و - التناقضات العقائدية والمذهبية في الكتاب المقدس

يحتوي الكتاب المقدس على عدد لا يحصى من التناقضات العقائدية والمذهبية الداخلية ، وسنذكرهنا أيضاً البعض منها :

يقول هـ براون: "إن الأجزاء الرئيسية التي يتكون منها العهد الجديد ليس لها مفهوم موحد فيما يتعلق بالظواهر الواقعية وليس لها محتوي عقائدي يتعلق بالإيمان " (صفحة 314).

ويقول في صفحة ( 325 ) : " إن مؤلفي العهد الجديد يتكلمون عن خلاص الإنسان وموقفه تجاه الله في صور متعددة لا يربط بينها أية إنسجام " .
وفي نفس الصفحة يقول : " إن العهد الجديد به أقوال تتعلق بتعاليم اللاهوت الأساسية وهي تختلف جذرياً من بعضها البعض " ( وستأتي أمثلة عديدة لذلك ) .

ومن أبرز هذه الأمثلة : الرسالة إلى أهل رومية (4 : 3 وما بعدها) وفيما يقول بولس : " إن الإنسان يتبرر فقط بالإيمان دون الأعمال "] بما يقابله في رسالة يعقوب (23:2وما بعدها) ["ترون إذن أنه بالأعمال يتبرر الإنسان لا بالإيمان وحده"] وهي نفس التعاليم التي يمكن أن ينشأ عنهما فكرة واحدة أو مبدأ مذهبي ذو معنى واحد كما يرى كيزمان (صفحة 22).

كذلك يصف كيزمان العهد الجديد بأنه يحتوي على مباديء عقائدية مختلفة " تتضارب بشدة " ( صفحة 220 ) ، ومن بين ما يشير إليه أيضاً عدم إتفاق اليوم الآخر ( = توقع نهاية العالم ) عند إنجيل يوحنا وعند رؤيا يوحنا اللاهوتي ( إنظر المرجع السابق ) .

مثال آخر لمثل هذا التعارض تظهره نظرية بولس من الخطيئة الأزلية التي تقضي بأن كل طفل من اللحظ الأولى لولادته يحيطه غضب الله ، أي إنه إبن الشيطان منذ ولادته ، ولهذا فإن مصيره سيكون جهنم ، على الرغم من قول يسوع عن الأطفال دون تحفظ أن لمثل هؤلاء ملكوت السموات .

كذلك يظهر التوتر العقائدي بين تعاليم يسوع وبين تعاليم بولس بصورة كبيرة جداً ، وتبعاً لنفس السفر (9 : 13) يظهر أن الله قد حابى يعقوب وفضله على عيسو بصورة بشعة.

كــذلك لا يجــرب اللــه أحـداً بالشر تبــعاً لرســالة يعقوب ( 1 : 13 ) إلا أنه تبعاً لمتى ( 6 : 13 ) تظهر عبارة : " لا تدخلنا في تجربة " وفيه أيضاً قد جرّب إبراهيم وأيوب .

هذا ولا تتفق غيرة الله وآلامه وإستبداده التي يصورها العهد الجديد مع صورته التي أعطاها عيسى لأمته .



ز - أخطاء أخرى بينّة وتساؤلات تطرح نفسها في الكتاب المقدس

يحتوى الكتاب المقدس على عدد كبير من الأخطاء الواضحة والتناقضات البينة التي لا يمكننا أن ننسبها إلى الله ، والتي تجعلنا نستبعد أن ننسب كون الكتاب المقدس موحياً من الله من ألفه إلى يائه . ونسرد هنا أيضاً النزر البسيط من الأمثلة الدالة على ذلك .

وفي هذا يكفي وجود خطأ واحد لدحض نظرية الوحي المطلق التقليدية :

1- وأحد هذه الأمثلة المعروفة منذ القدم ويعترف بها علماء اللاهوت هي توقع نهاية العالم عند يسوع وبولس والتي توقع فيها الإثنان عودة يسوع في جيلهم أي في حياة الحواريين [ويمكنك مراجعة ذلك في براون صفحة (287) و (316) وأيضاً شميث صفحة (47)].
وقد شغل هذا نصارى العصر الأول بعد وفاة يسوع ، بل واستمر الناس في ترقب نزوله لفترة طويلة ، ومع هذا لم ولن تفلح كل محاولات تبرير هذا الخطأ [ وبالنسبة للتنبؤات الأخرى قارن على سبيل المثال ديلتسش صفحات ( 23 - 30 ) ] .

2 -ومن الأخطاء الأخرى الواضحة هو إدماج الأرنب والوَبْرَ تحت الحيوانات المجَترّة [راجع شورر صفحة (129)]. وعلى أية حال فإن آكل الروث لا يكون حيواناً مجترَاً أبداً .

3 - من المسلم به اليوم أن قصة الخلق لا يمكن أن تكون صحيحة تبعاً للمعلومات الوثيقة لعلم الطبيعة اليوم ، مع الأخذ في الإعتبار إمكانية حدوث معجزات.

4 - من الغريب كذلك تلك الجمل الكثيرة التي يصور فيها الله على أنه إنسان بكل مواصفات البشر ، مثال لذلك أنه خرج في برودة الليل يتمشَّى (تكوين 3 : 8 ، وأيضاً تكوين 5:11) أو أنه ندم لخلقه الإنسان وماشابه ذلك أو أنه نزل إلى سيناء .

5 - مما يذكر أيضاً مواقف بولس الخاطئة تماماً من الزواج والجنس ، ومن وضع المرأة التي لا يمكن أن يمحوها الإنسان من العالم ولو أوتي من الحيل ما لم يؤتاه بشر ( قارن في ذلك الكتيب رقم ( 7 أ ) [ بفهرس المراجع . يقصد كتاب كيزمان ] ) .

6 - كيف يتسنى لمريم أن تتعجب من قول الملك لها قائلة : "كيف يحدث هذا ولم أعرف رجل؟ " على الرغم من أنها كانت مخطوبة وكان يجب أن تتوقع أن الملك كان يفكر في ثمرة من هذا الإرتباط حتى ولو في المستقبل، حيث لا يشير الخطاب مطلقاً إلى شيء آخر.

7 - كيف يتفق ما يحكى عن مريم (ويوسف) في لوقا (33:2) و (50:2) مع حادثة الحمل ؟
وهذا ما لا تنساه إمرأة أبداً !

8 - من التناقضات الكثيرة أيضاً التي يحتويها الكتاب المقدس والتي لا تتفق مع العقل الذي يقول إن الله هو مؤلفه هي استشهادات العهد الجديد بجمل من العهد القديم لا توجد فيه ، واستشهاده بجمل أخرى قيلت بصورة مغايرة تماماً .

يضاف إلى ذلك الإشارة إلى الإسفار المقدسة الأخرى التي جاء ذكرها في الكتاب المقدس ولا وجود لها الآن [ وقد سرد دليتسش أكثر من عشرة أسفار أو مؤلفات صفحة (109) و (119) .

يمكن كذلك إضافة الكثير من الأخطاء التاريخية بالكتاب المقدس، فقد ذكر بويمر (ص 80) حديث شمبر للكردينال الملك أثناء مؤتمر الفاتيكان الثاني، يذكِّر فيه آباء المجمع الآخرين بسلسلة كبيرة من الأخطاء التاريخية في الكتاب المقدس ، وكان ذلك أثناء إقناعه إياهم بأنه لا يجوز إعتبار الكتاب المقدس كلمة الله المطلقة الخالية من الأخطاء .

ولمثل هذه الأسباب والكثير غيرها توصل شميث - عن إقتناع - إلى أن نظرية الوحي قد إنهارت تماماً ، إلا أنه لا يقرر في النــهــاية وجــوب قــذف الكتاب المــقدس في ســلة المـهملات ولكنه يأمل أن نتحرر مرة أخرى - مثل النصارى الأوائل - " من الكتاب المقدس و الأساقفة وإعترافات الإيمان " ( صفحة 50 ) .

وعلى أية حال ينبغي أن يخمن المرء أنه مازال يوجد إنسان يفكر ، وتحت كل الظروف التي تم عرضها يستحيل إعتبار كل جزء من أجزاء الكتاب المقدس من وحي الله .

ومما يذكر أن كل أتباع الديانات الأخرى بصورة كثرت أو قلت لهم نفس التصور الخاطيء عن كتبهم المقدسة حيث يعتبرون كل جزء من أجزائها مقدساً من وحي الله، ثم يقف المرء أمام مشكلة تُساءله : " كيف أحكي هذا لطفلي ؟ ( شورر صفحة ( 125 ) .


انتهي