
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جورج أبو كارو
7. الاعتقاد بالثالوث عند مسيحيّي ( نصارى ) الجزيرة العربيّة
كان المسيحيّون قبل ظهور الإسلام منتشرين بكثرة في أطراف الجزيرة العربيّة ( البادية السوريّة , سيناء , اليمن , ما بين النهرين ) , إلاَّ أنّهم كانوا قلّةً في الحجاز . ولمّا كانت مكَّة معقل الوثنيّة في أيام الجاهليّة , فقد وقفت عقبةً دون انتشار المسيحيّة هناك , والمسيحيّون القلائل الذين عُرفوا في الحجاز لم يكونوا متجذّرين في دينهم أو متبحّرين في تعاليمه . ولا غرو , إذ لم يكن ثمّة معاهد يتلقّى فيها المسيحيّون مبادئ دينهم , كما أنّ الأسفار المقدّسة لم تكن قد تُرجمت إلى العربيّة . والثالوث الساميّ التقليدي عند وثنيّي عرب الجاهليّة كان على النحو التالي :
الله ( " الإله العليّ " ) -------------------- اللاّت ( " الأمّ العظمى " )
بعل ( " الرب " )
ويبدو أنّ ذلك المفهوم الوثنيّ للثالوث راقَ بعضَ العرب الحديثي الاهتداء إلى المسيحيّة , الجاهلين مبادئ ديانتهم . فخلطوا بين الإله العليّ والآب , وبين مريم والأمّ العظمى , وبين المسيح والربّ المولود في الجسد من الله ومريم . وهذا لعمري تحريفٌ لمعتقد المسـيحيّين الحقيقيّ , وقد شجبه رؤساؤهم وكبار متكلّميهم.
والقرآن الكريم أيضاً يستنكر هذا المعتقد لحطِّه من طبيعة الله عزّ وجلّ , فيوافق في ذلك ما طالما أنكره المسيحيّون من أنّ الله أنجب ولداً , أو أنّ مريم ويسوع إلهان إلى جانب إله ثالث هو الله , أو أنّ الله ليس سوى واحدٍ من بين ثلاثة آلهة .
وهنا أُشير إلى أمر يلفت انتباهي أنا المسيحيّ عندما أطالع القرآن الكريم : فإنّي لا أجد فيه أيَّ ذكر لما تعلمه الكنائس المستقيمة الرأي عن طبيعة الله المثلّث الأقانيم . وهذا ما لا نستغربه , إذ إنّ القرآن شجب معتقداً بدائيّاً لأناس مشركين عاشوا في الحجاز آنذاك واعتنقوا بعضاً من الديانة المسيحيّة فشوَّهوه . وهذا المعتقد ترفضه الكنائس المسيحيّة على نحو ما يرفضه القرآن الكريم . وإنّي , بإثارتي هذا الموضوع , لا أبتغي الجدال , بل التشديد على أن المسيحيّين اليوم , وجميع المسيحيّين الواقفين على حقيقة دينهم بالأمس , لا يعتقدون بما يستنكره القرآن . ولا بدّ من الحوار المتواصل الدؤوب بين المسلمين والمسيحيّين ليتجاوزوا أموراً غالباً ما وقفتْ في الماضي عقبةً دون تفاهمهم على الوجه المرتجى . ولست أدّعي بذلك أنّ المسيحيّين والمسلمين ينظرون إلى الله النظرة نفسها , ولا أنّ كلا الفريقين يعبِّر عن الأمور نفسها بكلمات مختلفة . فممّا لا شكّ فيه أنّ بين الديانتين اختلافات أكيدة , والحوار الصادق وحدَه يساعدنا على التمييز بين الاختلافات الحقيقيّة وتلك التي هي ظاهرةٌ وحسب .
المفضلات