ان هذا الدين جاء ليظهر على الدين كله و على طرق الحياة جميعها , سواء كانت اليهودية أو النصرانية أو الشيوعية , و مهما كانت الفلسفة أو الديانة , فقدر الأسلام أن يهيمن عليها جميعا . أنا أومن بذلك "
أحمد ديدات .
( نقلا عن الحوار الذى أجرته فايزة أمبا مع الشيخ فى جريدة " عرب نيوز " السعودية الصادرة باللغه الأنجليزية- مجلة البرهان / المجلد الأول / العدد الرابع ( عدد ديسمبر 1988)- و انظر مناظرة الشيخ مع أنيس شورش " القرأن أم الأنجيل أيهما كلمة الله ؟ " ).
الفصل الأول ( الظاهرة ديدات )
مقدمة
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا . من يهد الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له . و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله صلى الله عليه و سلم .
( يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ) آل عمران 102 .
( يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالاً كثيراً و نساءً و إتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً ) النساء 1 .
( يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً ) الأحزاب 70 ، 71 .
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار .
و بعد ...
فى عام 1854م عقدت مناظرة الهند الكبرى بين الشيخ رحمت الله الهندى و القسيس بفندر , و قد تمكن الشيخ بمساعدة الدكتور محمد وزير خان من دك حصون الكفر بسلاح العلم و الجدال و المناظرة , فأخذ النصارى يجرون أذيال الهزيمه . و لما خزى النصارى فكروا فى الاعداد العسكرى المسلح للاستيلاء على الهند , استيلاءا كليا , و تم لهم الاستيلاء الكلى سنة 1857 م .
فبعد هذة المناظرة بثلاث سنوات , قام أهل الهند بثوره كبرى ضد الأنجليز فى سنة 1857 م فضرب الأنجليز حصون الهنود , و أماكن تجمعاتهم بالمدافع , و بعد اخماد الثوره اتهم الانجليز الشيخ رحمت الله بأنه قد هاجم مع بعض الهنود موقع الجيش الأنجليزى فى منطقة " شاملى " و أجهزوا على من فيه , و بحثوا عنه ليقتلوه , فتزيا الشيخ بزى فلاح , و غير اسمه الى " مصلح الدين ",, و سافر الى " دلهى " ماشيا على قدميه و من دلهى سافر الى مدينة "سورت " التى تسمى حاليا " بمباى " و منها أبحر فى مركب شراعى الى " مخا " احدى موانى اليمن , ثم واصل سفره برا الى الحجاز فوصل مكه بعد عام 1274ه=1858م .( مناظرة الهند الكبرى – تحقيق الدكتور أحمد حجازى السقا ) .
فهذا كان منهجهم فى الوقوف أمام دعاة الحق , و لكننا اليوم بصدد منهج خبيث , وضعت بذوره منذ عدة سنوات لتحطيم رموز الأمة , و تشوية صورة العلماء المخلصين , الذين صاحوا فى وجه الكفر وهو مزمجر , بمساعدة اناس من جلدتنا و من بنى جنسنا و يدعون أنهم يدينون بديننا - قال تعالى " و اذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و أن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون " المنافقون 4 .
و الذى جعلنى أبدء بقصة هذا الشيخ الجليل رحمت الله الهندى , هو أن صاحب بحثنا هذا , من مدرسته , و من تلامذته , و ما أشبه الليلة بالبارحه .!!!!
أحمد بن حسين بن ديدات .
في حدود عام 1658 م جاء الاستعمار الهولندي بعدد كبير من مسلمي أندونيسيا وماليزيا ، أثناء استعماره تلك البلاد ، إلى جنوب إفريقيا ، كأَسرى وعبيد ، وضغط عليهم بكل ما أُوتي من قوة ووسائل طيلة ثلاثمائة عام لكي يتركوا دينهم ويعتنقوا النصرانية ، وكانت هذه خطة خبيثة جدّاً ؛ بأن يأتي الاستعمار بعدد من المسلمين ويعزلهم عن وطنهم حتى لا يكون بينهم وبين العالم الإسلامي أي رباط واتصال ، لكن الحق يعلو ولا يُعلى عليه ، وفي كل جيل وعصر يقوم المجاهدون بمهمة الجهاد وإعلاء كلمة الله .
وقد حاول كل من الاستعمار البريطاني والهولندي طوال هذه الفترة أن يُبيد الكيان الإسلامي في جنوب إفريقيا ، إلاَّ أَن أيّاً منهما لم يستطع أن يحول ثلاثمائة مسلم إلى النصرانية ، بل على العكس تمكن المسلمون من إنشاء أكثر من ثلاثمائة مسجد وثلاثمائة مدرسة إسلامية في هذا البلد . والمسلمون في جنوب إفريقيا يصل عددهم إلى حوالي 2 % فقط من مجموع عدد السكان ، فهم أقل من نصف مليون نسمة . والمشاكل والتحدّيات التي يواجهها المسلمون فـي هـذا البلد كثيرة ، فالإِرساليات التبشيرية تقوم بعملها بينهم على قدم وساق ، ويدخل أَفرادها على المسلمين بيوتهم ، ويزودونهم بالكتب والنشرات التبشيرية ، وهذه أَخطر مهمة تقوم بها الإرساليات في معظم أنحاء العالم .
وجدير بالذكر أن البيض في هذا البلد أغنياء ، لكنهم مع ذلك يتلقون فيضاً من المساعدات من الخارج ، من فرنسا وألمانيا وأمريكا ، وغيرها لتقوية الإرساليات التبشيرية ، لذلك فمن المستحيل أن تقوم القلَّة القليلة من المسلمين في جنوب إفريقيا بأعباء إبلاغ الدعوة الإسلامية إلى 98 % من سكان هذا البلد ، ولا يجوز أن تترك لهم هذه المهمة الجليلة دون مساعدة من الخارج .
والمشكلة الثانية هي : عدم إجادة اللغة العربية ، فالمسلمون في جنوب إفريقيا يرغبون في تعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن ، ويجب على كل مسلم أن يتقنها ، إلاَّ أنهم لا يتوفر لديهم عدداً كافياً من معلمي اللغة العربية. والمسلمون في جنوب إفريقيا يصل عددهم إلى حوالي 2 % فقط من مجموع عدد السكان ، فهم أقل من نصف مليون نسمة .
والمشاكل والتحدّيات التي يواجهها المسلمون فـي هـذا البلد كثيرة ، فالإِرساليات التبشيرية تقوم بعملها بينهم على قدم وساق ، ويدخل أَفرادها على المسلمين بيوتهم ، ويزودونهم بالكتب والنشرات التبشيرية ، وهذه أَخطر مهمة تقوم بها الإرساليات في معظم أنحاء العالم .
وجدير بالذكر أن البيض في هذا البلد أغنياء ، لكنهم مع ذلك يتلقون فيضاً من المساعدات من الخارج ، من فرنسا وألمانيا وأمريكا ، وغيرها لتقوية الإرساليات التبشيرية ، لذلك فمن المستحيل أن تقوم القلَّة القليلة من المسلمين في جنوب إفريقيا بأعباء إبلاغ الدعوة الإسلامية إلى 98 % من سكان هذا البلد ، ولا يجوز أن تترك لهم هذه المهمة الجليلة دون مساعدة من الخارج .
والمشكلة الثانية هي : عدم إجادة اللغة العربية ، فالمسلمون في جنوب إفريقيا يرغبون في تعلم اللغة العربية لأنها لغة القرآن ، ويجب على كل مسلم أن يتقنها ، إلاَّ أنهم لا يتوفر لديهم عدداً كافياً من معلمي اللغة العربية. ( نقلا عن " هذة حياتى – سيرتى و مسيرتى – " محاضرة ألقاها الشيخ بدولة الأمارات العربيه – أحمد ديدات – أعده أشرَف محمَّد الوَحْش )
و لكن الله تبارك و تعالى غالب على أمره , و دينه سوف ينتشر و يسود , و لو كره الكافرون . و كلما ازداد البلاء , ازداد معه المدد و العون منه تبارك و تعالى . !!!!
ففى وسط تلك الظروف الصعبة التى عانى منها المسلمون فى افريقيا و فى العالم أجمع من جراء هذة الغارة على العالم الأسلامى , كان أحمد بن حسين بن ديدات على موعد مع قدره الذى قدره الله تبارك و تعالى له , و سبحان من تلك مشيئته .
يقول الشيخ " اسمى أحمد حسين ديدات و لدت فى " تادكهار فار" بأقليم سراط بالهند عام 1918م لأبوين مسلمين هما حسين كاظم ديدات و زوجته فاطمة . أبى كان يعمل بالزراعة و أمى تعاونه و مكثنا تسع سنوات ثم انتقل والدى الى جنوب أفريقيا و عاش فى ديربان و غير أبى اتجاه عمله الزراعى و عمل ترزيا و ألحقنى للدراسة بالمركز الأسلامى فى ديربان لأتعلم القرأن الكريم و علومه و أحكام شريعتنا الأسلامية و فى عام 1934 أكملت المرحلة السادسة الأبتدائية و هنا أحسست بالمسؤليه الكاملة تجاة والدى و قررت أن أعمل لمساعدته فعملت فى دكان يبيع الملح و هذة كانت مرحلة مهمة , و انتقلت للعمل فى مصنع للأثاث أمضيت به أثنا عشر عاما و صعدت سلم الوظيفه فى هذا المصنع من سائق ثم بائع ثم مدير للمصنع و لكنى لم أترك الدراسة فان شوقا كان بداخلى يحرك وجدانى لمزيد من المعرفة فالتحقت بالكلية الفنيه السلطانية كما كانت تسمى فى ذلك الوقت فدرست فيها الرياضيات و ادارة الأعمال .
و أنا فى أثناء ذلك لم يغب عن بالى دعوة المبشرين لى و أنا أبيع الملح كلما رأونى ذهابا و ايابا فى الطريق أو مقبلين و مدبرين أثناء بيعى لهم الملح و لكن العمل التجارى كان يستغرق كثيرا من الوقت و الجهد و كانت هذة طريقتهم معى و مع غيرى من أطفال و شباب المسلمين فى جنوب أفريقيا .
ان نقطة التحول الحقيقى كانت فى الأربعينات و كان سبب هذا التحول هو زيارة بعثة أدم فى دكان الملح و سألونى أسئله كثيرة عن دين الأسلام و لم أستطع الأجابة ووجدت صعوبة بالغة فى الرد و من العجز ولدت القوة , فمن عجزى هذة اللحظة و تلعثمى فى متاهات الفكر الدينى و حهلى بما هو فرض عين كان ذلك يطارد تفكيرى فى حياتى كلها . .( نقلا عن " بائع الملح الذى تحول الى خطر يخشاه المبشرون " – حوار مع الشيخ نشر بجريدة الشرق الأوسط السعودية, كما نشر أيضا فى كتابة " هل المسيح هو الله " – مكتبة المختار الأسلامى ).
" لقد كانوا يجعلون حياتنا تعسة و لكن لم يكن لدينا ردود " (ديدات فى جريدة عرب نيوز السعودية).
و قررت أن أدرس الأناجيل بمختلف طبعاتها الانجليزية و كان من حسن الطالع أننى أجيد هذة اللغة باعتبارها اللغة الرسمية فى جنوب افريقيا . فكانت الدراسة المتأنية العميقة لكل الأناجيل حتى النسخ العربيه كنت أحاول أن أجد من يقرأها لى و عملت دراسة مقارنة فى الأناجيل و بعد أن وجدت فى نفسى القدرة التامة على العمل من أجل الدعوة الاسلامية و مواجهة المبشرين انطلقت لعثمة لسانى الى قوة و علم و كان القرار بأن أترك كل الأعمال التجارية و اتفرغ لهذا العمل و الحمد لله فاننى الأن راض عن نفسى كل الرضا بعد أن كنت عاجزا حتى عن الرد على أسئلة المبشرين فاننى الأن أسألهم و هم يعجزون .
كان هناك عامل أخر لا يقل عن دور بعثة أدم فى التأثير على تفكيرى و لكنة كان هذا العامل الآخر فى فترة متأخرة أثناء عملى فى باكستان , و كان على أن أقوم بترتيب المخازن فى المصنع الذى أعمل فيه يكون هذا العمل يوم الأحد بالذات و بينما أنا أعمل عثرت على كتاب " اظهار الحق " للعلامة رحمت الله الهندى .( بائع الملح الذى تحول الى خطر يخشاه المبشرون – مكتبة المختار الأسلامى ).
هذا الكتاب يتناول الهجمة التبشيرية المسيحية على وطني الأصلي ( الهند ) – الحديث لازال للشيخ - ذلك أن البريطانيين لما هزموا الهند ، كانوا يُوقنون أنهم إذا تعرضوا لأية مشاكل في المستقبل فلن تأتي إلاَّ من المسلمين الهنود ، لأن السلطة والحكم والسيادة قد انتزعت غصباً من أيديهم ، ولأنهم قد عرفوا السلطة وتذوقوها من قبل ، فإنهم لا بد وأن يطمحوا فيها مرة أُخرى . ومعروف عن المسلمين أنهم مناضلون أشدّاء ، بعكس الهندوس ، فإنهم مستسلمون ولا خوف منهم .
وعلى هذا الأساس خطط الإنجليز لتنصير المسلمين ليضمنوا الاستمرار في البقاء في الهند لألف عام . وبدأوا في استقدام موجات المبشرين المسيحيين إلى الهند ، وهدفهم الأساسي هو تنصير المسلمين .( هذة حياتى – سيرتى و مسيرتى -)
ان هذا الكتاب لاح لى كمنقذ لجميع تساؤلاتى و عليه فقد أخذته الى حجرتى و طالعته بالتفصيل , و قد قرأت متى و مرقس و يوحنا الخ ووجدت تفسيرات مناقضة لبعضها البعض .
و قد اشتريت العهد الجديد مستعملا بستة فلسات و بدأت فى تفسير و اكتشاف التفاسير المسيحية و كيف جاء ها التناقض و هكذا و كانت هذة بركة من الله أرسلها الي بكل قدرته.(حوار مع ديدات فى باكستان و قد أجرى هذا الحوار الصحفى تينيز أرينا على التلفزيون بكراتشى – مكتبة المختار الأسلامى ) .
لقد قرأت هذا في كتاب ( إظهار الحق ) .. وقرأت عن المناظرات التي أُقيمت حينئذ ، وكانت هذه المناظرات أكثر شيء أثار اهتمامي .. فهي تناسبني تماماً في مواجهة المبشرين المسيحيين ، كما أنها تقدم لي المعلومات والمعرفة التي أحتاجها ، وهي تقدم لي أيضاً الأسلحة لمواجهة هؤُلاءِ المبشرين .. ذلك أن الموقف نفسه بعناصره يتكرر أمامي .. فالآن أستطيع أن أدافع عن نفسي ، وعن الإسلام .
وأخذت أمارس ما أتعلمه من هذا الكتاب في التصدي للمبشرين ، ثم أخذت أتفق معهم على زيارتهم في بيوتهم كل يوم أحد .. فقد كنت أقابلهم بعد أن ينتهوا من الكنيسة وأتحدث معهم ، ومن خلال التحدث معهم تعلمت كيف أتكلم وأجادل وأناقش .( "هذة حياتى – سيرتى و مسيرتى ") ..
و قلت لهم اذا نقدتم دينى نقدى لهم مرة واحدة فسوف أنقد دينكم مقابلها عشرا و هذا هو التعقل و أصبحت هذة هوايتى و تسليتى . و كان مبهجا لى أن أراهم لا يريدون و فى استطاعتى أن أعمل هذا الأن . و عندئذ انتقلت الى مدينة ديربان وواجهتهم كأكبر مناظر .و بعد الظهر من كل أحد كنا نشتغل نصف اليوم و كنت أبحث فى الكنائس عن المناظرة مع كهنة و قسس هذة الكنائس . و كنت أعطيهم خليطا جيدا من المعلومات و كانوا هم مستمعين بهذا الحوار و لكن لم يرجع الى أحد منهم مرة اخرى .
و لم أعرف عندئذ أن هذة القراءة المستمرة التى أقرأها كانت من مشيئة الله لأنها كانت فى الحقيقة هى أول كلمة قالها أمين الوحى جبريل عليه السلام لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .
أدركت هذا فيما بعد لماذا كنت أفعل هذا حقيقة و أنه من أمر الله عندما قال الله فى كتابة " ومن احسن قولا ممن دعا الى الله و عمل صالحا " فصلت 33 .
و فى كلمات أخرى أخبرنا المولى عز وجل أنه ليس هناك أفضل من الكلمة الطيبه اذا أردت أن تدعو الناس الى طريق الله . و كن مثالا طيبا لتدعو غير المسلمين الى الله .( حوار مع ديدات فى باكستان ) .
ثم سافرت الى باكستان فى عام 1949 من أجل المال فقد وجدت لأنه لكى أجمع مبلغا يفيض عن حاجتى لأنفقه من أجل الدعوة كان على أن أسافر و فعلا مكثت فى باكستان لمدة ثلاث سنوات و بعدها كان لا بد من العودة الى جنوب أفريقيا و الا فقدت تصريح الأقامة بها من حيث اننى لم أولد بها و هذا قانون هناك و كنت فى باكستان مديرا لمصنع نسيج و عندما عدت الى ديربان أصبحت مديرا لنفس المصنع الذى سبق أن تركته قبل سفرى و مكثت حتى عام 1956 أعد نفسى للدعوة الى الدين الحق .( بائع الملح الذى تحول الى خطر يخشاه المبشرون )
وفي مدينة ( ديربان ) .. في الخمسينات .. جدّ جديدٌ – كل هذا بفضل الله ، مسبب الأسباب – وجد بيننا متحدثٌ ساحرٌ ومؤثرٌ ، أتى إلينا من الخارج ، وكانت أحاديثه ظاهرة فريدة نتشوق إليها صباح كل أحد . وكان جمهوره صباح كل أحد ما بين مائتين إلى ثلاثمائة فرد ، وكان جمهوره في ازديادٍ دائماً . وكنت حريصاً على حضور أحاديثه ومحاضراته الجذابة . وفي نهاية الحديث كان يفسح المجال لطرح الأسئلة من الجمهور .
وبعد نهاية هذه التجربة ببضعة شهور ، اقترح شخص إنجليزي اعتنق الإسلام واسمه ( فيرفاكس ) .. اقترح على من لديهم الرغبة والاستعداد من بيننا أن يدرس لنا : " المقارنة بين الديانات المختلفة " ، وأطلق على هذه الدراسة اسم : " فصل الكتاب المقدس .. Bible Class " .
وقال : إنه سوف يعلمنا كيف نستخدم ( الكتاب المقدس ) في الدعوة للإسلام ، فوافقنا على هذا وكنا به سعداء .
ومن بين المائتين أو الثلاثمائة شخص الذين كانوا يحضرون حديث الأحد ، اختار السيد ( فيرفاكس ) خمسة عشر أو عشرين أن يبقوا ليتلقوا المزيد من العلم .
وبدأ السيد ( فيرفاكس ) في تعليمنا قائلاً : " انظروا في سفر دانيال ستجدون بعض النبؤات ، وكيف يمكننا أن نستخدم هذه النبوءات ، وفي سفر التثنية من ( الكتاب المقدس ) توجد نبؤات تتعلق بمقدم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وكيف يمكننا استخدام هذه النبوءات وعرضها وتحليلها " .
استمرت دروس السيد ( فيرفاكس ) لعدة أسابيع أو حوالي شهرين ، ثم تغيب السيد ( فيرفاكس ) ، ولاحظت الإحباط وخيبة الأمل على وجوه الشباب – وكنا جميعاً في ذلك الوقت في سن الشباب ، ما بين الخمسة عشر عاماً والعشرين – كنا نتبادل النظرات التي تنم عن خيبة الأمل ثم نتفرق ، ويحدث الشيء نفسه يوم الأحد التالي ، ونتساءل : أين السيد ( فيرفاكس ) ؟ .. ولكن لا جواب ، ثم نعود كما أتينا .
ويوم الأحد من الأُسبوع الثالث اقترحت عليهم أن أملأ الفراغ الذي تركه السيد ( فيرفاكس ) ، وأن أبدأ من حيث انتهى السيد ( فيرفاكس ) ، لأني كنت قد تزودت بالمعرفة في هذا المجال ، ولكني كنت أحضر دروس السيد ( فيرفاكس ) لرفع روحه المعنوية ، وكذلك كان سكرتيري يحضر هذه الدروس لنفس الغاية .
قلت لهم : إذا رغبتم .. سأدرس لكم ، وسأبدأ من حيث انتهى السيد ( فيرفاكس ) ، وإذا أحسستم بالتعب والملل ما عليكم إلاَّ أن تتثاءبوا ، وسيكون ذلك إشارةً كافيةً لأنهي الدرس .
وظللت لمدة ثلاث سنوات أتحدث إليهم كل أحد ، واكتشفت مؤخراً أن هذه التجربة كانت أفضل وسيلة تعلمت منها ، فأفضل أداة لكي تتعلم هي أن تُعَلِّم الآخرين ، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول : " بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَة " .. فعلينا أن نبلغ رسالة الله – عَزَّ وَجَلَّ - ، حتى ولو كنا لا نعرف إلاَّ آيةً واحدةً .
إن سرّاً عظيماً يكمن وراء ذلك .. فإنك إذا بلَّغت وناقشت وتكلمت ، فإن الله يفتح أمامك آفاقاً جديدةً ، ولم أدرك قيمة هذه التجربة إلاَّ فيما بعد .
ثم حضر بعض الزوار من مدينة ( جوهانسبرج ) الدروس التي كنت ألقيها ، ويبدو أنهم رغبوا في أن يستفيدوا مني ، فقالوا لي : " سوف نحتفل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وسيقام الاحتفال في قاعة مدينة ( جوهانسبرج ) ، ونرغب في أن تأتي إلينا وتلقي حديثاً في هذه المناسبة " .
فقلت لهم : إني رجل من الطبقة العاملة ، ولا أستطيع تحمل نفقة الرحلة ، لكن إذا قدمتم تذكرة الطائرة فسوف أحضر .. فأعطوني تذكرة الطائرة ذهاباً وإياباً ، وكانت هذه هي أول مرة في حياتي أسافر فيها بالطائرة ، لألقي محاضرة في ( جوهانسبرج ) .
هذه التجربة جعلتني أتساءل ، إذا كنت قد حاضرت في قاعة مدينة ( جوهانسبرج ) ، فلماذا لا أستخدم قاعة مدينة ( ديربان ) ؟! ..
وفي ديسمبر عام 1958 م وبسبب النشاط الذي كنت أمارسه ، أخذ شخصان أوروبيان أبيضان يترددان على مكاتبنا ، وانتهى الأمر بهما إلى الدخول في الإسلام ، وقد أعلنا اعتناقهما للإسلام في مسجد ( وست ستريت ) بديربان ، وبعدهما بأسبوع في مسجد ( الجمعة ) بديربان ، اعتنق اثنان آخران الإسلام ، أحدهما هندي والآخر أوروبي .
وتصادف أن شخصاً ما كان يتابع ما يجري ، أما الله سبحانه وتعالى فإنه يراقب أعمالنا دائماً ، ولكن كان شخص ما يراقب ما يجري .. هذا الشخص اسمه ( الحاج قدوة ) ، وبعد أن انتهت إجراءات اعتناق الشخصين الآخرين للإسلام في مسجد ( الجمعة ) ، كان ( الحاج قدوة ) منهمكاً في ربط حذائه ، وكنت أنا مشغولاً بربط حذائي ... فإذا بـ ( الحاج قدوة ) يخاطبني قائلاً إنه قد شاهد ما أقوم به ، وأبدى تقديره وإعجابه بعملي ، ثم قال لي : بأنه يمتلك خمسة وسبعين فداناً من الأرض في مكان يدعى ( بريمر ) على بعد حوالي 55 ميلاً خارج مدينة ( ديربان ) ، وأنه على استعداد أن يهديها إلي .
فقلت له : إني أتقبل عرضك .
فعقب قائلاً : " ليس بهذه السرعة .. عليك أولاً أن تلقي نظرة على المكان " .
فقلت له : وما الذي تريدني أن أتيقن منه على الطبيعة ؟ ..
فأصر على أن أزور المكان وأرى الموقع ..
حسبت أنه لو كان من ضمن المساحة خمسين فداناً من الصخور ، فإنه سوف يبقى لي خمسة وعشرين فداناً من الأرض الصالحة . ولو كانت المساحة الصخرية خمسة وعشرين فداناً ، فسوف يبقى لي خمسون فداناً من الأرض الصالحة .
والمعروف أن إقليم ( ناتال ) يسمى بـ " الحديقة الخضراء " ، فهذه المستعمرة تعرف بالمستعمرة الخضراء .. بهذا اللون الأخضر الذي يغطيها ، وبكل هذا الجمال الطبيعي .
وحينما أصر على زيارة المكان .. توجهت وبقية الأمناء إلى الموقع ، وشاهدناه على الطبيعة .. وقبلت العرض .
ثم بدأت في إنشاء ( مؤسسة السلام ) لتربية وتدريب الدعاة المسلمين ، وهذه المؤسسة قائمة بعملها الآن ..
بدأنا المركز عام 1958 م برصيدٍ مالي مقداره ( ثلاث جنيهات وخمس شلنات ) ، ومن هذه البداية المتواضعة انطلقنا ، وتوسعنا والحمد لله . ونحن حالياً نملك المبنى الذي به مقر المركز ، وقد تخلصنا من كل الديون ، واشترينا مبنى آخر سنجهزه بقاعة ضخمة للجمهور ، ولدينا محلات ودكاكين كثيرة تدر علينا دخلاً وعائداً ، وعملنا في تطور وتقدم .
ونحن نتميز بأنواع خاصة من العمل والنشاط ، فنحن نستغل مسجد ( الجمعة ) بديربان لجذب الزوار ، ولذلك فإننا نُعلن عن مسجد ( الجمعة ) بديربان في النشرات السياحية التي توزع على السياح ، حيث نقول : " زوروا أكبر مساجد النصف الجنوبي للكرة الأرضية ، وإذا رغبتم في جولة سياحية مجانية مصحوبة بمرشد سياحي ، اتصل برقم : 3060026 " .. كان هذا رقم تليفوننا القديم ، ولقد اعتاد الناس على الاتصال بنا وزيارتنا ، والسبب هو أن السائح لا يعرف الفرق بين المسجد والمعبد ، فبالنسبة للسياح هما لفظان مترادفان لشيء واحد ، وحينما يأتون فإننا نشرح لهم ما يرونه ويلمسونه ، ونزودهم بالمطبوعات والمواد الإسلامية مجاناً .
إن أحد أنشطتنا الرئيسية التي نقوم بها هو توزيع مطبوعاتنا وكتبنا ، وشرح الإسلام ومخاطبة الناس في كل القطر ، من خلال المحاضرات حول الموضوعات المختلفة ، لنحث المسلمين على تنشيط الدعوة الإسلامية ، ولنشد من عضدهم في مواجهة التبشير المسيحي ، ولنمكنهم من التصدي لهم ، وشرح الإسلام والتعريف به .
وكذلك أخذنا في الإعلان عن القرآن في صحفنا المحلية .. ففي صحيفة ( صنداي تريبيون ) نشرنا بعض الآيات القرآنية تحت عنوان : ( القرآن يتكلم ) ، وكتبنا تحت ذلك أنها رسالة من القرآن ، ونشرنا اسمنا وعنواننا لمن يريد المزيد من الاستفسارات أو من يرغب في الحصول على مطبوعاتنا وكتبنا مجاناً .
وفعلنا الشيء نفسه بالنسبة للمواطنين الأفريقيين .. ففي الصحيفة التي تصدر بلغة ( الزولو ) والتي تسمى ( إلانا لاسي ناتال ) ومعناها : ( شمس ناتال ) ، نشرنا آياتٍ قرآنيةً مترجمةً إلى لغة الزولو تحت عنوان : " القرآن يقول " ، وبنفس الأسلوب السابق أعلنَّا عن استعدادنا لتقديم المعلومات مجاناً لمن يرغب .
المفضلات