
-
10 وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا ايه الليل وجعلنا ايه النهار مبصره
لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا
الاسراء: 12
في هذه الايه الكريمه يذكرنا ربنا تبارك وتعالي بانه قد جعل الليل والنهار ايتين من اياته الكونيه المبهره التي تدل علي طلاقه قدرته, وبالغ حكمته, وبديع صنعه في خلقه, فاختلاف هيئه كل من الليل والنهار في الظلمه والنور, وتعاقبهما علي وتيره رتيبه منتظمه ليدل دلاله قاطعه علي ان لهما خالقا قادرا عليما حكيما..
والايه في اللغه العلامه والجمع اي, وايات والايه من كتاب الله جماعه حروف تكون كلمه او مجموعه كلمات تبني منها الايه لتحمل دلاله معينه.
اراء المفسرين
يذكر عدد من المفسرين في شرح هذه الايه الكريمه ان الله تعالي قد جعل من صفات الليل انه مظلم, كما جعل من صفات النهار انه منير, وربما كان ذلك هو ايه كل منهما, وهذا الفهم دفع ببعض المفسرين الي القول بان من معاني قوله تعالي:فمحونا ايه الليل.. اي جعلنا الليل, وهو ايه من ايات الله مظلما, وجعلنا من صفاته تلك الظلمه, وان من معاني قوله تعالي:وجعلنا ايه النهار مبصره اي جعلنا الايه( التي هي النهار) منيره تعين علي الابصار فيها, من نحو قول العرب:ابصر النهار اذا انار وصار بحاله يبصر فيها, ولكن المقابله بين محو ايه الليل وجعل ايه النهار مبصره ربما تتحمل من المعاني ما هو فوق ذلك, مما يحتاج الي توظيف العديد من الحقائق العلميه الحديثه من اجل حسن فهم دلاله تلك المقابله.
فواضح نص الايه الكريمه ان الله تعالي قد محا ايه الليل, وابقي ايه النهار مبصره لكي يتيح الفرصه للخلق لابتغاء الفضل منه, والسعي علي كسب الرزق اثناء النهار, وللخلود الي السكينه والراحه بالليل, وان في هذا التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير وسيله ميسره لتحديد الزمن, ولتاريخ الاحداث, فبدون ذلك التتابع الرتيب لليل والنهار يتلاشي احساس الانسان بمرور الزمن, وتتوقف قدرته علي متابعه الاحداث والتاريخ لها, ولذلك يمن علينا ربنا تبارك وتعالي في ختام هذه الايه الكريمه بانه قد فصل لنا كل شيء في وحيه الخاتم القران الكريم الذي ليس من بعده وحي من الله, وليست من بعده ايه رساله ربانيه, ولذلك جاء ذلك التفصيل الالهي تفصيلا دقيقا واضحا لكل امر من امور الدين الذي لا يستطيع الانسان ان يضع لنفسه فيه ايه ضوابط صحيحه.
ايتا الليل والنهار
الليل والنهار ايتان كونيتان عظيمتان من ايات الله في الخلق, تشهدان بدقه بناء الكون, وانتظام حركه كل جرم فيه, واحكام السنن الضابطه له, ومنها تلك السنن الحاكمه لحركات كل من الارض والشمس, والتي تتضح بجلاء في التبادل المنتظم للفصول المناخيه, والتعاقب الرتيب لليل والنهار, وما يصاحب ذلك كله من دقه واحكام بالغين..!!
فنحن نعلم اليوم ان التبادل بين الليل المظلم والنهار المنير هو من الضرورات اللازمه للحياه علي الارض, ولاستمراريه وجود تلك الحياه بصورها المختلفه حتي يرث الله تعالي الارض ومن عليها.
فبهذا التبادل بين الظلام والنور يتم التحكم في درجات الحراره والرطوبه, وكميات الضوء اللازمه للحياه في مختلف بيئاتها الارضيه, كما يتم التحكم في العديد من الانشطه والعمليات الحياتيه من مثل التنفس, والنتح, والتمثيل الضوئي, والايض, وغيرها ويتم ضبط التركيب الكيميائي للغلاف الغازي المحيط بالارض, وضبط صفاته الطبيعيه, وتتم دوره المياه بين الارض والسماء والتي لولاها لفسد كل ماء الارض كما يتم ضبط حركات كل من الامواج المختلفه في البحار والمد والجزر, والرياح والسحاب, ونزول المطر باذن الله, ويتم تفتيت الصخور وتكون التربه بمختلف انواعها ومنها الصالحه للانبات, وغير الصالحه, وترسب الصخور ومنها القادره علي خزن كل من الماء والنفط والغاز ومنها غير القادره علي ذلك, وتركيز مختلف الثروات الارضيه, وغير ذلك من العمليات والظواهر التي بدونها لا يمكن للارض ان تكون صالحه للحياه.
وتعاقب الليل والنهار علي نصفي الارض هو كذلك ضروري, لان جميع صور الحياه الارضيه لا تتحمل مواصله العمل دون راحه والا هلكت, فالانسان والحيوان والنبات, وغير ذلك من انماط الحياه البسيطه يحتاج الي الراحه بالليل لاستعاده النشاط بالنهار او عكس ذلك بالنسبه لانماط الحياه الليليه فالانسان علي سبيل المثال يحتاج الي ان يسكن بالليل فيخلد الي شيء من الراحه والعباده والنوم مما يعينه علي استعاده نشاطه البدني والذهني والروحي, وعلي استرجاع راحته النفسيه, واستجماع قواه البدنيه حتي يتهيا للعمل في النهار التالي وما يتطلبه ذلك من قيام بواجبات الاستخلاف في الارض, وقد ثبت بالتجارب العمليه والدراسات المختبريه ان افضل نوم الانسان هو نومه بالليل, خاصه في ساعات الليل الاولي, وان اطاله النوم بالنهار ضار بصحته لانه يوثر علي نشاط الدوره الدمويه تاثيرا سلبيا, ويودي الي شيء من التيبس في العضلات, والتراكم للدهون علي مختلف اجزاء الجسم, والي زياده في الوزن, كما يودي الي شيء من التوتر النفسي والقلق, وربما كان مرد ذلك الي الحقيقه القرانيه التي موداها ان الله تعالي قد جعل الليل لباسا, وجعل النهار معاشا, والي الحقيقه الكونيه التي موداها ان الانكماش الملحوظ في سمك طبقات الحمايه في الغلاف الغازي للارض ليلا, وتمددها نهارا يودي الي زياده قدراتها علي حمايه الحياه الارضيه بالنهار عنها في الليل حين ترق طبقات الحمايه الجويه تلك رقه شديده قد تسمح لعدد من الاشعات الكونيه بالنفاذ الي الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للارض, وهي اشعات مهلكه مدمره لمن يتعرض لها لمدد كافيه, ومن هنا كان ذلك الامر القراني بالاستخفاء في الليل والظهور في النهار ومن هنا ايضا كان امره الي خاتم الانبياء والمرسلين صلي الله عليه وسلم ان يستعيذ بالله تعالي من شر الليل اذا دخل بظلامه, وان يلتجئ الي الله ويعتصم بجنابه من اخطار ذلك فقال عز من قائل:
ومن شر غاسق اذا وقب*[ الفلق:3]
فهذا الشر ليس مقصورا علي الظلمه وما يمكن ان يتعرض فيها المرء الي مخاطر البشر, بل قد يمتد الي مخاطر الكون التي لا يعلمها الا الله تعالي.
ثم ان هذا التبادل في اليوم الواحد بين ليل مظلم ونهار منير, يعين الانسان علي ادراك حركه الزمن, وتاريخ الاحداث, وتحديد الاوقات بدقه وانضباط ضروريين للقيام بمختلف الاعمال, ولاداء جميع العبادات, وللوفاء بمختلف العهود والحقوق والمعاملات وغير ذلك من الانشطه الانسانيه, فلو كان الزمن كله علي نسق واحد من ليل او نهار ما استقامت الحياه وما استطاع الانسان ان يميز من حياته ماضيا او حاضرا او مستقبلا, وبالتالي لتوقفت الحياه, ولذلك يقول ربنا تبارك وتعالي في ختام الايه:
.. لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب.. ولذلك ايضا يمن علينا ربنا وهو تعالي صاحب الفضل والمنه بتبادل الليل والنهار في العديد من ايات القران الكريم, ومع ايماننا بذلك, وتسليمنا به يبرز التساول في الايه الكريمه التي نحن بصددها رقم12 من سوره الاسراء عن مدلول ايتي الليل والنهار, وعن كيفيه محو ايه الليل وابقاء ايه النهار مبصره؟..
محو ايه الليل وابقاء ايه النهار مبصره عند المفسرين:
في شرح معني هذه الايه الكريمه ذكر نفر من المفسرين ان ايتي الليل والنهار نيراهما, فايه الليل هي القمر, وايه النهار هي الشمس, واذا كان الامر كذلك فكيف محيت ايه الليل, والقمر لا يزال قائما بدورانه حول الارض ينير ليلها كلما ظهر؟, فقد روي عن عبدالله بن عباس رضي الله تبارك وتعالي عنهما انه قال: كان القمر يضئ كما تضئ الشمس, والقمر ايه الليل, والشمس ايه النهار, وعلي ذلك فمعني قول الحق تبارك وتعالي:فمحونا ايه الليل هو السواد الذي في القمر اي انطفاء جذوته, واضاف: ان مدلول وجعلنا الليل والنهار ايتين اي ليلا ونهارا, وكذلك خلقهم الله عز وجل.
وتبع ابن عباس في ذلك قتاده( يرحمه الله) الذي قال: كنا نحدث ان محو ايه الليل سواد القمر الذي فيه, وجعلنا ايه النهار مبصره اي منيره, وخلق الشمس انور من القمر واعظم.
وفي الكلام اشاره دقيقه الي الفارق الذي حدده القران الكريم في ايات عديده بين ضوء الشمس ونور القمر, والذي لم يدركه العلماء الا متاخرا بان الاول ينطلق من نجم ملتهب شديد الحراره, مضئ بذاته بينما الثاني ينتج عن انعكاس اشعه الشمس علي سطح القمر البارد المعتم.
وقال نفر اخر من المفسرين ان ايه الليل هي ظلمته, كما ان ايه النهار هي نوره ووضاءته, فالله تعالي جعل من الظلام ايه لليل, كما جعل من النور ايه للنهار, فيعرف كل منهما بايته, اي بعلامته الداله عليه, ومن هولاء المفسرين ابن جريج( يرحمه الله) الذي نقل عن عبدالله بن كثير( رحمه الله عليه) قوله: ايتا الليل والنهار هما ظلمه الليل, وسرف النهار.
وهنا يتبادر الي الذهن السوال التالي: كيف يستقيم هذا الفهم مع قول الحق( تبارك وتعالي): فمحونا ايه الليل وظلمه الليل باقيه مع بقاء نور النهار؟ واذا كانت ايه الليل هي ظلمته فكيف محيت تلك الظلمه وهي لاتزال باقيه؟ وعلي الرغم من هذا التعارض فقد ايد عدد من المفسرين المعاصرين هذا الفهم بصوره او اخري ومنهم صاحب الظلال( يرحمه الله) الذي كتب مانصه... والليل والنهار ايتان كونيتان كبيرتان تشيان بدقه الناموس الذي لايصيبه الخلل مره واحده, ولايدركه التعطل مره واحده, ولا يني يعمل دائبا بالليل والنهار, فما المحو المقصود هنا وايه الليل باقيه كايه النهار؟ يبدو والله اعلم ان المقصود به ظلمه الليل التي تخفي فيها الاشياء, وتسكن فيها الحركات والاشباح.., فكان الليل محو اذا قيس الي ضوء النهار, وحركه الاحياء فيه والاشياء, وكانما النهار ذاته مبصر بالضوء( بالنور) الذي يكشف كل شئ فيه للابصار.
من هذا الاستعراض يتضح اختلاف اراء المفسرين قدامي ومعاصرين في اجتهادهم لفهم دلاله الايه القرانيه الكريمه التي نحن بصددها( الايه الثانيه عشره من سوره الاسراء) فمنهم من قال بان ايه النهار هي نوره الوضاء, او هي الشمس مصدر ذلك الضياء, بينما ايه الليل هي ظلمته, او هي القمر المتميز بظلمه سطحه الذي لا ينير الا بسقوط اشعه الشمس عليه, وانعكاسها من ذلك السطح المعتم المظلم, وقد دفع ذلك ببعض المفسرين الي القول باحتمال كون القمر في بدء خلقه ملتهبا, شديد الحراره, مشتعلا, مضيئا بذاته تماما كالشمس, ثم انطفات جذوته وخبت, فمحي ضوءه الاصلي, ولم يعد له نور الا مايسقط علي سطحه من اشعه الشمس, وهذا الاحتمال لاتدعمه الملاحظات العلميه الدقيقه في صفحه الكون, وفي تاريخ الارض القديم, فكتله القمر المقدره بحوالي735 مليون مليون مليون طن البالغه حوالي80/1 من كتله الارض لاتمكنه من ان يكون نجما ملتهبا بذاته فالحد الادني لكتله الجرم السماوي كي يكون نجما لاتقل عن8% من كتله الشمس المقدره بالفي مليون مليون مليون مليون طن, اي لايجوز للنجم ان تقل كتلته عن160 مليون مليون مليون مليون طن وهو اكثر من مائتي ض
عف كتله القمر, ولو افترضنا جدلا امكانيه ان يكون القمر نجما لاحرق لهيبه الارض لقربه منها (380000 كيلومتر في المتوسط), ولادي الي خلخله غلافها الغازي, والي تبخير مياهها, والي تركها جرداء قاحله لا اثر للحياه فيها علي الاطلاق...!!!
اضاءه السماء في ظلمه الليل كانت ايه الليل, ومحوها هو حجبها عنا.
علي الرغم من الظلام الشامل للكون, والذي لم يدركه الانسان الا بعد رياده الفضاء منذ مطلع الستينات من القرن العشرين, وعلي الرغم من محدوديه الحزام الرقيق الذي يري فيه نور النهار بسمك; لايتعدي المائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكره الارضيه المواجهه للشمس حتي ان الانسان في انطلاقه من الارض الي فسحه الكون في اثناء النهار فانه يفاجا بتلك الظلمه الكونيه الشامله التي يري فيها الشمس قرصا ازرق في صفحه حالكه السواد, لايقطع من شده سوادها الا اعداد من النقاط المتناثره, الباهته الضوء التي تحدد مواقع النجوم.
علي الرغم من كل ذلك فان العلماء قد لاحظوا في سماء الارض عددا من الظواهر المنيره في ظلمه الليل الحالك نعرف منها:
(1) ظاهره توهج الهواء في طبقات الجو العليا
Airglowin the upperatmosphere
وهي عباره عن نور باهت متغير ينتج عن عدد من التفاعلات الكيميائيه في نطاق التاين
Ionosphere
المحيط بالارض من ارتفاع90 الي1000 كيلومتر فوق مستوي سطح البحر, وهو نطاق مشحون بالالكترونات مما يساعد علي رجع الموجات الراديويه الي الارض.
(2) ظاهره انوار مناطق البروج
Zodiacal Lights
وتظهر علي هيئه مخروط من النور الباهت الرقيق الذي يري في جهه الغرب بمجرد غروب الشمس, كما يري في جهه الشرق قبل طلوعها بقليل, وتفسر تلك الانوار بانعكاس وتشتت ضوء الشمس غير المباشر علي بعض الاجرام الكونيه التي تعترض سبيله في اثناء تحركها متباعده عن الارض او مقتربه منها.
(3) ظاهره اضواء النجوم
Stellar Lights
وتصدر من النجوم في مواقعها المختلفه, ثم تتشتت في المسافات الفاصله بينها حتي تصل الي غلاف الارض الغازي.
(4) ظاهره اضواء المجرات
Galactic Lights
وتصدر من نجوم مجره من المجرات القريبه منا, والتي تتشتت اضواوها في داخل المجره الواحده, ثم يعاد تشتتها في المسافات الفاصله بين المجرات حتي تصل الي الغلاف الغازي المحيط بالارض.
(5) ظاهره الفجر القطبي واطيافه
Aurora and Auroralspectra
وتعرف هذه الظاهره ايضا باسم الاضواء القطبيه
Polar Lights
او باسم فجر الليل القطبي
Polar Nights Dawn
وهي ظاهره نورانيه تري بالليل في سماء كل من المناطق القطبيه وحول القطبيه
Polarand Subpolar Regions
وتتركز اساسا في المنطقتين الواقعتين بين كل من قطبي الارض المغناطيسيتين وخطي العرض المغناطيسيين67 درجه شمالا,67 درجه جنوبا, وقد تمتد احيانا لتشمل مساحات اوسع من ذلك.
وتبدو ظاهره الفجر القطبي عاده علي هيئه انوار زاهيه متالقه جميله, تختلف باختلاف الارتفاع الذي تري عنده( ويغلب عليها اللون الاخضر والاحمر والابيض المشوب بزرقه والبنفسجي والبرتقالي وهي تتوهج وتخبو( اي تزداد شده ولمعانا ثم تهدا) بطريقه دوريه كل عده ثوان( قد تمتد الي عده دقائق), وتتباين الوان الشفق القطبي في اجزائه المختلفه تباينا كبيرا, وان تناقصت شده نورها الي اعلي بصفه عامه, حيث تتدلي تلك الانوار من السماء الي مستوي قد يصل الي80 كيلومترا فوق مستوي سطح البحر, وتمتد افقيا الي مئات الكيلومترات لتملا مساحات شاسعه في صفحه السماء, علي هيئه هالات حلقيه او قوسيه متموجه, تكون عددا من الستائر النورانيه المطويه المتدليه من السماء, والتي يشبه نورها النور المصاحب لبزوغ الفجر الحقيقي.
ويفسر العلماء حدوث ظاهره الفجر القطبي بارتطام الاشعه الكونيه الاوليه بالغلاف الغازي للارض مما يودي الي تاينه( اي شحنه بالكهرباء), واصدار اشعه كونيه ثانويه, ثم تصادم الاشعات الكونيه( وهي تحمل شحنات كهربيه مختلفه) مع بعضها البعض, ومع غيرها من الشحنات الكهربيه الموجوده في الغلاف الغازي للارض مما يودي الي تفريغها, وتوهجها, وتكثر الشحنات الكهربائيه في الغلاف الغازي للارض في كل من احزمه الاشعاع
Radiation Belts
المعروفه باسم احزمه فان الن
Van Allens Belts
والموجوده في داخل نطق التاين المحيطه بالارض
Ionos phere Zones
وفي نطق التاين ذاتها. والاشعه الكونيه الاوليه
Primary Cosmic Rays
تملا فسحه الكون علي هيئه الجسيمات الاوليه المكونه للذرات
Elementaryorsubatomic particles
وهي جسيمات متناهيه في الدقه, ومشحونه بشحنات كهربائيه عاليه, وتتحرك بسرعات تقترب من سرعه الضوء.
وتنطلق الاشعه الكونيه الاوليه من الشمس, وان كان اغلبها يصلنا من خارج المجموعه الشمسيه, ولم تكتشف تلك الاشعه الكونيه الا في سنه1936 م.
وتتسرب الاشعه الكونيه الاوليه الي الارض عبر قطبيها المغناطيسيين لتصل الي احزمه الاشعاع ونطق التاين في الغلاف الغازي للارض مما يودي الي تكون الاشعه الكونيه الثانويه
Secondary cosmicrays
التي قد يصل بعضها الي سطح الارض فيخترق صخورها, اما الاشعه الكونيه الاوليه فلا يكاد يصل منها الي سطح الارض قدر يمكن قياسه.
والاشعه الكونيه بانواعها المختلفه تتحرك بمحاذاه خطوط المجال المغناطيسي للارض, والتي تنحني لتصب في قطبي الارض المغناطيسيين ساحبه معها موجات الاشعه الكونيه, وذلك لعجزها عن عبور مجال الارض المغناطيسي, وحينما تنفذ تلك الاشعه من قطبي الارض المغناطيسيين فانها تودي الي زياده تاين الغلاف الغازي للارض في منطقتي قطبيها المغناطيسيين, ويودي اصطدام الشحنات المختلفه الي تفريغها من شحناتها الكهربائيه, ومن ثم الي توهج الغلاف الغازي للارض في كل من المنطقتين القطبيتين في ظاهره تعرف بظاهره الوهج القطبي او الشفق القطبي او الاضواء القطبيه او فجر الليل القطبي وهي ظاهره تري بوضوح في ظلمه الليل الحالك حول القطبين المغناطيسيين للارض, خاصه في اوقات الثورات الشمسيه العنيفه حين يتزايد اندفاع الاشعه الكونيه الاوليه من الشمس, فتصل كميات مضاعفه منها في اتجاه الارض. ويتزايد الاشعاع في الطبقات العليا من الغلاف الغازي للارض الي نسب مهلكه مدمره خاصه في نطق التاين التي تحتوي علي تركيز عال من البروتونات( الموجبه) والاليكترونات( السالبه), ويحتبس المجال المغناطيسي للارض الغالبيه العظمي من تلك الاشعاعات, ويوجهها الي قطبيها المغناطيسيين في حركه لولبيه موازيه لخطوط المجال المغناطيسي والتي تنحني من القطب الشمالي الي القطب الجنوبي وبالعكس, وعندما يقترب الجسم المشحون بالكهرباء من جسيمات الاشعه الكونيه تلك من احد قطبي الارض المغناطيسيين فانه يرده الي الاخر وهكذا تحدد خطوط الحقل المغناطيسي للارض اتجاهات تحرك الاشعه الكونيه وتركزها حول قطبي الارض المغناطيسيين.
ومن الثابت علميا ان نطق الحمايه المتعدده الموجوده في الغلاف الغازي للارض ومنها نطاق الاوزون, نطق التاين المتعدده, احزمه الاشعاع, والنطاق المغناطيسي للارض, لم تكن موجوده في بدء خلق الارض, ولم تتكون الا علي مراحل متطاوله من بدايه خلق الارض الابتدائيه
Proto-Earth
وعلي ذلك فقد كانت الاشعه الكونيه وباقي صور النور المتعدده في صفحه الكون تصل بكميات هائله الي المستويات الدنيا من الغلاف الغازي للارض ككل, فتودي الي انارتها وتوهجها ليلا بمثل ظاهره الشفق القطبي, توهج الهواء, اضواء النجوم, اضواء المجرات وغيرها مما نشاهد اليوم, ولكن بمعدلات اشد واقوي, وكان هذا التوهج وتلك الاناره يشملان كل ارجاء الارض فتنير ليلها اناره تقضي علي ظلمه الليل.
وبعد تكون نطق الحمايه المختلفه للارض اخذت هذه الظواهر في التضاول التدريجي حتي اقتصرت علي بقايا رقيقه جدا وفي مناطق محدده جدا مثل منطقتي قطبي الارض المغناطيسيين, لتبقي شاهده علي حقيقه ان ليل الارض في المراحل الاولي لخلقها كان يضاء بوهج لايقل في شدته عن نور الفجر الصادق, وشاهده علي رحمه الله بنا ان جعل للارض هذا العدد الهائل من نطق الحمايه المتعدده والتي بدونها تستحيل الحياه علي الارض, وشاهده علي حاجتنا الي رحمه الله تعالي ورعايته في كل وقت وفي كل حين من الاخطار المحيطه بنا من كل جانب, وشاهده علي صدق تلك الاشاره القرانيه المعجزه.
وجعلنا الليل والنهار ايتين فمحونا ايه الليل وجعلنا ايه النهار مبصره لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شئ فصلناه تفصيلا.
وهي حقيقه لم يدركها العلم المكتسب الا في السنوات المتاخره من القرن العشرين, ولم يكن لاحد من البشر ادراك لها وقت تنزل القران الكريم ولا لعدد من القرون بعد ذلك..!!
وانطلاقا من هذه الحقيقه يمن علينا ربنا( تبارك وتعالي) بتبادل الليل والنهار فيقول( عز من قائل):
قل ارايتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بضياء افلا تسمعون. قل ارايتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الي يوم القيامه من اله غير الله ياتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون. ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون.
(القصص:71 73)
وجاء ذكر الليل في القران الكريم اثنتين وتسعين(92) مره, منها ثلاثه وسبعون(73) مره بلفظه الليل, ومره واحده بلفظه ليل, وثماني(8) مرات بلفظه ليله, وخمسه(5) مرات بلفظه ليلا, وثلاث(3) مرات بلفظه ليال, ومره واحده بكل من اللفظين ليلها و ليالي.
كذلك ورد ذكر النهار في القران الكريم سبعا وخمسين(57) مره, منها اربعه وخمسون(54) مره بلفظ النهار, وثلاث(3) مرات بلفظ نهارا, كما وردت الفاظ الصبح, و الاصباح و الفلق ومشتقاتها بمدلول النهار في ايات اخري كثيره, كذلك وردت كلمه اليوم احيانا بمعني النهار.
ونعمه الله تعالي علي اهل الارض جميعا بمحو اناره الليل, وابقاء اناره النهار نعمه مابعدها نعمه, لانه لولا ذلك مااستقامت الحياه علي الارض, ولا استطاع الانسان الاحساس بالزمن, ولا التاريخ للاحداث بغير تبادل ظلام الليل مع نور النهار, ولتلاشت الحياه, ومن هنا جاءت اشاره القران الكريم الي تلك الحقيقه سبقا لكافه المعارف الانسانيه.
وان دل ذلك علي شئ فانما يدل علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وعلي ان هذا النبي الخاتم( صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض, وانه( عليه افضل الصلاه وازكي التسليم) ما كان ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي كما وصفه ربنا( تبارك وتعالي).
واذا كان صدق القران الكريم جليا في اشاراته الي بعض اشياء الكون وظواهره, فلابد ان يكون صدقه في رسالته الاساسيه وهي الدين( بركائزه الاربع: العقيده, والعباده, والاخلاق والمعاملات) جليا كذلك. وهنا يتضح جانب من جوانب الاعجاز في كتاب الله, وما اكثر جوانبه المعجزه هو الاعجاز العلمي, وهو خطاب العصر ومنطقه, وما احوج الامه الاسلاميه, بل مااحوج الانسانيه كلها الي هذا الخطاب في زمن التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه, وزمن العولمه الذي تحاول فيه القوي الكبري علي ضلالها فرض قيمها الدينيه والاخلاقيه والاجتماعيه المنهاره علي دول العالم الثالث وفي زمرتها الدول الاسلاميه, بحد غلبتها العلميه والتقنيه, وهيمنتها الاقتصاديه والعسكريه, وقد عانت الدول الغربيه, ذاتها ولاتزال من الاغراق المادي الذي دمر مجتمعاتها, وادي الي تحللها الاسري والاجتماعي والاخلاقي والسلوكي والديني, والي ارتفاع معدلات الجريمه, والادمان, والانتحار, والي الحيود عن كل قوانين الفطره السويه التي فطر الله خلقه عليها, والي العديد من المشاكل والازمات النفسيه والمظالم الاجتماعيه والسياسيه علي المستويين المحلي والدولي...!
ومااحوج علماء المسلمين الي ادراك قيمه الايات الكونيه في كتاب الله فيقبلوا عليها تحقيقا علميا منهجيا دقيقا بعد فهم عميق لدلاله اللغه وضوابطها وقواعدها, ولاساليب التعبير فيها, وفهم لاسباب النزول, ومعرفه بالماثور من تفسير الرسول( صلي الله عليه وسلم) وجهود السابقين من المفسرين, ثم تقديم ذلك الاعجاز العلمي الي الناس كافه مسلمين وغير مسلمين.مما يعد دليلا ماديا ملموسا علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق, وعلي ان سيدنا ونبينا محمدا( صلي الله عليه وسلم) هو خاتم انبيائه ورسله, في غير تكلف ولا اعتساف, لان القران الكريم غني عن ذلك, وهو اعز علينا واكرم من ان نتكلف له.
وهذا المنهج في الاهتمام بالايات الكونيه في كتاب الله, وشرح الاشارات العلميه فيها من قبل المتخصصين كل في حقل تخصصه هو من اكثر وسائل الدعوه الي دين الله قبولا في زمن العلم والتقنيه الذي نعيشه.
-
(11)ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون, لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون
هاتان الايتان الكريمتان وردتا في سياق الحديث عن عناد ومكابره كفار قريش لخاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم). وتكذيبهم ببعثته, وتشكيكهم في الوحي الذي انزل اليه من ربه, واتهامهم له بالجنون, وهم اعرف الناس بانه( صلي لله عليه وسلم) كان ارجح الناس عقلا, واعظمهم خلقا, واشرفهم نسبا, ولذلك نزلت الايات في مطلع سوره الحجر لتشيد بالقران الكريم, ولتهدد هولاء الجاحدين بمشهد يوم عظيم يعانون فيه اهوال الاخره فيتمنون لو كانوا في الدنيا قد اسلموا لرب العالمين, وامنوا ببعثه خاتم الانبياء والمرسلين, وبايات هذا الكتاب المبين, وبيوم البعث الذي كانوا به ينذرون.
وليهون القران الكريم علي هذا النبي الخاتم( صلي ا لله عليه وسلم) صلف هولاء المتكبرين تطلب منه الايات القرانيه ان يدعهم في غيهم ياكلون ويتمتعون, ويشغلهم الامل بطول الاجل عن التفكير فيما سوف يلقونه من عذاب مهين في الدنيا قبل الاخره, وذلك جزاء كفرهم وعنادهم وكبرهم...!!!
وهذا التهديد والوعيد من الله( تعالي) لهولاء المجرمين من الكفار والمشركين, يتبعه تذكير بمصائر غيرهم من الامم السابقه عليهم, وبان الله( تعالي) لم يهلك ايا من تلك القري الظالمه التي كذبت باياته ورسله الا وجعل لهلاكها اجلا محددا.
وتذكر الايات تحديات كفار قريش لرسول الله( صلي الله عليه وسلم), واستهزائهم به, واستنكارهم لشرف بعثته حتي طلبوا منه ان ياتيهم بالملائكه ليشهدوا له بصدق نبوته, فيرد الحق( تبارك وتعالي) عليهم بان الملائكه لاتنزل الا بالحق, وان من هذا الحق ان يدمر المكذبون بايات الله ورسله بعد ان جاءتهم نذر ربهم...!!
ثم توكد تلك الايات الكريمات علي ان الله تعالي هو الذي انزل القران العظيم, وانه تعالي قد تعهد بحفظه فحفظ, فلايمكن لمحاوله تحريف ان تطوله, ولا لموامره تبديل ان تصيبه, مهما حاول المحرفون, وتضافر المتامرون. وهذا الحفظ الرباني لاخر الكتب السماويه واتمها واكملها, لهو بحق اعظم المعجزات المبهره لهذا الكتاب الخالد, وعلي الرغم من ذلك كله فقد كذب به هولاء المعاندون, كما يكذب به نفر من كفار هذا الزمان الرديء ومشركيه وملاحدته.
ومن قبيل تهوين الامر علي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) وعلي اتباعه الصالحين في زماننا وفي كل زمان تذكره الايات وتذكرهم انه( صلي الله عليه وسلم) لم يكن متفردا بجحود قومه, وتكذيبهم, ومكابرتهم, وعنادهم, واستهزائهم, فقد سبقه من الانبياء والمرسلين من تعرضوا لذلك واشد منه, فاستحقت اقوامهم المكذبه عقاب الله في الدنيا قبل الاخره...!! ومن الغريب ان الجاحدين من الخلق, الذين اشركوا بالله, او كفروا به( سبحانه) وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر في كل زمان ومكان, لم يكن لينقصهم الدليل المنطقي علي قبول وحي السماء, ومافيه من ايات بينات ولكنه الصلف والعناد والمكابره في مقابله الحق, ومواجهه كل حجه اتتهم, وكل بينه جاءتهم, تماما بتمام, كما كان موقف كفار قريش من خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), ومما انزل اليه من قران كريم, فتصور لنا الايات في مطلع سوره الحجر نموذجا صارخا لمكابره اهل الباطل وعنادهم في مواجهه الحق, وذلك بقول ربنا( تبارك وتعالي): ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون* لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون* بمعني انه حتي لو فتح الله( تعالي) علي هولاء المكابرين بابا من السماء, واعانهم علي الاستمرار بالعروج فيه باجسادهم وكامل حواسهم, حتي يطلعوا علي بديع صنع الله في ملكوته, وعلي عظيم قدرته في ابداع خلقه, وعلي اتساع سلطانه وملكه, وعلي حشود الخاضعين له بالعباده والطاعه والتسبيح في خشيه واشفاق بالغين, لشكوا في تلك الرويه المباشره, ولكذبوا ابصارهم وعقولهم وباقي حواسهم, ولاتهموا انفسهم بالعجز التام عن الرويه تاره, وبالوقوع تحت تاثير السحر تاره اخري, وذلك في محاوله لانكار الحق من فرط مكابرتهم وصلفهم وعنادهم...!!
وعلي الرغم من كون لو حرف امتناع لامتناع, وكون هاتين الايتين الكريمتين قد وردتا في مقام التشبيه والتصوير لحال المكابرين من الكفار والمشركين وعنادهم وصلفهم, الا ان صياغتهما قد جاءت كما تجيء صياغه كل ايات القران الكريم علي قدر مذهل من الدقه العلميه والشمول للحقيقه الكونيه والكمال المطلق مما يشهد بان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وان خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله( صلوات الله وسلامه عليه) كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والارض( سبحانه وتعالي).
واحاول في هذا المقال عرض عدد مما استطعت ادراكه من ملامح الاعجاز العلمي في هاتين الايتين الكريمتين علي النحو التالي:
(1) اللمحه الاعجازيه الاولي:

صوره من سفينه الفضاء جاليليو توضح طبقه النهار علي كل من كوكب الارض والقمر ويري نصف كل منهما المواجه للشمس منيرا في ظلمه الكون .. والصوره الثانيه ماخوذه من مكوك الفضاء تشالينجر لرائد الفضاء بروس ماكاندليس يدور حول كوكب الارض فيري نور النهار خيطا ازرق دقيقا في ظلمه الكون
وقد وردت في قول الحق( تبارك وتعالي):
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء.. مما يوكد ان السماء ليست فراغا كما كان يعتقد الناس الي عهد قريب, حتي ثبت لنا انها بنيان محكم, يتعذر دخوله الا عن طريق ابواب تفتح للداخل فيه, والسماء لغه, هي: كل ما علاك فاظلك, واصطلاحا, هي: ذلك العالم العلوي الذي نراه فوق رووسنا بكل مافيه من اجرام.
وعلميا هي كل مايحيط بالارض من مختلف صور الماده والطاقه بدءا من غلافها الغازي, وانتهاء بحدود الكون, والذي ادرك العلماء منه مساحه يبلغ قطرها24 الف مليون سنه ضوئيه علي الاقل اي حوالي228*2110 كيلو متر), وحصوا فيه اكثر من مائتي الف مليون مجره من امثال مجرتنا المعروفه باسم سكه التبانه( او درب اللبانه) والتي حصي العلماء فيها حوالي مليون مليون نجم كشمسنا, والكون فوق ذلك دائم الاتساع الي نهايه لايعلمها الا الله( سبحانه وتعالي).
وقد ثبت موخرا ان السماء مليئه بمختلف صور الماده والطاقه التي انتشرت بعد انفجار الجرم الكوني الاول( والذي كان يضم كل ماده الكون, ومختلف صور الطاقه المنبثه في ارجائه اليوم) وذلك عند تحوله من مرحله الرتق الي مرحله الفتق كما يصفهما القران الكريم, ويقدر علماء الكون ان ذلك قد حدث منذ فتره تقدر بحوالي العشره بلايين من السنين علي اقل تقدير.
وعند انفجار ذلك الجرم الكوني الاول تحولت مادته ومختلف صور الطاقه المخزونه فيه الي سحابه هائله من الدخان ملات فسحه الكون, ثم اخذت في التبرد والتكثف بالتدريج حتي وصلت الي حاله من التوازن الحراري بين جسيمات الماده وفوتونات الطاقه, وهنا تشكلت بعض نوي الايدروجين المزدوج( الديوتريوم), وتبع ذلك تخلق النوي الذريه لاخف عنصرين معروفين لنا وهما الايدروجين والهيليوم, ثم تخلق نسب ضئيله من العناصر الاثقل وزنا.
وبواسطه دوامات الطاقه التي انتشرت في سحابه الدخان التي ملات ارجاء الكون تشكلت السدم
وهي اجسام غازيه في غالبيتها, تتناثر بين غازاتها بعض الهباءات الصلبه, وتدور الماده فيها في دوامات شديده تساعد علي المزيد من تكثفها في سلسله من العمليات المنضبطه حتي تصل الي مرحله الاندماج النووي التي تكون النجوم بمختلف احجامها, وهيئاتها, ودرجات حرارتها, وكثافه الماده فيها, ومنها النجوم العاديه او نجوم النسق الاساسي
المفرده والمزدوجه, والمستعرات الشديده الحراره( العمالقه الحمر والعمالقه الكبار) والنجوم البيضاء القزمه, ومنها النجوم النيوترونيه النابضات
منها وغير النابضات
( التي تصل كثافه الماده فيها الي خمسين بليون طن للسنتيمتر المكعب), واشباه النجوم( التي تقل كثافه الماده فيها عنها في شمسنا ومنها الثقوب السود التي تصل كثافه الماده فيها الي مائتي بليون طن للسنتيمتر المكعب), والثقوب الدافئه وغير ذلك من اجرام السماء مما يشكل المجرات والتجمعات المجريه, وغيرها من نظم الكون المبهره.
ومن اشلاء النجوم تكونت الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات, والشهب والنيازك, والاشعات الكونيه التي تملا فسحه الكون باشكالها المتعدده, وغير ذلك مما لانعلم من اسرار هذا الوجود.
وقبل سنوات قليله لم يكن احد من الناس يعلم ان السماء علي اتساعها ليست فراغا, ولكنها مليئه بالماده علي هيئه رقيقه للغايه, تشكلها غازات مخلخله يغلب علي تركيبها غازا الايدروجين والهيليوم, مع نسب ضئيله جدا من الاوكسيجين, والنيتروجين, والنيون, وبخار الماء, وهباءات نادره من المواد الصلبه, مع انتشار هائل للاشعات الكونيه بمختلف صورها في مختلف جنبات الكون. ولقد كان السبب الرئيسي لتصور ان الكون فراغ تام هو التناقص التدريجي لضغط الغلاف الغازي للارض مع الارتفاع عن سطحها حتي لايكاد يدرك بعد الف كيلو متر فوق سطح البحر, ومن اسباب زياده كثافه الغلاف الغازي للارض بالقرب من سطحها هو انطلاق كميات هائله من بخار الماء وغازات عديده اغلبها اكاسيد الكربون والنتروجين من جوفها اثناء تبرد قشرتها, وعبر فوهات البراكين التي نشطت ولاتزال تنشط علي سطحها وقد اختلطت تلك الغازات الارضيه بالسحابه الغازيه الكونيه, وساعدت جاذبيه الارض علي الاحتفاظ بالغلاف الغازي للارض بكثافته التي تتناقص باستمرار بالبعد عنها حتي تتساوي مع كثافه الغلاله الغازيه الاوليه التي تملا ارجاء الكون وتندمج فيها.
وعلي ذلك فقد اثبتت الدراسات الحديثه ان السماء بناء محكم, تملاه الماده والطاقه, ولايمكن اختراقه الا عن طريق ابواب تفتح فيه, وهو مااكده القران الكريم قبل الف واربعمائه سنه في اكثر من ايه صريحه, ومنها الايه الكريمه التي نحن بصددها ولو فتحنا عليهم بابا من السماء.. وهي شهاده صدق علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق, الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وانزل القران الكريم بعلمه الحق.
(2) اللمحه الاعجازيه الثانيه:
وتتضح من وصف الحركه في السماء بالعروج: فظلوا فيه يعرجون, والعروج لغه هو سير الجسم في خط منعطف منحن, فقد ثبت علميا ان حركه الاجسام في الكون لايمكن ان تكون في خطوط مستقيمه, بل لابد لها من الانحناء نظرا لانتشار الماده والطاقه في كل الكون, وتاثير كل من جاذبيه الماده( باشكالها المختلفه) والمجالات المغناطيسيه للطاقه( بتعدد صورها), علي حركه الاجسام في الكون, فاي جسم مادي مهما عظمت كتلته او تضاءلت لايمكنه التحرك في الكون الا في خطوط منحنيه وحتي الاشعه الكونيه علي تناهي دقائقها في الصغر( وهي تتكون من اللبنات الاوليه للماده مثل البروتونات والنيوترونات والاليكترونات), فانها اذا عبرت خطوط اي مجال مغناطيسي فان هذا المجال يحني مسار الشعاع بزاويه قائمه علي مساره.فانتشار كل من الماده والطاقه في الكون عبر عمليه الفتق وماصاحبها من انفجار عظيم كانت من اسباب تكوره, وكذلك كان انتشار قوي الجاذبيه في ارجاء الكون من اسباب تكور كل اجرامه, وكان التوازن الدقيق الذي اوجده الخالق العظيم بين كل من قوي الجاذبيه والقوي الدافعه الناتجه عن عمليه الفتق هو الذي حدد المدارات التي تتحرك فيها كل اجرام السماء, والسرعات التي تجري بها في تلك المدارات والتي يدور بها كل منهم حول محوره.
فعند انفجار الجرم الكوني الاول
انطلق كل ماكان به من مخزون الماده والطاقه بالقوه الدافعه الناتجه عن ذلك الانفجار العظيم( عمليه الفتق) والتي اكسبت كل صور الماده والطاقه المنطلقه الي فسحه الكون طاقه حركه هائله, وجعلتها بذلك واقعه تحت تاثير قوتين متعارضتين هما قوه التجاذب الرابطه بينها, والقوه الطارده الناتجه عن ذلك الانفجار الكوني, والتوازن الدقيق بين هاتين القوتين المتعارضتين هو الذي يحفظ اجرام السماء في مداراتها, ويجعلها تتحرك فيها حركه دائريه بخطوط منحنيه باستمرار, كما جعلها تدور حول محاورها بسرعات محدده.
ودوران الاجرام السماويه حول محاورها وفي مداراتها تخضع لقانون يعرف باسم قانون بقاء التحرك الزاوي او قانون العروج
وينص هذا القانون علي ان كميه التحرك الزاوي لاي جرم سماوي تقدر علي اساس نسبه سرعه دورانه حول محوره الي نصف قطره علي محور الدوران, وتبقي كميه التحرك الزاوي تلك محفوظه في حاله انعدام موثرات اخري, ولكن اذا تعرض الجرم السماوي الي موثرات خارجيه او داخليه فانه سرعان ما يكيف حركته الزاويه في ضوء التغيرات الطارئه. فعلي سبيل المثال تزداد سرعه التحرك الزاوي للجرم كلما انكمش حجمه, وكما سبق وان ذكرنا فان جميع الاجرام الاوليه قد تكثفت مادتها علي مراحل متتاليه من سحابه الدخان الكوني التي نتجت عن انفجار الجرم الابتدائي الذي حوي كل ماده وطاقه الكون, تاركه كميات هائله من الغازات والغبار والاشعات الكونيه, وعلي ذلك فقد كانت الكواكب الابتدائيه علي سبيل المثال اكبر حجما بمئات المرات من الكواكب الحاليه, وكانت ارضنا الابتدائيه مائتي ضعف حجم الارض الحاليه( علي الاقل), وهذه الكواكب الابتدائيه اخذت في التكثف علي مراحل متتاليه حتي وصلت الي صورتها الحاليه.
وبمثل عمليه نشاه الكون تماما وبالقوانين التي تحكم دوران اجرامه حول محاورها, وفي مدارات لكل منها حول جرم اكبر منه تتم عمليه اطلاق الاقمار الصنعيه ومراكب الفضاء من الارض الي مدارات محدده حولها, او حول اي من اجرام مجموعتنا الشمسيه, او حتي الي خارج حدود المجموعه الشمسيه, وذلك بواسطه قوي دافعه كبيره تعينها علي الافلات من جاذبيه الارض, من مثل صواريخ دافعه تتزايد سرعتها بالجسم المراد دفعه الي قدر معين من السرعه, ولما كانت الجاذبيه الارضيه تتناقص بزياده الارتفاع عن سطح الارض, فان سرعه الجسم المرفوع الي الفضاء تتغير بتغير ارتفاعه فوق سطح ذلك الكوكب, وبضبط العلاقه بين قوه جذب الارض للجسم المنطلق منها الي الفضاء والقوه الدافعه لذلك الجسم( اي سرعته) يمكن ضبط المستوي الذي يدور فيه الجسم حول الارض, او حول غيرها من اجرام المجموعه الشمسيه او حتي ارساله الي خارج المجموعه الشمسيه تماما, ليدخل في اسر جرم اكبر يدور في فلكه.
واقل سرعه يمكن التغلب بها علي الجاذبيه الارضيه في اطلاق جرم من فوق سطحها الي فسحه الكون تسمي باسم سرعه الافلات من الجاذبيه الارضيه, وحركه اي جسم مندفع من الارض الي السماء لابد وان تكون في خطوط منحنيه وذلك تاثرا بكل من الجاذبيه الارضيه, والقوه الدافعه له الي السماء, وكلتاهما تعتمد علي كتله الجسم المتحرك, وعندما تتكافا هاتان القوتان المتعارضتان يبدا الجسم في الدوران في مدار حول الارض مدفوعا بسرعه افقيه تعرف باسم سرعه التحرك الزاوي او سرعه العروج
والقوه الطارده اللازمه لوضع جرم ما في مدار حول الارض تساوي كتله ذلك الجرم مضروبه في مربع سرعته الافقيه( المماسه للمدار) مقسومه علي نصف قطر المدار( المساوي للمسافه بين مركزي الارض والجرم الذي يدور حولها), ولولا معرفه حقيقه عروج الاجسام في السماء لما تمكن الانسان من اطلاق الاقمار الصنعيه, ولا استطاع رياده الفضاء. فقد اصبح من الثابت ان كل جرم متحرك في السماء مهما كانت كتلته محكوم بكل من القوي الدافعه له وبالجاذبيه مما يضطره الي التحرك في خط منحن يمثل محصله كل من قوي الجذب والطرد الموثره فيه, وهذا ما يصفه القران الكريم بالعروج,
وهو وصف التزم به هذا الكتاب الخالد في وصفه لحركه الاجسام في السماء في خمس ايات متفرقات وذلك قبل الف واربعمائه سنه من اكتشاف الانسان لتلك الحقيقه الكونيه المبهره علي النحو التالي:
(1) ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون( الحجر:14)
(2) يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنه مما تعدون
(السجده:5)
(3) يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور
(سبا:2)
(4) ولولا ان يكون الناس امه واحده لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضه ومعارج عليها يظهرون
(الزخرف:33)
(5).. يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم اينما كنتم والله بما تعملون بصير
[الحديد:4]
(6) من الله ذي المعارج* تعرج الملائكه والروح اليه في يوم كان مقداره خمسين الف سنه
(المعارج:4,3)
(3) اللمحه الاعجازيه الثالثه:
وقد وردت في قول الحق( تبارك وتعالي):
لقالوا انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون
ومعني سكرت ابصارنا اغلقت عيوننا وسدت, او غشيت وغطيت لتمنع من الابصار, وحينئذ لا يري الانسان الا الظلام, ويعجب الانسان لهذا التشبيه القراني المعجز الذي يمثل حقيقه كونيه لم يعرفها الانسان الا بعد نجاحه في رياده الفضاء منذ مطلع الستينيات من القرن العشرين حين فوجيء بحقيقه ان الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبيه اجزائه, وان حزام النهار في نصف الكره الارضيه المواجه للشمس لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر, واذا ارتفع الانسان فوق ذلك فانه يري الشمس قرصا ازرق في صفحه سوداء حالكه السواد, لا يقطع حلوكه سوادها الا بعض البقع الباهته الضوء في مواقع للنجوم.
واذا كان الجزء الذي يتجلي فيه النهار علي الارض محدودا في طوله وعرضه بنصف مساحه الكره الارضيه, وفي سمكه بمائتي كيلو متر, وكان في حركه دائبه دائمه مرتبطه بدوران الارض حول محورها امام الشمس, وكانت المسافه بين الارض والشمس في حدود المائه وخمسين مليون كيلو متر, وكان نصف قطر الجزء المدرك من الكون يقدر باثني عشر بليون سنه ضوئيه( اي ما يساوي114*2110 كيلو متر) اتضحت لنا ضاله سمك الطبقه التي يعمها نور النهار, وعدم استقرارها لانتقالها باستمرار من نقطه الي اخري علي سطح الارض مع دوران الارض حول محورها, واتضح لنا ان تلك الطبقه الرقيقه تحجب عنا ظلام الكون, خارج حدود ارضنا ونحن في وضح النهار, فاذا جن الليل انسلخ منه النهار, واتصلت ظلمه ليلنا بظلمه الكون, وتحركت تلك الطبقه الرقيقه من النور لتفصل نصف الارض المقابل عن تلك الظلمه الشامله التي تعم الكون كله.
وتجلي النهار علي الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض( بسمك مائتي كيلو متر فوق سطح البحر) بهذا اللون الابيض المبهج هو نعمه كبري من نعم الله علي العباد. وتفسر بان الهواء في هذا الجزء من الغلاف الغازي للارض له كثافه عاليه نسبيا, وان كثافته تتناقص بالارتفاع حتي لا تكاد تدرك, وانه مشبع ببخار الماء وبهباءات الغبار التي تثيرها الرياح من فوق سطح الارض فتعلق بالهواء, وتقوم كل من جزيئات الهواء الكثيف نسبيا, وجزيئات بخار الماء, والجسيمات الدقيقه من الغبار بالعديد من عمليات تشتيت ضوء الشمس وعكسه حتي يظهر باللون الابيض الذي يميز النهار كظاهره نورانيه مقصوره علي النطاق الاسفل من الغلاف الغازي للارض في نصفها المواجه للشمس.
وبعد تجاوز المائتي كيلو متر فوق سطح البحر يبدا الهواء في التخلخل لتضاول تركيزه, وقله كثافته باستمرار مع الارتفاع, ولندره كل من بخار الماء وجسيمات الغبار فيه لان نسبها تتضاءل كذلك بالارتفاع حتي تكاد تتلاشي, ولذلك تبدو الشمس وغيرها من نجوم السماء بقعا زرقاء باهته في بحر غامر من ظلمه الكون لان اضواءها لا تكاد تجد ما يشتته او يعكسه في فسحه الكون.
فسبحان الذي اخبرنا بهذه الحقيقه الكونيه قبل اكتشاف الانسان لها بالف واربعمائه سنه, فشبه الذي يعرج في السماء بمن سكرت ابصاره فلم يعد يري غير ظلام الكون الشامل, او بمن اعتراه شيء من السحر فلم يعد يدرك شيئا مما حواليه, وكلا التشبيهين تعبير دقيق عما اصاب رواد الفضاء الاوائل حين عبروا نطاق النهار الي ظلمه الكون فنطقوا بما يكاد ان يكون تعبير الايه القرانيه دون علم بها:
انما سكرت ابصارنا بل نحن قوم مسحورون
(4) اللمحه الاعجازيه الرابعه:
وتتضح في قوله تعالي:فظلوا فيه يعرجون
فالتعبير اللغوي ظلوا يشير الي عموم الاظلام وشموله وديمومته بعد تجاوز طبقه النهار الي نهايه الكون, بمعني ان الانسان اذا عرج به الي السماء في وضح النهار فانه يفاجا بظلمه الكون الشامله تحيط به من كل جانب مما يفقده النطق احيانا او يجعله يهذي بما لا يعلم احيانا اخري من هول المفاجاه.
ومن الامور التي توكد ظلمه الكون الشامله ان باطن الشمس مظلم تماما علي الرغم من ان درجات الحراره فيه تصل الي خمسه عشر مليون درجه مئويه او يزيد, وذلك لانه لا ينتج فيه سوي الاشعاعات غير المرئيه من مثل اشعه جاما, والاشعات فوق البنفسجيه والسينيه.
اما ضوء الشمس فلا يصدر الا عن نطاقها الخارجي فقط والذي يعرف باسم النطاق المضيء
ولا يري بهذا النور الا في الجزء السفلي من الغلاف الغازي للارض, وفي نصف الكره الارضيه المواجه للشمس, فسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه من السنين قوله الحق:
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها*( الشمس:1 4)
(5) اللمحه الاعجازيه الخامسه:
وتتضح في اشاره الايتين الكريمتين الي الرقه الشديده لغلاله النهار وذلك في قول الحق تبارك وتعالي) ولو فتحنا.. لقالوا..) بمعني ان القول بتسكير العيون, وظلمه الكون الشامله تتم بمجرد العروج لفتره قصيره في السماء, ثم تظل تلك الظلمه الي نهايه الكون, وقد اثبت العلم الحديث ذلك بدقه شديده, فاذا نسبنا سمك طبقه النهار الي مجرد المسافه بين الارض والشمس لاتضح لنا انها تساوي200 كيلو متر\150,000,000 كيلو متر=1\750,000 تقريبا فاذا نسبناها الي نصف قطر الجزء المدرك من الكون اتضح انها لا تساوي شيئا البته, وهنا تتضح روعه التشبيه القراني في مقام اخر يقول فيه الحق( تبارك وتعالي)
وايه لهم الليل نسلخ منه النهار فاذا هم مظلمون*
(يس:37)
حيث شبه انحسار طبقه النهار البالغه الرقه من ظلمه كل من ليل الارض وليل السماء بسلخ جلد الذبيحه الرقيق عن كامل بدنها, مما يوكد ان الظلام هو الاصل في الكون, وان النهار ليس الا ظاهره نورانيه, عارضه, رقيقه جدا, لا تظهر الا في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للارض, وفي نصفها المواجه للشمس في دوره الارض حول نفسها امام ذلك النجم, وبتلك الدوره ينسلخ النهار تدريجيا من ظلمه كل من ليل الارض وحلكه السماء كما ينسلخ جلد الذبيحه عن جسدها.
وفي تاكيد ظلمه السماء يقرر القران الكريم في مقام اخر قول الحق( تبارك وتعالي):
اءنتم اشد خلقا ام السماء بناها* رفع سمكها فسواها* واغطش ليلها واخرج ضحاها
(النازعات:27 29)
والضمير في اغطش ليلها عائد علي السماء, بمعني ان الله تعالي قد جعل ليل السماء حالك السواد من شده اظلامه, فهو دائم الاظلام سواء اتصل بظلمه ليل الارض( في نصف الكره الارضيه الذي يعمه الليل) او انفصل عن الارض بتلك الطبقه الرقيقه التي يعمها نور النهار( في نصف الارض المواجه للشمس) فيصفه ربنا( تبارك وتعالي) بقوله: واخرج ضحاها اي اظهر ضوء شمس السماء لاحاسيس المشاهدين لها من سكان الارض بالنور والدفء معا في اثناء نهار الارض, والضحي هو صدر النهار حين ترتفع الشمس ويظهر ضووها جليا للناس, بينما يبقي معظم الكون غارقا في ظلمه السماء.
ويوكد هذا المعني قسم الحق( تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم) بالنهار اذ يجلي الشمس اي يكشفها ويوضحها فيقول( عز من قائل):
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها*( الشمس:1 4)
اي ان النهار هو الذي يجعل الشمس واضحه جليه لاحاسيس المشاهدين لها من سكان الارض, وهذه لمحه اخري من لمحات الاعجاز العلمي في كتاب الله تقرر ان ضوء الشمس لا يري الا علي هيئه النور في نهار الارض.
وان الكون خارج نطاق نهار الارض ظلام دامس, وان هذا النطاق النهاري لابد ان به من الصفات ما يعينه علي اظهار وتجليه ضوء الشمس للذين يشهدونه من احياء الارض.
فسبحان الذي انزل القران بالحق, انزله بعلمه, وجعله معجزه خاتم انبيائه ورسله, في كل امر من اموره, وفي كل ايه من اياته, وفي كل اشاره من اشاراته, وفي كل معني من معانيه, وجعله معجزه ابديه خالده علي مر العصور, لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثره الرد الي ان يرث الله تعالي الارض ومن عليها وصلي الله وسلم وبارك علي خاتم الانبياء والمرسلين الذي شرفه ربه( تبارك وتعالي) بوصفه انه لا ينطق عن الهوي فقال( عز من قائل):
وما ينطق عن الهوي* ان هو الا وحي يوحي* علمه شديد القوي*
(النجم:3 5)
-
12 فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس*
والمدلول اللغوي لهاتين الايتين الكريمتين: اقسم قسما موكدا بالخنس الجوار الكنس, والسوال الذي يتبادر الي الذهن هو: ماهي هذه الخنس الجوار الكنس التي اقسم بها ربنا( تبارك وتعالي) هذا القسم الموكد, وهو( تعالي) غني عن القسم؟
وقبل الاجابه علي هذا التساول لابد لنا:
اولا: من التاكيد علي حقيقه قرانيه مهمه موداها ان الايه او الايات القرانيه التي تتنزل بصيغه القسم تاتي بمثل هذه الصياغه الموكده من قبيل تنبيهنا الي عظمه الامر المقسوم به, والي اهميته في انتظام حركه الكون, او في استقامه حركه الحياه او فيهما معا, وذلك لان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده.
ثانيا: ان القسم في القران الكريم بعدد من الامور المتتابعه لا يستلزم بالضروره ترابطها, كما هو وارد في سوره التكوير, وفي العديد غيرها من سور القران الكريم من مثل سور الذاريات, الطور, القيامه, الانشقاق, البروج, الفجر, البلد, الشمس, والعاديات, ومن هنا كانت ضروره التنبيه علي عدم لزوم الربط بين القسم الاول في سوره التكوير:
فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس
والقسم الذي يليه في الايتين التاليتين مباشره حيث يقول الحق( تبارك وتعالي):
والليل اذا عسعس* والصبح اذا تنفس*
( التكوير:18,17)
وهو ما فعله غالبيه المفسرين للاسف الشديد, فانصرفوا عن الفهم الصحيح لمدلول هاتين الايتين الكريمتين.
ثالثا: تشهد الامور الكونيه المقسوم بها في القران الكريم للخالق( سبحانه وتعالي) بطلاقه القدره, وكمال الصنعه, وتمام الحكمه, وشمول العلم, ومن هنا فلابد لنا من اعاده النظر في مدلولاتها كلما اتسعت دائره المعرفه الانسانيه بالكون ومكوناته, وبالسنن الالهيه الحاكمه له حتي يتحقق وصف المصطفي( صلي الله عليه وسلم) للقران الكريم بانه: لا تنتهي عجائبه, ولا يخلق علي كثره الرد, وحتي يتحقق لنا جانب من ابرز جوانب الاعجاز في كتاب الله وهو ورود الايه او الايات في كلمات محدوده يري فيها اهل كل عصر معني معينا, وتظل هذه المعاني تتسع باتساع دائره المعرفه الانسانيه في تكامل لا يعرف التضاد, وليس هذا لغير كلام الله.
رابعا: بعد القسم بكل من الخنس الجوار الكنس والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس ياتي جواب القسم:
انه لقول رسول كريم( التكوير:19)
ومعني جواب القسم ان هذا القران الكريم ومنه الايات الوارده في مطلع سوره التكوير واصفه لاهوال القيامه, وما سوف يصاحبها من الاحداث والانقلابات الكونيه التي تفضي الي افناء الخلق, وتدمير الكون, ثم اعاده الخلق من جديد هو كلام الله الخالق الموحي به الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) بواسطه ملك من ملائكه السماء المقربين, عزيز علي الله( تعالي), وهذا الملك المبلغ عن الله الخالق هو جبريل الامين( عليه السلام), ونسبه القول اليه هو باعتبار قيامه بالتبليغ الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم).
خامسا: ان هذا القسم القراني العظيم جاء في سياق التاكيد علي حقيقه الوحي الالهي الخاتم الذي نزل الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي اله وصحبه اجمعين وعلي من تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين), والذي جاء للناس كافه لينقلهم من ظلمات الكفر والشرك والضلال الي نور التوحيد الخالص لله الخالق بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ومن فوضي وحشيه الانسان الي ضوابط الايمان وارتقائها بكل ملكات الانسان الي مقام التكريم الذي كرمه به الله, ومن جور الاديان الي عدل الرحمن, كما جاء هذا القسم الموكد بشيء من صفات الملك الذي حمل هذا الوحي الي خاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم), وعلي شيء من صفات هذا النبي الخاتم الذي تلقي الوحي من ربه, وحمله بامانه الي قومه, رغم معاندتهم له, وتشككهم فيه, وادعائهم الكاذب عليه( صلي الله عليه وسلم) تاره بالجنون( وهو المشهود له منهم برجاحه العقل وعظيم الخلق), واخري بان شيطانا يتنزل عليه بما يقول( وهو المعروف بينهم بالصادق الامين), وذلك انطلاقا من خيالهم المريض الذي صور لهم ان لكل شاعر شيطانا ياتيه بالنظم الفريد, وان لكل كاهن شيطانا ياتيه بالغيب البعيد. وقد تلقي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) كل ذلك الكفر والجحود والاضطهاد بصبر وجلد واحتساب حتي كتب الله تعالي له الغلبه والنصر فادي الامانه, وبلغ الرساله, ونصح البشريه, وجاهد في سبيل الله حتي اتاه اليقين.
وتختتم سوره التكوير بالتاكيد علي ان القران الكريم هو ذكر للعالمين وان جحود بعض الناس له, وصدهم عنه, وايمان البعض الاخر به وتمسكهم بهديه هي قضيه شاء الله تعالي ان يتركها لاختيار الناس وفقا لاراده كل منهم, مع الايمان بان هذه الاراده الانسانيه لا تخرج عن مشيئه الله الخالق الذي فطر الناس علي حب الايمان به, ومن عليهم بتنزل هدايته علي فتره من الرسل الذين تكاملت رسالاتهم في هذا الوحي الخاتم الذي نزل به جبريل الامين علي قلب النبي والرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم), وانه علي الرغم من كل ذلك فان احدا من الناس مهما اوتي من اسباب الذكاء والفطنه لا يقدر علي تحقيق الاستقامه علي منهج الله تعالي الا بتوفيق من الله. وهذه دعوه صريحه الي الناس كافه ليطلبوا الهدايه من رب العالمين في كل وقت وفي كل حين.
والقسم بالاشياء الوارده بالسوره هو للتاكيد علي اهميتها لاستقامه امور الكون وانتظام الحياه فيه, وعلي عظيم دلالاتها علي طلاقه القدره الالهيه التي ابدعتها وصرفت احوالها وحركاتها بهذه الدقه المبهره والاحكام العظيم.
الخنس الجوار الكنس في اللغه العربيه
جاء في معجم مقاييس اللغه لابن فارس( المتوفي سنه395 ه), تحقيق عبدالسلام هارون( الجزء الخامس, الطبعه الثانيه1972 م, ص141, ص223) وفي غيره من معاجم اللغه تعريف لغوي للفظي الخنس والكنس يحسن الاستهداء به في فهم مدلول الخنس الجوار الكنس كما جاءا في ايتي سوره التكوير علي النحو التالي:
اولا: الخنس:

خنس: الخاء والنون والسين اصل واحد يدل علي استخفاء وتستر, قالوا: الخنس الذهاب في خفيه, يقال خنست عنه, واخنست عنه حقه.
والخنس: النجوم تخنس في المغيب, وقال قوم: سميت بذلك لانها تخفي نهارا وتطلع ليلا, والخناس في صفه الشيطان, لانه يخنس اذا ذكر الله تعالي, ومن هذا الباب الخنس في الانف انحطاط القصبه, والبقر كلها خنس.
ومعني ذلك ان الخنس جمع خانس اي مختف عن البصر, والفعل خنس بمعني استخفي وتستر, يقال خنس الظبي اذا اختفي وتستر عن اعين المراقبين.
والخنوس ياتي ايضا بمعني التاخر, كما ياتي بمعني الانقباض والاستخفاء. وخنس بفلان وتخنس به اي غاب به, واخنسه اي خلفه ومضي عنه.
ثانيا: الجوار:
اي الجاريه.( في افلاكها) وهي جمع جاريه, من الجري وهو المر السريع.
ثالثا: الكنس:
( كنس) الكاف والنون والسين تشكل اصلين صحيحين, احدهما يدل علي سفر شئ عن وجه شئ وهو كشفه والاصل الاخر يدل علي استخفاء, فالاول كنس البيت, وهو سفر التراب عن وجه ارضه, والمكنسه اله الكنس, والكناسه مايكنس.
والاصل الاخر: الكناس: بيت الظبي, والكانس: الظبي يدخل كناسه, والكنس: الكواكب تكنس في بروجها كما تدخل الظباء في كناسها, قال ابو عبيده: تكنس في المغيب.
وقيل الكنس جمع كانس( اي قائم بالكنس) او مختف من كنس الظبي اي دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من اغصان الشجر, وسمي كذلك لانه يكنس الرمل حتي يصل اليه. وعندي ان الكنس هي صيغه منتهي الجموع للفظه كانس اي قائم بعمليه الكنس, وجمعها كانسون, او للفظه كناس وجمعها كناسون, والكانس والكناس هو الذي يقوم بعمليه الكنس( اي سفر شيء عن وجه شيء اخر, وازالته), لانه لا يعقل ان يكون المعني المقصود في الايه الكريمه للفظه الكنس هي المنزويه المختفيه وقد استوفي هذا المعني باللفظ الخنس, ولكن اخذ اللفظتين بنفس المعني دفع بجمهور المفسرين الي القول بان من معاني فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس*: اقسم قسما موكدا بالنجوم المضيئه التي تختفي بالنهار وتظهر بالليل وهو معني الخنس, والتي تجري في افلاكها لتختفي وتستتر وقت غروبها كما تستتر الظباء في كناسها( اي مغاراتها) وهو معني الجوار الكنس, قال القرطبي: هي النجوم تخنس بالنهار, وتظهر بالليل, وتكنس وقت غروبها اي تستتر كما تكنس الظباء في المغار وهو الكناس, وقال مخلوف: اقسم الله تعالي بالنجوم التي تخنس بالنهار اي يغيب ضووها فيه عن الابصار مع كونها فوق الافق, وتظهر بالليل, وتكنس اي تستتر وقت غروبها اي نزولها تحت الافق كما تكنس الظباء في كنسها.. وقال بعض المتاخرين من المفسرين: هي الكواكب التي تخنس اي ترجع في دورتها الفلكيه, وتجري في افلاكها وتختفي.
ومع جواز هذه المعاني كلها الا اني اري الوصف في هاتين الايتين الكريمتين: فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس*. ينطبق انطباقا كاملا مع حقيقه كونيه مبهره تمثل مرحله خطيره من مراحل حياه النجوم يسميها علماء الفلك اليوم باسم الثقوب السود
(Black Holes).
وهذه الحقيقه لم تكتشف الا في العقود المتاخره من القرن العشرين, وورودها في القران الكريم الذي انزل قبل الف واربعمائه سنه بهذه التعبيرات العلميه الدقيقه علي نبي امي( صلي الله عليه وسلم), في امه كانت غالبيتها الساحقه من الاميين, هي شهاده صدق علي ان القران الكريم هو كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته, وعلي ان سيدنا محمدا بن عبدالله كان موصولا بالوحي, معلما من قبل خالق السماوات والارض, وانه( صلي الله عليه وسلم) ما كان ينطق عن الهوي, ان هو الا وحي يوحي.
الخنس الجوار الكنس في نظر بعض الفلكيين المسلمين المعاصرين
يري بعض الفلكيين المسلمين المعاصرين في الوصف القراني: الخنس الجواري الكنس انه وصف للمذنبات
(Comets),
وهي اجرام سماويه ضئيله الكتله( لا تكاد تصل كتلتها الي واحد من المليون من كتله الارض) ولكنها مستطيله بذنبها الي ما قد يصل الي150 مليون كيلو متر مما يجعلها اكبر اجرام المجموعه الشمسيه, حيث تتحرك في مدارات حول الشمس, بيضاويه تقع الشمس في احد طرفيها ونحن نراها كلما اقتربت من الشمس, وهذه المدارات لا تتبع قوانين الجاذبيه بدقه, وتتميز بشئ من اللامركزيه, وبميل اكبر علي مستوي مدار الارض, مما يجعل المذنبات تظهر وتختفي بصوره دوريه علي فترات تطول وتقصر. والمذنبات تتكون اساسا من خليط من الثلج والغبار, وللمذنب راس وذنب, وللراس نواه يبلغ قطرها عده كيلو مترات قليله عباره عن كره من الثلج والغبار تحيط بها هاله من الغازات والغبار, وتحيط بالهاله سحابه من غاز الايدروجين قد يصل قطرها الي مليون كيلو متر.
والغبار المكون للمذنبات شبيه في تركيبه الكيميائي والمعدني بتركيب بعض النيازك, واما الثلج فهو خليط من ثلج كل من الماء, وثاني اكسيد الكربون, والامونيا, والميثين.
وبالتفاعل مع كل من اشعه الشمس والرياح الشمسيه يندفع من راس المذنب ذيل من الغازات والابخره والغبار قد يصل طوله الي150 مليون كيلو متر, ومن هنا كانت التسميه بالمذنبات, وللكثير من المذنبات ذيلان احدهما ترابي ويبدو اصفر اللون في اشعه الشمس, والاخر مكون من غازات متاينه في حاله البلازما( اليكترونات وايونات) ويبدو ازرق اللون في اشعه الشمس, والذنب الغازي يندفع بفعل الرياح الشمسيه في خط مستقيم خلف راس المذنب بينما ينعقف منثني الذنب الترابي بلطف خلف راس المذنب الي اعلي, وهذان الذنبان قد يتواجدان معا او يتواجد احدهما في المذنب الواحد, في عكس اتجاه اشعه الشمس بانحراف قليل نظرا لدوران نواه راس المذنب( التي تتراوح كتلتها بين مائه مليون, وعشره مليون مليون طن) وللمذنب مجال مغناطيسي ثابت علي طوله.
ووجه الشبه الذي استند اليه هذا النفر من الفلكيين المسلمين المعاصرين بين المذنبات والوصف القراني الخنس الجواري الكنس هو ان المذنب يقضي فتره تتراوح بين عده ايام وعده شهور مجاورا للشمس في زياره خاطفه, فيظهر لنا بوضوح وجلاء ولكنه يقضي معظم فتره دورانه بعيدا عن الشمس فيختفي عنا تماما ويستتر, فاذا ما اقترب من الشمس ظهر لنا وبان, ولكن سرعان ما يقفل راجعا حتي يختفي تماما عن الانظار, واعتبروا ذلك هو الخنوس, ولكن الوصف القراني بالخنس يعني الاختفاء الكامل, ولا يعني الظهور ثم الاختفاء.
(The Missing Mass in the universe)
ما هي الثقوب السود ؟:
يعرف الثقب الاسود بانه احد اجرام السماء التي تتميز بكثافتها الفائقه وجاذبيتها الشديده بحيث لا يمكن للماده ولا لمختلف صور الطاقه ومنها الضوء ان تفلت من اسرها, ويحد الثقب الاسود سطحا يعرف باسم افق الحدث
(The Event Horizon),
وكل ما يسقط داخل هذا الافق لا يمكنه الخروج منه, او ارسال ايه اشاره عبر حدوده.
وقد افادت الحسابات النظريه في الثلث الاول من القرن العشرين الي امكانيه وجود مثل هذه الاجرام السماويه ذات الكثافات الفائقه والجاذبيه الشديده[ كارل شفارز تشايلد1916 م, روبرت اوبنهاير
1934(Karl schwars child,1916 Robert oppenheimer,1934)
الا انها لم تكتشف الا في سنه1971, بعد اكتشاف النجوم النيوترونيه باربع سنوات ففي خريف سنه1967 م اعلن الفلكيان البريطانيان توني هيويش
(Tony Hewish)
وجوسلين بل
(Jocelyn Bell)
عن اكتشافهما لاجرام سماويه صغيره الحجم( باقطار في حدود16 كيلو متر) تدور حول محورها بسرعات مذهله بحيث تتم دورتها في فتره زمنيه تتراوح بين عدد قليل من الثواني الي اجزاء لاتكاد تدرك من الثانيه الواحده وتصدر موجات راديويه منتظمه اكدت ان تلك الاجرام هي نجوم نيوترونيه
(Neutron Stars)
ذات كثافه فائقه تبلغ بليون طن للسنتيمتر المكعب.
وفي سنه1971 م اكتشف علماء الفلك ان بعض النجوم العاديه تصدر وابلا من الاشعه السينيه, ولم يجدوا تفسيرا علميا لذلك الا وقوعها تحت تاثير اجرام سماويه غير مرئيه ذات كثافات خارقه للعاده, ومجالات جاذبيه عاليه الشده, وذلك لان النجوم العاديه ليس في مقدورها اصدار الاشعه السينيه من ذاتها, وقد سميت تلك النجوم الخفيه باسم الثقوب السود
(Black Holes),
وقد سميت بالثقوب لقدرتها الفائقه علي ابتلاع كل ما تمر به او يدخل في نطاق جاذبيتها من مختلف صور الماده والطاقه من مثل الغبار الكوني والغازات والاجرام السماويه المختلفه, ووصفت بالسواد لانها معتمه تماما لعدم قدره الضوء علي الافلات من مجال جاذبيتها علي الرغم من سرعته الفائقه المقدره بحوالي الثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه(299792,458 كم/ ث) وقد اعتبرت الثقوب السود مرحله الشيخوخه في حياه النجوم وهي المرحله التي قد تسبق انفجارها وعوده مادتها الي دخان السدم دون ان يستطيع العلماء حتي هذه اللحظه معرفه كيفيه حدوث ذلك.
كيف تتكون الثقوب السود؟
تعتبر الثقوب السود كما ذكرنا من قبل مرحله الشيخوخه في حياه النجوم, ولكي نفهم كيفيه تكونها لابد لنا من معرفه المراحل السابقه في حياه تلك النجوم.
والنجوم هي اجرام سماويه غازيه التركيب في غالبيتها, شديده الحراره, ملتهبه, مضيئه بذاتها, يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الذي يكون اكثر من74% من ماده الكون المنظور, والذي تتحد ذراته مع بعضها البعض في داخل النجوم بعمليه تعرف باسم الاندماج النووي
(Nuclear Fusion)
مطلقه الطاقه الهائله ومكونه عناصر اعلي في وزنها الذري من الايدورجين( اخف العناصر المعروفه لنا علي الاطلاق وابسطها من ناحيه البناء الذري ولذلك يوضع في الخانه رقم واحد في الجدول الدوري للعناصر التي يعرف منها اليوم105 عنصرا)و والنجوم تتخلق ابتداء من الغبار( الدخان) الكوني الذي يكون السدم, وينتشر في فسحه السماء ليملاها وتتكون النجوم في داخل السدم بفعل دوامات عاتيه تودي الي تجاذب الماده تثاقليا وتكثفها علي ذاتها حتي تتجمع الكتله اللازمه لتخليق النجم, وتبدا عمليه الاندماج النووي فيه, وتنطلق منه الطاقه وينبعث الضوء, وبعد الميلاد تمر النجوم بمراحل متتابعه من الطفوله فالشباب فالشيخوخه والهرم علي هيئه ثقب اسود يعتقد ان مصيره النهائي هو الانفجار والتحول الي الدخان مره اخري, وان كنا لا ندري حتي هذه اللحظه كيفيه حدوث ذلك, ومن المراحل المعروفه لنا في دوره حياه النجوم ما يعرف باسم نجوم النسق العادي
(Main Sequence Stars)
والعمالقه الحمر
(Red Giants),
والاقزام البيض
(White Dwarfs),
والاقزام السود
(Black Dwarfs)
والنجوم النيوترونيه
(Neutron Stars),
والثقوب السود
(Black Holes)
فعندما تبدا كميه الايدروجين بداخل النجم في التناقص نتيجه لعمليه الاندماج النووي, وتبدا كميه الهيليوم الناتجه عن تلك العمليه في التزايد تبدا طاقه النجم في الاضمحلال تدريجيا وترتفع درجه حراره قلب النجم الي عشره ملايين درجه كلفن( الصفر المئوي يساوي273 درجه كلفن) موديا بذلك الي بدء دوره جديده من عمليه الاندماج النووي والي انبعاث المزيد من الطاقه التي تودي الي مضاعفه حجم النجم الي مئات الاضعاف فيطلق عليه اسم العملاق الاحمر
(Red Giant),
وبتوالي عمليه الاندماج النووي ياخذ النجم في استهلاك طاقته دون امكانيه انتاج المزيد منها مما يودي الي تقلصه في الحجم وانهياره اما الي قزم ابيض
(White Dwarf)
او الي نجم نيوتروني
(Neutron Star)
او الي ثقب اسود
(Black Hole)
حسب كتلته الاصليه التي بدا تواجده بها.
فاذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم اقل من كتله الشمس فان الاليكترونات في ماده النجم تقاوم عمليه تقلصه ابتداء ثم تنهار هذه المقاومه ويبدا النجم في التقلص حتي يصل الي حجم اقل قليلا من حجم الارض, متحولا الي قزم ابيض, وهذه المرحله من مراحل حياه النجوم قد تتعرض لعدد من الانفجارات النوويه الهائله والتي تنتج عن تزايد الضغط في داخل النجم, وتسمي هذه المرحله باسم النجوم الجديده او النجوم المستجده
(Novae)
فاذا زاد تراكم الضغط في داخل القزم الابيض فانه ينفجر انفجارا كاملا محدثا نورا في السماء يقارب نور بليون شمس كشمسنا, وتسمي هذه المرحله باسم النجم المستعر الاعظم
(Supernova)
يفني علي اثرها القزم الابيض وتتحول مادته الي دخان, وتحدث هذه الظاهره مره واحده في كل قرن من الزمان لكل مجره تقريبا, ولكن مع الاعداد الهائله للمجرات في الجزء المدرك لنا من الكون فان هذه الظاهره تحدث في الكون المدرك مره كل ثانيه تقريبا.
اما اذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم اكبر من كتله الشمس فانه ينهار عند استهلاك طاقته متحولا الي نجم نيوتروني وفيه تتحد البروتونات والاليكترونات منتجه النيوترونات, وهذا النجم النيوتروني ينبض في حدود ثلاثين نبضه في الثانيه الواحده ومن هنا يعرف باسم النجم النابض
(Pulsating Star
او النابض
(Pulsar).
وهناك من النجوم النيوترونيه ما هو غير نابض
(Non-Pulsating Neutron Star)
وقد يستمر هذا النجم النيوتروني في الانهيار حتي يصل الي مرحله الثقب الاسود اذا كانت كتلته الابتدائيه تسمح بذلك فاذا كانت الكتله الابتدائيه للنجم تزيد علي كتله الشمس بمره ونصف المره تقريبا(1,4 قدر كتله الشمس) ولكنها تقل عن خمسه اضعاف كتله الشمس فان عمليه التقلص تنتهي به الي نجم نيوتروني لا يزيد قطره علي عشره كيلو مترات تقريبا, ويسمي بهذا الاسم لان الذي يقوم بعمليه مقاومه التقلص التثاقلي
(Gravitational Contraction)
فيه هي النيوترونات لان الاليكترونات في داخل كتله النجم تعجز عن ذلك.
اما اذا زادت الكتله الابتدائيه للنجم علي خمسه اضعاف كتله الشمس فلا يتمكن اي من الاليكترونات او النيوترونات من مقاومه عمليه التقلص التثاقلي للنجم فتستمرحتي يصل النجم الي مرحله الثقب الاسود, وهذه المرحله لا يمكن ادراكها بصوره مباشره, ولكن يمكن تحديد مواقعها بعدد من الملاحظات غير المباشره من مثل صدور موجات شديده من الاشعه السينيه من الاجرام الواقعه تحت تاثيرها, واختفاء كل الاجرام السماويه بمجرد الاقتراب من مجال جاذبيتها.
ومع ادراكنا لانتهاء حياه النجوم بالانفجار علي هيئه نجم مستعر او نجم مستعر اعظم, او بفقدانه للطبقات الخارجيه منه وتحوله الي ماده عظيمه الكثافه شديده الجاذبيه مثل النجوم النيوترونيه او الثقوب السود, الا ان طبيعه تلك الثقوب السود وطريقه فنائها تبقي معضله كبري امام كل من علماء الفلك والطبيعه الفلكيه, فحسب قوانين الفيزياء التقليديه لا يستطيع الثقب الاسود فقد اي قدر من كتلته مهما تضاءل, ولكن حسب قوانين فيزياء الكم فانه يتمكن من الاشعاع وفقدان كل من الطاقه والكتله وهي سنه الله الحاكمه في جميع خلقه, ولكن تبقي كيفيه تبخر ماده الثقب الاسود بغير جواب, وتبقي كتلته, وحجمه, وكثافته, وطبيعه كل من الماده والطاقه فيه, وشده حركته الزاويه, وشحناته الكهربيه والمغناطيسيه من الاسرار التي يكافح العلماء الي يومنا هذا من اجل استجلائها.
فسبحان الذي خلق النجوم وقدر لها مراحل حياتها...
وسبحان الذي اوصلها الي مرحله الثقب الاسود, وجعله من اسرارالكون المبهره...
وسبحان الذي اقسم بتلك النجوم المستتره, الحالكه السواد, الغارقه بالظلمه... وجعل لها من الظواهر مايعين الانسان علي ادراك وجودها علي الرغم من تسترها واختفائها, وسبحان الذي مكنها من كنس ماده السماء وابتلاعها وتكديسها, ثم وصفها لنا من قبل ان نكتشفها بقرون متطاوله بهذا الوصف القراني المعجز فقال( عز من قائل)
فلا اقسم بالخنس* الجوار الكنس.
ولا اجد وصفا لتلك المرحله من حياه النجوم المعروفه باسم الثقوب السود ابلغ من وصف الخالق( سبحانه وتعالي) لها بالخنس الكنس فهي خانسه اي دائمه الاختفاء والاستتار بذاتها, وهي كانسه لصفحه السماء, تبتلع كل ما تمربه من الماده المنتشره بين النجوم, وكل ما يدخل في نطاق جاذبيتها من اجرام السماء, وهي جاريه في افلاكها المحدده لها, فهي خنس جوار كنس وهو تعبير ابلغ بكثيرمن تعبير الثقوب السود الذي اشتهر وذاع بين المشتغلين بعلم الفلك..
ومن اصدق من الله قيلا
(النساء:122)
ومن العجيب ان العلماء الغربيين يسمون هذه الثقوب السود تسميه مجازيه عجيبه حين يسمونها بالمكانس العملاقه التي تبتلع( او تشفط) كل شيء يقترب منها الي داخلها:
(Giant Vaccum Cleanersthat Suckineverythinginsight)
وتبقي الثقوب السود صوره مصغره للجرم الاول الذي تجمعت فيه ماده الكون ثم انفجر ليتحول الي سحابه من الدخان, وان من هذا الدخان خلقت السموات والارض, وتتكرر العمليه اليوم امام انظار المراقبين من الفلكيين حيث تتخلق النجوم الابتدائيه من تركز الماده في داخل السدم عبر دوامات تركيز الماده
(Accretionwhirls)
او
(Accretion Vertigos)
ومنها تتكون النجوم الرئيسيه
(Main Sequeence Stars)
والتي قد تنفجر حسب كتلتها الي عمالقه حمر
(Red Giants)
او نجوم مستعره
(Novae)
او فوق مستعره
(Supernovae),
وقد يودي انفجار العمالقه الحمر الي تكون سدم كوكبيه
(Planetary Nebulae)
والتي تنتهي الي تكون الاقزام البيض
(White Dwarfs)
والتي تستمر في التبرد حتي تنتهي الي مايعرف باسم الاقزام السود
Black Dwarfs)
وهي من النجوم المنكدره, كما قد يودي انفجار فوق المستعرات الي تكون نجوم نيوترونيه نابضه او غير نابضه
(Non-Pulsating or Pulsating Neutron Stars or Pulsars)
او ثقوب سود
(Black Holes)
حسب كتلتها الابتدائيه, وقد تفقد الثقوب السود كتلتها الي دخان السماء عن طريق تبخر تلك الماده علي هيئه اشباه النجوم المرسله لموجات راديويه عبر مراحل متوسطه عديده
ثم تتفكك هذه لتعود مره اخري الي دخان السماء مباشره او عبر هيئه كهيئه السدم حتي تشهد لله الخالق بالقدره الفائقه علي انه وحده الذي يبدا الخلق ثم يعيده, وانه وحده علي كل شيء قدير. ومن المبهر حقا ان يشهد علماء الفلك بان90% من ماده الكون المنظور( ممثله بماده المجرات العاديه) هي مواد خفيه لا يمكن للانسان رويتها بطريقه مباشره, وان من هذه المواد الخفيه: الثقوب السود, والاقزام البنيه غير المدركه
(Undetected Brown Dwarfs),
والماده الداكنه
(Dark Matter)
واللبنات الاوليه للماده
(Subatomic Particles)
وغيرها, وان كتله الجزء المدرك من الكون تقدر باكثر من مائه ضعف الكتله الظاهره.
اما عن القسم التالي في السوره والذي يقول فيه الحق( تبارك وتعالي): والليل اذا عسعس والصبح اذا تنفس فهما قضيتان مستقلتان عن الخنس الجوار الكنس سنعرض لهما ان شاء الله تعالي في مقام اخر واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته الي يوم الدين.
-
13 والسماء ومابناها
في مطلع سوره الشمس يقسم ربنا( تبارك وتعالي) وهو الغني عن القسم بعدد من حقائق الكون وظواهره فيقول( عز من قائل):
والشمس وضحاها* والقمر اذا تلاها* والنهار اذا جلاها* والليل اذا يغشاها* والسماء وما بناها* والارض وما طحاها* ونفس وما سواها* فالهمها فجورها وتقواها*
(الشمس:1 8)
ثم ياتي جواب القسم صادعا, جازما بالقرار الالهي الذي منطوقه:
قد افلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
( الشمس:9:10)
وكثيرا ما يوجه القران الكريم الانظار الي التفكر في عمليه الخلق: خلق الكون بسماواته واراضيه, خلق الحياه بمختلف اشكالها, وخلق الانسان, بكل ما في جسده ونفسه من اسرار ومعجزات, وما صاحب ذلك كله من مظاهر وموجودات, وهي وان كانت من صفحات كتاب الله المنظور التي تشهد له( تعالي) بطلاقه القدره, وكمال الصنعه, وشمول العلم والاحاطه فهي توكد صدق كل ما جاء في القران الكريم لانه هو كتاب الله المقروء, في صفائه الرباني, واشراقاته النورانيه. وصدق اخباره في كل امر, وكيف لا وهو وحي السماء الخاتم الذي تعهد ربنا( تبارك وتعالي) بحفظه فحفظ بنفس لغه الوحي( اللغه العربيه), وبنفس تفاصيل الوحي الذي انزل بها سوره سوره, وايه ايه وكلمه كلمه وحرفا حرفا, تحقيقا للوعد الالهي الذي قطعه ربنا( سبحانه) علي ذاته العليه فقال( عز من قائل):
انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون
( الحجر:9)
وبقي هذا الوحي الخاتم ولانه الوحي الخاتم محفوظا بحفظ الله الخالق علي مدي اربعه عشر قرنا او يزيد, وسوف يبقي ان شاء الله( تعالي) بصفائه الرباني, وتمامه وكماله الي ان يرث الله( تعالي) الارض ومن عليها...!!!
وسوره الشمس مليئه بالاشارات الكونيه التي لا يتسع المقام لعرضها في مقال واحد, ولذا فسوف اركز في هذا المقال علي قسم واحد مما جاء في هذه السوره المباركه الا وهو: والسماء وما بناها( الشمس: الايه الخامسه)
وقبل البدء في ذلك اود ان اكرر ما اكدته مرارا من قبل ان القسم في القران الكريم ياتي من قبيل تنبيهنا الي اهميه الامر المقسوم به في استقامه الوجود, وانتظام حركه الحياه, لان الله( تعالي) غني عن القسم لعباده.
ما في اللغه العربيه:

الوحدات الرئيسيه في بناء الجزء المدرك من السماء الدنيا
تاتي ما في اللغه العربيه علي تسعه اوجه, اربعه منها اسماء, والخمسه الباقيه حروف.
والاسماء تاتي بمعني الذي, او للاستفهام, او للتعجب او تاتي للتعبير عن نكره يلزمها النعت.
والحروف تاتي نافيه بمعني( ليس), وتاتي جزائيه( مسلطه) اذا ادخل عليها اذ( اذما) او حيث( حيثما), وتاتي كذلك بصيغه اما و مهما, كما تاتي مع الفعل لتاويل المصدر( مصدريه) اي لتجعل ما بعدها بمنزله المصدر, وتاتي كافه عن العمل اذا دخلت عليها ان واخواتها ورب ونحو ذلك من مثل انما, كانما, ربما, قلما, طالما, كما تاتي غير كافه من مثل بما, وتاتي محذوفا منها الالف اذا ضم اليها حرف اخر من مثل لم, بم, عم, كما تاتي زائده لتوكيد اللفظ اذا دخلت عليها حروف اخري من مثل اذما, فاما, اما.
السماء في اللغه العربيه
السماء لغه اسم مشتق من السمو بمعني الارتفاع والعلو, تقول:( سما يسمو سموا فهو سام) بمعني علا يعلو علوا فهو عال او مرتفع, لان السين والميم والواو.. اصل يدل علي الارتفاع والعلو, يقال( سموت وسميت) بمعني علوت وعليت للتنويه بالرفعه والعلو, وعلي ذلك فان سماء كل شيء اعلاه, ولذلك قيل: كل ما علاك فاظلك فهو سماء.
ويقال فلان لا يسامي اي لا يباري, وقد علا من ساماه اي الذي باراه, وتساموا اي تباروا( في اكتساب المعالي عاده).
ولفظه السماء في العربيه تذكر وتونث( وان اعتبر تذكيرها شاذا), وجمعها سماوات, واسميه, وسماو, وسمي, وان كان اشهرها ذيوعا سماوات وهو ما جاء بالقران الكريم.
وانطلاقا من ذلك قيل لسقف البيت سماء لارتفاعه, وقيل للسحاب سماء لعلوه واستعير اللفظ للمطر بسبب نزوله من السحاب, وللعشب لارتباطه بنزول ماء السماء.
والسماء دينا هي كل ما يقابل الارض من الكون, والمراد بها ذلك العالم العلوي من حولنا والذي يضم الاجرام المختلفه من الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات, والنجوم والبروج, والسدم والمجرات, وغيرها من مختلف صور الماده والطاقه التي تملا الكون بصوره واضحه جليه, او مستتره خفيه.
وقد خلق الله( تعالي) السماء وهو خالق كل شيء ورفعها بغير عمد نراها, وجعل لها عمارا من الملائكه ومما لا نعلم من الخلق, وحرسها من كل شيطان مارد من الانس والجن, فهي محفوظه بحفظه( تعالي) الي ان يرث( سبحانه) هذا الكون بمن فيه وما فيه.
اراء المفسرين
في تفسير قوله( تعالي) والسماء وما بناها
قال المفسرون برايين يكمل احدهما الاخر, فقال ابن كثير( يرحمه الله): يحتمل ان تكون( ما) ها هنا مصدريه بمعني: والسماء وبنائها, وهو راي قتاده( رضي الله عنه), ويحتمل ان تكون بمعني( من) يعني: والسماء وبانيها, وهو قول مجاهد( رضي الله عنه), وكلاهما متلازم, والبناء هو الرفع... وقال صاحب الظلال( يرحمه الله):...( ما) هنا مصدريه, ولفظ السماء حين يذكر يسبق الي الذهن هذا الذي نراه فوقنا كالقبه حيثما اتجهنا, تتناثر فيه النجوم والكواكب السابحه في افلاكها ومداراتها, فاما حقيقه السماء فلا ندريها, وهذا الذي نراه فوقنا متماسكا لا يختل ولا يضطرب تتحقق فيه صفه البناء بثباته وتماسكه, اما كيف هو مبني, وما الذي يمسك اجزاءه فلا تتناثر وهو سابح في الفضاء الذي لا نعرف له اولا ولا اخرا... فذلك مالا ندريه....., انما نوقن من وراء كل شيء ان يد الله هي تمسك هذا البناء.....
وقال مخلوف( يرحمه الله):( والسماء ومابناها) اي ومن اوجدها وانشاها بقدرته واضاف: وايثار( ما) علي( من) لاراده الوصفيه تفخيما وتعظيما, كانه قيل:( والسماء والاله) القادر العظيم الذي بناها, وزاد بعد ذلك بقليل: وقيل ان( ما) في الايات الثلاث(5 7 من سوره الشمس) مصدريه, فيكون القسم ببناء السماء, وطحو الارض, وتسويه النفوس في الخلقه.
وقال الصابوني( امد الله في عمره):... اي واقسم بالقادر العظيم الذي بني السماء, واحكم بناءها بلا عمد واضاف: قال المفسرون( ما) اسم موصول بمعني( من), اي والسماء ومن بناها, والمراد به الله رب العالمين بدليل قوله بعده( فالهمها فجورها وتقواها), كانه قال: والقادر العظيم الشان الذي بناها, فدل بناوها واحكامها علي وجوده, وكمال قدرته....
وهذا هو عين الصواب لان القسم بالسماء وبخالقها العظيم يحوي قسما ببنائها المذهل في اتساعه, وتعدد اجرامه, واحكام تماسكه وترابط مختلف اجزائه علي الرغم من الطبيعه الدخانيه الغالبه عليه, وهذه الامور وغيرها مما يشهد لله الخالق( سبحانه وتعالي) بطلاقه القدره, وابداع الصنعه, وكمال العلم, وعظيم الحكمه, وبالتفرد بالالوهيه, والربوبيه, والوحدانيه فوق جميع خلقه, ومن هنا كان القسم بالسماء وبخالقها الاعظم وببنائها المذهل البديع...!!!
ثم يستمر السياق القراني بالقسم بالارض وبالذي طحاها مع روعه هذا الطحو والدحو, وبالنفس وبخالقها المبدع الذي سواها فالهمها فجورها وتقواها وجعلها علي هذا القدر من عظمه البناء وتعقيده, وكرمها من فضله وجوده, ومنحها الاراده الحره, وحريه الاختيار, ثم ياتي جواب القسم:
قد افلح من زكاها* وقد خاب من دساها.
بمعني ان كل من اجتهد في تزكيه نفسه, وتطهيرها, وتنميه الاستعدادات الفطريه للخير فيها, ومقاومه نوازع الشر المتداعيه بين جوانبها فقد فاز وافلح, ومن اهمل كل ذلك, وجافي هدايه ربه, واتبع شهوات نفسه, واطفا انوار الفطره الربانيه فيها فقد خاب وخسر, وذلك لان الله( تعالي) قد خلق الانسان من الطين بما لهذا الطين من حاجات وشهوات, ونفخ فيه من روحه ومالها من انوار. واشراقات, وغرس في الجبله الانسانيه حب الخيرات, وكراهيه المنكرات ومنح الانسان العقل ميزانا بين جميع الاتجاهات وانزل هدايته الربانيه نورا للانسان يفرق بين ما ينبغي ومالا ينبغي له ان يفعل, فمن اتبع الهدايه الربانيه, ونمي تلك الاشراقات الفطريه النورانيه في نفسه فقد فاز وافلح, ومن اتبع نفسه هواها, واغرقها في شهواتها فقد خاب وخسر, وهذا هو جواب القسم المفخم بالسماء وخالقها ومبدعها, وبروعه بنائها الذي اقسم به ربنا تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم ليوكد هذا القرار الذي انزله( سبحانه) من فوق سبع سماوات:
قد افلح من زكاها* وقد خاب من دساها*
فماذا تقول العلوم الكونيه في عظمه شيء واحد من المقسوم به في هذه الايه الكريمه الا وهي السماء؟ وقبل الجواب علي ذلك اعرض لمفهوم السماء في القران الكريم.
السماء في القران الكريم
جاءت لفظه السماء في القران الكريم في ثلاثمائه وعشره مواضع, منها مائه وعشرون بالافراد( السماء), ومائه وتسعون بالجمع( السماوات).
كذلك جاءت الاشاره الي السماوات والارض وما بينهما في عشرين موضعا من تلك المواضع( المائده:18,17),( الحجر:85),( مريم:65),( طه:6),( الانبياء:16),( الفرقان:59),( الشعراء:24),( الروم:8),( السجده:4),( الصافات:5),( ص:66,27,10),( الزخرف:85),( الدخان:38,7),( الاحقاف:3),( ق:38),( النبا:37).
وجاء ذكر السحاب المسخر بين السماء والارض في موضع واحد من الايه رقم164 في سوره البقره, والتي تشير الي ان القران الكريم يفصل بين السماء والارض بنطاق يضم السحاب, وهو ما يعرف بنطاق المناخ الذي لا يتعدي سمكه16 كيلو مترا فوق خط الاستواء, ويحوي اغلب ماده الغلاف الغازي للارض(75% بالكتله).
وعلي ذلك فان السماء في القران الكريم تشمل كل ما يحيط بالارض بدءا من نهايه نطاق المناخ الي نهايه الكون التي لا يعلمها الا الله, ويشير القران الكريم الي ان الله تعالي قد قسم السماء الي سبع سماوات, كما قسم الارض الي سبع ارضين فقال( تعالي):
الله الذي خلق سبع سماوات ومن الارض مثلهن يتنزل الامر بينهن لتعلموا ان الله علي كل شيء قدير وان الله قد احاط بكل شيء علما
(الطلاق:12)
وقال( سبحانه وتعالي):
الم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا, وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا
(نوح:16,15)
وقال( عز من قائل):
الذي خلق سبع سماوات طباقا...
( الملك:3)
ويتضح من هذه الايات بصفه عامه, ومن ايتي سوره نوح(16,15) بصفه خاصه ان السماوات السبع متطابقه حول مركز واحد, يغلف الخارج منها الداخل, والا ما كان جميع ما في السماء الدنيا واقعا في داخل باقي السماوات, فيكون كل من القمر والشمس وهما من اجرام السماء الدنيا واقعين في كل السماوات السبع.
وجاء ذكر السماوات السبع في سبع ايات قرانيه كريمه هي:[( الاسراء:44),( المومنون:86),( فصلت:12),( الطلاق:12),( الملك:3),( نوح:16,15),( النبا:12)].
كذلك جاءت الاشاره القرانيه الي سبع طرائق في الايه(17) من سوره( المومنون), واعتبرها عدد من المفسرين اشاره الي السماوات السبع, وان كان الاشتقاق اللفظي يحتمل غير ذلك.
ويشير القران الكريم الي ان النجوم والكواكب هي من خصائص السماء الدنيا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
انا زينا السماء الدنيا بزينه الكواكب
(الصافات:6)
وقوله( سبحانه وتعالي):
.... وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
(فصلت:12)
وقوله( عز من قائل):
ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح...
(الملك:5)
وفي زمن تفجر المعارف العلميه, والتطور المذهل للوسائل التقنيه الذي نعيشه لم يستطع الانسان ادراك سوي جزء صغير من السماء الدنيا, ولم يتجاوز ادراكه لذلك الجزء10% مما فيه...!!!
السماء في علوم الفلك
يقدر علماء الفلك قطر الجزء المدرك من الكون باكثر من اربعه وعشرين بليونا من السنين الضوئيه(24 بليون*9.5 مليون مليون كيلو متر), وهذا الجزء من السماء الدنيا دائم الاتساع الي نهايه لا يعلمها الا الله( تعالي), وبسرعات لا يمكن للانسان اللحاق بها, وذلك لان سرعه تباعد بعض المجرات عنا وعن بعضها بعضا تقترب من سرعه الضوء المقدره بنحو الثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه, وهذا الجزء المدرك من الكون مبني بدقه بالغه علي وتيره واحده, تبدا بتجمعات فلكيه حول النجوم كمجموعتنا الشمسيه التي تضم بالاضافه الي الشمس عددا من الكواكب والكويكبات, والاقمار والمذنبات التي تدور في مدارات محدده حول الشمس, وتنطوي امثال هذه المجموعه الشمسيه بملايين الملايين في مجموعات اكبر تعرف باسم المجرات, وتكون عشرات من المجرات المتقاربه ما يعرف باسم المجموعه المحليه, وتلتقي المجرات ومجموعاتها المحليه فيما يعرف باسم الحشود المجريه, وتنطوي تلك في تجمعات محليه للحشود المجريه, ثم في حشود مجريه عظمي, ثم في تجمعات محليه للحشود المجريه العظمي الي ما هو اكبر من ذلك الي نهايه لا يعلمها الا الله( سبحانه وتعالي).
شمسنا: هي عباره عن كتله غازيه ملتهبه, مشتعله, مضيئه بذاتها علي هيئه نجم عادي متوسط الحجم ومتوسط العمر. ويقدر نصف قطر الشمس بنحو سبعمائه الف كيلو متر(6.960*510 كم), وتقدر كتلتها بنحو الفي مليون مليون مليون مليون طن تقريبا(1.99*2710 طن), ويقدر متوسط كثافها بحوالي1.41 جرام للسنتيمتر المكعب, بينما تصل كثافه لبها الي90 جراما للسنتيمتر المكعب, وتتناقص الكثافه في اتجاه اكليل الشمس لتصل الي جزء من عشره ملايين من الجرام للسنتيمتر المكعب.
ويزيد حجم الشمس علي مليون مره قدر حجم الارض, كما تزيد كتلتها علي كتله الارض بنحو333.400 ضعف.
وتقدر درجه حراره سطح الشمس بنحو سته الاف(5800) درجه مطلقه, ودرجه حراره لبها بنحو15 مليون درجه مطلقه, بينما تصل درجه حراره هالتها( اكليلها) الي مليوني درجه مطلقه. وتتكون الشمس اساسا من غاز الايدروجين(70%), والهيليوم(28%) ومن نسب ضئيله من عدد من العناصر الاخري(2%). وتنتج الطاقه في الشمس( وفي اغلب النجوم) اساسا من تحول الايدروجين الي هيليوم بعمليه الاندماج النووي, وتستمر العمليه لانتاج اثار طفيفه من عناصر اعلي في وزنها الذري.
ونظرا للطبيعه الغازيه الغالبه للشمس فان دورانها حول محورها يتم بطريقه تفاضليه
(Differential Rotation),
وذلك لان قلب الشمس يدور كجسم صلب يتم دورته في36.5 يوم من ايامنا, بينما الكره الغازيه المحيطه بهذا القلب الشمسي( ويبلغ سمكها ثلثي نصف قطر الشمس) يتم دورته حول مركز الشمس في نحو24 يوما من ايامنا, وعلي ذلك فان متوسط سرعه دوران الشمس حول محورها يقدر بنحو27 يوما وثلث يوم من ايام الارض.
وتجري الشمس( ومعها مجموعتها) نحو نقطه محدده في كوكبه هرقل( كوكبه الجاثي) بالقرب من نجم النسر الواقع
(Vega)
بسرعه تقدر بنحو19.5 كيلو متر في الثانيه, وتسمي هذه النقطه باسم مستقر الشمس. وتجري المجموعه الشمسيه كذلك حول مركز مجرتنا( الدرب اللبني) بسرعه خطيه تقدر بنحو250 كيلومترا في الثانيه لتتم دورتها في نحو250 مليون سنه من سنينا.
مجموعتنا الشمسيه:
تضم مجموعتنا الشمسيه بالاضافه الي الشمس كواكب تسعه هي( قربا من الشمس الي الخارج): عطارد, الزهره, الارض, المريخ, المشتري, زحل, يورانوس, نبتيون, بلوتو, ثم مدارات المذنبات التي لم تعرف لها حدود, هذا بالاضافه الي عدد من التوابع( الاقمار) التي يقدر عددها بواحد وستين تدور حول بعض من هذه الكواكب, والاف الكويكبات المنتشره بين كل من المريخ والمشتري والتي يعتقد بانها بقايا لكوكب منفجر, والاف الشهب والنيازك, وكميات من الدخان( الغاز الحار والغبار).
والكواكب الاربعه الداخليه( عطارد, والزهره, والارض, والمريخ) هي كواكب صخريه, والكواكب الخارجيه( من المشتري الي بلوتو) هي كواكب غازيه تتكون من عدد من الغازات المتجمده علي هيئه جليد( من مثل بخار الماء ثاني اكسيد الكربون, الامونيا, الايدروجين والهيليوم) حول لب صخري ضئيل.
وكواكب المجموعه الشمسيه تدور كلها حول الشمس في اتجاه واحد, وفي مستوي واحد تقريبا ما عدا بلوتو, وذلك في مدارات شبه دائريه( اهليلجيه) بحيث تقع الشمس في احدي بورتيه, وابعد نقطه علي المدار يصل اليها الكوكب تسمي الاوج, واقرب نقطه تسمي الحضيض ومتوسط مجموعهما يمثل متوسط بعد الكوكب عن الشمس, كذلك تزداد سرعه الكوكب بقربه من الشمس وتقل ببعده عنها بحيث يمس الخط الوهمي الواصل بينه وبين الشمس مساحات متساويه في وحده الزمن.
وتقدر المسافه بين الارض والشمس بنحو المائه والخمسين مليون كيلو متر(149.6 مليون كم) وقد اعتبرت هذه المسافه وحده فلكيه دوليه واحده.
وتقدر المسافه بين الشمس واقرب كواكبها( عطارد) بنحو الثمانيه والخمسين مليونا من الكيلومترات(57.9 مليون كم), كما تقدر المسافه بين الشمس وابعد الكواكب المعروفه عنها( بلوتو) بنحو سته بلايين من الكيلومترات5913.5 مليون كم), ويلي مدار بلوتو الي الخارج سحابه ضخمه من المذنبات التي تدور حول الشمس في مدارات يقدر بعد بعضها عن الشمس باربعين الف وحده فلكيه( اي نحو سته تريليونات من الكيلومترات), ومن الممكن وجود مدارات حول الشمس ابعد من ذلك ولكنها لم تكتشف بعد, واذا كان امتداد المجموعه الشمسيه يعبر عنه بابعد مسافه نعرفها حول الشمس تتم فيها حركه مداريه حول هذا النجم فان مدار بلوتو لا يمكن ان يعبر عن حدود مجموعتنا الشمسيه, وعليه فاننا في زمن التقدم العلمي والتقني المذهل الذي نعيشه لم ندرك بعد حدود مجموعتنا الشمسيه...!!!
مجرتنا( مجره الدرب اللبني)
(The Milky Way Galaxy):
تنطوي مجموعتنا الشمسيه مع حشد هائل من النجوم يقدر بنحو التريليون( مليون مليون) نجم فيما يعرف باسم مجره الدرب او الطريق اللبني( درب اللبانه) علي هيئه قرص مفرطح يقدر قطره بنحو المائه الف سنه ضوئيه, ويقدر سمكه بعشر ذلك( اي حوالي العشره الاف سنه ضوئيه), وتقع مجموعتنا الشمسيه علي بعد يقدر بنحو الثلاثين الف سنه ضوئيه من مركزه, وعشرين الف سنه ضوئيه من اقرب اطرافه.
وتتجمع النجوم حول مركز المجره فيما يشبه النواه, وتلتوي الاجزاء الخارجيه من قرص المجره مكونه اذرعا لولبيه تعطي لمجرتنا هيئتها الحلزونيه, وترتبط النجوم في مجرتنا( وفي كل مجره) مع بعضها بعض بقوي الجاذبيه, مشكله نظاما يتحرك في السماء كجسم واحد وتتجمع النجوم في مجرتنا في ثلاث جمهرات نجميه
(Stellar populations)
علي النحو التالي:
(1) جمهره القرص الرقيق وتقع علي مستوي1155 سنه ضوئيه من مستوي المجره وتضم احدث النجوم عمرا بصفه عامه.
(2) جمهره القرص السميك; وتقع علي ارتفاع3300 سنه ضوئيه من مستوي المجره, وتضم نجوما متوسطه في العمر بصفه عامه.
(3) جمهره الهاله المجريه وتقع علي ارتفاع11.550 سنه ضوئيه من مستوي المجره وتضم اقدم نجوم مجرتنا عمرا بصفه عامه.
وتنتشر بين النجوم سحب دخانيه ساخنه يغلب علي تركيبها غاز الايدروجين الحامل للغبار علي هيئه هباءات متناهيه في الدقه من المواد الصلبه مكونه ما يعرف باسم الماده بين النجوم
(Interstellar Matter)
التي تمتص ضوء النجوم فتخفيها, ولذلك فان الراصد لمجرتنا من الارض لا يري بوضوح اكثر من15% من مجموع مكوناتها الا باستخدام المقربات( التليسكوبات) الراديويه.
ونواه مجرتنا تجر معها اذرعها اللولبيه التي قد ترتفع فوق مستوي النواه, والسحب الدخانيه في تلك الاذرع تتحرك بسرعات تتراوح بين الخمسين والمائه كيلو متر في الثانيه, وتتراكم هذه السرعات الخطيه علي سرعه دوران محوريه تقدر بنحو250 كيلو مترا في الثانيه دون ان تنفصل اذرع المجره عن نواتها بسبب التفاوت في سرعه الاجزاء المختلفه منها.
وهذا الدوران التفاضلي( التفاوتي) يودي الي تسارع الماده الدخانيه بين النجوم, ثم الي كبح سرعتها مما ينتج عنه تكثيفها بدرجه كبيره وبالتالي تهيئتها لتخلق النجوم الابتدائيه
(pro-or proro-stars)
التي تتطور الي ما بعد ذلك من مراحل.
ومن نجوم مجرتنا ما هو مفرد, وما هو مزدوج, وما هو عديد الافراد.
وتدور نجوم مجرتنا في حركه يمينيه اساسيه منتظمه حول مركز المجره في اتجاه القطر الاصغر لها, مع وجود الدوران التفاوتي لمختلف اجزائها.
ويحصي علماء الفلك في الجزء المدرك من السماء الدنيا مائتي الف مليون مجره علي الاقل بعضها اكبر من مجرتنا كثيرا, وبعضها الاخر اصغر قليلا, والمجرات عباره عن تجمعات نجميه مذهله في اعدادها, يتخللها الدخان الكوني بتركيز متفاوت في داخل المجره الواحده, والتي قد تضم عشرات البلايين الي بلايين البلايين من النجوم.
وتتباين المجرات في اشكالها كما تتباين في احجامها, وفي شده اضاءتها, فمنها الحلزوني, والبيضاني( الاهليلجي), وما هو غير محدد الشكل, ومنها ما هو شديد الاضاءه, وما يبدو علي هيئه نقاط باهته لا تكاد تدرك باكبر المناظير المقربه( المقاريب), وتقع اكثر المجرات ضياء في دائره عظمي تحيط بنا في اتجاه عمودي تقريبا علي مستوي مجرتنا. وتبلغ كتله الغازات في بعض المجرات ما يعادل كتله ما بها من نجوم وتوابعها, في حين ان كتله الغبار تقل عن ذلك بكثير, وكثافه الغازات في المجره تقدر بحوالي ذره واحده لكل سنتيمتر مكعب بينما يبلغ ذلك1910 ذره/سم3 في الغلاف الغازي للارض عند سطح البحر.
المجموعه المحليه
(The Local Group)
تحشد مجرتنا( درب اللبانه) في مجموعه من اكثر من عشرين مجره في تجمع يعرف باسم المجموعه المحليه للمجرات
(The Local Group of Galaxies)
يبلغ قطرها مليون فرسخ فلكي
(One Million Parsec)
( اي يساوي3,261,500 سنه ضوئيه=3,0856*1910 كيلومتر) وتحتوي المجموعه المحليه التي تتبعها مجرتنا علي ثلاث مجرات حلزونيه واربع مجرات غير محدده الشكل, واعداد من المجرات البيضانيه العملاقه والقزمه, وقد تحتوي علي عدد اكبر من المجرات الواقعه في ظل مجرتنا ومن هنا تصعب رويتها.
الحشود المجريه والحشود المجريه العظمي
(Galactic Clusters and Super clusters)
هناك حشود للمجرات اكبر من المجموعه المحليه من مثل, حشد مجرات برج العذراء
(The Virgo Cluster of Galaxies)
والذي يضم مئات المجرات من مختلف الانواع, ويبلغ طول قطره مليوني فرسخ فلكي اي اكثر من سته ملايين ونصف من السنين الضوئيه(6,523,000 سنه ضوئيه), ويبعد عنا عشره اضعاف تلك المسافه( اي عشرين مليون فرسخ فلكي). وهذه الحشود المجريه تصدر اشعه سينيه بصفه عامه, وتحوي فيما بينها دخانا توازي كتلته كتله التجمع المجري, وتتراوح درجه حرارته بين عشره ملايين ومائه مليون درجه مطلقه, ويحوي هذا الدخان الايدروجيني علي نسبا ضئيله من هباءات صلبه مكونه من بعض العناصر الثقيله بما في ذلك الحديد( بنسب تقترب مما هو موجود في شمسنا) مما يشير الي اندفاع تلك العناصر من قلوب نجوم متفجره وصلت فيها عمليه الاندماج النووي الي مرحله انتاج الحديد( المستعرات وما فوقها). وتحوي بعض الحشود المجريه اعدادا من المجرات قد يصل الي عشره الاف مجره, ويحصي علماء الفلك الافا من تلك الحشود المجريه, التي ينادي البعض منهم بتكدسها في حشود اكبر يسمونها باسم الحشود المجريه العظمي
(Galactic Super clusters).
وقد احصي الفلكيون منها الي اليوم اعدادا كبيره علي بعد مليوني سنه ضوئيه منا.
ويعتقد ان المجموعه المحليه التي تنتمي اليها مجرتنا( درب اللبانه), والحشود المجريه المحيطه بها من مثل حشد مجرات برج العذراء تكون تجمعا اكبر يعرف باسم الحشد المجري المحلي الاعظم
(The Local Galactic Super cluster)
يضم قرابه المائه من الحشود المجريه علي هيئه قرص واحد يبلغ قطره مائه مليون من السنين الضوئيه, ويبلغ سمكه عشر ذلك( اي عشره ملايين من السنين الضوئيه) وهي نفس نسبه سمك مجرتنا( درب اللبانه) الي طول قطرها, فسبحان الذي بني السماء علي نمط واحد بهذا الانتظام الدقيق!!!
وتبدو الحشود المجريه والحشود المجريه العظمي علي هيئه كرويه تدرس في شرائح مقطعيه تكون ابعادها في حدود(150*100*15) سنه ضوئيه, واكبر هذه الشرائح ويسمي مجازا باسم الحائط العظيم
(The Great Wall)
يزيد طوله علي250 مليون سنه ضوئيه.
وقد تم الكشف اخيرا عن حوالي المائه من الحشود المجريه العظمي التي تكون حشدا اعظم علي هيئه قرص يبلغ طول قطره2 بليون سنه ضوئيه, وسمكه مائتي مليون سنهضوئيه, ويعتقد عدد من الفلكيين المعاصرين بان في الجزء المدرك من الكون تجمعات اكبر من ذلك.
والنجوم في مختلف تجمعاتها وحشودها, وعلي مختلف هيئاتها ومراحل نموها تمثل افرانا كونيه يخلق الله( تعالي) فيها مختلف صور الماده والطاقه اللازمه لبناء الجزء المدرك من الكون.
وبالاضافه الي النجوم وتوابعها المختلفه هناك السدم
(Nebulae)
علي تعدد اشكالها وانواعها, وهناك الماده بين النجوم
(Inter-Stellar Matter),
وهناك الماده الداكنه
(Dark Matter),
وغير ذلك من مكونات الكون المدرك, والمحسوس منها وغير المحسوس من مختلف صور الماده والطاقه المدسوسه في ظلمه الكون.
ويقدر الفلكيون كتله الجزء المدرك من السماء الدنيا بمائه ضعف كتله الماده والطاقه والاجرام المرئيه والمحسوسه فيه, بمعني اننا في زمن تفجر المعرفه الذي نعيشه لا ندرك الا اقل من عشره في المائه فقط من الجزء الذي وصل اليه علمنا من السماء الدنيا وسبحان الذي انزل من قبل الف واربعمائه سنه قوله الحق:
لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
وقوله الحق:
وما اوتيتم من العلم الا قليلا*
( الاسراء:85)
ومن هنا تتضح اهميه القسم بالسماء وما بناها في الايه الخامسه من سوره الشمس, هذا القسم التفخيمي الذي جاء تعظيما لشان السماء وتقديسا لخالقها, وتنبيها لنا للتفكر في عظم اتساعها, ودقه بنائها, وانضباط حركتها, واحكام كل امر من امورها, والاعجاز في خلقها, وهي قضايا لم يدركها الانسان بشيء من النفصيل الا منذ عشرات قليله من السنين, وورود القسم بها في كتاب الله, مما يشهد للقران الكريم بانه كلام الله الخالق, ويشهد لخاتم الانبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم اجمعين) بانه كان موصولا بالوحي ومعلما من قبل خالق السماوات والارض. وذلك مما يزيد المومنين تثبيتا علي ايمانهم, ويدعو غيرهم من المشركين والكفار الي الايمان بالله الخالق, وطاعته وعبادته وحده بغير شريك ولا شبيه ولا منازع, ففي ذلك النجاه والنجاح في الدنيا والاخره, ولا نجاه ولا نجاح في غير ذلك, وان كانت السماء شاسعه الاتساع, دقيقه البناء, ومنضبطه الحركه فهي شاهده علي عظمه الله خالقها وخالق كل شيء سبحانه وتعالي...!!!
من هنا كان قسم الله( تعالي) بالسماء وهو الغني عن القسم وكان التاكيد القراني علي عظم شانها في عدد غير قليل من ايات القران الكريم نختار منها قول الحق( تبارك وتعالي):
(1) وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين*..
(الانبياء:16)
(2) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا*
(الفرقان:61)
(3) وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار*
( ص:27)
(4) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس.... لايات لقوم يعقلون*
( البقره:164)
(5) ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب*
( ال عمران:190)
(6) وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق....*
( الانعام:73)
(7) وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما الا بالحق...*
(الحجر:85)!
(8) اولم يتفكروا في انفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما الا بالحق واجل مسمي....*
( الروم:8)
(9) ومن اياته خلق السمارات والارض...*
(الروم:22)( الشوري:29)
(10) لخلق السماوات والارض اكبر من خلق الناس ولكن اكثر الناس لا يعلمون*
( غافر:57)
(11) وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين* ما خلقناهما الا بالحق ولكن اكثرهم لا يعلمون*
( الدخان:38 و39)
(12) ان في السماوات والارض لايات للمومنين*( الجاثيه:3)
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين, وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات