنتهال المتعة واللذة. وبناء على تسليطهم على الناحية الجنسية فقط كوسيلة للمتعة واللذة وكهدف وغاية ، فمن الطبيعي أن يترتب على ذلك نظرة للمرأة أنها بوتقة لإشباع الرّغبات الجنسية، لا بل وسيلة من وسائل الإثارة والايقاع واشباع الشهوات الجنسية، صاحب ذلك اعتبارهم أنَّ عدم إشباع الغريزة بالجنس المطلق بلا ضوابط، وعدم اطلاق العنان لممارسته يشكل خطر على الصحه والعقل، وكبتٌ للغريزة التي لا بد من اطلاقها، وبما أنهم فهموا أنَّ وظيفة المرأة في ذلك هو الإستمتاع بها والإثارة، كان الحل الوحيد في نظرهم للمشكلة هو ايجاد المناخ المناسب للإثارة لدى كل من الرجل والمرأة بكل الوسائل المتاحة.
وبما أنّ عقولهم قد قصرت وعجزت عن إدراك السّبب الذي من أجله خلقت الغريزة في الإنسان وهو بقاء النوع الإنساني، بالعلاوة على اعتقادهم بحيوانية الإنسان، فإنهم بالتالي قد فهموا العلاقة بين الرجل والمرأة من ناحية جنسية في شكلها البدائي الحيواني، لذا فلا مانع عندهم لا بل من الطبيعي والبديهي والمنطقي – ما دام الجنس وممارسته قد أصبحا لديهم هدفاً يُسعى إليه لتحقيق اللذة والنشوة والإستمتاع – أن يُمارَسَ الجنس بصورة حيوانية منحطة، ما دام يفي بالمطلوب ويحقق الغاية ويوصل للإشباع، فمن الطبيعي أن يُمارَسَ الجنس بصورةٍ شاذة، كأن يمارسه رجل مع رجل، أو أن تمارسه انثى مع انثى، أو إتيان المرأة في غير موضع الحَرْث "موضع الحمل والتناسل".
لقد أثبتوا بذلك نظرية التطور!!! إذ طوروا الإنسان رجعياً، فحتى الحيوان البهيم الغير عاقل، والذي تطور الإنسان بزعمهم من نسله، لم ينحط إلى درجة الشذوذ بأن يواقع الذكر منه الذكر، أو أن تواقع الأنثى منه الأنثى، أو أن يواقع الذكر منه أنثاه في غير موضع التناسل، إلا في حالات نادرة.
قال تعالى :
﴿ وَيَسْئَلونَكَ عَنِ المَحيضِ قلْ هُوَ أذىً فَاعَتَزِلوا النِساءَ في المَحيضِ ولا تَقرَبوهُنَّ حَتّى يَطهُرْنّ فَإذا تَطهَرْنَ فَأتوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أمَرَكمُ اللهُ إنَّ اللهَ يُحِبُّ التوابينَ وَيُحِبُّ المتَطهرينَ نِساؤكمْ حَرْث لكم فَأتوا حَرْثكم أنى شِئْتُم وَأتْقوا اللهَ وَاعلموا أنكم ملاقوهُ وَبَشِّرِ المؤمنين﴾
[2 ]
لقد كان خلق حواء الزوجة كما فهمه أدم عليه السلام، وكما علمه الله تعالى، لتسكن إليه ويسكن إليها، أي للزوجية التي تعني السّكن والمودة والرحمة، كما تعني التلاقح والتزاوج، والإشباع الصحيح لجوعات الغرائز وثوراتها، والمنتجة للنسل والذرية والنسب، ولايجاد النسل الإنساني، وللمحافظه على بقاء النوع الإنساني واستمرار وجوده، هذا النوع الذي سيحمل الأمانة والإستخلاف في الأرض، ولينتظم في موكب الكون السائر في طاعة الله وعبادته. وليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
............................................................ ............................................................ ...............................................
(1) النور: (2)
(2) البقرة: (222-223)
............................................................ ............................................................ ...............................................
الموضوع منقول من : موسوعة الخلق والنشوء، حاتم ناصر الشرباتي، 1424هـ / 2002م. مكتبة الايمان - المنصورة
............................................................ ............................................................ ...............................................
يتبع إن شاء الله.>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
المفضلات