لقد كان في قصة يوسف وإخوته آيات وأمارات على حقائق كثيرة لمن ينقلب عن الآيات ويسأل ويهتم. وهذا الافتتاح كفيل بتحريك الانتباه والاهتمام. لذلك نشبهه بحركة رفع الستار عما يدور وراءه من أحداث وحركات. فنحن نرى وراءه مباشرة مشهد إخوة يوسف يدبرون ليوسف ما يدبرون.
ترى حدثهم يوسف عن رؤياه كما يقول كتاب " العهد القديم "؟ إن السياق هنا يفيد أن لا. فهم يتحدثون عن إيثار يعقوب ليوسف وأخيه عليهم. أخيه الشقيق. ولو كانوا قد علموا برؤياه لجاء ذكرها على ألسنتهم، ولكانت أدعى إلى تلهج ألسنتهم بالحقد عليه. فما خافه يعقوب لو قص رؤياه على إخوته قد تم عن طريق آخر، وهو حقدهم عليه لإيثار أبيهم له.
ولم يكن بد أن يتم لأنه حلقة في سلسلة الرواية الكبرى المرسومة، لتصل بيوسف إلى النهاية المرسومة، والتي تمهد لها ظروف حياته، وواقع أسرته، ومجيئه لأبيه على كبرة. وأصغر الأبناء هم أحب الأبناء، وبخاصة حين يكون الوالد في سن الكبر. كما كان الحال مع يوسف وأخيه، وإخوته من أمهات.
{ إذ قالوا: ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة }..
أي ونحن مجموعة قوية تدفع وتنفع..
{ إن أبانا لفي ضلال مبين }..أي في ذهاب عن طريق الصواب في ذلك.
إذ يؤثر غلاماً وصبياً صغيرين على مجموعة الرجال النافعين الدافعين!
ثم يغلي الحقد ويدخل الشيطان، فيختل تقديرهم للوقائع، وتتضخم في حسهم أشياء صغيرة، وتهون أحداث ضخام. تهون الفعلة الشنعاء المتمثلة في إزهاق روح. روح غلام بريء لا يملك دفعاً عن نفسه، وهو لهم أخ. وهم أبناء نبي ـ وإن لم يكونوا هم أنبياء ـ يهون هذا. وتضخم في أعينهم حكاية إيثار أبيهم له بالحب. حتى توازي القتل. أكبر جرائم الأرض قاطبة بعد الشرك بالله.
المفضلات