ولنعد إلى فكرة القمنى المحورية فى كتاب "الحزب الهاشمى"، وهى أن نبوة محمد إنما هى تحقيق لمطامح عشيرته من قديم الأجيال، وبالذات منذ أيام هاشم وعبد المطلب. يقول كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية"، الذى يحمل على غلافه اسم أبكار السقاف، عن الصراع بين قريش ومحمد فى العهد المكى وشكاواهم المتكررة إلى أبى طالب من ابن أخيه: "وقدح عمل الوجدان شرر الذاكرة فعملت من أبى طالب المخيلة وراحت تستعرض الماضى والحاضر، وفى امتداد راحت تطوى الحاضر وترتاد آفاق المستقبل الذى قد التمعت منه البوارق خلال تلك الخلوة التى خلا فيها إلى محمد وأصغى إلى حديث أدرك من ورائه أن التاريخ السياسى للعرب يتجه اتجاهًا لا فحسب جديدًا بل مغايرًا، وأن أمره إنما أمرٌ هو فى بيت هاشم وبيت عبد المطلب محصور! ومن ثم هب أبو طالب يجمع بيت هاشم وبني المطلب ويفضى إليهم بأمر ابن أخيه وابن أخيهم طالبًا إليهم، وهم فرع عبد مناف، أن يمنعوا محمدًا من فرع عبد الدار، ثم، وهم بيت هاشم، أن يمنعوه من بيت عبد شمس. فاستجابوا له جميعًا باستثناء عبد العزى بن عبد المطلب استجابةً هم فيها ولا ريب كانوا متأثرين بالعصبية القومية وبالخصومة القديمة بين فرعي عبد الدار وعبد مناف وبالمنافسة الجديدة بين بيت هاشم وبيت عبد شمس، مما جعلهم يرون حقا لابن أخيهم أن يعلن الناس برأيه. وهكذا اعتصم محمد ببيته من هاشم وبعمومته من أبناء عبد المطلب، لا فحسب من فـرع عـبد الدار وبيت عـبد شمس، وإنما من سائر قـريـش!
ولكن كانت هذه "المنعة" الهاشمية لمحمد إلهابًا لجذوة الخصومة بين بنى العمومة، فمن حول نفسها أخذت سائر الفروع والبيوت القريشية تستدير حلقات ليتعقد منها الرأى عند القول بأن فى انتصار هذا الفرد من عبد مناف انتصارا لفرع عبد مناف على عبد الدار، وبالتالى انتصارًا لبيت هاشم على بيت عبد شمس. وفى هذا ما فيه من الخطورة على ما لهذه الفروع والبيوت من قريش من مكانة اجتماعية وسياسية، ومن ثم بدأت للقضاء على ما فى هذه الدعوة من المبادئ السياسية والاجتماعية ألوان من الاضطهاد تنزلها قريش بمن لديها من الإماء والعبيد ممن كَلِفُوا بالوعد المحمدى كَلَـفًا أخرجهم من طاعة قريش إلى طاعة محمد. وازداد بنو هاشم والمطلب، وإن كانوا لمحمد فى دعوته الدينية لا يؤازرون، منعا لمحمد وللأذى عن الموالى والعبيد من أتباعه دفعًا دفع حمزة بن عبد المطلب إلى أن يعلن اتّباعه محمدًا ومعاهدته على نصرته والتضحية فى سبيل أمره". إنها نفس الفكرة المحورية فى "الحزب الهاشمى"، وإن كان لا بد من أن نأخذ فى الاعتبار المدى الزمنى بين كتابة الكتابين، والفرق بين شخصية أبكار السقاف وشخصية القمنى، فضلا عن تغير الظروف الدولية فى وقتنا الحاضر عما كانت عليه فى الوقت الذى تم فيه تحبير كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية".
ولنقرأ فى ذات الكتاب، ولكن فى موضع آخر: "بمنعة أبي طالب لمحمد وبانتصاره له وإيمانه بدعوته السياسية رغم عدم إيمانه بدعوته الدينية بدأ مظهر النزاع القديم بين هذين الفرعين من قُصَيّ يتخذ دوره الإيجابى مسفرًا عن اشتداد إخلاد قريش إلى عقيدتها بأنّ هذه الدعوة التى يطلع بها عليها محمد ليست فى مداها الحقيقي إلا دعوة سياسية لجأت فى تدعيم كلمتها إلى "الوحي"، واتخذت الدين الحنيف وسيلة إلى غاية تنحصر فى إحراز سلطة مطلقة عن طريق وحدة سياسية تأتي للعرب بإمبراطورية كتلك التى للفرس وكتلك التى للرومان، بل تهدف إلى أن تقيم القوائم من سلطانها على أنقاض هاتين الإمبراطوريتين كما كان قد أعلن هذا الهدف لمحمد نداء ما زال يتردد مجلجلا: اتبعونى. والذى نفس بيده لتملكنّ كنوز كسرى وقيصر!
لا جدل فى أنه مذ ثوى قُصَيٍّ، والتطاحن على سيادة العرب سِجَالٌ بين فـرعي قـريش وعَوَانٌ، ولكنه ما اشتد قَطُّ اشتداده فى هذا العهد. كلا وما عمل كلا الفرعين إلى الإمارة وإليها جَدَّ جِدُّهما مثل هذا العهد. ولذلك فإن قريشًا، إذ تقف مقتنعة بأنّ محمدًا إنما سياسي اتخذ "الوحي" طريقًا للاعتراف بما يضمن له كامل السلطة ومطلق السلطان وأنه ليس إلا مفتريًا اتخذ اللَّه إلى هدفه وسيلة واتخذ الدين الحينفى مسندًا إليه فى دعوته يستند ليكفل لكلمته إصغاء، فليس إلا بوحي من أحداث العصر كانت قريش قد كونت عن محمد هذه الفكرة التى تحولت فى صدرها إلى يقين غداة استجابت لمحمدٍ هاشمٌ، مما كان السبب فى شد أزر الدعـوة المحمدية وتثبيتها والخروج بها من الدور الإعدادى إلى الدور العملي الذى اتخذ مظهر النزاع السافر بين الفريقين، والذى ما لبث بدوره أن تطور إلى مظهر التحدي حتى كاد يندلع شرر الحرب بين الفرعين".
ولمزيد من المعلومات حول أبكار السقاف أسوق للقارئ العزيز ما قرأته فى بعض المواقع المشباكية لمحمد جلال القصاص من أن كتابها: "نحو آفاق أوسع" (وهو الكتاب الذى يعد كتاب "الدين فى شبه الجزيرة العربية" أحد أجزائه) قد "صدر عام 1945م، وحدثت "دوشة" كبيرة حول الكتاب انتهت بمصادرته عام 1946م. لا حظ أنّ الكتاب تم مصادرته في فترة لم يكن ظهرت فيها ما يسمونه بــ"الأصولية الإسلامية"... وأبكار السقاف من المعاصرين ومن المعمَّرين (1913م- 1989م)، ولا يعرف عنها التاريخ سوى أنها إحدى الحسناوات ربيبة القصور وزوجة الأمراء والأثرياء. وقد أجهد نفسه من يترجم لكتب شىء عنها فلم يجد سوى التعجب من أن تهمل هذه الحسناء بنت الأثرياء. أقول: وهذا حالها، فقد صدر كتابها: "نحو آفاق أوسع" في عام 1945م، وكان عمرها اثنين وثلاثين عاما، والكتاب موسوعة ضخمة في أربعة مجلدات، ويشبه التحقيق الكبير. كيف أخرجته هذه الصبية الجميلة، وكانت قد تزوجت (أو خُطِبَتْ) وطُلِّقَتْ (أو انفصلت) من أمير برقة، ثم تزوجت ومات زوجها، ثم لم تخرج بعده عملا في نفس قيمته مع أنّها عُمِّرَتْ وتفرغت بعد ذلك؟ وإذا وضعنا في الحسبان أنّ هذه الفترة كان النصارى مشغولون فيها بإعادة قراءة التاريخ الإسلامي من جديد، وإخراج كوادر "إسلامية متنورة"، وهي ذات الفترة التي خرجت فيها "دائرة المعارف الإسلامية"، ألا يدل كل ذلك على أنّ هذه الفتاة كُتِب لها أو أُعِدَّتْ لها الأفكار والمفاهيم، وهي صاغتها؟ مجرد تساؤل لا أجد صعوبة في الإجابة عليه بالإثبات. وإنْ حَلَفَ غيري لا أظن أنّه يحنث".
قلنا إن عددا من الأفكار فى الكتاب الذى يحمل اسم القمنى وذلك الذى يحمل اسم أبكار السقاف واحدة، كما أن القمنى يباهى بأنه تلميذ لتلك الكاتبة، التى رأينا أن كتبها المطروحة هذه الأيام بوفرة واهتمام قد صودرت حين نشرت لأول مرة، وهو كلام له مغزاه، وبخاصة حين يقرأ الإنسان كتابها عن الدين فى بلاد العرب فيلفيها تتكلم عن الإسلام والقرآن ومحمد فى الغالب بكلام يحتمل معنيين: المعنى الأول أن يكون القرآن من عند محمد، استقى ما فيه من لقاءاته بالرهبان وأهل الكتاب الذين قابلهم هنا وهناك فى رحلاته التجارية إلى اليمن والشام، تلك اللقاءات التى تقرر أنها أثرت فى شخصية محمد، فهى كثيرا ما تقول مثلا: "وانطلق لسان محمد يقول كذا وكذا"، أو "استرسل من محمد الكَلِم يقول كذا"، أو "راح الصوت المحمدي يتجه نغما هادئا ينادي بكذا"، أو "أتت الإجابة من شفتي محمد بأنّ اللَّه له يقول كذا"، أو "جاءت الوعود من شفتى محمد بكذا"، أو "ارتفع الصوت من محمد ينادى بكذا"، أو "جاوب الجانبُ المحمديّ مرددًا كذا"، أو "يقول محمد بأنّ اللَّه عن الأمر الفلانى يقول كذا"، بدلا من أن تقول إن الوحى قد نزل عليه بالآية الفلانية أو السورة العلانية. وهو أسلوب من القول درج على شىء شبيه به عبد الرحمن الشرقاوى فى كتابه: "محمد رسول الحرية". وأما المعنى الثانى لكلام السقاف أو من كتب مستخدما اسمها، وإن لم يكن بنفس قوة المعنى الأول، فهو أن القرآن وحى من السماء. ويساعد على هذه الحيرة بين المعنيين أن الأسلوب الذى صيغ به الكتاب أسلوب متكلف عَسِر لا تتضوع فيه أنفاس البيان العربى، وفيه من العجمة شىء ليس بالقليل.
ومما يحيرنى كذلك فى أمر السقاف أن بعض كتبها الأخرى ككتابها: "إسرائيل وعقيدة الأرض الموعودة" وكتابها: "الحلاج أو صوت الضمير" مثلا قد صيغت بأسلوب مباشر يختلف تماما عن هذا الأسلوب: فلا تكلف ولا عجمة ولا تقديم لما حقه التقديم ولا تأخير لما حقه التقديم، ولا عبارة مثل: "لا ثمة شك" المتحذلقة التى لم أجد لها نظيرا فيما يكتب الكتّاب والكاتبات. هل هناك أكثر من يد وراء تلك الكتب السقّافية؟ مجرد سؤال. هل تلك الكتب قد صاغتها فعلا يد أبكار السقاف، التى تمسك وهى فى مجالس الرجال بالسيجارة بدلال ولا دلال فاتنات السينما، وقد ارتدت ملابس تكشف عن صدرها وكتفيها وزنديها وذراعيها وساقيها وتركت شعرها الوَحْف دون أن تستره ولو بإيشارب حسبما تخبرنا صورتها المنتشرة على المشباك؟
ويؤكد أيضا التشابه الكبير فى الأفكار الرئيسية بين الكتاب الذى يحمل اسم السقاف ونظيره الذى يحمل اسم القمنى ما نقرؤه عند السقاف مثلا عن عبد المطلب: "ليس بالجديد أن نقول إنّ عبد المطلب كان من حكام قريش وأشرافها وساداتها، لكن الجديد أن نكتشف ما قد كان لعبد المطلب من سجايا مطمورة فى تربة التاريخ وأن نراه يقف فى العصر القريشي مثلا رائعا للتوحيد الصافى والخالص النقي من وصمة اتخاذ الوسطاء على الله والتشفع بهم إليه ليسجل تنبُّه الوعى تماما فى هذه الفترة إلى ما إليه كان قد انصرف القلب قديما من دينٍ صاحَبَه الاعتقاد بأن به قد هبط إبراهيم الوادى وأورثه لإسماعيل غداة تَرَكَه بين جُـرْهُم يصحر معهم فى الصحراء. يقينا إنّ من الجديد أنْ نعلم أنّ عبد المطلب هو أوّل داعية رفض التوجه فى العبادة على "الوسطاء" والتمسح بأصنامهم أو تماثيلهم بغية التشفع بهم إلى الله! ومن الجديد أن نعلم أنّ عبد المطلب وحّـد الله توحيدًا خالصًا رفض به إلاّ التوجّه إليه بالسؤال. فهو بينما يقوم صورة بارزة للقيم الأخلاقية محرمًا الخمر والفسق وآمرًا بترك البغى والظلم وموصيًا بالوفاء بالعهد وناهـيًا عن نكاح المحارم وعن الوأد ومتبعًا التقاليد العربية فى قطع السارق وحاثًّا على مكارم الأخلاق ومحذرًا من يوم حساب عنه يطلق القول مقسمًا: "والله إن وراء هذه الدار دارًا يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسىء بسيئاته" فإنما يقوم معلنًا أنه يعبد الله على شريعة الحنيفية ويتبع دين إبراهيم وإسماعيل، وأنه يتخذ مكانًا لهذا التعبد "حراء". فقد كان عبد المطلب إذا أهل شهر رمضان صعد إلى حراء يتحنّث ويتعبّد ليعود فيُودِع التبشير بهذا الدين فى مسمع من حوله من أبنائه من بهم كان قد اشتد ساعده، ومن عنهم كان يتحدث قائلا: "إذا أحب الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء!". للحظة أخرى يتمهل الفكر هنا ويسبح مستوعبًا المعنى من هذا الصوت الذى لا بد أن يكون قد رنَّ فى وعى محمد صبيًّا وهو فى حجر عبد المطلب نشأ، وفى كنفه تربى، ليعود الفكر من هذا السبح مُوقِنًا بأن فى نفس محمد كان حتمًا أن يترك رنينُ هذا الصوت انطباعاته التى بوضوح بعد قد تجلت غداة أنشأ محمد "بالنبوة" دولة!".
فهذا الكلام يماثل قول القمنى فى "الحزب الهاشمى": "إذا أراد الله إنشاء دولة خلق لها أمثال هؤلاء: قالها عبد المطلب بن هاشم، وهو يشير إلى أبنائه وحفدته، فبرغم التفكك القبلي في بيئة البداوة التي عاشتها جزيرة العرب، فإن هناك من استطاع أن يقرأ الظروف الموضوعية لمدينة مكة بوجه خاص، وأن يخرج من قراءته برؤية واضحة هي إمكان قيام وحدة سياسية بين عرب الجزيرة تكون نواتها ومركزها مكة تحديدا برغم واقع الجزيرة آنذاك... وإزاء كل هذه العوائق الواضحة والمحبطات السافرة للحلم وللأمل وللتوقع لم يجد الآخرون سوى الاهتداء إلى أنه لا حل سوى أن يكون منشئ الدولة المرتقبة نبيا مثل داود. وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب حتى اشتد الإرهاص بالنبي المنتظر خلال فترة وجيزة،. وآمن هؤلاء بذلك، وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم الآتي، وإن ظلت المشاعر القبلية داخل النفوس التي تهفو للوحدة، وظن كل منهم أن الآتي سيكون منهم، مثل أمية بن عبد الله الثقفي الذي راودته نفسه بالنبوة و الملك، فقام ينادي:
ألا نبي منا فيخبرنا * ما بعد غايتنا في رأس مَحْيانا؟
لكن العجيب فعلا ألا يمضي من السنين غير قليل حتى تقوم في جزيرة العرب دولة واحدة بل دولة قوية ومقتدرة تطوي تحت جناحيها، وفي زمن قياسي، ممالك الروم و العجم بعد أن أعلن حفيد عبد المطلب بن هاشم: محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه النبي المنتظر... ويبدو أن أخطر شأن في هذه الملة وفي أمر عبد المطلب جميعه هو إدراكه للنسب وخطورته بين الأعراب بحسبانه العامل الجوهري في تفككهم السياسي لاعتزاز كل قبيلة بنسبها القبلي والذي ظل مستبطنا في بطن التحول الجديد للبنية الاجتماعية المكية. ومن هنا كان إعلانه أن العرب جميعا، وقريش خصوصا، يعودون بجذورهم إلى نسب واحد. فهم، برغم تحزبهم و تفرقهم، أبناء لإسماعيل بن إبراهيم. لذلك، ولأنه ينتمي إلى هذه السلالة الشريفة، فقد أعلن في الناس تبرؤه من أرجاس الجاهلية وعودته إلى دين جده إبراهيم. ودين إبراهيم هو الفطرة الحنيفية التي ترفض أي توسط بين العبد والرب. فإذ أهل رمضان صعد إلى غار حراء متحنفا، ثم عاد ينادي قومه أنه قد حرم على نفسه الخمر وكل ضروب الفسق، حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود، هاتفا: "والله إن وراء هذه الدار دارا يجزي فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بسيئاته"، ثم لا يلبث أن يبشر قومه بقرب قيام الوحدة السياسية، فيشير إلى أبنائه وحفدته الذين أصبحوا له عزوة وشد أزر ويقول: "إذا أحب الله إنشاء دولة، خلق لها أمثال هؤلاء"، أولئك الأبناء الذين كاد يقدم أحدهم ذبيحا ابنه عبد الله أب النبي عليه السلام كما كاد يفعل جده البعيد إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام. وفي أمر عبد المطلب يقول المسعودي: "تنازع الناس في عبد المطلب، فمنهم من رأى أنه كان مؤمنا موحدا، وأنه لم يشرك بالله عز وجل. وكان عبد المطلب يوصي بصلة الأرحام وإطعام الطعام ويرغبهم ويرهبهم، فِعْل من يراعي في المتعقب معادا وبعثا ونشورا".
كذلك وقفت السقاف عند عبد المطلب وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بوصفهم حنفاء، وعلى هذا الترتيب الذى تناولهم به القمنى أيضا، وإن كان القمنى قد تناول حنفاء آخرين، إلا أنه أبقى الكلام عن هؤلاء الثلاثة إلى النهاية وساقهم بهذا الترتيب، وأرود لهم كثيرا من النصوص التى أوردها كتاب السقاف، وأبرز أهيمتهم بنفس الطريقة التى نجدها عندها، أو بالأحرى: فى الكتاب الذى يحمل اسمها. والملاحظ أيضا أن احتفاء الاثنين بأمية بن أبى الصلت وتمجيده كبير حتى إنهما ليركزان كثيرا على "طهره" و"تطهره"، فضلا عن إيرادهما أشعاره المشبهة لما فى القرآن بوصفها أشعارا صحيحة مع ما هو مشهور بين العلماء من أنها منحولة عليه. وقد زاد القمنى فعزا، عن طريق التدليس، القول بصحتها إلى د. جواد على، الذى قال عكس هذا تماما. إلا أن القمنى حذف من كلام الباحث العراقى سطورا كثيرة ثم لحم النص بطريقة توحى بأن جواد على يقول ما قاله هو من أن شعر أمية المشابه للقرآن هو شعر صحيح، وأن الرسول والقرآن من ثم مدينان له.وقد فصلنا القول فى ذلك تفصيلا فى المقال المسمى: "اعتزال سيد القمنى".
ولكن هل كتاب أبكار السقاف هو مصدر العبارة المنسوبة إلى عبد المطلب، تلك التى يباهى فيها ذلك الشيخُ الجليلُ بأبنائه وأحفاده ويؤكد أن أمثالهم أحرياء أن ينشئوا الدول؟ كلا ثم كلا ثم كلا. إنما هو فى أحسن أوضاعه مرجع وسيط. ولكن صاحبته للأسف لم تذكر المصدر الذى أُخِذَتْ منه هذه المعلومة، بل أوردت اسم مرجع وسيط آخر، ثم زادت الطين بلة فلم تحدد مكان الطبع ولا تاريخ الطبعة أو رقم الصفحة، مكتفيةً بالقول بأنه كتاب "قصة الأدب فى الحجاز فى العصر الجاهلى" من تأليف خفاجى والجيار. وهو أمر يبعث على القهقهة، إذ الصواب أنه من تأليف د. محمد عبد المنعم خفاجى وعبد الله عبد الجبار، فانظر الفرق بين الأمرين كى تدرك مدى الاضطراب الذى أحاط بالكاتبة حتى إنها لا تعرف الفرق بن عبد الجبار والجيار ولا تفكر فى تحديد الطبعة ورقم الصفحة فى كتاب يبلغ عدد صفحاته زهاء السبعمائة.
وقد أرهقنى الأمر قبل أن أنجح فى الوصول إلى موضع الاقتباس، وهو الصفحة رقم 306 من طبعة مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة عام 1400هـ- 1980م لأفاجأ بأن السقاف قد أفسدت النقل، إذ ذكرت أن عبد المطلب هو الذى قال هذه العبارة وهو ينظر إلى أولاده وأحفاده مباهيا بهم، على حين أن قائلها، كما ورد فى كتاب خفاجى وعبد الجبار وكما ورد فى كتاب "أعلام النبوة" للماوردى، إنما هو أعرابى كان قد مر بعبد المطلب جالسا وحوله أولاده وأحفاده. على أن المؤلفَيْن المذكورَيْن بدورهما لم يذكرا المصدر الذى استقيا منه هذه العبارة وتركانا فى عماية معماة من الأمر. فانظر، أيها القارئ العزيز، إلى كل هذا الاضطراب، وتعجب ما حلا لك التعجب! ثم يقال بعد هذا كله لذلك المزور القرارى إنه باحث لم تلده ولادة! ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! إلهى يحرسك من العين يا قمنى!
بالله أهذا الهلس يصلح فى ميدان البحث العلمى؟ أمن المعقول أن يأتى أحدهم إلى عبارة طائرة لا يدرى من أين أُخِذَتْ ولا من قالها ولا ماذا تعنى، بل لا يدرى أصلا أهى صحيحة أم لا، ثم يرتب عليها أطروحته كلها، وهى أطروحة فى منتهى الخطورة، إذ تتهم محمدا عليه السلام بأنه ليس نبيا بل رجلا سياسيا أراد تحقيق مطامح جده فى توحيد العرب وإقامة دولة تحمل اسم الهاشميين، ثم لا دين بعد ذلك ولا يحزنون؟ وقد نفضتُ كثيرا جدا جدا من كتب التراث التى يغلب على الظن أن مثل تلك العبارة يمكن أن يعثر الباحث عليها فيها فلم أوفق. وبعد رحلة بحثية أخرى لم أعثر عليها إلا فى كتاب واحد هو كتاب "أعلام النبوة" للماوردى المولود فى أول الثلث الأخير من القرن الرابع الهجرى تقريبا.
والملاحظ أن هذه العبارة لا وجود لها فى تاريخ الطبرى ولا فى سيرة ابن هشام ولا فى "المغازى" للواقدى ولا فى غيرها من كتب التاريخ الموجودة فى موقع "الوراق"، وهى بالعشرات. فكيف انفرد الماوردى بها؟ وأين كانت قبل أن يوردها فى كتابه؟ وحتى لو صدقنا بها، فمن ذلك الأعرابى الذى قالها؟ وفى أية ظروف نطق بها؟ بل من هو الراوى الذى رواها للماوردى؟ والواقع أن العبارة لا يمكن أن تكون صحيحة. لماذا؟ أولا لأن كلمة "دولة" بالمعنى الذى يقصده القمنى ومن يتابعهم عميانيا دون فهم أو عقل أو منطق أو تدقيق ليست من معجم الجاهليين. ودونك، يا قارئى العزيز، الشعر الجاهلى كله ففَلِّه براحتك. فإن وجدت هذه الكلمة فى أى شاهد منه غير الشاهد التالى، وهو بمعنى مختلف تماما عما نحن فيه، فتعال قل لى، ولك منى الشكر الجزيل. يقول سليمة بن مالك الأزدى: "وَالقَومُ لا يغنيهمُ رَيْبُ الدُّوَلْ"، أى تداول النصر والهزيمة.
كذلك دونك القرآن الكريم، ويقينا لن تعثر على هذه الكلمة بين مفرداته، بل هناك فقط كلمة "دُولَة" فى قوله تعالى عن الحكمة وراء توزيع الأنفال على فئات بعينها من المهاجرين غِبَّ انتصار المسلمين فى خيبر: "كيلا يكون دُولَةً بين الأغنياء منكم"، أى كيلا ينحصر تداول المال فى يد الأغنياء منكم. فـ"الدُّولَة" هنا من التداول، ولا علاقة لها بمفهوم الدولة (state) إطلاقا. كذلك تخلو أحاديث الرسول الكريم من تلك الكلمة أيضا، اللهم إلا حديثين أو نحو ذلك من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة استعملا الكلمة بمعنى "السيادة" أو "الدَّوْر" أو "الحصّة"، إذ نُسِب إلى الرسول قوله: "إن للمساكين دولة. قيل: يا رسول الله، وما دولتهم؟ قال: إذا كان يوم القيامة قيل لهم: انظروا من أطعمكم في الله لقمة وكساكم ثوبا أو سقاكم شربة ماء، فأدخلوه الجنة"، "حدثني جبريل عليه السلام، قال: يدخل الرجل على الحوراء فتستقبله بالمعانقة والمصافحة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبأي بنان تعاطيه؟ لو أن بعض بنانها بدا لغلب ضوؤه ضوء الشمس والقمر. ولو أن طاقة من شعرها بدت لملأت ما بين المشرق والمغرب من طيب ريحها. فبينا هو متكئ معها على أريكته إذ أشرف عليه نور من فوقه فيظن أن الله عز وجل قد أشرف على خلقه، فإذا حوراء تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله تبارك وتعالى: "ولَدَيْنا مَزِيد"، فيتحول عندها، فإذا عندها من الجمال والكمال ما ليس مع الأولى. فبينا هو متكئ معها على أريكته، وإذا حوراء أخرى تناديه: يا ولي الله، أما لنا فيك من دولة؟ فيقول: من أنت يا هذه؟ فتقول: أنا من اللواتي قال الله عز وجل: "فلا تعلمُ نفسٌ ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّة أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون". فلا يزال يتحول من زوجة إلى زوجة".
ويؤكد هذا كلَّه ما أثبته الخليل بن أحمد فى معجم "العين"، وهو أقرب المعاجم العربية إلى الجاهلية، وهو: "الدُّولةُ والدَّوْلةُ لغتان، ومنه الإدالة. قال الحَجّاج: إِنّ الأرضَ ستُدَالُ مِنّا كما أَدَلْنا منها. أي نكون في بَطْنها كما كُنّا على ظَهْرها. وبنو الدِّول: حَيٌّ من بني حنيفة". وكما يرى القارئ لا وجود لكلمة "دولة" بالمعنى العصرى فى هذا المعجم. وقد جرت العادة حينذاك أن يقال: "الفرس والروم والأحباش" مثلا بدلا من "دولة الفرس ودولة الروم ودولة الأحباش" كما فى قوله عز شأنه: "ألم غُلِبَتِ الرُّوم فى أدنى الأرض، وهم من بعد غَلَبهم سيَغْلِبون* فى بِضْع سنين".
ولقد بدا لى قبل هذا أن أراجع الشعر الجاهلى كله فى الإصدار الثالث من "الموسوعة الشعرية" لأرى الأبيات التى تتضمن تركيب "إذا أحب الله..."، فلم أجد فيه ولو شاهدا واحدا، بل لم أجد أى شاهدا أتى فيه اسم الجلالة فاعلا لفعل "إذا" الشرطية قط رغم أننى استعرضت فى ذلك مئات الأبيات التى استعمل فيها أصحابها هذه الأداة ما بين شعراء مشهورين وآخرين مغمورين، وشعراءَ رجالٍ وشاعراتٍ نساءٍ، وما بين "إذا" التى فعل شرطها ماض و"إذا" التى فعل شرطها مضارع، وما بين "إذا" المجردة من "ما" وإذا" التى يعقبها هذا الحرف، وكذلك ما بين "إذا" التى تليها جملة فعلية و"إذا" التى تليها جملة اسمية، وما بين "إذا" الابتدائية و"إذا" التى تتصدر جملة الخبر، وما بين "إذا" التى ترد فى صدر البيت و"إذا" التى تأتى فى دَرْجِه... إلخ. ثم إننى لم أكتف بهذا، بل زدت فاستعرضت فى الموسوعة المذكورة كل الأبيات التى ورد فيها الفعل: "أَحَبَّ" فلم أجده قط فى شعر الجاهليين مسندا إلى الله ولا واقعا عليه أيضا.
وثالثا كيف يمكن أن تخطر لأعرابى فكرة إنشاء الدول، ولم يعرف الأعراب أوانذاك إقامة الدول، إذ كانوا قبائل متناحرة لم يعرفوا الدول ولا الأوطان كما نعرفها نحن الآن؟ وبحقٍّ يؤكد مكسيم رودنسون المستشرق الفرنسى المعروف، فى مادة "محمد" فى طبعة هذا العام من "Encyclopaedia Universalis: الموسوعة اليونيفرسالية"، أن العرب "كانوا يجهلون فكرة الدولة: la notion d'État était inconnue". بل إنهم لم يكونوا ينسبون مثل هذه الأمور إلى الله سبحانه ولا كان يدور فى أذهانهم فى ذلك الوقت من الجاهلية مفهوم المشيئة والإرادة الإلهية على النحو الذى عرفوه بعد الإسلام. لقد كانوا يقولون مثلا: "نموت ونحيا، وما يهلكنا إلا الدهر". ولدينا الشعر الجاهلى، وليس فيه شىء يدل على أنهم كانوا يربطون بين مثل ذلك الأمر وبين إرادة الله. ولنفترض بعد هذا كله أن ما قلناه غير صحيح، وهو لا يمكن إلا أن يكون صحيحا، فكيف لم يحاول واحد من منشئى الدول هؤلاء حسب قولة الأعرابى المزعومة كالعباس وحمزة وأبى لهب وأبى طالب مثلا أن يفكر فى إقامة دولة، اللهم إلا صغيرهم وابن أخيهم محمدا؟ لقد وقفوا منه أول ما بدأ دعوته إلى الإسلام موقف العداء والعناد، بل لقد انضم بعضهم إلى معسكر المؤذين له المتآمرين عليه كأبى لهب. كما أن الذين آمنوا من كبارهم إنما آمنوا بأُخَرَةٍ ولم يسارعوا إلى الانضمام إلى صفوف أتباع منشئ الدول هذا. أما أبو طالب، الذى بسط حمايته على ابن أخيه وكان له فى كثير من المواقف ردء صدق، فلم يؤمن به قط رغم كل الحنان الذى كان يكنه له فى قلبه.
بل لقد كان أبو طالب يطلب منه صلى الله عليه وسلم فى بعض الأحيان أن يكف عن الدعوة إلى ما جاء به إبقاء على العلاقات التى تربط الهاشميين بسائر المكيين على ما تصوره لنا الرواية التالية من السيرة النبوية لابن هشام والتى أوردها الكاتب نفسه فى كتابه موجزة: "ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه. ثم شرى الأمر بينه وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها فتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه. ثم إنهم مَشَوْا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وإنا قد استَنْهَيْناك من ابن أخيك فلم تَنْهَه عنا. وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا حتى تكفّه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، أو كما قالوا له. ثم انصرفوا عنه، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ولا خذلانه.
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدّث أن قريشا حين قالوا لأبي طالب هذه المقالة بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا (الذي كانوا قالوا له)، فأَبْقِ عليَّ وعلى نفسك، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق. قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بَدَاءٌ أنه خاذله ومُسْلِمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته. قال: ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى ثم قام. فلما ولى ناداه أبو طالب فقال: أقبل يا بن أخي. قال: فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أُسْلِمك لشيء أبدا". أفلو كان هناك تلك التخطيطات التى يزعمها أصحاب التخليطات الحشاشية، أكان هذا يكون موقف أبى طالب من ابن أخيه الساعى لإنشاء دولة العشيرة؟ أُفٍّ لكل مُهْتَلَسٍ مَأُوف!
ثم إن الكاتب نفسه يقول بعد ذلك ما نصه: "وكانت النتيجة التي سجلتها كتب التاريخ الإسلامي أنْ حَقِبَ الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادأ بعضهم بعضا، وقام حزب عبد الدار يستجمع حلفاءه لمواجهة ما بدأت نذره في الأفق برغم نداء بعض العقلاء مثل عتبة بن ربيعة، الذي التقى النبي، وأدرك الأهداف الكبرى للدعوة، فقام يقول لقريش: يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه فاعتزلوه. فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ منه نبأ عظيم. فإن تُصِبْه العرب فقد كُفِيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. وعلى الطرف الآخر أعلن الهاشميون أنهم قد منعوا فتاهم برغم عدم متابعة دعوته دينيا، اللهم إلا أفرادا فرادي. فكانت عصبيتهم القبلية درعا قويا لدعوة حفيد عبد المطلب، التي استنفرت الحزب المناوئ الذي أصر على زعمه أنها دعوة لو كتب لها النجاح لصار الأمر كله إلى البيت الهاشمي". وإن العاقل ليتساءل: لماذا يا ترى يَنْكِل الهاشميون عن متابعة محمد فى دعوته ما دامت تؤدى إلى إنشاء الدولة التى لا تكلّ عشيرتهم عن التخطيط لها والعمل على تحقيقها بكل وسيلة منذ أجيال؟ وماذا يضيرهم فى أن يتابعوه على دعوته؟ أو فلنقل: وماذا كان يضيره لو ترك دعوته الدينية وركز على تنفيذ خطته السياسية ما دام الدين الذى جاء به قد فرق قومه، وفرق معهم عشيرته أيضا، بدلا من توحيدهم؟ ثم كيف يفسر كاتبنا البلبوصىّ هذه الحكمة التى بدت على عُتْبة بن ربيعة فأراد من أهل مكة أن يكفّوا عن مناوأة الرسول، وابنُ ربيعة لم يكن هاشميا؟
وبالمناسبة فالكاتب لا يرتاح هنا إلا بعد أن يكذّب ما يقوله الرسول والصحابة عن عمرو بن هشام، الذى سَمَّوْه: "أبا جهل"، إذ يقول لوذعيُّنا الكارهُ لكل شىء فى الإسلام: "ومن الجدير بالذكر أن عمرو بن هشام لم يكن رجلا أحمق أو أبله بدلالة تحاكم العرب إليه في النفورة والمشاورة والمخايرة منذ حداثته حتى إنهم أدخلوه دار الندوة صبيا". وهذا يعنى أن ما قاله المسلمون والرسول عن جهله وحمقه هو كذب فى كذب وغيظ وحقد لا حقيقة له، وكأن كل صاحب منصب لا بد أن يكون أهلا لذلك المنصب. أفلا يكفى أن يعادى دعوة الإسلام وأن يظل طوال عمره مفعم القلب بالحقد على الرسول الكريم عاميا عن القيم النبيلة المضيئة التى يحتوى عليهادينه، مؤثرا عليها قيم الجاهلية الجهلاء؟ أفلا يكفى أن يكون هو مُورِد قومه مَوْرِد التهلكة فى بدر حين أصر فى عنادٍ غبىٍّ وكِبْرٍ مقيتٍ على متابعة جيش قريش تقدمه إلى بدر رغم توارد الأنباء بنجاة القافلة القرشية التى خرج الجيش لحمايتها، فكانت ثمرة ذلك العناد الجهول الأحمق أن جُنْدِل العشرات من صناديد قريش وقوادها ورؤسائها، ومنهم أبو الجهل هذا؟


يتبع...