بسم الله الرحمن الرحيم
ثانيا: بعض الانتقادات الموجهة للرواة في الصحيحين والاجابة عنهما
نعلم اننا في عجالة كهذه لا نوفي الصحيحين قدرهما من التوضيح والبيان ولكن نذكر باختصار ما يغني باذن الله عن الاطالة ...
حيث انه من ضمن ما وجه للصحيحين من انتقادات وجود رواة متهمين بالتدليس .... وقد ظن ان وجود هكذا رواة يعني الطعن في صحة الاحاديث الواردة ... وهذا الادعاء منشأه الجهل بعلم الحديث وضوابطه ... ولكي نجلي هذه النقطة علينا ان نوضح اولا ما هو التدليس ؟؟
التدليس لغة: هو ماخوذ من الدلس وهي الظلمة اما اصطلاحا فهو رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه فيتوهم انه سمعه منه كذا قال ابن الصلاح وتبعه اخرون ...
فقد يظن البعض انه بمجرد ان يعرف ان فلانا الراوي اتهم بالتدليس فتجده يقول الحديث معلول او مدلس وهذا لا يجوز كما سنوضح باذن الله
حكم رواية المدلس:
ذهب العلماء في ذلك الى ثلاثة اقسام
1-رد خبر المدلس سواء صرح بالسماع ام لا او كان تدليسه عن الثقات او الضعفاء
2-قبول خبره مطلقا سواء صرح بالسماع ام لم يصرح
3-التفصيل: فيقبل منه اذا صرح بالسماع او ما يقوم مقامه والا فلا ... والقول الاخير هو الذي عليه اكثر اهل العلم كالشافعي والخطيب البغدادي وابن حجر والنووي ومن جاء بعدهم
4-قبول خبر المدلس صرح بالسماع ام لم يصرح الا ان يخالف في روايته النقل حينئذ ترد روايته وعنعنة الراوي مقبولة ما لم تخالف النقل. وقد ذهب الى ذلك ابن عبد البر ... (انظر روايات المدلسين في البخاري للدكتور عواد الخلف)
اذا فقد ذهب اكثرية العلماء الى الحكم الثالث كما قلنا وهو الراي السائد قبول رواية المدلس ان صرح بالسماع والا فلا
اذا تقرر هذا فما هو حكم الرواة المتهمون بالتدليس في الصحيحين؟؟ هذا ما سنوضحه هنا ان شاء الله ... حيث انقسم العلماء في هذا الى قسمين:-
1-انها محمولة على الاتصال والصحة وهذا الراي عليه عدد كبير من المحدثين وجعلوا قبولهم للعنعنة هنا محمول على ثبوت سماع المدلس من جهة اخرى. وممن قال بذلك (ابن الصلاح والنووي والقطب الحلبي والعلائي
2-معاملة المدلس في الصحيحين كمعاملته خارجهما وذهب الى هذا الراي عدد من العلماء منهم ابن حجر وابن دقيق العيد والصنعاني وغيرهم (انظر المصدر السابق)
وقد قال ابن حجر في (النكت على ابن الصلاح) كلاما يكتب بماء الذهب حيث قال:-
(واما دعوى الانقطاع فمرفوعة عمن اخرج لهم البخاري لما علم من شرطه ومع ذلك فحكم من ذكر من رجاله بتدليس او ارسال ان تسبر احاديثهم الموجودة عنه بالعنعنة فان وجد التصريح فيها بالسماع اندفع الاعتراض والا فلا )
يقول الدكتور عواد الحلف:
(ومن اراد الطعن في عنعنة مدلس في صحيح البخاري فانه لن يسلم له ذلك وذلك اما لورود الحديث نفسه مصرحا فيه بالسماع في مكان اخر من الصحيح او خارج الصحيح او ان تكون عنعنة المدلس في المتابعات لا في الاصول ) وهذه ضوابط قبول رواية المدلس تقريبا ...
اذا تقرر هذا علم ان رواية من اتهم بالتدليس في الصحيحين لا تعني الطعن في صحة الحديث بل الحديث صحيح فيها مائة بالمائة ولا مجال لرده لثبات سماع الراوي (او المدلس) ممن روى عنه واما المعنعن فقد صرح ايضا بالسماع ومن لم يصرح بذلك فان البخاري ومسلم لم يرويا له في الاصول شيئا وانما في المتابعات وبهذا يؤمن ان يكون في الصحيحين روايات غير صحيحة (باستثناء بعض الاحرف اليسيرة التي انتقدها العلماء ولا تنقص من قدر الصحيحين)
وقد وضع العلماء ضوابط واعتبارات لقبول روايات المدلسين في الصحيحين وهذه هي كما يجملها الدكتور عواد الخلف:
1-كون المعنعن من الطبقة الاولى من مراتب المدلسين
2-كون المعنعن من الطبقة الثانية من مراتب المدلسين
3-مجيء الحديث مصرح به في السماع في الصحيح نفسه في موضع اخر
4-مجيء الحديث مصرحا فيه بالسماع خارج الصحيحين
5-ان تكون رواية المدلس عن شيخه مقرونة بغيره
6-ان يكون المدلس من اثبت الناس في شيخه واحتمال عنعنة المدلس عمن اكثر عنه ولازمه هو منهج أئمة الحديث كالحميدي وبخاري ومسلم
هذا باختصار فيما يخص ضوابط رواية المدلسين وفيه تفصيل بالرواة ومجموع مروياتهم وكيف حملت على الاتصال نجدها في كتاب الدكتور عواد الخلف ...
وفيما يلي تبيان مراتب المدلسين وحكم الرواية عنهم
1-المرتبة الاولى: من لم يوصف بذلك الا نادرا جدا بحيث ينبغي ان لا يعد فيهم واهل هذه المرتبة روايتهم محمولة على الاتصال صرحوا بالسماع ام لم يصرحوا
2-المرتبة الثانية: من احتمل الائمة تدليسه وخرجوا له في الصحيح وان لم يصرح بالسماع وذلك اما لامامته او لقلة تدليسه بجانب ما رواه واهل هذه المرتبة روايتهم محمولة على الاتصال صرحوا بالسماع ام لم يصرحوا
3-المرتبة الثالثة: من اكثر من التدليس فلم يحتج الائمة بحديثهم الا ما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقا
4-المرتبة الرابعة: من اكثر من التدليس عن الضعفاء والمجهولين وحكم اهل هذه المرتبة هو قبول ما صرحوا فيه بالسماع ورد ما رووه بالعنعنة
قلت: ومعظم ما روي في الصحيحين للرواة الذين اتهموا بالتدليس هو من المرتبة الاولى والثانية مما لا يطعن في الحديث لوجود هؤلاء الرواة بعد التفصيل الذي قدمناه وهناك ايضا مرويات من الطبقة الثالثة كما سيظهر .... وهنا رسم توضيحي من كتاب الدكتور عواد الخلف يبين فيه مرويات كل طبقة ممن اتهم بالتدليس وهي كما قلنا مصرح فيها بالسماع فانتفت العلة والحديث صحيح او لها شواهد ومتابعات في الصحيح او خارجه او رويت تعليقا فليست على شرط البخاري رحمه الله ...
يتبع بحول الله تعالى
رد مع اقتباس
المفضلات