موقف المفسرين من الايات الكونيه في القران الكريم2

حرص كثير من علماء المسلمين, علي الا يتم تاويل الاشارات العلميه, الوارده في القران الكريم الا في ضوء الحقائق العلميه الموكده من القوانين والقواعد الثابته, اما الفروض والنظريات فلا يجوز تخديمها في فهم ذلك وحتي هذا الموقف نعتبره تحفظا مبالغا فيه, فكما يختلف دارسو القران الكريم في فهم بعض الدلالات اللفظيه, والصور البيانيه, وغيرها من القضايا اللغويه ولا يجدون حرجا في ذلك العمل الذي يقومون به في غيبه نص ثابت ماثور, فاننا نري انه لا حرج علي الاطلاق في فهم الاشارات الكونيه الوارده بالقران الكريم علي ضوء المعارف العلميه المتاحه, حتي ولو لم تكن تلك المعارف قد ارتقت الي مستوي الحقائق الثابته, وذلك لان التفسير يبقي جهدا بشريا خالصا بكل ما للبشر من صفات القصور, والنقص, وحدود القدره, ثم ان العلماء التجريبيين قد يجمعون علي نظريه ما. لها من الشواهد ما يويدها, وان لم ترق بعد الي مرتبه القاعده او القانون, وقد لا يكون امام العلماء من مخرج للوصول بها الي ذلك المستوي ابدا, فمن امور الكون العديده مالا سبيل للعلماء التجريبيين من الوصول فيها الي حقيقه ابدا, ولكن قد يتجمع لديهم من الشواهد مايمكن ان يعين علي بلوره نظريه من النظريات, ويبقي العلم التجريبي مسلما بانه لا يستطيع ان يتعدي تلك المرحله في ذلك المجال بعينه ابدا, والامثله علي ذلك كثيره منها النظريات المفسره لاصل الكون واصل الحياه واصل الانسان, وقد مرت بمراحل متعدده من الفروض العلميه حتي وصلت اليوم الي عدد محدود من النظريات المقبوله, ولا يتخيل العلماء انهم سيصلون في يوم من الايام الي اكثر من تفضيل لنظريه علي اخري, او تطوير لنظريه عن اخري, او وضع لنظريه جديده, دون الادعاء بالوصول الي قانون قطعي, او قاعده ثابته لذلك, فهذه مجالات اذا دخلها الانسان بغير هدايه ربانيه فانه يضل فيها ضلالا بعيدا, وصدق الله العظيم اذ يقول:
ما اشهدتهم خلق السماوات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا.( الكهف51)

وذلك لانه علي الرغم من ان العلماء التجريبيين يستقرئون حقائق الكون بالمشاهده والاستنتاج, او بالتجربه والملاحظه والاستنتاج, في عمليات قابله للتكرار والاعاده, الا ان من امور الكون مالا يمكن اخضاعه لذلك من مثل قضايا الخلق: خلق الكون, وخلق الحياه وخلق الانسان. وهي قضايا لا يمكن للانسان ان يصل فيها الي تصور صحيح ابدا بغير هدايه ربانيه, ولولا الثبات في سنن الله التي تحكم الكون ومافيه ما تمكن الانسان من اكتشافها,... ولا يظن عاقل ان البشر مطالبون بما هو فوق طاقاتهم خاصه في فهم كتاب الله الذي انزل لهم, ويسر لتذكرهم لقول الحق تبارك وتعالي:
(ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر)( القمر: الايات40,32,22,17)
ففي الوقت الذي يقرر القران الكريم فيه ان الله لم يشهد الناس خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم, نجده في ايات اخر يامرهم بالنظر في كيفيه بدايه الخلق, وهي من اصعب قضايا العلوم الكونيه البحته منها والتطبيقيه قاطبه اذ يقول( عز من قائل:

(او لم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده ان ذلك علي الله يسير* قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدا الخلق ثم الله ينشيء النشاه الاخره ان الله علي كل شيء قدير)( العنكبوت:20,19)
مما يشير الي ان بالارض سجلا حافلا بالحقائق التي يمكن ان يستدل منها علي كيفيه الخلق الاول, وعلي امكانيه النشاه الاخره, والامر في الايه من الله تعالي الي رسوله الكريم ليدع الناس كافه الي السير في الارض, واستخلاص العبره من فهم كيفيه ا لخلق الاول, وهي قضيه تقع من العلوم الكونيه( البحته والتطبيقيه) في الصميم, ان لم تكن تشكل اصعب قضيه علميه عالجها الانسان.
وهذه القضايا: قضايا الخلق وافنائه واعاده خلقه لها في كتاب الله وفي سنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) من الاشارات اللطيفه مايمكن الانسان المسلم من تفضيل نظريه من النظريات او فرض من الفروض والارتقاء بها او به الي مقام الحقيقه لمجرد ورود ذكر لها او له في كتاب الله او في سنه رسوله( صلي الله عليه وسلم) ونكون بذلك قد انتصرنا بالقران الكريم والسنه النبويه المطهره للعلم وليس العكس.

وعلي ذلك فاني اري جواز فهم الاشارات العلميه الوارده بالقران الكريم علي اساس من الحقائق العلميه الثابته اولا, فان لم تتوافر فبالنظريه السائده, فان لم تتوافر فبالفرض العلمي المنطقي المقبول, حتي لو ادي التطور العلمي في المستقبل الي تغيير تلك النظريه, او ذلك الفرض او تطويرهما او تعديلهما, لان التفسير كما سبق ان اشرت يبقي اجتهادا بشريا خالصا من اجل حسن فهم دلاله الايه القرانيه ان اصاب فيه المرء فله اجران وان اخطا فله اجر واحد, ويبقي هذا الاجتهاد, قابلا للزياده والنقصان, وللنقد والتعديل والتبديل.
الرد علي القائلين بعدم جواز رويه كلام الله في اطار محاولات البشر
ان في كون القران الكريم بيانا من الله تعالي الي الناس كافه, يفرض علي المتخصصين من ابناء المسلمين ان يفهموه كل في حقل تخصصه علي ضوء ماتجمع له من معارف بتوظيف مناهج الاستقراء الدقيقه, فالقران نزل للناس ليفهموه وليتدبروا اياته. ثم ان تاويل ايات الكونيات علي ضوء من معطيات العلوم التجريبيه لا يشكل احتجاجا علي القران بالمعارف المكتسبه, ولا انتصارا له بها, فالقران بالقطع فوق ذلك كله, ولان التاويل علي اساس من المعطيات العلميه الحديثه يبقي محاوله بشريه للفهم في اطار لم يكن متوفرا للناس من قبل, ولا يمكن ان تكون محاولات البشر لفهم القران الكريم حجه علي كتاب الله, سواء اصابت ام اخطات تلك المحاولات, والا لما حفل القران الكريم بهذا الحشد الهائل, من الايات التي تحض علي استخدام كل الحواس البشريه للنظر في مختلف جنبات الكون بمنهج علمي استقرائي دقيق. وذلك لان الله تعالي قد جعل السنن الكونيه علي قدر من الثبات والاطراد يمكن حواس الانسان المتامل لها, المتفكر فيها, المتدبر لتفاصيلها من ادراك اسرارها( علي الرغم من حدود قدرات تلك الحواس), ويعين عقله علي فهمها( علي الرغم من حدود قدرات ذلك العقل),

وربما كان هذا هو المقصود من ايات التسخير التي يزخر بها القران الكريم, ويمن علينا ربنا تبارك وتعالي وهو صاحب الفضل والمنه بهذا التسخير الذي هو من اعظم نعمه علينا نحن العباد.
ومن اروع مايدركه الانسان المتامل في الكون كثره الادله الماديه الملموسه علي كل حدث وقع في الكون صغر ام كبر, ادله مدونه في صفحه الكون وفي صخور الارض بصوره يمكن لحواس الانسان ولعقله ادراكها لو اتبع المنهج العلمي الاستقرائي الصحيح, فما من انفجار حدث في صفحه الكون الا وهو مدون, ومامن نجم توهج او خمد الا وله اثر, وما من هزه ارضيه او ثوره بركانيه او حركه بانيه للجبال الا وهي مسجله في صخور القشره الارضيه, وما من تغير في تركيب الغلاف الغازي او المائي للارض الا وهو مدون في صخور الارض, ومامن تقدم للبحار او انحسار لها, ولا تغير في المناخ الا وهو مدون كذلك في صخور الارض, ومامن هبوط نيازك او اشعه كونيه علي الارض الا وهو مسجل. في صخورها. ومن هنا فان الدعوه القرانيه للتامل في الكون واستخلاص سنن الله فيه وتوظيف تلك السنن في عماره الارض والقيام بواجب الاستخلاف فيها هي دعوه للناس في كل زمان ومكان, وهي دعوه لا تتوقف ولا تتخلف ولا تتعطل انطلاقا من الحقيقه الواقعه انه مهما اتسعت دائره المعرفه الانسانيه فان القران الكريم يبقي دوما مهيمنا عليها, محيطا بها لانه كلام الله الخالق الذي ابدع هذا الكون بعلمه وقدرته وحكمته, والذي هو ادري بصنعته من كل من هم سواه.

وعلي ذلك فان مقابله كلام الله بمحاوله البشر لتفسيره واثبات جوانب الاعجاز فيه لا تنتقص من جلال الربوبيه الذي يتلالا بين كلمات هذا البيان الرباني الخالص, وانما تزيد المومنين ثباتا علي ايمانهم, وتقيم الحجه علي الجاحدين من الكفار والمشركين, وحتي لو اخطا المفسر في فهم دلاله ايه من ايات القران الكريم فان هذا الخطا يعد علي المفسر نفسه ولا ينسحب علي جلال كلام الله ابدا, والذين فسروا باللغه اصابوا واخطاوا, وكذلك الذين فسروا بالتاريخ, فليحاول العلماء التجريبيون تفسير الايات الكونيه بما تجمع لديهم من معارف لان تلك الايات لا يمكن فهم دلالاتها فهما كاملا, ولا استقراء جوانب الاعجاز فيها في حدود اطرها اللغويه وحدها.

الرد علي المدعين
بكفر الكتابات العلميه المعاصره
ان الاحتجاج بان العلوم التجريبيه في ظل الحضاره الماديه المعاصره تنطلق في معظمها من منطلقات ماديه بحته, تنكر او تتجاهل الغيب, ولا تومن بالله, وان للكثيرين من المشتغلين بالعلوم مواقف عدائيه واضحه من قضيه الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر, فمرده بعيد عن طبيعه العلوم الكونيه, وانما يرجع ذلك الي العقائد الفاسده التي افرزتها الحضاره الماديه المعاصره, والتي تحاول فرضها علي كل استنتاج علمي كلي, وعلي كل رويه شامله للكون والحياه, في وقت حققت فيه قفزات. هائله في مجال العلوم الكونيه البحته منها والتطبيقيه, بينما تخلف المسلمون في كل امر من امور الحياه بصفه عامه, وفي مجال العلوم والتقنيه بصفه خاصه, مما ادي الي انتقال القياده الفكريه في هذه المجالات علي وجه الخصوص الي امم سبق للعلماء فيها ان عانوا معاناه شديده من تسلط الكنيسه عليهم, واضطهادها لهم, ورفضها للمنهج العلمي ولكل معطياته ووقوفها حجر عثره في وجه اي تقدم علمي, كما حدث في اوروبا في اوائل عصر النهضه. فانطلق العلماء الغربيون من منطلق العداوه للكنيسه اولا ثم لقضيه الايمان بالتبعيه, وداروا بالعلوم الكونيه ومعطياتها في اطارها المادي فقط, وبرعوا في ذلك براعه ملحوظه, ولكنهم ضلوا السبيل وتنكبوه حينما حبسوا انفسهم في اطار الماده, ولم يتمكنوا من ادراك ما فوقها, او منعوا انفسهم من التفكير فيه, فاصبحت الغالبيه العظمي من العلوم تكتب من مفهوم مادي صرف, وانتقلت عدوي ذلك الي عالمنا المسلم اثناء مرحله اللهث وراء اللحاق بالركب التي نعيشها وما صاحب ذلك من مركبات الشعور بالنقص, او نتيجه لدس الاعداء, وانبهار البلهاء بما حققته الحضاره الماديه المعاصره من انتصارات في مجال العلوم البحته والتطبيقيه, وما وصلت اليه من اسباب القوه والغلبه, وما حملته معها حركه الترجمه من غث وسمين, فاصبحت العلوم تكتب اليوم في عالمنا المعاصر من نفس المنطلق لانها عاده ماتدرس وتكتب وتنشر بلغات اجنبيه علي نفس النمط الذي ارست قواعده الحضاره الماديه, وحتي ماينشر منها باللغه العربيه, او بغيرها من اللغات المحليه, لا يكاد يخرج في مجموعه عن كونه ترجمه مباشره او غير مباشره للفكر الغريب الوافد بكل مافيه من تعارض واضح احيانا مع نصوص الدين, وهنا تقتضي الامانه اثبات ان ذلك الموقف غريب علي العلم وحقائقه ومن هنا ايضا كان من واجب المسلمين اعاده التاصيل الاسلامي للمعارف العلميه اي اعاده كتابه العلوم بل والمعارف المكتسبه كلها من منطلق اسلامي صحيح خاصه ان المعطيات الكليه للعلوم البحته والتطبيقيه بعد وصولها الي قدر من التكامل في هذا العصر اصبحت من اقوي الادله علي وجود الله وعلي تفرده بالالوهيه والربوبيه وبكامل الاسماء و,الصفات, وانصع الشواهد علي حقيقه الخلق وحتميه البعث وضروره الحساب وان العلوم الكونيه كانت ولا تزال النافذه الرئيسيه التي تتصل منها الحضاره المعاصره بالفطره الربانيه وان المنهج العلمي ونجاحه في الكشف عن عدد من حقائق هذا الكون متوقف علي اتساق تلك الفطره واتصاف سننها بالاطراد والثبات.

الرد علي الادعاء بالتعارض
بين معطيات العلم والدين
ان القول بان عددا من المعطيات الكليه للعلوم التجريبيه كما تصاغ في الحضاره الماديه المعاصره قد تتباين مع الاصول الاسلاميه الثابته قول علي اطلاقه غير صحيح لانه اذا جاز ذلك في بعض الاستنتاجات الجزئيه الخاطئه, او في بعض الاوقات كما كان الحال في مطلع هذا القرن, والمعرفه بالكون جزئيه متناثره, ساذجه بسيطه, او في الجزء المتاخر منه عندما ادت المبالغه في التخصص الي حصر العلماء في دوائر ضيقه للغايه حجبت عنهم الرويه الكليه لمعطيات العلوم, فانه لا يجوز:اليوم حين بلغت المعارف باشياء هذا الكون حدا لم تبلغه البشريه من قبل وقد اصبحت الاستنتاجات الكليه لتلك المعارف توكد ضروره الايمان بالخالق الباريء المصور الذي ليس كمثله شيء, وعلي ضروره التسليم بالغيب وبالوحي وبالبعث وبالحساب, فمن المعطيات الكليه للعلوم الكونيه المعاصره ما يمكن ايجازه فيما يلي:
ان هذا الكون الذي نحيا فيه متناه في ابعاده مذهل في دقه بنائه, مذهل في احكام ترابطه وانتظام حركاته.

ان هذا الكون مبني علي نفس النظام من ادق دقائقه الي اكبر وحداته.
ان هذا الكون دائم الاتساع الي نهايه لا يستطيع العلم المكتسب ادراكها.
ان هذا الكون علي قدمه مستحدث مخلوق, كانت له في الماضي السحيق بدايه حاول العلم التجريبي قياسها, ووصل فيها الي دلالات تكاد تكون ثابته لو استبعدنا الاخطاء التجريبيه.

ان هذا الكون عارض اي انه لابد ان ستكون له في يوم من الايام نهايه تشير اليها كل الظواهر الكونيه من حولنا.
ان هذا الكون المادي لا يمكن ان يكون قد اوجد نفسه بنفسه ولا يمكن لاي من مكوناته الماديه ان تكون قد اوجدته.
ان هذا الكون المتناهي الابعاد. الدائم الاتساع, المحكم البناء, الدقيق الحركه والنظام الذي يدور كل ما فيه في مدارات محدده وبسرعات مذهله متفاوته وثابته لا يمكن ان يكون قد وجد بمحض المصادفه.

هذه المعطيات السابقه تفضي الي حقيقه منطقيه واحده موداها انه اذا كان هذا الكون الحادث لا يمكن ان يكون قد وجد بمحض المصادفه. فلابد له من موجد عظيم له من العلم والقدره والحكمه وغير ذلك من صفات الكمال والتنزيه ما لا يتوافر لشيء من خلقه بل ما يغاير صفات المخلوقات جميعا فلا تحده. حدود المكان ولا الزمان ولا قوالب الماده او الطاقه, ولا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ولا ينسحب عليه ما يحكم خلقه من سنن وقوانين, لانه( سبحانه وتعالي)
( ليس كمثله شيء)( الشوري:11)
هذا الخالق العظيم الذي اوجد الكون بما فيه ومن فيه هو وحده الذي يملك القدره علي ازالته وافنائه ثم اعاده خلقه وقتما شاء وكيفما شاء:
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب, كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين.( الانبياء: ايه104)
انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون( النحل:40)

ان الوحده في هذا الكون تشير الي وحدانيه هذا الخالق العظيم, وحده بناء كل من الذره والخليه الحيه والمجموعه الشمسيه والمجره وغيرها, ووحده تاصيل العناصر كلها وردها الي ابسطها وهو غاز الايدروجين, ووحده تواصل كل صور الطاقه, وتواصل الماده والطاقه, وتواصل المخلوقات, هذا التواصل وتلك الوحده التي يميزها التنوع في ازواج, وتلك الزوجيه التي تنتظم كل صور المخلوقات من الاحياء والجمادات تشهد بتفرد الخالق الباريء المصور بالوحدانيه, واستعلاء هذا الخالق الواحد الاحد الفرد الصمد فوق خلقه بمقام الالوهيه والربوبيه الذي لا يشاركه فيه احد ولا ينازعه علي سلطانه منازع ولا يشبهه من خلقه شيء
ان العلوم التجريبيه في تعاملها مع المدرك المحسوس فقط, قد استطاعت ان تتوصل الي ان بالكون غيبا قد لا يستطيع الانسان ان يشق حجبه, ولولا ذلك الغيب ما استمرت تلك العلوم في التطور والنماء, لان اكبر الاكتشافات العلميه قد نمت نتيجه للبحث الدءوب عن هذا الغيب.
توكد العلوم التجريبيه ان بالاحياء سرا لا نعرف كنهه, لاننا نعلم مكونات الخليه الحيه, والتركيب المادي لجسد الانسان, ومع ذلك لم يستطع هذا العلم ان يصنع لنا خليه حيه واحده, او ان يوجد لنا انسانا عن غير الطريق الفطري لا يجاده.
ان النظر في اي من زوايا هذا الكون ليوكد حاجته بمن فيه وما فيه الي رعايه خالقه العظيم في كل لحظه من لحظات وجوده

ان العلوم الكونيه اذ تقدر ان الكون والانسان في شكليهما الحاليين ليسا ابديين, فانها وعلي غير قصد منها لتوكد حقيقه الاخره, بل وعلي حتميتها, والموت يتراءي في مختلف جنبات هذا الكون في كل لحظه من لحظات وجوده, شاملا الانسان والحيوان والنبات والجماد واجرام السماء علي تباين هيئاتها, وتكفي في ذلك الاشاره الي ما اثبتته المشاهده من ان الشمس تفقد من كتلتها بالاشعاع ما يقدر بحوالي4,6 مليون طن في كل ثانيه وانها اذ تستمر في ذلك فلابد من ان ياتي الوقت الذي تخبو فيه جذوتها, وينطفيء اوراها, وتنتهي الحياه علي الارض قبل ذلك, لاعتمادها في ممارسه انشطتها الحيويه علي اشعه الشمس وان الطاقه تنتقل من الاجسام الحاره الي الاجسام الاقل حراره بطريقه مستمره في محاوله لتساوي درجات حراره الاجرام المختلفه في الكون ولابد ان تنتهي بذلك او قبله كل صور الحياه المعروفه لنا, وليس معني ذلك انه يمكن معرفه متي تكون نهايه هذا الوجود, لان الاخره قرار الهي لا يرتبط بسنن الدنيا, وان ابقي الله تعالي لنا في الدنيا من الظواهر والسنن ما يوكد امكانيه وقوع الاخره, بل حتميتها انصياعا للامر الالهي كن فيكون وان الانسان الذي يحوي جسده في المتوسط الف مليون مليون خليه يفقد فيها في كل ثانيه ما يقدر بحوالي125 مليون خليه تموت ويتخلق غيرها بحيث تتبدل جميع خلايا جسد الفرد من بني البشر مره كل عشر سنوات تقريبا, فيما عدا الخلايا العصبيه التي اذا ماتت لا تتجدد, وتكفي في ذلك ايضا الاشاره الي ان انتقال الاليكترون من مدار الي اخر حول نواه الذره يتم بسرعه مذهله دفعت بعدد من العلماء الي الاعتقاد بانه فناء في مدار وخلق جديد في مدار اخر, كما تكفي الاشاره الي ظاهره اتساع الكون عن طريق تباعد المجرات عن بعضها البعض بسرعات مذهله تقترب من سرعه الضوء( اي حوالي ثلاثمائه الف كيلو متر في الثانيه) وتخلق الماده في المسافات الجديده الناتجه عن هذا التباعد المستمد بطريقه لايعلمها الا الله, وتباطو هذا التباعد الناتج عن ظاهره الانفجار العظيم مع الزمن مما يشير الي حتميه تغلب الجاذبيه علي عمليه الدفع الي الخارج مما يودي الي اعاده جمع ماده الكون ومختلف صور الطاقه فيه في جرم واحد ذي كثافه بالغه مما يجعله في حاله من عدم الاستقرار تودي الي انفجاره علي هيئه شبيهه بالانفجار الاول الذي تم به خلق الكون, فيتحول هذا الجرم الي غلاله من دخان كما تحول الجرم الاول, وتتخلق من هذا الدخان ارض غير الارض, وسماوات غير السماوات.

كما وعد ربنا تبارك وتعالي بقوله( عز من قائل):
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدانا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين( الانبياء: ايه104)
وقوله( سبحانه):
يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار( ابراهيم:48).

وتكفي في ذلك ايضا الاشاره الي ان الذرات في جميع الاحماض الامينيه والجزيئات البروتينيه تترتب ترتيبا يساريا في اجساد كافه الكائنات الحيه علي اختلاف مراتبها, فاذا مامات الكائن الحي اعادت تلك الذرات ترتيب نفسها ترتيبا يمينيا بمعدلات ثابته محدده يمكن باستخدامها تحديد لحظه وفاه الكائن الحي اذا بقيت من جسده بقيه بعد مماته, ويتعجب العلماء من القدره التي مكنت الذرات من تلك الحركات المنضبطه بعد وفاه صاحبها وتحلل جسده!!
فهل يمكن لعاقل بعد ذلك ان يتصور ان العلوم الكونيه ومعطياتها في ازهي عصور ازدهارها تتصادم مع قضيه الايمان بالله, وهذه هي معطياتها الكليه, وهي في جملتها تكاد تتطابق مع تعاليم السماء, وفي ذلك كتب المفكر الاسلامي الكبير الاستاذ محمد فريد وجدي( يرحمه الله) في خاتمه كتابه المستقبل للاسلام ما نصه:
ان كل خطوه يخطوها البشر في سبيل الرقي العلمي, هي تقرب الي ديننا الفطري, حتي ينتهي الامر الي الاقرار الاجماعي بانه الدين الحق.

ثم يضيف:.. نعم ان العالم بفضل تحرره من الوراثات والتقاليد, وامعانه في النقد والتمحيص, يتمشي علي غير قصد منه نحو الاسلام,بخطوات متزنه ثابته, لاتوجد قوه في الارض ترده. عنه الا اذا انحل عصام المدنيه, وارتكست الجماعات الانسانيه عن وجهتها العلميه.
وقد بدات بوادر هذا التحول الفكري تظهر جليه اليوم, وفي مختلف جنبات الارض, باقبال اعداد كبيره من العلماء والمتخصصين وكبار المثقفين والمفكرين علي الاسلام, اقبالا لم تعرف له الانسانيه مثيلا من قبل, واعداد هولاء العلماء الذين توصلوا الي الايمان بالله عن طريق النظر المباشر في الكون, واستدلوا علي صدق خاتم رسله وانبيائه( صلي الله عليه وسلم) بالوقوف علي عدد من الاشارات العلميه البارقه الصادقه في كتاب الله, هم في تزايد مستمر, وهذا واحد منهمموريس بوكاي الطبيب والباحث الفرنسي يسجل في كتابه الانجيل والقران والعلم مانصه:.. لقد اثارت هذه الجوانب العلميه التي يختص بها القران دهشتي العميقه في البدايه, فلم اكن اعتقد قط بامكان اكتشاف عدد كبير الي هذا الحد من الدعاوي الخاصه بموضوعات شديده التنوع ومطابقه تماما للمعارف العلميه الحديثه, وذلك في نص دون منذ اكثر من ثلاثه عشر قرنا.