ومع هذا التفنيد العلمي سنواصل النظر في الآيات التي يحتجون بها مؤكدين هم على بنوة المسيح الحقيقية لله:
1- «لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: «مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي». (متى 2: 15)
إن كاتب إنجيل «متى» قد اعتاد على الاستشهاد الخاطىء من العهد القديم كما أوضحنا من قبل. وهنا في الفقرة الأولى يستشهد بسفر هوشع:
«لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَماً أَحْبَبْتُهُ وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي». (هوشع 11: 1)
والفقرة تشير إلى إنقاذ بني إسرائيل من قبضة فرعون وخروجهم من مصر. وقد وقع هذا وأصبح ماضيًا. ومن ثم ليس الحدث نبوءة تدل على المستقبل.
2- «اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللَّهِ الْوَحِيدِ». (يوحنا 3: 18)
إن معنى «ابن الله» كما شرحنا باستفاضة هو الشخص المقرب إلى الله لإيمانه ويقينه في الله. ومعنى «أبناء الله» أى المؤمنون به. ويدل التعبير أيضاً على الناس جميعاً وعلى أن الله أبوهم مجازاً لأنه خلقهم ورباهم ويرعاهم:
«وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ». (يوحنا 1: 12)
«فَقَالُوا لَهُ: «إِنَّنَا لَمْ نُولَدْ مِنْ زِناً. لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ». (يوحنا8: 41)
كما تدل كلمة «ابن» و «أب» على الاتفاق في الضلال والإضلال:
أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا (يوحنا 8: 44)
فعبارة "ابن الله الوحيد" تدل على التميز في البنوة والعلاقة. وذلك التميز عن باقي المؤمنين يرجع إلى مقام النبوة والرسالة والاصطفاء. فالمسيح "ابن الله الوحيد" في زمانه بهذا المعنى. وقد فاز بمثل هذا التعبير أنبياء في زمانهم مثلما فاز به المسيح في زمانه:
«هَكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابْنِي الْبِكْرُ». (خروج 4: 22)
«لأَنِّي صِرْتُ لإِسْرَائِيلَ أَباً وَأَفْرَايِمُ هُوَ بِكْرِي». ( إرميا 31: 9)
« قَالَ لِي الرَّبُّ: أَنْتَ ابْنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ». (مزمور 2: 7)
لذلك فهو في النهاية نبي وسط إخوانه من الأنبياء والرسل:
لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. (رو 8: 29)
وتقول المخطوطات الأقدم the oldest أن تعبير "ابن الله الوحيد" هو أصلًا "الإله الوحيد الذي مع الآب" وتقول المخطوطات القديمة the old أنه "الابن الوحيد الذي مع الآب". ولم يأخذ علماء الكتاب المقدس بالمخطوطات الأقدم مع أنها تتمتع بثقة أكبر لأن التعبير يتعارض تعارضًا شديدًا مع عقيدة التثليث. فكون المسيح "الإله الوحيد" مع الآب، ينفي تمامًا ألوهية الروح القدس. فاضطروا للأخذ بالمخطوطات ما بعد الأقدم. وتقول نسخة The NET BIBLE أن المشلكة النصية هي في العبارة "الإله الوحيد" مقابل "الابن الوحيد" هي مشلكة معروفة بصعوبتها. إنه حرف واحد فقط كان يمكن أن يغير القراءة في بعض المخطوطات. فالبردية 166 أحد المخطوطات المبكرة (القرن 2 / 3 الميلادي) تستخدم qMs والبديل هو uMs. ثم تسرد النسخة الأدلة التي في جانب "الإله الوحيد" والتي في جانب "الابن الوحيد" وتستنتج أن أفضل ترجمة هي التي أخذت بها النسخة، وهي the only one "الواحد الوحيد".
www.bible.org/netbible/joh3_notes.htm#343
www.bible.org\netbible\index.htm
إن تعبير "الابن الوحيد" في اللغة اليونانية في العهد الجديد هي monogenes "المولود الوحيد". وقد استخدمت مع غير المسيح:
فَلَمَّا اقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْمَدِينَةِ إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ ابْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. (لو 7: 12)
لأَنَّهُ كَانَ لَهُ بِنْتٌ وَحِيدَةٌ لَهَا نَحْوُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ فِي حَالِ الْمَوْتِ. فَفِيمَا هُوَ مُنْطَلِقٌ زَحَمَتْهُ الْجُمُوعُ. (لو 8: 42).
فكما ترى تأتي الكلمة بمعنى "طفل" (ابن أو ابنة). ولا وجود هنا للابن الوحيد الجنس كما يزعمون.
ولا يترجمونها إلى "المولود الوحيد" حياءً لأنها تشير إلى العلاقة التناسلية لذلك اجتنبوها كما تقرر ذلك تفاسيرهم. لنقرأ ما يلي:
بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ - قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ (عب 11: 17)
كلمة وحيده هنا هي monogenes وتعني "مولوده الوحيد" المستخدمة مع المسيح. ولكن ما هو المرادف العبري لها؟:
فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ الَّذِي تُحِبُّهُ اسْحَاقَ وَاذْهَبْ الَى ارْضِ الْمُرِيَّا وَاصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى احَدِ الْجِبَالِ الَّذِي اقُولُ لَكَ». (تك 22: 2)
إنها كلمة "وحيدك" وهي yawkheed العبرية. فلماذا غض الروح القدس الطرف عن هذه الكلمة في العهد القديم فلم يستخدمها في النبوءة بيسوع المسيح واستخدم ben وجعل سليمان رمزًا مجازيًا لبنوة المسيح لله؟ هل يقصد الروح القدس أن يضللنا؟
وبالنظر في مسألة تبشير الله للسيدة مريم نجد أن الملاك أتى إليها وقال لها:إنك ستلدين ولدا ويدعى ابن العلى. (لوقا 1 :32) فردت عليه مريم قائلة: كيف ذلك وأنا لست أعرف رجلاً. فلو كان الملاك يقصد البنوة الحقيقية لما تعجبت مريم نافية معرفتها للرجال. إنها بنوة مجازية إذ يرد عليها الملاك قائلاً: سيكون بقوة الله وقدرته. انظري إلى أليصابات (زوجة زكريا عليه السلام) ها هى حامل فى شيخوختها فى الشهر السادس وكانت عاقراً. وبالحساب المادي لا يمكن أن تحمل وتلد، ولكن ذلك ليس صعبًا على الله وليس هناك شىء غير ممكن لدى الله بما فيها كونها تلد وهي لا تعرف رجلاً . (لوقا37:1)
المسيح ليس هو الوحيد الذي ولد من الله من ناحية الولادة كمبدأ:
اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ بَلْ مِنَ اللَّهِ. (يو 1: 13)
كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ. (1يو 5: 1)
بسبب هذا اللغط وبعد الرجوع للمخطوطات الأقدم قرر اثنان وثلاثون من علماء المسيحية - يمثلون خمسين طائفة مسيحية - أن كلمة «مولود لله» التى وردت في الإنجيل مدسوسة. (المناظرة بين سولجارت وديدات. ترجمة رمضان الصفناوى. المختار الإسلامى. القاهرة 1993م. ص 82)