جمال المرأة :
المرأة مخلوق جميل .. وإلى جانب جمالها الشكليّ وهبها الله جمالات أخرى : جمال العقل والتدبير ، وجمال التصرّف الحكيم ، وجمال الدقّة في الانتاج ، وجمال الرقّة في معاملة الاُسرة وتلطيف ما تعانيه من صعوبات الحياة ..
وأضفى على ذلك كلّه غلالةً من جمال ساحر ، وهو حياؤها الذي يزيدها جمالاً على جمال ..
وقد أراد الاسلام للمرأة أن لا تكشف مفاتنها للرائح والغادي ، ولم يرد لها أن تكون كمعرض تُعرض فيه البضائع التي تجتذب الزبائن ، بل أراد لها أن تستتر ، وأن تبرز جمالها في المواطن التي حدّدها لها ، وأن لا تقتصر على جمال المظهر دون جمال الجوهر .
فالاسـلام لم يحرم المرأة من التمـتّع بجمالها وأنوثـتها ، بل حـدّد لها طريقة التعامل مع الجمال ومع الاُنوثة ، حتى لا يُساء استغلال ذلك ، ويتسبّب في مشاكل اجتماعية ونفسية وأخلاقية يحاول الاسلام أن ينظِّف المجتمع منها ومن آثارها .
وقد تسأل سائلة : لماذا منحنا الله الجمال ومنعنا من التمتّع به ؟ وكأنّها بسـؤالها تستبطن شعوراً بالظلم . فالفتاة السائلة ترى أنّ من حقّ الجميلة أن تعرض جمالها على الناظرين كما يعرض التاجر بضاعته من خلال معرض متجره ، أو كما يعرض الرسّام لوحاته في معرضه أو مرسمه .
حسـناً ، فلنناقش الأمر بعقـل بارد ، ومن خلال أسئلة هادئة وصريحة :
ـ هل تبتغي الفتاة الجميلة أن تجتذب الأنظار إليها من أجل الزواج بها ؟
ـ هل تسعى من خلال كشفها لجمالها أن يتكاثر عليها المعجبون ؟
ـ هل تقوم بإبراز مفاتنها ليكون جسدها مبذولاً لكلّ مَن يشتهيه؟
فإذا كانت تبتغي الزواج ، وهو حقّها الشرعي لا يخالفها عليه أحد، فإنّ الاسلام لم يحرمها من :
ـ كشف وجهها ، وهو عنوان جمالها الذي يمكـن لخاطب ودّها أن يقرأه ، والكتاب ـ كما يُقال ـ يُعرَف من عنوانه ، في الغالب .
ـ الحركة في المجتمع ، سواء في مواقع الدراسة أو في العمل ، مما يتيح لها المجال في أن يتعرّف الراغب بالزواج عليها ، سواء من خلال النظرة العامّة أو من خلال السلوك والتصرّف .
ـ مفاتحة مَن ترغب الزواج به ، وإن كانت التقاليد قد حجبت هذا الحقّ الشرعي حتى عاد أمراً مُسـتهجناً أو غير مُتعارَف عليه على الأقل .
وإذا تزوّجت الفتاة ، كان لها أن تُعبِّر عن استمتاعها بجمالها بأقصى درجات الاسـتمتاع . وإذاً فهو ليس الحـرمان ، بل وضع الشيء في موضعه ، وتلك هي الحكمة .
أمّا إذا كانت تهدف إلى استقطاب عدد كبير من المُعجَـبين ، فقد يُدخل ذلك على قلبها سروراً مؤقتاً وإعجاباً بالنفس قد لا يستغرق أكثر من فترة التماع نظرات المُعجَبين . لكن السؤال المهم هنا هو : وماذا بعد ؟
ـ هل تستهويها اللّعبة فتبقى تتلقّى نظرات الإعجاب المغموسة بالشهوة والطّمع بجسدها لتُشبِع بذلك غرورها ، وهيهات أن يشبع ؟!
ـ هل تتخيّر من المُعجَبين شخصاً بعينه لتعيش معه كزوجة في وئام واحترام وانسجام ؟
ـ هل تستسـلم لأكثر من مُعجَب ، لتكون صيداً سهلاً لأكثر من صيّاد يقضي وطره منها ثمّ يرميها رميَ النواة ؟!
لقد كشفت الكثـير من التحقيقات في أوساط الفتيات والنساء السافرات أنّ القضـية لم تقف عند حـدود الإعجاب ، بل تعـدّته إلى حالات من التحرّش والمضايقة والاعتداء .
هكذا هو الحـال في مجتمع الفنّانات من الممثِّلات والمطربات .. وهكذا هو في أوساط المذيعات الفاتنات .. وهكذا هو في دنيا السافرات المتـبرِّجات من الطالـبات والعامـلات في أماكن العمل المختلطة .
إنّ الفـتاة التي تجد مُتعتها في النظرات الجائعـة والكلمات الملتهبة تطرق سمعها وهي تخطر كاشفة بعض مفاتنها ، ستجد نفسها بعد حين وقد ملّت اللّعب بانتـظار الرجل الذي تسـعد بقربه ، ويصدق في حبّها ويخلص لها ، وتشاطره الاسـتمتاع بالحياة الزوجية بعيداً عن حالات التوتّر النفسي التي تعانيها في عزوبيّتها .
أمّا تلك التي عرضت جسدها في سـوق المباذل لتقع في أحضـان أكثر من (زبون) ، فقد اختارت طريق الفحشـاء والرذيلة ، وليس حديث هذه الصفحات معها .
إذاً ، فالسؤال الحريّ بكل فتاة أو إمرأة مسلمة عاقلة أن تطرحه على نفسها هو : ماذا أريد بجمالي ؟
ـ هل أريد له ما تسوِّله لي نفسي الأمّارة بالسوء ويزيِّنه الشيطان من تحويله إلى سلعة ؟
ـ هل أريد له ما يريده تجّار اللّحم الحيّ وأدعياء الحرِّية ؟
ـ هل أريد له ما أراد له خالقـه من أن يكون مصـوناً في حدود الشرع ، وأن أعبِّر عن استمتاعي به في المواضع التي حدّدها لي ، وفي ذلك فسحة كافية للارتواء النفسي والجسدي ؟
وفي الإجابة الصريحة على هذه الأسـئلة ، يتحدّد موقف المرأة الشرعي من الستر والتبرّج .
وثمة سؤال آخر تحتاج الفتاة أو المرأة أن تواجهه بصراحة أيضاً ، وهو : هل أرتضي لنفسي كفتاة أو إمرأة أن تُقيّم شـخصيّتي من خلال شكلي الخارجي فقط ؟ أي من خلال جمالي الذي لا دخل لي فيه وإنّما هو هبة الله الذي يمكن أن يسلبه منِّي في أية لحظة ؟ أم أنّني كإنسانة لي نقاط قوّة وجمال أخرى يمكن أن اُقيّم من خلالها :
ـ (علمي) الذي يمكن أن يكون جمالاً مُـلازماً يومَ تدبّ تجاعيد الشيخوخة فتنطفئ النضارة وتخبو أشعّة الجمال، بل هو تاج جمال يُضاف إلى جمالي في ريعان صباي وشـبابي ، فيُضاعفه ويُسبغ عليه هالات أجمل وأكمل .
ـ (ذكائي) الذي به اُحسِن التصرّف وإدارة الاُمور ومعالجة المواقف والمشكلات .
ـ (أخلاقي وعفّتي) التي تُزيِّن جمالي وتحرسه ، فتهفو إليه النفس المؤمنة العفيفة ليلتقي العفاف مع العفاف فننتج جيلاً عفيفاً طاهراً .
ـ (تواضعي) الذي أسـتمدّه من أنّ جـمالي مهما كان باهراً فإنّـه صناعة الله ، وأمّا أخلاقي الحميدة فهي صناعتي وجهدي الخاص الذي تعبتُ في تحصيله ويحقّ لي أن أفتخر به .
ـ (عملي ونتاجي) ممّا يمكن أن اُبدعه على أي مستوى سواء في دراستي ، أو عملي الحقلي ، أو في بيت المستقبل من تربية صالحة لأبناء مؤمنين عاملين .
ومن هنا ، فإنّ المرأة كيان إنساني ذو شـخصية لها شأنها ، ويظلم المرأة كما تظلم هي نفسها ، من يظنّ أو تظنّ أنّها مجرّد شكل أو شيء أو سلعة ، فلقد كرّمها الله إذ كرّم بني آدم جميعاً . وإنّها لتسيء إلى كرامة الله تلك التي تتبذّل وتتنزّل حتى تغدو مجرّد جسد أو إطار أو آنية جميلة .
مخاطر التبرّج :
ماذا يحصل عندما نهدم جدران بيت ؟
يغدو مكشوفاً وعرضة لنظرات الرائحين والغادين بحيث تسقط حرمته فلا يستطيع أهله أو سكّانه منع الناس من التفرّج عليهم .
وماذا يحصـل لو أ نّنا فتحنا شـبابيك بيت جمـيل ، وقلنا للمارّة : لا تنظروا من خلالها ، ولا تلقوا إلى داخل الدار ولو نظرات عابرة ؟ ألا يمكن أن يثير ذلك اعتراضهم فيقولون : اغلقوا شبابيك البيت قبل أن تطلبوا منّا إغلاق عيوننا ؟!
هذان المثالان كثيرا الشبه بالفتاة أو المرأة التي تخرج سافرة متبرِّجة كاسـية عارية تلبس أبهى زينتها وأجمل ملابسها وتضع المساحيق والعطور المثيرة ، ثمّ تقول للشبّان الذين تفور غرائزهم : لا تُستثاروا !! غضّوا أبصاركم !! لا تلتفتوا إليَّ .. دعوني وشأني !!
وهل هناك يا ترى متبرِّجة تقول ذلك ؟ أليست تخرج كذلك لتلفت الأنظار إليها وكأنّها شاشة تلفاز تبيح للجميع التطلّع إليها ؟! وعلى ضوء ذلك ، ما هي انعكاسات التبرّج على الفتاة المتبرِّجة ذاتها ، وعلى المجتمع ؟
على الفـتاة ، يبدو انعكاس ذلك من خلال النظر إليها من زاوية واحدة فقط ، أي أنّها اُنثى ، وأنّها جسد يطمع به الطامعون ، كما يتركّز هذا المعـنى في ذهنيّـتها أيضاً ، فلا تلتفـت إلى الجـوانب الاُخرى في شخصيّتها ، وإنّما تصبّ اهتمامها على الشكل دون المضمون ، فتغرق في اقتناء الملابس الثمينة والزينة الغالية ، وتتفنّن في الظهور بمظهر اللاّفت للأنظار ممّا يُسبِّب لها متاعب مالية واجتماعية ونفسية كثيرة .
فهي لا بدّ وأن تُغيِّر ملابسها التي سبقَ أن ارتدتها وإن لم يمضِ على شرائها وقت طويل ، ولابدّ أن تنافس قريناتها من الفتيات في التسابق على الموضات والصرعات والصيحات الجديدة ، وإذا مرّ عليها وقت لم تجد فيه ذلك كلّـه ، فإنّها سـوف تعاني من أزمة نفسـية ظنّاً منها أنّ الخروج إلى الشارع أو المعهد أو مكان العمل في نفس ملابسها يجعلها صغيرة وفقيرة وحقيرة في نظر صاحـباتها ، وفي نظر مَن تتوقّـع من الشبّان والرجال أن ينظروا إليها .
وقد تضطرّ بعض الفتـيات للعمل أو للاقتراض ، أو الضـغط على عائلتها ذات الدخل المحدود من أجل أن تبقى في حالة تغيير دائم في الشكل وإلاّ سقطت في السِّباق المحموم .
وكم فعلت هذه المنافسة فعلها السيِّئ في نفوس فتيات تعقّدن من اللّهاث وراء الموضـات ، وربّما شـعرن بالغـيرة والحقد والحسـد من الفتيات الاُخريات اللّواتي يفقنها في تسريحة الشعر ، أو موضة الملابس الباهضة التكاليف قماشاً وخياطة ، أو ما يضعنه من زينة ويلبسنه من ذهب ومجوهرات .
وكم أكلت هذه المنافسة التي ليس فيها فائزة واحدة ، من أوقات الفتيات والنساء في الأحاديث التي يسـتغرقن فيها حول ما لبسن وما سـيلبسن ، والمقارنات التي يعقدنها حول ما تلبسـه فلانة والزينـة التي تتزيّن بها الاُخرى ، حتى امتدّت المنافسـة إلى تقليد الفنّانات ، وصاحبات الثراء ، وعارضات الأزياء .
إنّ فتاةً تلهث خلف الاهتمام الوحيد بمظهرها .. فتاة مسكينة تبعث على الشفقة .. وربّما احتاجت إلى وقت طويل حتى تُدرِك أنّها كانت ضحيّة التجّار والسماسرة ومروِّجي الاعلانات وأصحاب النزوات والشهوات .
أمّا على صعيد المجتمع ، فالانعكاسات أشدّ سوءاً :
فالشبّان الذين يريدون أن يتحصّنوا أو يتعفّفوا لأنّهم لا يجدون ما يؤمِّن لهم نفقات الزواج ، وهم يشاهدون في الصباح والمساء مشاهد فاضحة تجعل غرائزهم تستعر وهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً .
والرجال الذين في قلوبهم مرض الذين يمدّون أعينهم إلى هذه وإلى تلك في عملية التقاط للصور المثيرة ، وأخرى للمقارنة بين ما أنعم الله به عليهم من الحلال الطيِّـب وبين ما هو في حكم المُشـاع من اللّحم العاري والنصف العاري ، أو المُغطّى الذي يصف ملامح الجسد فيثير أكثر من المكشوف ، كلّ ذلك ممّا يُربك حياتهم ويُعقِّد أوضاعهم النفسية والاُسرية ، بحيث يتسبّب في حالات شجار وعراك بينهم وبين زوجاتهم إن لم يتسبّب في الأسوأ وهو الطّلاق وخراب البيوت .
وبالتالي فإنّ المتبرِّجات وأنصاف العاريات والسافرات اللاّبسات من الملابس أكثرها إثارة يُحـدِثن حالة من الطوارئ الجنسـية بحيث يتحوّل الشارع أو أماكن العمل أو وسائط النقل إلى أشبه شيء بغرف النوم .
فأيّة جرائم اجتماعية وأخلاقية يتسبّبن فيها ذوات الحياء القليل سواء شعرن بذلك أم لم يشعرن . وللأسف فإنّ قانون الكثير من البلدان لا يتسامح في ذلك فقط ، بل يشجِّع عليه ويفتح له الأبواب على مصاريعها بغية إفساد الجيل بشبّانه وشابّاته .