4 - لقب أبا الآب :
لقد أكد المسيح أن علاقته بالآب علاقة فريدة لم يستطع أحد أن يدَّعيها من قبل. ويجيء الاسم من الكلمة الأرامية أبا التي استخدمها المسيح في صلاته. ولم يحدث أن خاطب أحد من اليهود اللّه بهذه الكلمة، لأنها الكلمة التي تُستعمل في البيت من الابن لأبيه، وقد خاطب اليهود اللّه كأب بكلمة أبينا وهي خطاب الآب طلباً لرحمته وغفرانه، وهو ما لم يخاطبه به المسيح أبداً، فالمسيح يخاطبه بكلمة أبا التي تعبّر عن الحب والقُرب الوثيق. ولهذا ميَّز بين علاقته هو بالآب وعلاقة سائر البشر بالآب. ومع أن داود تحدث عن علاقة الرب بشعبه كعلاقة الآب بأبنائه (مزمور 103: 13) إلا أنه لم يخاطب اللّه أبداً كأب. وعندما قال المسيح إن اللّه أبوه قال اليهود عنه إنه يجدف (يوحنا 5: 18) لأنهم أدركوا أن المسيح يساوي نفسه باللّه.
نصرة الحق
رد على شيخ في أحد الدول العربية
حول بعض العقائد المختلف عليها
بقلم
اسكندر جديد
أكان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته؟ ـ الجواب بنعم يحتاج إلى إثبات .
نعم، كان الأنبياء الذين سبقوا مجيء المسيح يؤمنون بألوهيته, وهذا ثابت في شهادتهم المدونة في أسفارهم الموحى بها من الله:
ـ 1 ـ داود
أ - المزمور الثاني إذ يقول للملوك وقضاة الأرض: فَا لْآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الْأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ واهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الِابْنَ لِئَلَّا يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لِأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ ـ مزمور 2: 10-12 . فداود هنا لم يوص بالتعبد له فقط، بل أيضاً طوب جميع المتكلين عليه، علماً بأن الكتاب المقدس صرح باللعنة على كل من يتكل على الإنسان,
ب - المزمور 110، إذ يقول: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ ـ مزمور 110: 1 . وقد استشهد المسيح نفسه بهذه العبارات في حواره مع رجال الدين اليهود، إذ سألهم قائلاً: مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ابْنُ دَاوُدَ . قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟ ـ متى 22: 43-45 .
ـ 2 ـ إشعياء
أ - إذ يقول فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْداًف ـ إشعياء 4: 2 . والغصن في لغة الكتاب المقدس يشير إلى المسيح, وقد كان عند الأنبياء اصطلاح على تلقيب المسيح بالغصن, بدليل قول إرميا النبي: هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي الْأَرْضِ ـ إرميا 23: 5 . وقول زكريا النبي: هُوَذَا الرَّجُلُ الْغُصْنُ اسْمُهُ. وَمِنْ مَكَانِهِ يَنْبُتُ وَيَبْنِي هَيْكَلَ الرَّبِّ ـ زكريا 6: 12 .
ب - إذ يقول: فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُّزِيَّا الْمَلِكِ رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ الْهَيْكَلَ. السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِا ثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الْأَرْضِ ـ إشعياء 6: 1-3 . وكلام النبي هنا كان عن يسوع المسيح بدليل قول الإنجيل: قَالَ إِشَعْيَاءُ هذا حِينَ رَأَى مَجْدَهُ وَتَكَلَّمَ عَنْهُ ـ يوحنا 12: 41 .
ج - لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلَامِ ـ إشعياء 9: 6 .
ـ 3 ـ إرميا
إذ يقول: هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي الْأَرْضِ.,, وَه ذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا ـ وفي العبرية يهوه برنا ـ ـ إرميا 23: 5-6 .
ـ 4 ـ دانيال
أ - إذ يقول: كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الْأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ والْأُمَمِ والْأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لَا يَنْقَرِضُ ـ دانيال 7: 13-14 .
ب - إذ يقول: سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ الْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الْإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالبِرِّ الْأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا والنُّبُّوَةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ الْقُدُّوسِينَ. فَا عْلَمْ وافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الْأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى الْمَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ واثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ الْأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ الْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ الْمَدِينَةَ والْقُدْسَ، وانْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى النِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا. وَيُثَبِّتُ عَهْداً مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ الْأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ الذَّبِيحَةَ والتَّقْدِمَةَ ـ دانيال 9: 24-27 .
هذه نبوات عن مجيء المسيح والأعمال الإلهية التي يقوم بها ففي شهادة دانيال الأولى سماه باسم ابن الإنسان وفي الثانية سماه قدوس القدوسين، وهما من ألقاب المسيح التي أطلقها على نفسه ـ متى 20: 28 ورؤيا 3: 7 .
ـ 5 ـ ميخا
إذ يقول: أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الْأَزَلِ ـ ميخا 5: 2 .
فهنا نبوة عن تجسد الرب يسوع وولادته في بيت لحم وشهادة بأزليته, ومخارجه تعني ظهورات الأقنوم الثاني منذ القديم كظهوره في ملاك العهد لإبراهيم ـ تكوين 18 ـ ولموسى ـ خروج 3 ـ وليشوع ـ يشوع 12 ـ ولجدعون ـ قضاة 6 ـ ولمنوح ـ قضاة 13 ـ فالمسيح أزلي بأزلية الله ـ انظر يوحنا 1: 1-2 .
ـ 6 ـ ملاخي
إذ يقول: هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلَاكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ وَمَلَاكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ، وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ ـ ملاخي 3: 1-2 .
هذه الآيات المجيدة نبوءة بمجيء يوحنا المعمدان سابق المسيح، ليهيء الطريق قدامه, وهو الذي كرز وقال للشعب، توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات, وملاك العهد هو الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس وقد سمى بملاك العهد, لان المواعيد الإلهية للشعب قد تمت فيه, وهو وسيط العهد الجديد أيضاً ـ عبرانيين 9: 15 .
يتبين مما تقدم أن أنبياء العهد القديم كانوا يؤمنون بلاهوت المسيح، وأن أسفارهم تصرح بمجيء شخص إلهي، لابساً طبيعة البشر، ليخلص العالم, وأن ذلك الشخص يكون من نسل المرأة، ومن ذرية إبراهيم، ومن سبط يهوذا، ومن بيت داود, مولوداً من عذراء, وأنه يجعل نفسه تقدمة ليرفع خطية العالم ولنا دليل قاطع على أن ملاك العهد هو الأقنوم الثاني لله، وقد لقب في العهد القديم بملاك يهوه، وإلوهيم، والله، هو المسيح المذكور في العهد الجديد، والذي أتى بعد يوحنا المعمدان, وقد تنبأ عنه إشعياء النبي قائلاً: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَّوِمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لِإِلَهِنَا.,, فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً، لِأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ ـ إشعياء 40: 3-5 .
وإذا نظرنا إلى العهد الجديد، نرى أن الذي يعد الطريق هو يوحنا المعمدان، وأن الآتي الذي عبر عنه إشعياء بلفظة إلهنا هو المسيح, وأن السيد الرب الذي يأتي إلى هيكله هو المسيح ـ متى 11: 10، مرقس 1: 2، لوقا 1: 76 و7: 2
المسيح
المسيح هو جوهر الديانة المسيحية، ونقطة ارتكاز إيمانها. وكل تعليم يمس أيّ وجه من وجوه العقائد في شخصية المسيح الممجدة يمس الديانة المسيحية في صميمها. كما أن كل تعليم يؤيد عقائد الإيمان المسيحي عن ذات المسيح القدوسة يؤيد المسيحية، ويصادق على صحة معتقدها فيه وإيمانها به.
ولقد يعد أمراً عجيباً أن نقول إن الإسلام يقدس ذات المسيح تقديساً تاماً، ويصادق على جميع عقائد الديانة المسيحية عن شخصه المبارك، بما يُعدّ شهادة قوية على صدق تعليمها عنه، ودليلاً ناطقاً يؤيد ما تعلم به عن ألوهيته ورفعته وكفارته، وموته وقيامته، وصعوده إلى السماء، ومجيئه العتيد.
ولكن وإن عُدّ هذا أمراً غريباً فهو الحقيقة المقررة الثابتة.
المسيح إله حق وإنسان حق
هذه هي العقيدة المسيحية الصحيحة عن ذات المسيح، وهذا أيضاً ما يعلّم به القرآن عنه، فإن أول ما يلفت نظر مطالعه أنه ينسب للسيد المسيح ما هو خاص بذات الله تعالى، وما هو خاص بطبيعة الإنسان. فهو يدعوه كلمة الله وروحه، وأنه يبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى، ويخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيراً، في الوقت الذي يقول فيه عنه إنه لن يستنكف أن يكون عبد الله، وأنه كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
والمسيح - الذي هو كلمة الله وروح منه، هو في الوقت ذاته، رسول الله وعبده واحد لا نظير له. وحمل المتعارضات على شيء واحد، من جهة واحدة، محال، إذ لا يمكن منطقياً للشيء الواحد أن يكون ولا يكون معاً، كما لا يمكن للشيء الواحد أن يكون أبيض وأسود في وقت واحد. فالقرآن يقول عن المسيح إنه كلمة الله وروح منه، ثم يقول إنه إنسان يحتاج إلى الطعام والشراب، وهذان شيئان متعارضان لا يمكن تطبيقهما على المسيح من جهة واحدة، لأنه مسيح واحد، يقال عنه شيئان متعارضان.
فالقرآن قال إن في المسيح شيئاً إلهياً وشيئاً بشرياً. ولا شك أن كلا هذين الشيئين هما الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية.
أما كيف يشرح القرآن هذا الأمر ويجلوه، وكيف أقرَّ باجتماع هاتين الطبيعتين المتقابلتين في شخص المسيح، فهذا ما سنشرع في بيانه وإثباته في هذا الباب.
المفضلات